كتبت صحيفة “البناء” تقول: شهدت باريس والعديد من المدن الفرنسية ما وصفته وسائل الإعلام الفرنسية والعالمية بأضخم حشد شعبي معارض في حال احتجاج، قالت الشرطة إنه خارج عن قدرتها على السيطرة، رغم حشد آلاف العناصر. وألقت الحكومة بلسان وزارة الداخلية اللائمة على من وصفتهم بعناصر اليسار المتطرف لأخذ الاحتجاجات نحو العنف، وفيما قدرت الشرطة عدد المشاركين في كل المدن الفرنسية بأقل من مليون متظاهر، قال المنظمون إن باريس وحدها شهدت مشاركة نصف مليون متظاهر وإن العدد الإجمالي في كل فرنسا فاق المليونين، بينما أجمعت وسائل الإعلام على اعتبار رقم وزارة الداخلية كافياً للقول بأن فرنسا تواجه مرحلة صعبة، طالما أن الحوار والتفاوض حول مطالب المتظاهرين ليس على طاولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته، وتأتي مخاطر الانفجار الكبير الذي تتوقعه التجمّعات النقابية التي تقود الاحتجاجات ومن خلفها أحزاب الوسط التقليدي واليسار واليمين، فيما يقف يمين الوسط والليبراليون وحدهم وراء الرئيس ماكرون وحكومته. ويتلاقى المشهد الفرنسي مع مشهد الشارع في كيان الاحتلال حيث لم تمنح الهدنة التي أطلقها رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو بتجميد السير بتعديلات النظام القضائي، الأمل بحلول تقول المعارضة إنها لا تثق بأن نتنياهو صادق في البحث عنها، ما يعني أن شهر أيار ربما يكون شهر الانفجار الكبير في تل أبيب وباريس معاً.
في المنطقة تزاحمت الاتصالات على خطوط بكين والرياض وبكين وطهران وطهران والرياض، للتأكيد على السير سريعاً وبزخم لتفعيل بنود التفاهمات التي تضمنها الاتفاق الموقع في بكين، التي أبدت استعدادها للمساهمة حيث يلزم. وبقدر ما يبدو السعي لتنشيط الاتصالات الخاصة بإنهاء الحرب في اليمن الموضوع الأول والتحدّي الأول للاتفاق، تبدو الحلقة السورية الترجمة الأسرع للانفراج، والمصدر الأول للإزعاج، الانفراج سوري سعودي بدعم صيني إيراني روسي، والانزعاج أميركي عبرت عنه واشنطن مراراً وأعادت تأكيده أمس، بأنها لا تشجع على أي تحسين لمستوى العلاقات مع الحكومة السورية، ومثلما حاولت الغمز من قناة السعودية بحديثها عن الاتفاق الإيراني السعودي مرفقاً بالإعلان عن إيقاف سفن ايرانية تنقل السلاح الى اليمن، أرفقت كلامها عن التحذير من الانفتاح على سورية بإعلان عقوبات على سوريين ولبنانيين قالت إنهم يتولون التجارة بالمخدرات التي تشكل السعودية وجهتها.
لبنانياً، يبدو الوضع القلق طائفياً وما يرافق الانسداد السياسي والرئاسي على موعد كل يوم مع مناسبة جديدة، فلم يكد إعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن التراجع عن قرار اعتماد التوقيت الشتوي حتى نهاية شهر رمضان منعاً لمناخ الفتنة بعدما وقفت بكركي في صف التمرد على القرار وأعلنت السير بالتوقيت الصيفي، حتى كاد سجال نيابي في اجتماع اللجان المشتركة في مجلس النواب، تشهد الاجتماعات النيابية مثله وأكثر ولا يتوقف أمامه أحد، أن يتحول الى عنوان طائفي تحت شعار المسّ بالمقدسات، كما قال النائب سامي الجميل عن الكلام الذي وجّهه اليه النائب علي حسن خليل، ورغم إيضاح الجميل أن المقدسات التي قصدها ليست طائفية بقي التوتر السياسي والطائفي يتعاظم على وسائل التواصل الاجتماعي، ما استدعى بمبادرة من نائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب، وبمباركة رئيس المجلس نبيه بري، اتصال النائب خليل بالجميل والاعتذار منه، منعاً لمنح الفتنة النائمة أي فرصة للاستيقاظ،، وإجهاض أي محاولة للعبث إن كان أحد يريد إيقاظها، كما علق مصدر نيابي.
وبعد انحسار عاصفة الجنون التي هبّت على خلفية الخلاف على التوقيت ووضعت مصير البلاد والعباد على ساعة الانفجار الطائفي، يبدو أن الجمر لا زال تحت الرماد، حيث انتقلت الأجواء الطائفية الى مجلس النواب بإشكال كبير بين النائبين علي حسن خليل وسامي الجميل كاد أن يفجّر البلد من جديد لولا تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري ونائبه الياس بوصعب لاحتواء الموقف.
وفي التفاصيل أنه مع بدء الجلسة، علا الصراخ من داخل الهيئة العامة بسبب سجال بين النائبين ملحم خلف وغازي زعيتر على خلفية دعوة خلف لانتخاب رئيس جمهورية. فما إن دعا خلف النواب إلى انتخاب رئيس جمهورية حتى ردّ عليه زعيتر معتبراً كلامه «مش بالنظام». وارتفع سقف النقاش بين النائبين، وتبادل النواب الشتائم والكلام النابي. ثم تبعه نقاش حادّ خلال الجلسة بين رئيس حزب الكتائب والنائب علي حسن خليل على خلفية الخلاف حول ملف الانتخابات البلدية وقد عقد الجميّل مؤتمرًا صحافيًا أكد فيه أن ما حصل خطير ومسّ بمقدسات ولن يمرّ. قال «جئنا لنؤكد أن عدم حصول الانتخابات البلدية والاختيارية سيؤدي إلى فوضى كبيرة في البلد»، لافتاً إلى أن «هناك مئة طريقة للحكومة لإجراء الانتخابات البلدية وأعطينا أمثلة ان مصرف لبنان يصرف يومياً 27 مليون دولار لمنصة صيرفة ولتهدئة سعر الصرف».
في المقابل، رأى خليل أنّ «للأسف هناك جهات لأسباب عديدة تصرّ على تعطيل المجلس النيابي ورفض عقد جلسات تشريعية». وأضاف من مجلس النواب: «الانفعال الذي تكلّم عنه أحد الزملاء هو ما يولّد ردّات الفعل وكان كلامي واضحًا إذ قلت نحن كمجلس نيابي لا نتحمّل مسؤولية سحب الأموال من SDR وإذا أحد رؤساء الأحزاب اقترح ذلك فليتحمل هو المسؤولية».
وتابع «قصدت جعجع بتصريحه عن الـSDR منذ يومين ورئيس «الكتائب» النائب سامي الجميّل أصرّ أنّه هو المقصود وتكلّم معي بلغة تخطّت لغة الزمالة فاستحقّ ردّة فعلي ليعلو الصراخ في المجلس». وأكد أن «لن أقبل بأن يكون هناك أيّ مسّ بكرامتنا تحت أي شكلٍ من الأشكال»، موضحًا «أننا لن ننجر إلى خطاب الانقسام في البلد». وشدد خليل على أنّ «حركة «أمل» حركة قاتلت من أجل لبنان وما زالت تُناضل وهي الحريصة على السلم الأهلي بعكس جهاتٍ رفعت شعار «لكم لبنانكم ولنا لبناننا» بسبب «الساعة».
وأكدت مصادر نيابية ومجلسية لـ«البناء» أنه لم يحصل أي تضارب بين النواب في الجلسة، بل علا الصراخ والسجال بين خليل والجميل على خلفية بعض الملفات الخلافية بين الطرفين، وهذا طبيعي أن يحصل في ظل أجواء الاحتقان في البلاد والانقسام حول ملفات كثيرة. وشدّدت المصادر على أن أكثر من نائب خرج وأكد بأنه لم يحصل أي تضارب، مبدية استغرابها مسارعة بعض وسائل الإعلام بنقل أخبار مغلوطة تساهم في النفخ بالفتنة.
وتدخل الرئيس بري لاحتواء الموقف، وكلف بوصعب ايجاد المخرج المناسب لسحب فتيل الأزمة وتجنب أي تداعيات، وكشف بوصعب «أنني تواصلت مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وأطلعته على تفاصيل ما حصل، فبادر بعدها مباشرة برّي واتصل برئيس حزب «الكتائب» اللبنانية سامي الجميل»، مؤكداً له «حرصه على معالجة ما حصل». وعلى أثر هذه الاتصالات، زار بو صعب مقرّ حزب الكتائب في الصيفي حيث اجتمع مع الجميل واتفق معه على طريقة معالجة الموضوع.
في هذا السياق، أجرى النائب خليل اتصالاً بالجميل بصفته رئيس حزب الكتائب معتذراً منه على الكلام الذي صدر عنه، مؤكداً «كامل احترامه للجميل ولحزب الكتائب».
وكانت السجالات اندلعت خلال جلسة اللجان المشتركة لمناقشة ملف الانتخابات البلدية والاختيارية وسط خلاف حاد بين الكتل النيابية حول هذا الموضوع، ووفق ما تشير مصادر نيابية مشاركة في الجلسة لـ«البناء» الى أن المشكلة في إجراء الانتخابات التمويل والقدرة اللوجستية، وهناك احتمالان: أو تمويلها من نقل اعتماد إضافي من احتياط الموازنة لصرفه وفق قاعدة الاثنتي عشرية. وهذا اقتراح النائب علي حسن خليل أو من حق السحوبات من صندوق النقد الدولي، لكن الاقتراح الأول أي نقل الاعتماد على موازنة 2022 وليس 2023 ولا قانون تشريعي يجيز الصرف على القاعدة الاثنتي عشرية.
وتؤكد مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» الى أن التيار مستعدّ لحضور جلسة تشريع لموضوع الانتخابات البلدية للتمديد للمجالس البلدية والاختيارية»، لكن القوات اللبنانية وفق مصادرها ترفض هذا الأمر.
وتكشف المصادر النيابية لـ«البناء» الى أن وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل لم يقدم أي دراسة مالية تبين قدرته للتمويل ولا على توقيعه على حقوق السحب الخاصة، فيما وزير الداخلية لم يقدم خطة أمنية ولوجستية وقانونية لكيفية إجراء الانتخابات».
وتشير مصادر إعلامية الى أن «حكومة تصريف الأعمال يمكنها تأمين التمويل اللازم للانتخابات البلدية مثلما فعلت في ملف جوازات السفر، وكما تفعل في مواضيع عدة». وذكّرت بأن «وزير الداخلية لا يزال بصدد دعوة الهيئات الناخبة في 3 نيسان حرصاً منه على الالتزام بالمهل القانونية».
في الشأن الرئاسي، لم يسجل أي جديد، ودعت مصادر كتلة التنمية والتحرير أطراف المعارضة الى الاتفاق على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية طالما أنهم اتفقوا على «الساعة»، موضحة لـ«البناء» أنه عندما تتقدّم ترشيحات جدية ويرى الرئيس بري مرشحين جديين ويعلن رئيس المردة سليمان فرنجية رسمياً ترشيحه سيدعو بري الى جلسة «وصحتين عاللي بيربح»، وأضافت: «فليرشح النائب جبران باسيل ورئيس القوات سمير جعجع مرشحاً أو فلتتفق المعارضة على ترشيح النائب ميشال معوّض ويعلن فرنجية ترشيحه ولينزل الجميع إلى المجلس النيابي للتصويت». كما بيّنت المصادر أن «الثنائي أمل وحزب الله داعم لترشيح فرنجية وليس مرشحه. وهذا الثنائي دعا الى التوافق على فرنجية على قاعدة الحوار، وليس فرضه على الآخرين».
الى ذلك، يواصل رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط والوفد المرافق لقاءاته في باريس مع المسؤولين الفرنسيين، وأشارت أوساط في الحزب الاشتراكي لـ«البناء» الى أن «وفد الاشتراكي لا يزال في باريس وسيعود اليوم وبانتظار وصوله لمعرفة نتائج الزيارة والاتجاه الدولي لا سيما الفرنسي السعودي باتجاه لبنان»، وأوضحت أن «الزيارة تشاورية مع القيادة السعودية واللقاء مع المعنيين بالشأن اللبناني».
ولفتت الى أن «الأمور حتى هذه الساعة مقفلة ولا بادرة إيجابية إلا إذا أثمر الاتصال بين الرئيس الفرنسي والأمير محمد بن سلمان، لكن لا يمكن الركون اليه لتأكيد حصول خرق إيجابي قريب قبل تلمّس نتائجه على الأرض»، وشدّدت على أن جنبلاط «لم يطرح مبادرة جديدة وهو متمسك بطرحه السابق بطرح ثلاثة أسماء للتوافق، ولكنه منفتح على النقاش ويؤكد بأن لا يمكن مقاربة وإنجاز الملف الرئاسي من دون تسوية». ولفتت الى أننا «نتواصل مع مختلف الأطراف أكان في المعارضة وفي فريق الثنائي لكن التوافق هو الحل للأزمة»، مشددة على أن «السعودي لا يزال على موقفه من الرئاسة».
وأكد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، أن «لا أحد في لبنان يستطيع أن يدير شؤون البلد من موقعه الطائفي على حساب بقية المكونات، ولا أحد يطمح لذلك على الإطلاق، كلنا نطلب شراكة ونسعى من أجل أن تكون الشراكة حقيقية قائمة على الاحترام المتبادل والمواطنية الصادقة وعلى عدم التمايز والتمييز بين المواطنين».
ورأى رعد، في كلمة له أنه «ليس هناك خيار ولا حل ولا طريق للخروج من مأزق الفراغ الرئاسي إلا بالتفاهم الوطني. نحن نمدّ أيدينا ولا زلنا لهذا التفاهم حتى ننقذ بلدنا وحتى نتجاوز الأزمة التي نحن فيها».
من جهته، دعا تكتل «لبنان القوي»، خلال اجتماعه الدوري برئاسة النائب جبران باسيل، حكومة تصريف الأعمال، الى «البتّ سلباً أم إيجاباً بموضوع الانتخابات البلدية والاختيارية والتوقف عن رمي المسؤولية على غيرها»، سائلاً «هل تتوفر للحكومة المستلزمات المادية واللوجستية والتقنية لإجراء الانتخابات؟ فإذا كان الجواب نعم فلتقدم الحكومة على إجرائها في موعدها بشكل لائق وديمقراطي ومن دون أي إشكالات. وإذا كان لا، فلتصارح الناس ولتعلن بجرأة أن الأوضاع والظروف المتعلقة بالانتخابات لا تسمح بإجرائها وبالتالي فلتطلب ما تحتاجه من مجلس النواب، إذ لا يجوز دعوة الهيئات الناخبة من دون تأمين الاعتمادات والإمكانات واتخاذ الإجراءات اللازمة على ما خلصت إليه اليوم اللجان النيابية المشتركة».
أوضح التكتل، في بيان، أنه «سبق له أن نبّه مراراً الى خطورة المخالفات بعقد مجلس وزراء من دون أي مبرر طارئ او ضرورة قصوى، وللعلم فإن ميقاتي يوقع منفرداً ما يسمّيه موافقات استثنائية أي أنه يحلّ وحده مكان الحكومة ورئيس الجمهورية في قرارات تصدر عنهم، كما أنه يتخذ قرارات عشوائية عدة لها تبعات غير معلومة الأسباب والنتائج، كاتخاذ مجلس الوزراء، من خارج جدول الأعمال قراراً بالتعاقد مع حوالي ثمانمئة أستاذ مدرسة».
ورأى التكتل أن «ما حصل في اللجان المشتركة من تشنج دليل خطورة على ما وصلت إليه الأوضاع في البلاد مما يوجب التعقل وضبط الخطاب السياسي لمنع الانزلاق الى التحريض الغرائزي والطائفي الذي يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه»، معتبراً أن «عمل الحكومة المستهتر وغير الشفاف واضح في مجالات عدة، منها تلزيم إنشاء مبنى جديد في المطار من دون مناقصة واعتماد سعر متحرك للدولار الجمركي، وغيره من القرارات التي تظهر عشوائية حكومة تصريف الأعمال المبتورة في إدارة ملفات كبيرة وحساسة خلافاً للدستور وللقوانين».
على صعيد آخر، لفت نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي في بيان الى أن «بعثةَ صندوق النقد الدولي حذَّرت إبّان زيارتها لبنان أنه، في غياب الإصلاحات الضرورية التي تَمَّ الاتفاق عليها مع الصندوق على صعيد الموظفين، سيدخل لبنان في أزمة عميقة لا أفق زمنياً لها. كما كنّا نحن نُحذِّر تكراراً ولا نزال، من على منابر عدة ومن داخل مجلس النواب، من خطورة الوضع ولكن صوتنا لم يلقَ آذاناً صاغية، فعسى أن يكون صوتُ الصندوق أكثر وقعاً. لقد أعدَّت الحكومة برنامجاً اقتصادياً ومالياً تمّ الاتفاق عليه مع الصندوق، وكذلك خطة مفصلة وموسّعة مستوحاة من هذا الاتفاق أُرسلت إلى مجلس النواب في التاسع من أيلول الفائت. فمن المستغرَب أن بعض السياسيين من مشاربَ مختلفة، ما زالوا يدّعون جهاراً أنَّ ليس للحكومة أية خطة».
على صعيد آخر، فرضت الإدارة الأميركية عقوبات جديدة طالت كلاً من حسّان محمد دقّو، شركة حسّان دقّو ونوح زعيتر، إضافة الى عدد من الشخصيات السورية.
الرئيسية / صحف ومقالات / البناء: باريس بعد تل أبيب: الحكومة تعجز عن احتواء الشارع… والانفجار الكبير وراء الباب.. اتصالات سعودية صينية إيرانية لتزخيم مسار التفاهمات… وقلق أميركي من البوابة السورية.. بعد تراجع ميقاتي أمام بكركي… خليل يعتذر من الجميل: الفتنة نائمة ولن نمنح فرصة لإيقاظها
الوسومالبناء