كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : فيما تتسارَع الخطوات بين الرياض وطهران للبدء بتطبيق «اتفاق بكين» الذي يتوقع ان تكون له انعكاساته الايجابية على لبنان والمنطقة، تتصاعد المواقف التصعيدية الداخلية حيال الاستحقاق الرئاسي وتوابعه وكأنّ اصحابها يسبحون عكس التيار بما يؤخّر إنجاز الإستحقاق أكثر فأكثر غير آبهين بالانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي الذي يستنفز اللبنانيين ويزيدهم فقراً وإذلالاً. فقد أعلن محمد جمشيدي المساعد السياسي للرئيس الإيراني إيراهيم رئيسي، أن الأخير تلقى دعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لزيارة الرياض وتعزيز التعاون الإقليمي والاقتصادي بين البلدين، وقال ان رئيسي رحّب بهذه الدعوة وأكد استعداده لتعزيز التعاون. فيما أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان انه سيلتقي قريبًا نظيره السعودي فيصل بن فرحان لتطبيق اتفاق بكين، وشدد على «أننا اتفقنا مع الرياض على زيارة وفود فنية، لتفقّد سفارتي البلدين والتحضير لإعادة فتحهما». فيما كان أمين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني الادميرال علي شمخاني (الذي وقّع اتفاق بكين مع الجانب السعودي) يوقّع اتفاقاً أمنياً مع العراق غداة زيارته لأبو ظبي التي استقبلت الرئيس السوري بشار الاسد أمس، وكذلك غداة التواصل الذي حصل بين طهران والمنامة لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.
وفيما تتبّعت الاوساط السياسية نتائج الاجتماع الفرنسي ـ السعودي الذي شهده قصر الاليزيه قبل ايام بين الفريقين الفرنسي والسعودي المكلفين الملف اللبناني، قالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” ان مواضيع البحث التي تناولها المجتمعون لم تُحسَم نهائياً وإنما تركوها مفتوحة بناء على رغبتهم في انتظار تبلور مزيد من المعطيات والتطورات في ضوء الاتفاق السعودي ـ الايراني الاخير.
وبَدت الاوساط السياسية المهتمة والمعنية في انتظارعودة السفير السعودي وليد البخاري والسفيرة الفرنسية آن غريو الى بيروت للاطلاع منهما على اجواء الاجتماع الباريسي الذي شاركا به الى جانب مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل والمستشار في الديوان الملكي السعودي الدكتور نزار العلولا. وينتظر ان يستأنف البخاري وغريو جولتيهما كلّ على حدة على المسؤولين والقيادات السياسية في اطار التشاور في التطورات السياسية والمواقف المطروحة إزاء الاستحقاق الرئاسي ومجمل الاوضاع التي تمر بها البلاد. والخطوات التي يعتزم الصندوق السعودي ـ الفرنسي المنشأ لمساعدة لبنان، وهي كانت من بين مواضيع البحث في اجتماع الاليزيه.
خارج التوقيت
وأسف ديبلوماسي عربي، عبر «الجمهورية»، لأنّ «اللبنانيين ما زالوا خارج التوقيت الصيني واستطراداً السعودي ـ الايراني». ودعا هذا الديبلوماسي القوى السياسية اللبنانية على اختلافها الى «الخروج من قَوقعتها وقراءة الزلزال الذي حدثَ في المنطقة وتوقيت الساعة اللبنانية على ساعة الاحداث الكبرى الصينية واستطراداً السعودية والايرانية». واضاف الديبلوماسي بأسى «انّ القوى السياسية اللبنانية ما زالت تقرأ في كتاب قديم، كتاب النزاعات القديمة ولا ترى التطورات المتسارعة قدماً على مستوى المنطقة. وبالتالي، ما عليها سوى ان تستشرف اللحظة التي دخلت فيها المنطقة من اجل إسقاط المناخات التبريدية والمتطورة في اتجاه مزيد من التلاقي ومزيد من الحلول، وما عليها سوى ان تعكس هذا محلياً، فلا يمكن للبنان ان يبقى خارج هذا التطور الكبير، لأنّ المنطقة في ربعها الاول قد شهدت زلزالاً طبيعياً ضربَ تركيا وسوريا وستشهد في الآتي من الايام زلزالاً سياسياً من خلال الاتفاق الايراني ـ السعودي الذي أدخَل وسيدخل المنطقة في حقبة جديدة عنوانها «الاستقرار». وبالتالي، القوى السياسية اللبنانية مطالبة بزلزال لبناني يأتي تكملة واستكمالاً للزلزال الاقليمي السعودي ـ الايراني من اجل اعادة استنهاض مشروع الدولة، وما على القوى السياسية في لبنان سوى ان تتعِظ من هذا المشهد الاقليمي حيث انّ الخصوم اجتمعوا والتقوا حول مساحات مشتركة لبناء المسرح الاقليمي، لبناء الشرق الاوسط الجديد. وبالتالي، ما عليها سوى ان تتعظ وتقرأ في كتاب المملكة السعودية وايران من اجل الالتقاء بعضها مع بعض حول مساحة مشاركة لبناء لبنان الجديد».
التأمل والصلاة
من جهة أخرى، تواصلت التحضيرات الضرورية التي بدأتها البطريركية المارونية الخاصة بالدعوة التي وجّهها الى النواب المسيحيين للمشاركة في يوم الصلاة والتأمل في الخامس من نيسان المقبل في حريصا، للتداول في بعض الشؤون العامة لا سيما منها الاستحقاقات المقبلة.
وفي ظل الترتيبات التي بوشِر بها، قالت المصادر ان الدعوة الى الصلاة شكلية، وما تأمله بكركي هو ان يتطور البحث بعد الصلاة والتأمل الى الشؤون الوطنية العامة بما فيها تلك الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية.
وتبلّغ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس من وفد كتلة «لبنان القوي»، الذي ضَم النواب نقولا الصحناوي وسيزار ابي خليل وجورج عطاالله، قرارها المشاركة في يوم «التأمل والصلاة»، آملين «أن يكون هذا اللقاء مناسبة لاستلهام التعاليم والقيم المسيحية في مقاربة الاستحقاقات الوطنية كافة»، وبعد اللقاء استبقاهم البطريرك الى مائدة الغداء.
وكانت معظم الكتل المسيحية قد أعلنت موافقتها على المشاركة في هذا اليوم فيما اعلن امس انّ النائب أديب عبد المسيح سيمثّل كتلة «تجدد» في غياب النائب ميشال معوض الموجود في الولايات المتحدة لارتباطات سابقة تعني «مؤسسة الشهيد رينيه معوض». كذلك اعلن عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ميشال موسى انه سيشارك في هذا اليوم ايضاً.
زيارة الفاتيكان وروما
وفي هذه الاجواء عاد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى بيروت بعد زيارتين الى الفاتيكان وايطاليا حيث التقى البابا فرنسيس ونظيرته رئيسة الحكومة الايطالية جورجا مِلوني، وسيُعاود اليوم نشاطه في السرايا الحكومية حيث من المقرر ان يلتقي صباحاً وفداً كبيراً من صندوق النقد الدولي الذي يزور لبنان لمواكبة الجهود المبذولة توصّلاً الى دفع اللبنانيين للبَت بمجموعة من الخطوات الاصلاحية المطلوبة بموجب الاتفاق الذي وقّع بالأحرف الأولى على مستوى الموظفين في نيسان العام الماضي.
ونقلت مصادر قريبة من ميقاتي لـ«الجمهورية» انّ زياته للفاتيكان وروما حملتا كثيراً من المعطيات المطمئنة بالنظر الى فهم دوائر الفاتيكان للوضع في لبنان والمنطقة بكثير من الدقة، وبما يكفي من المعطيات التي دفعت قداسة البابا الى مواصلة جهوده لمساعدة لبنان على تجاوز الظروف الصعبة التي يمر بها، وهو لن يوفّر جهداً يبذل لتثمير علاقاته الديبلوماسية المؤثرة لدى العواصم الكبرى.
ولفتت المصادر الى انّ اللقاءات في ايطاليا تناولت مختلف التطورات في لبنان والمنطقة والدور الايطالي القائم في لبنان على مختلف المستويات، ولا سيما منها الانسانية والاجتماعية، عَدا عن الدور الذي تلعبه روما في دعم الجيش والمؤسسات الامنية المختلفة ومن ضمن اطار القوات الدولية «اليونيفيل» التي تشارك فيها.
جلسة لمجلس الوزراء
وفي الموازاة، كشفت مصادر وزارية مقربة من السرايا الحكومية ان التحضيرات جارية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء تحضيراً لجلسة لمجلس الوزراء ستُعقد في الايام القليلة المقبلة للبحث في الملف التربوي وأوضاع موظفي القطاع العام.
وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية» انّ تحديد موعد هذه الجلسة ينتظر إشارة من وزارة المال التي تعدّ التقارير والجداول الخاصة بالتقديمات الاضافية المقررة لموظفي القطاع العام المدنيين والعسكريين وتحديد الكلفة المقدّرة للزيادات على الرواتب والحوافز المقررة، لا سيما منها تلك المتصلة بالنقل والانتقال بعدما تقرّر ان تُحدد بليترات المحروقات قياساً على ايام الحضور بدلاً من اي تعويض مالي مقطوع وفق آلية يُصار الى الاعلان عنها بعد البَت بها في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء.
وانتهت المصادر الى انّ العائق في وضع التقرير الخاص بكلفة النقل والانتقال لا يقف عند الاضراب المنفذ في وزارة المال وحصر حضور الموظفين إليها بيوم واحد، وإنما هو مرتبط بما يمكن تسميته ضعف الواردات المالية التي باتت رهناً بالرسوم الجمركية ومردود المنشآت العامة في ظل إقفال الدوائر العقارية والميكانيك التي كانت تجمع عشرات المليارات شهرياً.
ميقاتي الى قبرص
على صعيد آخر قالت مصادر حكومية ان الاتصالات مستمرة بين بيروت ولارنكا لوضع اللمسات الاخيرة على الزيارة الخاطفة التي سيقوم بها ميقاتي الى قبرص للبحث في عدد من الملفات العالقة بين البلدين، لا سيما منها تلك المتصلة بإعادة النظر في ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما وتصحيح بعض النقاط البحرية في ضوء الانتهاء من ترسيم الحدود في المنطقة الجنوبية مع فلسطين المحتلة.
مبنى جديد للركاب
وفي خطوة لافتة وغير مسبوقة يحتفل ظهر اليوم في السرايا الحكومية بتوقيع العقد مع الشركة التي ستبني المبنى الجديد للركاب في مطار بيروت الدولي، والذي يمكن ان يستقبل سنوياً نحو 5،3 ملايين مسافر سنوياً. وبكلفة تقدّر بـ 122 مليون دولار، والتي ستدخل الى لبنان بـ»الفريش دولار» من خلال استثمار أوروبي.
«تدبّروا أمركم»
علمت «الجمهورية» انّ اجتماعاً سيُعقد بعد ظهر اليوم بين وفد من صندوق النقد الدولي يزور لبنان منذ ايام، وبين وفد مشترك يضمّ المجلس الاقتصادي الاجتماعي والهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام.
ومن المتوقع ان يدعو وفد الصندوق مَن سيلتقيهم الى الضغط على السياسيين اللبنانيين لتطبيق الإصلاحات الضرورية التي لا تزال معلّقة، فيما نقلت اوساط مطلعة لـ«الجمهورية» عن الوفد تحذيره من أنه اذا لم تُنفّذ تلك الإصلاحات قريباً «فإننا سنذهب ولن نعود قبل ايلول المقبل وعليكم تدبّر أمركم».
وبينما يواصل سعر الدولار الأميركي ارتفاعه الهائل مُتخطياً سقف المئة وعشرة آلاف ليرة بسهولة، أبلغت مصادر اقتصادية الى «الجمهورية» انه «لم يعد هناك معنى للأرقام وانّ الدولار أصبح بلا سقف، في انتظار انطلاق الحل على المسارين السياسي والاقتصادي».
مواقف
في المواقف التي شهدتها عطلة نهاية الاسبوع، أشار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، خلال قداس تكريس العائلات والكنيسة بشفاعة القديس يوسف في بكركي، الى انه «في عدم توفير الخير العام يكمن مصدر أزماتنا: السياسية والإقتصادية والمالية والتجارية والأخلاقية. وهذا هو السبب الأساس لتعثّر بل لتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، وبنتيجة هذا التعطيل شُلّ المجلس النيابي والحكومة والوزارات والإدارات العامة. بل هنا مكمن الفوضى والفساد وتفكيك أوصال الدولة وإفقار المواطنين والتسبب بقتلهم وموتهم جوعاً ومرضاً وانتحاراً». وقال: «لا ينسى المسؤولون السياسيون أن العمل السياسي هو خدمة الانسان، بموجب تصميم الله الذي اراد ان يؤلّف من الرجال والنساء عائلة بشرية واحدة، يتعاملون فيها بروح الاخوة فيما بينهم، وبروح البنوة للخالق الواحد. ما يجعل كل الاشخاص في حاجة الواحد الى الآخر، وهم في حالة ترابط. من شأن السلطة السياسية تعزيز هذا الترابط والتكامل بين المواطنين، وتسهيل سعيهم الى إنشاء جمعيات ومنظمات عامة وخاصة، ووضع نظام اجتماعي يضمن خير كل شخص، إذ يتأسّس على الحقيقة، ويحمى بالعدالة، وينتعش بالمحبة، وينمو بالحرية السائرة نحو مزيد من الاتزان البشري».
عودة
وأشار متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خلال القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس، الى انّ «بلدنا يرزح تحت نير صليب عظيم، فقد أصبح خراباً، وإن لم يتكاتف الجميع لترميمه سيسقط على رؤوس الجميع. أصبح بلدنا بيتاً بلا سقف، جدرانه مصدعة، أبناؤه يائسون، والمسؤولون مشتتون لا يأتون حراكاً مفيداً لتدارك الوضع. أما الذين عليهم الإقدام فما زالوا متباعدين متناحرين مختلفين على كل ما يؤدي إلى انتخاب رئيس. التباعد بين مكونات الوطن شر بلية يُصاب بها مجتمع، ومع علمنا الأكيد أن انتخاب رئيس لن يصنع العجائب إن لم يقترن بخطوات أخرى ضرورية، إلا أنه الخطوة الأولى في المسيرة الإنقاذية الطويلة، يجنّب البلد انهياراً أوسع ويُساهم في التصدي للتحديات المختلفة التي يواجهها البلد». وأمل في «أن يتعالى النواب على خلافاتهم واختلافاتهم، وأن يتلاقوا ويتحاوروا ويتوصّلوا إلى حل لأزمة طالت كثيراً». وقال: «على الجميع تقديم هدف إنقاذ لبنان على هدف الوصول إلى السلطة، وتغليب لغة العقل والحوار والحكمة على التعنّت والتصادم».
قبلان
وتوجّه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في بيان، للقوى السياسية، قائلاً: «نحن أمام أم الكوارث وسط كارتيل دولي محلي يخنق أنفاس لبنان بالتوازي مع لعبة سياسية مالية داخلية تتشارَك المشروع الدولي بهدف إنهاء وضعية لبنان، والمطلوب تسوية رئاسية سريعة». وكذلك توجّه الى «غبطة البطريرك الراعي والأخوة المسيحيين» قائلاً: «لبنان بلا شراكة لا وجود له والشراكة تنتظركم، ولا وقت إضافياً لأن لبنان في المرحلة الرابعة من الإنهيار». واضاف: «الوقت انتهى واللحظة لحظة تاريخ، ولا إنقاذ من دون مجلس النواب، ومفتاح الحل لا يكون عبر لعبة أصوات بل بتسوية وطنية توافقية، والمطلوب تسوية وطنية عبر مجلس النواب». وتابع: «حذارِ المشروع الدولي لأنه يريد لبنان محرقة، ومفوضية اللاجئين تدفع للنازح لتمنعه من العودة الى وطنه بسياق لعبة أمنية ديمغرافية تدميرية، ونحن الآن في آخر أمتار الفرصة الأخيرة، والبلد كله متوقّف على تسوية رئاسية فيما نصف التسوية السياسية متوقّف على إذن أميركي، وتفليس لبنان ومنع التسوية السياسية ليس مصادفة، وتجهيل المعطّلين عار، ولم يعد في الإمكان الصبر على الإنهيار الشامل، والجوع والفلتان يتغوّلان، وما نحن فيه الآن بالوعة انفجار سياسي اقتصادي معيشي قد يغيّر كل شيء في لبنان