كتبت صحيفة “الديار” تقول: عاد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي عن قراره بشأن التوقيت الصيفي، تحت وطأة «نيران» الطائفية البغيضة التي اشعلت البلاد افتراضيا لساعات طويلة، نبشت خلالها القبور، وخرجت كل الموبقات المدفونة الى العلن دون خجل من فئة غير قليلة من الناس التي اثبتت انها اسوأ من زعمائها باشواط. لكن ماذا بعد؟ لا شيء يذكر في السياسة، البلد يغرق، وما تبقى من دولة مشلولة يهدد رئيس حكومتها بـ «الاعتكاف»، فيما المسؤولون ينتظرون «الترياق» من الخارج الذي لم يحرك ساكنا حتى الآن باتجاه ايجاد ارضية صالحة للبناء عليها للانطلاق من التسوية الرئاسية باتجاه رسم معالم حكومة العهد الجديد والاصلاحات المطلوبة للبدء بالخروج من النفق. ويمكن القول ان «التريث» هو عنوان المرحلة الحالية، اقله حتى انقضاء شهر الاختبار السعودي- الايراني الذي سيخضع لصيانة عبر وزيري خارجية البلدين في شهر رمضان. هذا ما اوحى به السفير السعودي الوليد البخاري الى كل من التقاهم في الايام القليلة الماضية، وهو تريث انعكس ايضا على فحوى الاتصال بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث يتبين من التسريبات الدبلوماسية، ان باريس تراجعت «خطوة الى الوراء»، ولم تلغ مقترح المقايضة بين الرئاسة الاولى والثالثة، لكنها تمنح اتفاق بكين الوقت اللازم كي يتبلور اكثر، وتنتظر من اطراف «الخماسية» الدولية مقترحات ملموسة بات من الاسهل تسويقها مع طهران الآن، وقد لمست «ليونة» سعودية لم تصل بعد الى حد الانفتاح على وضع الملف اللبناني على «طاولة» البحث وانما باتت اللغة اقل حدة. وبراي السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، المسألة هي مسألة وقت كي تصبح الامور اكثر وضوحا، مع الامل في الا يطول الانتظار طويلا، كما تمنت امام رئيس حكومة تصريف الاعمال بالامس.
سحب فتيل «التوتر»
بعد ساعات من الاحتقان الطائفي في البلاد، تم سحب «فتيل» التوقيت الصيفي من التداول منعا من استغلاله طائفياً ومذهبياً، فقررت الحكومة تطبيق التوقيت الصيفي بدءا من ليل الاربعاء الخميس. ووفقا لمصادر سياسية بارزة، كان تدخل الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام مؤثرا، لكن الحل خرج بعد اتصالات حثيثة ادارها حزب الله من وراء الكواليس بعد فشل محاولة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مع ميقاتي عبر النائب هادي ابو الحسن، ودخوله على خط الضغط على رئيس حكومة تصريف الاعمال باعلان وزير التربية عدم التزام المدارس بقراره. بعدها تم الاتفاق على عقد جلسة حكومية والعودة عن القرار لوأد فتنة مفتعلة في البلاد تركت الكثير من الندوب المقلقة جدا على الرغم من بقائها في العالم الافتراضي.
السنة «ام الصبي»
واوضح ميقاتي ان قرار الـ 48 ساعة هو «لإعطاء الوقت لإصلاح بعض الأمور»، ان المشكلة ليست في «الساعة» وانما في الفراغ الرئاسي داعيا «الجميع إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد وتأليف حكومة جديدة من دون إبطاء» وأن يتحمّلوا مسؤولياتهم «في الخروج مما يعانيه اللبنانيون، فالمسؤولية مشتركة ولا يمكن ومن غير العدل أن تُلقى على عاتق شخص أو مؤسسة ويقف الآخرون متفرجين أو مزايدين، مؤكداً أنّ القرار لم يكن طائفياً. وقال إنّ «استمرار العمل بالتوقيت الشتوي حتى نهاية شهر رمضان الذي تشاورت بشأنه مع رئيس مجلس النواب سبقته اجتماعات مكثّفة على مدى أشهر بمشاركة وزراء ومعنيين»، مؤكداً أنّ «قرار تمديد العمل بالتوقيت الشتوي كان الهدف منه إراحة الصائمين خلال شهر رمضان لساعة من الزمن من دون أن يسبّب ذلك أي ضرر لأيّ مكوّن لبناني آخر، علماً أنّ هذا القرار اتُخذ مراراً في السابق. وقال أنّ «كرة النار أصبحت جمرة حارقة، فإما نتحمّلها جميعاً وإما نتوقف عن رمي التهم والألفاظ الشائنة ضد بعضنا بعضا. وأشار إلى أنّ «أسهل ما يمكن أن أقوم به هو الاعتكاف عن جمع مجلس الوزراء وأصعب ما أقوم به هو الاستمرار في تحمّل المسؤولية». وشدّد على أنّ «الطائفة السنية ما كانت يومًا إلا وطنية بالمعنى الشمولي وحافظت عبر التاريخ على وحدة البلاد والمؤسسات وعملت عبر نخبها وقياداتها على صياغة مشاريع وطنية لا طائفية منذ الاستقلال»، معتبراً أنّ «الطائفة السنية كانت ولا تزال وستبقى أمّ الصبي التي تمارس الفعل الوطني اللاطائفي على الدوام.
الراعي «مرتاح»!
وفي خطوة باتجاه تبريد الاجواء بعد اعلان بكركي رفضها لقرار التوقيت، ابدى البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال اتصال هاتفي أجراه مع ميقاتي، «ارتياحه للقرار الذي صدر عن جلسة مجلس الوزراء في شأن العودة إلى التوقيت الصيفي، مؤكدا أن «لبنان يحتاج في هذه المرحلة الدقيقة إلى المزيد من القرارات الحكيمة التي توحد اللبنانيين وتبعد كل أشكال الانقسام بينهم». وجددا تأكيد «عدم إعطاء موضوع التوقيت الصيفي أي بعد طائفي أو فئوي!
تجميد الافكار الفرنسية
في هذا السياق، وضعت السفيرة الفرنسية آن غريو رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في اجواء الاتصالات الاقليمية والدولية التي تجريها باريس، وآخرها الاتصال بين ماكرون وابن سلمان. ووفقا لمصادر مطلعة، فان الدبلوماسية الفرنسية اوحت بان بلادها تترقب مفاعيل الاتفاق السعودي- الايراني كي تبني على «الشيء مقتضاه»، وهي جمدت طرح فكرة التسوية التي تقوم على مقايضة الرئاسة الاولى بالثالثة دون ان تلغي الفكرة من اساسها، بانتظار ما لدى الآخرين من افكار لاخراج البلاد من حالة الاستعصاء الراهنة. ولفتت غريو بعد اللقاء الى ضرورة الحاجة الملحة للحوار ولحسن سير المؤسسات ولانتحاب رئيس للجمهورية ولتشكيل حكومة جديدة. وقالت « إن تدهور الأوضاع المعيشية للبنانيين تدعونا لأن نكون قادرين على الاستجابة لكل احتياجاتهم».
ليونة سعودية لا ايجابية!
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جدد ووليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان يوم الأحد عزمهما على «العمل معا» لمساعدة لبنان. وذكر الإليزيه أنّ الزعيمين عبّرا خلال اتّصال هاتفي عن قلق مشترك حيال الوضع في لبنان وكرّرا عزمهما على العمل معا للمساعدة في إخراج البلاد من الأزمة العميقة التي تمرّ بها. لكن وبحسب اوساط دبلوماسية، لم يلحظ الرئيس الفرنسي تغييرا جذريا في الموقف السعودي ازاء الازمة اللبنانية، بل لمس استعدادا اكبر للاستماع وتبادل الافكار لحل قد يأتي في وقت لاحق. واذا كان الجانب الفرنسي لم يعد طرح ترشيح رئيس تيار المردة على مسامع السعوديين بانتظار تبلور اكثر وضوحا لموقفهم، الا انهم لم يلمسوا سلبية مطلقة حتى الان، بل يمكن الحديث عن «ليونة» وانفتاح على تبادل الافكار وليس في تغيير الموقف حتى الان.
لا «فيتو» اميركي
ولا تزال فرنسا تراهن على امكان نجاح المقايضة،عندما تنضج ظروفها، على خلفية عدم وجود «فيتو» اميركي على المسألة بعدما تبلغت من واشنطن انه ليس لديها أي مرشح لرئاسة الجمهورية، وتترك انتخابه للبرلمان للتوافق على اسم يدفع باتجاه الوصول إلى تسوية لإخراج الاستحقاق الرئاسي من «عنق الزجاجة». ووفقا للمعلومات، فان المشاورات الثنائية بين باريس وواشنطن لم تنقطع، وما زالت قائمة بغية التوصل إلى موقف، او اقله تقريب وجهات النظر بينهما.
جنبلاط «وتدوير الزوايا»
في هذا الوقت، يحاول رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الموجود في باريس على رأس وفدٍ يضمّ نجله رئيس كتلة «اللقاء الديموقراطي» تيمور جنبلاط والنائب وائل فاعور، استمزاج راي الفرنسيين بحلول وسطية يعتبرها « تدوير للزوايا» للخروج بموقف جديد يمكن العمل على تسويقه عند السعوديين، وهو يريد اقناع باريس بالابتعاد عن تبني مرشح تحد، كي تتم بلورة صيغة جديدة تكون قاعدة انطلاق للحوار الداخلي بمظلة خارجية واسعة.
البخاري ومرحلة «التريث»
هذه المناخات عكسها ايضا السفير السعودي الوليد البخاري الذي التقى شخصيات سياسية ونيابية «معارضة» خلال الساعات والايام الماضية. ووفقا للمعلومات، كان واضحا بتعميم اجواء «التريث» راهنا بانتظار تبلور الامور اكثر خلال الفترة المقبلة على خلفية اتفاق بكين. وخرج من التقاه بقناعة واضحة بعدم وجود اي تغيير بالموقف السعودي حيال الملف الرئاسي، مع التركيز على حتمية استفادة لبنان من الاجواء الايجابية في المنطقة بعد الاتفاق مع طهران، وهو موقف حذر بانتظار مطالب محددة يتبادلها الطرفان في ساحات اخرى. وهو عبر عن ذلك بقوله ان الاتفاق السعودي – الإيراني تضمّن الرغبة المشتركة لدى الجانبين لحل الخلافات عبر التواصل والحوار بالطرق السلمية والأدوات الديبلوماسية، مؤكدا جهود المملكة المبذولة تهدف إلى تأمين شبكة أمان دولية لمواجهة التحديات والمخاطر، صوناً لمبدأ العيش المُشترك ورسالة لبنان في محيطه العربي والدولي.
لقاء ايراني – سعودي
وفي هذا السياق، وفي محادثة هاتفية هي الثانية خلال ايام، أعلنت وكالة الأنباء السعودية، أنّ وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، ونظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، اتفقا على الاجتماع خلال شهر رمضان بموجب اتفاق لاستعادة العلاقات. ووفقا للوكالة، «تمّت خلال الاتصال مناقشة عددٍ من الموضوعات المشتركة، في ضوء الاتفاق الثلاثي الذي تم التوقيع عليه في جمهورية الصين الشعبية، كما اتفق الوزيران على عقد لقاء ثنائي بينهما خلال شهر رمضان الحالي.
بوصعب: باسيل مستفز
وفي موقف لافت، انتقد نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب مواقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، واشار الى ان «لديه اعتراض على طريقة كلامه يوم الأحد، وقال انه « مستفزّ لشريحة من الناس، والخطأ لا يعالج بكلام من هذا النوع «. وفي مسألة التوقيت، قال» ان برّي يطلب ما يريد ونحن نطلب ما نريد، لكن ميقاتي هو الذي اتخذ القرار ولست موافقاً على طلب بري لميقاتي بهذا الشكل، وميقاتي أخطأ لأنه لا يمكنه أن يعدّل مرسوماً بتعميم، ولكن لست موافقاً على ردّات الفعل غير المقبولة على القرار أيضاً.
انهيار «الانترنت»
معيشيا، وفي وقت ارجئت جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة امس لبحث اوضاع موظفي القطاعين العام والخاص، يقف قطاع الاتصالات على «شفير الهاوية» بسبب انقطاع العمل في العديد من السنترلات التابعة لاوجــيرو في ظل اضراب الموظفين. وقد نفذ موظفو «الهــيئة» اعتصاما في منطقة بئر حسن مؤكدين استمرارهم في الاضراب والتمسك بمطلب تحسين الرواتب وربطها بالدولار، وبتأمين الأموال اللازمة للقيام بأعمال الصيانة والتشغيل. في هذا الوقت توقفت الاتصالات وخدمة الإنترنت في عدد من المناطق التي أضحت في عزلة تامة.
وتوقّف العمل جزئياً أو كلياً في عدد من السنترالات المسؤولة عن الهاتف الثابت وتوفير خدمات الإنترنت، بسبب الأعطال التي طرأت عليها وغياب الصيانة، كما انسحب هذا الأمر على خدمة الإنترنت لدى شركتي الخلوي اللتين تتغذّيان من سنترالات وزارة الاتصالات. وتعطل الإنترنت عائد إلى أمرين أساسيين: الأول الأعطال التي طرأت على الشبكة وعدم إمكان إصلاحها نتيجة إضراب الموظفين، والثاني غياب التيار الكهربائي؛ لكون السنترالات تعمل على المولدات التي أصيب بعضها بأعطال ميكانيكية تعذّرت معالجتها، أو فقدان مادة المازوت لتشغيلها. وتتجه الامور الى الاسوأ، مع اعلان نقابة الموظفين في «أوجيرو» أنها «لن تعطل السنترالات، لكنها لن تبادر إلى تصليح الأعطال التي طرأت على 7 سنترالات باتت متوقفة عن العمل حتى مساء امــس.
عون الى التحقيق؟
قضائيا، استدعى «المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون الى جلسة إستجواب يوم الخميس بناءً على دعوى قدح وذمّ اقامها ضدها الرئيس ميقاتي».
اسرائيل تنتحر!
في هذا الوقت، لم تغب الانظار عن الحدود الجنوبية في ضوء اقتراب الازمة في «اسرائيل» من «نقطة اللاعودة»، والقلق المتنامي من خطوة متهورة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو للهروب الى الامام بخطوات «غادرة» على كافة الجبهات المتوترة اصلا. وقد وصفت صحيفة «يديعوت احرنوت» الموقف بانه الاكثر خطورة منذ نشأة الكيان الذي يستعد برايها لان يطلق «النار» على راسه. واشارت الى انه حين يكون الجيش في الأزمة الأكبر في تاريخه، وحين يشخص الأعداء ضعفاً، وفي وقت تكون فيه الساحة الشمالية معدة للاضطرابات، فلا توجد سابقة لتنحية وزير دفاع حذر من وضع الجيش في ضوء جملة تهديدات. لم يسبق أن تحدث وزير دفاع مباشرة إلى الجمهور عن إخطار استراتيجي وخطر ملموس في ضوء ضعف الردع الإسرائيلي. ثمة خليط فتاك لم يسبق له مثيل تقول الصحيفة: رغبة الأعداء في استغلال الفرصة؛ نصر الله، الذي جمع الثقة بالنفس؛ وضباط يتركون الخدمة الدائمة، ومرشحون للضابطية يرفضون الخروج إلى القاعدة العسكرية. لقد فهم وزير الدفاع أن كل الساحات تتكتل، وعليه، هذا الاختبار الأكبر لرئيس الأركان حديث العهد نسبياً، هرتسي هليفي، الذي يتصدى لواقع هو الآخر لا يؤمن بأنه ممكن. هو وحيد في المعركة. وبحسب تعبير الصحيفة» خامنئي، ونصر الله، والسنوار، ومحمد ضيف وآخرون يفركون أياديهم فرحاً، هم أيضاً لم يصدقوا أن القوة العظمى الأقوى في الشرق الأوسط ستطلق النار على ساقيها الاثنتين، بل وتتردد إذا كانت ستواصل لتطلق النار على رأسها أيضاً.