لا حل في الافق حتى الآن للازمات اللبنانية المتناسلة وفي مقدمتها الاستحقاق الرئاسي، القوى السياسية اللبنانية بمعظمها لا تزال تراهن على “دعسة ناقصة” في الاتفاق السعودي -الايراني للتملص من اي تسوية مفترضة، ويبدو انها تستغل فترة الاختبار الاولية للاتفاق المحددة بشهرين حتى آخر رمق لمحاولة رفع المكاسب على “الطاولة”، وهي تستفيد ايضا من عدم رغبة الرياض في التقدم باي خطوة ايجابية على الساحة اللبنانية الآن، رغبة منها ايضا في تحصيل مكسب اضافي في الاتفاق طالما انه لم يشمل الملف اللبناني على نحو تفصيلي. فلا داعي للاستعجال في اجتراح الحلول او “التراجع” “خطوة الى الوراء” كما لمس الفرنسيون في اللقاء الباريسي الاخير. في المقابل طهران ليست في وارد الضغط الان على “الشركاء” الجدد لتسريع الحل في بيروت، ولا ايضا في وارد الضغط على حلفائها وفي مقدمتهم حزب الله، لتقديم تنازلات، لم تفعل في السباق، ولن تفعل الآن، ولهذا يرجح بقاء الاوضاع معلقة اقله خلال الشهرين المقبلين، ريثما تتبلور الامور في المنطقة المقبلة على تحولات غير مسبوقة. في هذا الوقت اكتمل عقد “الصلاة الروحية” المسيحية بموافقة “القوات” والكتائب” لكن لا يعني ذلك وجود اتفاق سياسي على خارطة طريق للخروج من الازمة الرئاسية، بينما نجحت بكركي في الحفاظ على “ماء وجهها” مهما كانت النتائج. وفي الانتظار من يقرأ على نحو خاطىء “لعبة” المصالح الكبرى ويبقى غارقا في “حروب الزواريب” الضيقة، والمصالح الشخصية، سيدفع الثمن لاحقا. كما تقول اوساط دبلوماسية. طبعا الناس في واد والسياسيون في واد آخر، الدولار لامس 120 الف ليرة، وربطة الخبز الخمسين الف ليرة، والبنزين المليونين، ما يجعل البلاد في منافسة شديدة مع افغانستان وحدها تسبق لبنان في قائمة الدولة الاكثر تعاسة بحسب التصنيف الاخيرة للامم المتحدة.
لبنان الاكثر تعاسة
وفي هذا السياق، أظهر تقرير شبكة التنمية المستدامة التابعة لـ”الأمم المتحدة” لعام 2023، في اليوم العالمي للسعادة، محافظة فنلندا على مرتبتها الاولى، للسنة السادسة على التوالي، على رأس الدول الأكثر سعادة، فيما احتل لبنان المرتبة ما قبل الأخيرة في الهرم تنافسه افغانستان التي حلت في المرتبة 137 الاخيرة. ويأخذ التقرير في الاعتبار عوامل عدة مثل متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا المؤشر يعطي معلومات عن الوضع الاقتصادي في البلد، إضافة إلى الوضع الاجتماعي للفرد ووجود شخص ما ليعتمد عليه، وكذلك مؤشر الصحة والعمر المتوقع، وحرية اتخاذ القرارات، والكرم والانخراط في الأعمال التطوعية، هذا فضلا عن انخفاض الفساد. وجاءت فنلندا للسنة السادسة على التوالي في المركز الأول من التقرير، وتلتها الدنمارك. كما حلّت الإمارات في الصدارة عربيا وبالمركز 26 عالميا من حيث مؤشر السعادة وتلتها السعودية بالمركز الثاني عربيا و30 عالميا.
“مساومة” جديدة؟
وفيما يغيب لبنان هذا الاسبوع وربما اكثر عن الاتصالات الفرنسية السعودية، مع آمال ضعيفة بان يتمكن الرئيس ايمانويل ماكرون من فتح النقاش حوله خلال زيارة الى الرياض الاثنين المقبل عنوانها اقتصادي، كشفت مصادر دبلوماسية عن عدم وجود اتفاق حتى الآن على صفقة المقايضة الفرنسية ولكنها لا ترى ان “الابواب مقفلة” امام انتخاب سليمان فرنجية رئيسا مقابل تعيين نواف سلام رئيساً للحكومة. الجديد الان هو طرح ورقة مساومة جديدة على “الطاولة”: السعودية وإيران تقفان على حافة استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما. ولبنان هو أحدى القضايا الأساسية التي ستغذي العلاقات بينهما. السعودية تعارض صيغة فرنسا ومرشح حزب الله للرئاسة. وهي تريد حشر إيران كي تقرر “رئاسة مفضلة في لبنان أم صداقة مع السعودية”؟. ووفقا لتلك المصادر فان الرياض تماطل الى حين التزام ايران بتنفيذ احد بنود الاتفاق المرتبط بوقف تزويد السلاح للحوثيين في اليمن. وعندها سيتغير موقف السعودية من موضوع الرئاسة في لبنان!
الرهان على “سراب”!
في المقابل، تشير اوساط نيابية لبنانية الى ان الرهان السعودي اذا كان صحيحا فهو رهان على “سراب”، لان الايرانيين لن يقبلوا ابدا باي مقايضة على حساب حزب الله في لبنان، وهم من اليوم الاول قالوا صراحة ان لا احد يتحدث في هذا الملف الا السيد حسن نصرالله. ومن يراهن على مساومة طهران على موقع الحزب وقوته في لبنان سينتظر كثيرا. ولن تمر اي تسوية الا اذا كانت متوازنة كما يقاربها الجانب الفرنسي.
وحدة المعارضة
في هذا الوقت، يتحدث زوار “معراب” عن مهلة غير مفتوحة تنتهي في شهر ايار المقبل حتى تتمكن المعارضة من التوحد وراء مرشح واحد يمكن ان يكون ندا لفرنجية ليلغيه. ووفقا للمعلومات فان الرياض لن تضغط على احد من حلفائها في الفترة الفاصلة لتقديم اي تنازلات في الملف الرئاسي، وهي منحت المعارضة متسعاً من الوقت لإعادة ترتيب “اوراقها” لمواكبة الفترة الزمنية المتفق عليها بين الرياض وطهران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية الثنائية. وهي ابلغتهم ان مهلة الشهرين تتطلب الاستعداد للمرحلة السياسية الجديدة التي يُفترض أن تنعكس إيجاباً على الساحة اللبنانية، فاما يكونوا جاهزين للجلوس على “الطاولة” موحدين، او ستكون الامور اكثر صعوبة والتسوية لن تحصل كما يشتهون، لان الوصول الى مرشح تجتمع حوله قوى المعارضة اضافة الى التيار الوطني الحر سيعني حكما اجبارالفريق الآخر على التنازل عن ترشيح فرنجية، واذا لم يحصل ذلك “فلكل حادث حديث”؟!
رعد “يفرمل” التفاؤل
وفي موقف لافت يتماشى مع هذه الاجواء، دعا رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، إلى عدم رفع سقف التوقّعات بشأن تأثير الاتفاق الإيراني- السعودي في لبنان سريعاً، موضحاً أنّ مادة الاتفاق الأساسية هي إعادة تصويب العلاقات الثنائية بين البلدين، لكنّه أشار إلى أنّ هذا الاتفاق “يشيع مناخاً إيجابياً” ويؤسّس لتبادل وجهات النظر بين المتخاصمين أو بين الأطراف المتباينين في مواقفهم، إلا أنّ الحلّ لا يكون من الخارج إنّما من الداخل مستفيداً من سحابة التفاهم الإيجابي الذي حصل في المنطقة لا أكثر ولا أقل. وأشار إلى أنّ “بعض القوى الإقليمية والدولية تتحفّظ، ولها رأي آخر وتمارس عبر علاقاتها مع بعض النواب اللبنانيين ما يُفضي إلى تعطيل العملية الإنتخابية”، لافتاً إلى أنّه عندما “يضع طرف إقليمي “فيتو” على مرشّح ويلتزم هذا الطرح بعض اللبنانيين معنى ذلك أنّ هناك تعطيلاً للاستحقاق الانتخابي”، آملاً أن “يتغيّر هذا الموقف”، وقال إنّ “رهاناتنا ليست عالية المنسوب، لكن لا بُدّ من أن نعطي الفرص في هذا المجال”…
ضربة اسرائيلية – اميركية؟
ولا تتوقف الرهانات هنا، ووفقا لمصادر مطلعة، فثمة من يراهن على تحرك اميركي – اسرائيلي ضد ايران يخلط الاوراق من جديد في المنطقة، وقد نشر الاعلام الاسرائيلي ما يدعم هذه النظرية، حيث اشارت صحيقة “يديعوت احرنوت” الى ان كل هذه التطورات تحصل فيما تستعد إسرائيل والولايات المتحدة لعملية عسكرية محتملة ضد إيران. ولفتت الى ان وزير الدفاع الاميركي، ورئيس الأركان بحثا الامر في اسرائيل. فيما طيارو سلاح الجو يتدربون مع طيارين أميركيين في نيفادا. وتستمر النشاطات لأن للإدارة في هذه اللحظة مصلحة في أن يرى الإيرانيون بأن الخيار العسكري على الطاولة. وحسب أحد المصادر، عرض أوستن على إسرائيل خطة متداخلة. وحسب المصدر إياه، رفض نتنياهو تبني الخطة، خوفاً من أن يوقف رئيس الولايات المتحدة العملية في لحظة الأمر. ووفقا للصحيفة، يتبين ان العناق الأميركي كعناق دب.يعرفون ما يميل الإسرائيليون إلى كبته: لا أمل في وقف إيران في الطريق إلى النووي إلا بمساعدة أميركا. يبدأ هذا بإسناد دولي لأعمال إسرائيلية وينتهي بطائرات الشحن بالوقود والقنابل وقطع الغيار. ثمة صلة واضحة ومقلقة بين قدرة إسرائيل على كبح إيران وردعها وبين الثورة التي يقوم بها نتانياهو. كلما تقدم الانقلاب ابتعد الردع.!
صلاة لا سياسة
في هذا الوقت اكتمل النصاب مسيحيا للصلاة الروحية التي دعت اليها بكركي في الخامس من نيسان المقبل، بعدما اعلن حزبا القوات الللبنانية والكتائب المشاركة، فيما اتفق النواب “التغييريون” على ان يتخذ كل نائب موقفا منفردا من الحضور، وقد اعلنت النائب بولا يعقوبيان المقاطعة. هذا الحضور “الروحي” لن يتمدد الى السياسة كما تقول اوساط نيابية مطلعة، فالحضور للصلاة لا يعني الدخول في محادثات سياسية حول الاستحقاق الرئاسي، هذا على الاقل موقف “القوات” التي اعلنت عدم المقاطعة حفاظا على “ماء وجه بكركي” وليس اي شيء آخر، فالقرار واضح حتى الآن بعدم منح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل اي فرصة لتعويم نفسه مجددا تحت عناوين براقة لم يلتزم بها.
“المخرج الوحيد”؟
وفي الاساس فان الدعوة الى الصلاة تبدو المخرج الوحيد المتاح امام بكركي بعد فشل جولة المطران انطوان ابي نجم على القيادات المسيحية والتي فشلت في تحقيق اي اختراق في المواقف المتباعدة والمختلفة على كل شيء. ولهذا لم تتم الدعوة تحت عنوان سياسي، فالصرح البطريركي يخشى الفشل ولهذا اختار دعوة النواب الى لقاء “روحي”… فإذا أنتج شيئا في السياسة والرئاسة، وهو أمر مستبعد كان به، واذا لم يفعل، فان احدا لن يتحدث عن الفشل حينها بما لان عنوان الدعوة في الاصل لم يكن سياسيا.
جعجع ينتقد بري
وكان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع اعلن بعد اجتماع تكتل الجمهورية القوية المشاركة في شكل كامل في خلوة حريصا “آملين من الله ان يستجيب لصلوات البطريرك مار بشارة بطرس الراعي”. وتوجه لرئيس مجلس النواب نبيه بري بعد قول الاخير ان الازمة الرئاسية سببها عدم تفاهم المسيحيين “روّق بالك، فالصراع ليس بين المسيحيين والمسلمين وبقدر ما هناك خلافات بيننا و”امل” هناك خلافات بيننا و”التيار الوطني الحر” فالخلاف سياسي وما تفعله هو لغش الرأي العام”. اضاف: هناك مرشحان هما سليمان فرنجية وميشال معوض وتفضل يا دولة الرئيس وادع الى جلسة للانتخاب، وتابع متوجها لبري “دعيت لجلسات صورية ونوابك يخرجون من الدورة الثانية ويعطلون الجلسات و”مقولة ان القوى السياسية المسيحية مش متفقين وهني معطلين غلط”.
من يدفع الثمن؟
وفيما ينتظر ان تعيد دعوة الرئيس بري هيئة مكتب المجلس للانعقاد يوم الاثنين المقبل للبحث بعقد جلسة تشريعية فتح النقاش السياسي الحاد مجددا، دعت مصادر مقربة من “عين التينة” جعجع الى انجاز تفاهم مسيحي حول اسم رئيس والذهاب به الى المجلس النيابي، بدل تشويه مقاصد الرئيس بري التي يعرف الجميع ماهيتها. وفي السياق نفسه، دعت اوساط مطلعة بعض القوى غير المقتنعة بوجود تغييرات كبيرة في المنطقة الى قراءة مرحلة ما بعد الاتفاق السعودي- الايراني جيدا، فالتحولات المتسارعة لن تقف عند حدود، ولا يجب اغفال الاتصالات الخليجية المتسارعة مع سوريا لاعادتها الى الحضن العربي وهو امر سينعكس حكما على الساحة اللبنانية. ومن لا يواكب هذه الاحداث قد يدفع اثمانا باهظة.؟
اسرائيل: حزب الله سيحقق ما يريده!
في هذا الوقت، حضرت عملية مجدو في الاعلام الاسرائيلي مرة جديدة. وتحدثت صحيفة “هآرتس” عن خيارات اسرائيل المحدودة تجاه التعامل مع الحدث في وقت يقترب حزب الله من تحقيق انتصار سياسي جديد قريبا. وتساءلت الصحيفة “هل تعرف إسرائيل ما الذي تريده؟ حرب شاملة مع لبنان؟ قصف قاعدة أو تصفية محددة لشخصية رفيعة؟ هل تستطيع اتخاذ قرار استراتيجي كهذا في الظروف السياسية الحالية دون أن يعتبر محاولة للقضاء على الاحتجاج، أو مناورة تتحدى بها جنود الاحتياط والطيارين؟” ولفتت الصحيفة الى ان لا مصلحة لحزب الله بحرب في المنطقة، واستندت الى توقعات متفائلة لمستقبل لبنان، وقالت ان اعلان شركة “توتال” الفرنسية عن نشر عطاء دولي للتنقيب عن الغاز في حقل الغاز قانا، وهذا يمنح البلاد فرصة الاستفادة منه خلال سنتين أو ثلاث سنوات. والحكومة اللبنانية التي يعد حزب الله عضواً فيها، يمكنها أن تستفيد منه أيضاً. الولايات المتحدة تتجه للسماح لمصر والأردن على بيع الغاز والكهرباء للبنان عبر سوريا.في هذه الظروف، حيث حزب الله على شفا تشكيل سلطة سياسية كما يريد في لبنان بموافقة معظم الدول الاقليمية والدولية المهتمة بالشان اللبناني، يصعب العثور على أي مصلحة له في شن حرب مع إسرائيل.؟!
مخالفات “وسرقة” بالجملة
اقتصاديا، وفيما لامس الدولارالـ 120 الفا، وارتفعت كل الاسعار، جال وزير الاقتصاد امين سلام، والمدير العام للوزارة محمد ابي حيدر، على 4 سوبرماركت، والنتيجة، مخالفات بالجملة و “سرقة” و “نهب” علني، فختمت بالشمع الاحمر. وقد اشتكى الوزير من الغرامات المنخفضة التي لا تردع احدا. وقال سلام “لا نقوم بـ “عراضات” ولكن فوق الـ50% من السوق غير مضبوطة بسبب سلطة نقدية غائبة خلقت جواً من الضياع وليرة منهارة، وعلى القضاء أن يصدر ويُطبّق الأحكام”. بدوره، قال المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد ابي حيدر خلال جولة لمراقبة وضبط الاسعار، “هناك عدم التزام بموضوع التسعير وهناك مستوردون يسعرّون بالليرة اللبنانية وهناك اختلاف بالاسعار بين الرفوف والصندوق ومخالفات بهوامش الربح”.