بعد طول مناورات ولفّ ودوران، وصل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى مفترق طرق سيقوده قسراً اليوم إلى قصر العدل بعدما سُدّت كل المنافذ القانونية والقضائية والسياسية في وجهه، ليجد نفسه أمام “لحظة حقيقة” لطالما حاول تجنّب مواجهتها بمعيّة منظومة “الحكم والحاكمية” الراعية لقبضة “المافيا والميليشيا” على الدولة. لكن ومع “احتراق ورقته” دولياً، تسارعت داخلياً عملية “نفض الأيدي” من تبعات الاستمرار في تغطيته، لا سيما بعدما بيّن القضاء الأوروبي إصراراً وتصميماً على ملاحقته في شبهات تبييض الأموال والإثراء غير المشروع، بمعزل عن مجريات القضايا الملاحق بها أمام القضاء اللبناني، وهذا ما ثبت أمس من تطويق آخر محاولات سلامة للتملص من المثول أمام قضاة دوليين في لبنان بذريعة “الانتقاص من السيادة الوطنية“.
وإلى تأكيد وكيل حاكم مصرف لبنان أمس حضوره جلسة الإستجواب المحددة صباح اليوم إثر رفض النيابة العامة التمييزية وقاضي التحقيق الأول بالإنابة في بيروت شربل أبو سمرا المطالعة القانونية التي تقدم بها لتبرير تمنّعه عن حضور الجلسة التي كانت مقررة أمس برئاسة أبو سمرا ومشاركة القاضية الفرنسية اود بوروسي، لفت تطور قضائي بارز في القضية عبر ادعاء الدولة اللبنانية ممثلةً برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر، على الأخوين سلامة، رياض ورجا، وماريان الحويك، وكل مَن يظهره التحقيق، بجرائم “الرشوة والتزوير واستعمال المزوّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي”، مع المطالبة بتوقيفهم وحجز أملاكهم وتجميد حساباتهم وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين حفاظاً على حقوق الدولة اللبنانية.
وإذ رأى مصدر مواكب للقضية أنّ التطورات القضائية المتسارعة داخلياً وخارجياً تشي بأنّ “الخناق ضاق إلى أضيق الحدود على سلامة إلى درجة بات على الأرجح معها غير قادر وغير مؤهل للاستمرار على رأس حاكمية المصرف المركزي”، كشف في هذا الإطار أنّ “استقالته باتت في جيب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي”، ونقل معلومات تفيد بأنّ “الحاكم أودع ميقاتي كتاب الاستقالة ممهوراً بتوقيعه لكن من دون تحديد التاريخ بانتظار أن تحين اللحظة المناسبة للإعلان عنها في ضوء المستجدات القضائية”، مشيراً في سياق متقاطع إلى أنّ “رئيس الحكومة عقد قبل أيام اجتماعاً مطوّلاً مع النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري تمهيداً ربما لمرحلة ما بعد استقالة سلامة“.
وفي الغضون، تقدّم المشهد الأمني الإسرائيلي إلى واجهة الأحداث الحدودية مع لبنان في ضوء اتهام السلطات الإسرائيلية “حزب الله” بالضلوع في عملية تسلّل من الأراضي اللبنانية وزرع العبوة الناسفة التي انفجرت مطلع الأسبوع عند مفترق طريق مجدو جنوب حيفا، ما رفع حالة الإرتباك والاستنفار على المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، اضطر معها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى اختصار مدة زيارته إلى ألمانيا لإجراء مشاورات تتصل بـ”تطورات الأمن القومي”، فاجتمع مع وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي ورئيس جهاز الشاباك رونين بار، ورئيسي شعبتي العمليات والاستخبارات العسكرية، للتداول بـ”الخرق الأمني الخطير“.
وأعلن الجيش الإسرائيلي مساءً في بيان مشترك مع الشاباك والشرطة “تحييد وقتل منفذ العملية الذي عثر في حوزته على أسلحة وحزام ناسف جاهز للاستخدام”، وأضاف البيان أنّ التحقيق الأولي أظهر أن المنفذ “تسلل على ما يبدو من الأراضي اللبنانية إلى إسرائيل في وقت سابق من هذا الأسبوع، وأنه بعد الهجوم قام بتوقيف سيارة وطلب من السائق قيادتها شمالاً”، مع الإشارة إلى أنّ “تحقيقاً موسعاً” يجري حول العملية، يتم في إطاره فحص مدى مسؤولية “حزب الله” عنها.
ورغم أنّ إسرائيل بنت اتهامها لـ”حزب الله” بالوقوف وراء “عبوة مجدو” على وقائع ذات صلة بطبيعة هذه العبوة “المصنوعة بطريقة عالية الاتقان غير مسبوقة على الساحة الفلسطينية، والتي تشبه العبوات الناسفة التي كان تتعرض لها القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان”، غير أنّ التزام “حزب الله” الصمت حيال هذه الاتهامات عزّز بطبيعة الحال الرواية الإسرائيلية، حسبما نوّهت جهات لبنانية رسمية، مشددةً في المقابل على “ضرورة مسارعة “الحزب” إلى نفي مسؤوليته عن عملية التسلل والتفجير درءاً لأي تداعيات خطرة على لبنان، خصوصاً وأنّ نتنياهو لن يتوانى عن استثمار أي ذريعة أمنية للهروب إلى الأمام من مأزقه الداخلي“.
وليل أمس، تناقلت وسائل إعلامية بياناً منسوباً إلى منظمة تطلق على نفسها اسم “المجلس الثوري لقوات الجليل – الذئاب المنفردة”، تبنّت فيه العملية الأمنية في مجدو، مؤكدةً “سلامة المنفّذ ووجوده في مكان آمن”، وأنّ كل ما تبثه الاستخبارات الإسرائيلية من أنباء حول العملية “عار عن الصحة جملةً وتفصيلا“.