مع إطلالة شهر رمضان المبارك الذي يتطلع اللبنانيون الى أن يحمل معه نفحات الخير ليومياتهم المثقلة بالمصاعب، وأن يحمل على المستوى السياسي انفراجاً طال انتظاره، خصوصأ وأن القوى السياسية المتشبثة بمواقفها التي تمنع للخروج من دوامة تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية لم تدرك بعد أن الأجواء الإيجابية بين السعودية وإيران أرخت بنفسها حتى على موعد إعلان حلول الشهر الكريم، اذ بدا لافتا أن الرياض وطهران أعلنا بدءه بالتوقيت نفسه أي اليوم الخميس في حدث يسجل لأول مرة منذ سنوات طويلة.
في غضون ذلك، انعقدت أمس جلسة اللجان المشتركة التي تحولت الى جلسة محاسبة ومساءلة للحكومة حول الإجراءات التي اتخذتها للحد من الأزمة. فيما استمر التلاعب بسعر صرف الدولار على حاله ما دفع لجنة مؤشر أسعار المحروقات لإصدار ثلاثة تسعيرات في يوم واحد، وهذا كله يزيد من الهموم التي ستجعل شهر الصيام أصعب بكثير على اللبنانيين.
وفي هذا السياق أشار النائب ياسين ياسين في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية إلى أن “جلسة مساءلة الحكومة لم تكن جدية”، برأيه لأنه “لم يكن هناك جدول أعمال ولم تكن علنية، وهي بمثابة “إبرة بنج” ولم تكن جوابا على الوضع القائم، كما لم يكن لها تداعيات لاحقة من قبل النواب بوجود الممثلين عن الحكومة الذين اكتفوا بتقديم عرض للمشكلة التي يمر بها البلد، دون تقديم خطة حل”، مؤكداً أن الإصلاح السياسي يبدأ بانتخاب رئيس جمهورية. وقال: “الكلام يتكرر من قبل النواب وليس من معالجة حقيقية. فالكل يتكلم عن الأزمة والانهيار دون وضع الحلول”، داعيا لانتخاب رئيس جمهورية “من خارج الاصطفافات، يكون رئيسا وطنيا انقاذيا”، معتبرا أن “لا شيء ينقذ لبنان الا إصلاح سياسي شامل”، ودعا إلى “تغيير النهج السابق إذ لا بد من وجود أكثرية تحكم وأقلية تعارض لنتمكن من تحديد المسؤولية“.
وفي الشأن الاقتصادي في ظل الارتفاع الهستيري للدولار والإجراءات التي اتخذها مصرف لبنان للحد من ارتفاعه، اعتبر الخبير الاقتصادي والمالي أنطوان فرح في اتصال مع “الأنباء” الإلكترونية أنها “ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها مصرف عبر منصة صيرفة في محاولة لإبطاء ارتفاع الدولار بسرعة جنونية. لكن اللافت هذه المرة أن التدخل كان مغايرا عن المرات السابقة بنقطتين.
الأولى: إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عدم وجود سقف لشراء الدولار عبر صيرفة بما يسمح لكل شخص وكل شركة ان يشتروا قدر ما يشاؤون من الدولارات بالليرة اللبنانية، وثانيا: استعداده للبيع عبر الصرافين. وهذا الأمر أتى قبل أن تعلن المصارف تعليق اضرابها. وبالتالي البيع سيتم من دون الحد الأدنى من الرقابة على المستفيدين والمضاربين بالدولار“.
كما تحدث فرح عن “نقطة ثالثة اثارت علامات استفهام تمثلت بإعلان الحاكم سحب التداول بالليرة اللبنانية من السوق وهذا يعني انه مستعد لضخ كميات كبيرة من الدولارات وبالتالي ستكون الخسائر كبيرة على مصرف لبنان. والسؤال عندما يسحب هذه العملة هناك احتمال لوجود شح بالليرة في السوق. والسؤال الآخر الى أي مدى يستطيع الاحتفاظ بهذه السيولة بالليرة بعد ان يكون دفع ثمنها بالدولار لديه خصوصا وان متطلبات الدولة الانفاقية بالليرة كبيرة، وسيضطر مصرف لبنان بعد فترة بضعة ايام اسبوع او اسبوعين الى اعادة ضخ كميات كبيرة من هذه الليرات التي يكون قد اشتراها من السوق، وبالتالي تعود الأمور الى ما كانت عليه، أي يعود الضغط على الليرة من جديد، ونعود لنشهد الانهيار السريع لليرة كما كان”، واصفا ما حصل بمسكن بسيط لفترة بسيطة للجم الدولار مؤقتا ودفع ثمنه.
واعتبر فرح ان “هناك آراء أخرى تقول أن هذه العملية ما كان يجب أن تتم بغض النظر عما يحصل في سوق الصرف، لأنها تتم على حساب ما تبقى من أموال المودعين موجودة لدى مصرف لبنان، فهي تخفف من قدرة لبنان على المعالجة والحل. وخطة الإنقاذ تقول كلما خفت الأموال لدى مصرف لبنان ولدى الدولة اللبنانية يعني ذلك أن عملية الإنقاذ ستكون أصعب ومكلفة أكثر”، ولفت في هذا المجال إلى “ملاحظة أساسية هي أنه في اليوم الأول لتطبيق هذا الاتفاق كان من المستغرب عدم وجود زحمة مواطنين لشراء الدولار عبر صيرفة، وهذا يدل أولا ان ليس هناك أموالاً بالليرة مع اللبنانيين، ولم يعد لديهم ثقة للشراء عبر صيرفة مخافة الحجز على أموالهم، وهذا يعني أن التكتلات الكبيرة للمضاربة بالليرة اللبنانية أصبحت موجودة عند المضاربين والشركات والمستثمرين الكبار الذين سيستفيدون من القرار الذي اتخذه مصرف لبنان لتحقيق أرباح كبيرة بفترة قصيرة جدا“.
ومع استمرار هذه الوقائع المتكررة من الاعباء الثقيلة على معيشة اللبنانيين، تبقى الأهمية الأولى والأخيرة الى عودة مسار العمل المؤسساتي الى نسقه الطبيعي الفاعل لا كما هو الآن في غياهب الشلل والتخلي، وأولى الخطوات لكل ذلك انتخاب رئيس للجمهورية، على أمل أن يصوم المعنيون عن التعطيل ليفطر اللبنانيون على رئيس.