استسلام رسمي وشعبي للانهيار والفوضى، وتجاهل عربي ودولي للازمة، يقابله رفض خليجي مطلق بتقديم ليرة واحدة الى لبنان في ظل الطبقة السياسية الحالية، هذا ما عبرت عنه عدة صحف خليجية خلال الايام الماضية، وكتب بعضها «ليعمر الدمار مليونيرية لبنان، لسنا «بيبي سيتر» لعصابات متناحرة على الثروة»، على حكومة لبنان قبل طلب المساعدة من دول الخليج «اماطة اللثام» عن الذمة المالية لزعماء الاحزاب اللبنانية، لتنصدم بملكيتهم مليارات الدولارات التي باستطاعتها اعمار لبنان من الصفر، فالاموال المجمدة لساسة لبنانيين في المصارف السويسرية تفوق الـ 70 مليار دولار بسبب العقوبات، اما مجموع اموال السياسيين التي اعلنتها سويسرا فهي تفوق الـ 320 مليار دولار، وهرّبت 17،5 مليار دولار من الودائع خلال الازمات الاخيرة، بالاضافة الى اموال التهريب والمناقصات والمافيات التي ذهبت للسياسيين الذين باستطاعتهم سداد ديون لبنان واعادة بنائه وعليه، فالى متى ستبقى دول الخليج وبالاخص السعودية والكويت ضمن الاوصياء على بقاء هذا الذي لا يرغب فرقاؤه بالعيش معا، في دولة تنهب ثرواتها… لذلك على دول مجلس التعاون الخليجي وقف اي مساعدات للبنان، كما لانستطيع كدول خليجية دعم عبثهم السياسي، ولذلك رسالتنا لسياسيي لبنان «حلوا عنا».
هذا الموقف الخليجي، يتلاقى مع كلام السفير السعودي في بيروت وليد البخاري الذي اعلنه في اكثر من مناسبة «لا مساعدات قبل الاصلاحات ومحاسبة الفاسدين عن نهب اموال الدولة»، كما ان السفير الالماني اتهم الوزراء اللبنانيين في حضور نجيب ميقاتي بسرقة اموال النازحين السوريين وفقدان مليارات الدولارات، دون ان يتجرأ احد من الحاضرين الرد عليه، وقال بوضوح « لامساعدات مباشرة للحكومة وسنتعامل فقط مع الجمعيات».
عودة المواجهات الى الشارع
وفي ظل استفحال الازمة الاقتصادية والمالية، عادت المواجهات الى الشارع، بعد تحرك ناجح وشامل ومنظم لجميع المتقاعدين العسكريين في الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي والامن العام وامن الدولة، وحصلت مواجهات بين العسكريين المتقاعدين وزملائهم في الخدمة، وتحديدا مع حرس السراي الحكومي، بعد ان حاول المحتجون تجاوز الاسلاك المؤدية الى السراي، مما ادى الى سقوط بعض الجرحى. واللافت ان تحركات المتقاعدين العسكريين كانت منظمة جدا وشعاراتهم منصبة على اوضاعهم المعيشية، ورفعوا الاعلام اللبنانية فقط، كما رفضوا مشاركة النواب «التغييريين» او الاحزاب السياسية واستغلال المناسبة لغايات ضد هذا الفريق او ذاك، كما منعوا العديد من الناشطين السياسيين الادلاء بمواقف اعلامية، مصرين على حماية تحركاتهم المطلبية وابعادها عن الخلافات السياسية. واللافت ايضا، ان مشاركة المتقاعدين العسكريين كانت كبيرة ومن كل الرتب والمناطق والطوائف، مع التاكيد على عدم الانسحاب من الشارع حتى تحقيق ما تظاهروا من اجله.
شهر رمضان وجنون الاسعار
يأتي شهر رمضان المبارك في ظل ازمة اقتصادية خانقة لم يشهد لبنان مثيلا لها، وفرضت واقعا مأساويا صعبا وقاسيا على كل المواطنين، فوجبة الافطار لعائلة من ٤ اشخاص تزيد تكاليفها على ٥ ملايين ليرة وما فوق، وسجل امس قفزات مرعبة لاسعار الخضار والمواد التموينية، والتجار يبيعون على سعر ١٥٠ الفا للدولار الواحد، وسط غياب كلي لوزارة الاقتصاد وجمعيات حماية المستهلك، فيما جشع التجار فاق كل التوقعات بشكل مناف لابسط القواعد الاخلاقية والدينية.
السيد نصرالله
هذا، وحدد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الاحتفال التأبيني للقائد حسين الشامي عددا من الخطوات للخروج من الوضع الاقتصادي الصعب، وتجاوز هذه المرحلة رأفة بالناس وقبل تفاقم المشاكل، مشيرا الى «مسؤولية الجميع وضرورة مشاركتها في الانقاذ»، مؤكدا ان «مصير البلد متروك، وعندما يتحدث احد، يقولون قانون النقد والتسليف، والموضوع عند الحاكم، لكن المسؤولية تقع على كل القوى السياسية»، واضاف: «لطالما دعونا في البلد الى وضع الخلاف السياسي جانبا واقامة طاولة حوار اقتصادية، لاجل سلاح المقاومة كلهم جاهزون للطاولة، ولكن طاوله الحوار لانقاذ الوضع الاقتصادي، فهذا امر لا احد يقف عنده اصلا».
وتابع السيد نصرالله «لامبرر على الاطلاق لعدم الدعوة الى طاولة حوار لانقاذ الوضع الاقتصادي الذي يحتاج لخطة شاملة متعددة الابعاد، ونحن بانتظارها، ولاعلم لي متى ستخرج»، وسأل « منطقة الخليج كلها تتجه شرقا، وهناك استثمارات بين الصين والسعودية بمليارات الدولارات، فلماذا هناك خوف في لبنان الى هذه الدرجة من التوجه شرقا، هذا الموضوع ليس فقط عند رئيس الحكومة بل عند القوى السياسية».
وفي موضوع رئاسة الجمهورية قال: «المساعي مستمرة، ونأمل ان ينعكس الهدوء الاقليمي والاتفاق الايراني – السعودي على انجاز هذا الاستحقاق، لكن هذا الامر يعتمد بالمقام الاول على الداخل، اما الخارج فهو يخلق مناخا، وحسب معلوماتي فانه لم يتم التطرق الى لبنان بكلمة واحدة في الاجتماع الايراني – السعودي». ورد السيد نصرالله على تهديدات العدو وقال: «العدو الاسرائيلي هدد بانه اذا ثبت مسؤولية حزب الله عن عملية مجيدو سيفعلون كذا وكذا، وانا اقول له روح بلط البحر».
3 اشهر قاسية… والرئاسة تنتظر تسوية اليمن
حسب المتابعين للتطورات الاخيرة، فان الاحداث الداخلية والقفزات الجنونية للدولار والاوضاع الاقتصادية لا تحظى باي اهتمام اقليمي ودولي، ولبنان امامه ٣ اشهر قاسية مفتوحة على كل الاحتمالات والخضات الامنية والشلل، بانتظار ما ستسفر عنه نتائج المعارك الكبرى حول باخموت في اوكرانيا والتحضيرات للهجمات الكبرى، بالاضافة الى ما ستسفر عنه الاتصالات الايرانية – السعودية حول اليمن، هذا الملف هو المدخل لتحديد المسارات في لبنان والعراق وسوريا، وعلى اللبنانيين الانتظار.
وفي المعلومات، ان هناك توجها لدعوة الاطراف اللبنانية الى بغداد او القاهرة لانتاج التسوية الرئاسية في حال نجحت المحادثات اليمنية التي تسير وفق النهج المرسوم لها حتى الآن، والامور لن تتبلور قبل ٣ اشهر، وسيبقى لبنان خلالها عرضة لشتى الاحداث التي حذر منها اكثر من خبير اقتصادي، واكتفى السياسيون معالجتها بالنكايات والخلافات والحرتقات والسرقات، وستبقى الدولة «هيكلا عظميا»، لان من كانوا السبب في الخراب والدمار لن يأتي الانقاذ على ايديهم، مهما حاولوا ان يرسموا لانفسهم ادوارا بطولية، ومن يتقاتلون رئاسيا يعرفون جيدا انهم «كومبارس» لا يملكون سلطة القرار، والاسم «يفرض فرضا» من الخارج «بالكرباج» و»القبضاي يعارض»، والاسماء انحصرت بسليمان فرنجية والعماد جوزاف عون، والخيار الثالث سقط.
وفي المعلومات، ان جميع المرشحين راجعوا حزب الله في مسألة ترشيحاتهم، وكان الرد «نحن مع سليمان فرنجية، ولسنا ضد اي مرشح، وقائد الجيش له كل الاحترام والتقدير والمودة عند قيادة حزب الله وهو ضد الحملات عليه. لكننا مع سليمان فرنجية، والمطلوب حوار بين الجميع للوصول الى مرشح توافقي، وفي حال عدم الوصول الى هذا الامر نذهب الى الانتخابات».
من جهة اخرى، فان الاجتماع النيابي للجان المشتركة لمساءلة الحكومة لم يخرج بنتيجة، والنقاشات دارت في حلقة مفرغة، في حين غادر وفد صندوق النقد الدولي بيروت دون اي تقدم، واكتفى وفد الصندوق الاجتماع مع «الهيئات الاقتصادية»، فيما اجل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الدعوة الى اجتماع للحكومة في الظروف الحاضرة.
باربرا ليف في بيروت
وفي اطار متابعة الوضع اللبناني، وصلت الى بيروت مساعدة وزير الخارجية الاميركي بابرا ليف للقاء عدد من المسؤولين اللبنانيين، وعلم ان السفارة الاميركية في بيروت ستنظم للمسؤولة الاميركية لقاءات مع عدد من النواب والاحزاب اللبنانية والجمعيات المدنية، لتكوين صورة شاملة عن الوضع اللبناني والاستحقاق الرئاسي، وبحث التطورات بعد الاتفاق السعودي – الايراني والتقارب السعودي – السوري. علما ان ليف قالت في تشرين الثاني الماضي: «سيتعين على اللبنانيين تحمل المزيد من الالم قبل ان يروا حكومة جديدة»، واضافت «الانهيار والتفكك امران لا مفر منهما قبل الوصول الى ظروف افضل»، ودعت الى ربط لبنان باتفاقات مع صندوق النقد الدولي.
باسيل يحسم موقفه الجمعة والاحد
وعلم ان رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، سيحسم موقفه الرئاسي غدا ويوم الاحد بكل وضوح خلال اطلالتين اعلاميتين، وسيجدد رفضه لانتخاب سليمان فرنجية، مرشح الشراكة مع نبيه بري والتمديد للازمة، مقابل التأكيد على العلاقة مع حزب الله وتنظيم الخلاف معه، ووقف الحملات الاعلامية، كما سيعلن انفتاحه على جميع المكونات بما فيهم «القوات اللبنانية».
الجلسة التشريعية
على صعيد الجلسة التشريعية، علم ان الاتصالات البعيدة عن الاضواء افضت الى موافقة مبدئية من رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على حضور نواب التيار الجلسة التشريعية، شرط ان لايكون جدول الاعمال «فضفاضا» ومقتصرا على بندين او ثلاثة، وتحديدا موضوع الانتخابات البلدية، وطبع العملة الوطنية المليون ليرة، فيما الرئيس نبيه بري يؤكد ان المجلس سيد نفسه وجدول الاعمال يقرره مكتب المجلس في جلسته يوم الاثنين القادم، وعلى ضوء الاتصالات يحدد مصير الجلسة التشريعية.
وبحسب الذين يتولون الاتصالات بين بري وباسيل، علم ان رئيس التيار يرفض حضور الجلسة اذا كان جدول الاعمال موسعا وخارج تشريع الضرورة، وهذا ما ابلغه باسيل الى قيادة حزب الله، لكن القرار السياسي بتأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية لمدة سنة اتخذ في ظل استحالة اجرائها في هذه الظروف، والمجلس النيابي سيتخذ قرارا بالتمديد للبلديات والمخاتير لسنة. وفي هذا الاطار، هناك مشرعون يخالفون الرأي القائل بحل المجالس البلدية، اذا لم يتم التمديد لها بقانون في المجلس النيابي اواخر الشهر، ويعودون الى سابقتين في هذا المجال، فالمجالس البلدية انتهت ولايتها عام ١٩٦٩ واستمرت باعمالها حتى ١٩٧١ من دون قانون، وتم التمديد لها عام ١٩٧١ بمفعول رجعي، وما بين ١٩٧١ و١٩٩١ صدر٢١ قانونا بالتمديد للبلديات، وفي العام ١٩٨٩ استمرت البلديات باعمالها بدون قانون حتى العام ١٩٩١، حيث صدر قانون بالتمديد بمفعول رجعي من قبل المجلس النيابي وتوقيع الرئيس الياس الهراوي. فكل ما تقدم يؤشر الى ان البلديات قادرة على الاستمرار باعمالها، ولا يمكن حلها او تسليم الـ ١٠٥٧ بلدية الى القائمقامين. علما ان هناك ١١٥ بلدية منحلة. بالمقابل يصر وزير الداخلية بسام المولوي على اجراء الانتخابات في موعدها، مؤكدا على جهوزية الوزارة لاجرائها، رافضا التقدم بطلب تأجيلها.
سجال بلدي بين جعجع وعلي حسن خليل
وفي هذا الاطار، اتهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الرئيس نبيه بري وفريق الممانعة وبعض الكتل الاخرى والنواب، العمل والتحضير لعقد جلسة تشريعية هدفها الوحيد تطيير الانتخابات البلدية والاختيارية والتمديد للمجالس البلدية، واكد على متابعة الاتصالات من اجل اجراء الانتخابات البلدية في مواعيدها لاهمية هذا الاستحقاق، والعمل ايضا على عدم عقد الجلسة التشريعية لتطييرها.
وبدوره، رد النائب علي حسن خليل على كلام جعجع وكشف انه تقدم باسم كتلة «التنمية والتحرير» بمشروع قانون لفتح اعتماد اضافي لتامين تمويل اجراء الانتخابات البلدية في مواعيدها، واتهم جعجع بالعمل على تعطيل الانتخابات مع اعضاء كتلته عبر تعطيل تمويل اجرائها في المجلس النيابي.
اما الكتل المسيحية الاخرى، وتحديدا «الكتائب» ونواب «التغيير» فاعلنوا رفضهم لحضور الجلسة التشريعية، مؤكدين على ان الاولوية لانتخاب رئيس للجمهورية.