كتبت صحيفة “اللواء” تقول: ما كادت الاتصالات التي شارك في قسم بارز منها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، تحتوي «الإشكال الكلامي» العنيف بين معاونه السياسي النائب علي حسن خليل ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، على خلفية نقاش دار داخل أروقة اجتماع اللجان النيابية المشتركة لتوفير ما يلزم من أموال (قدرت بـ8 ملايين دولار) لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، بعد التمديد لمجالسها العام الماضي، حتى تحضرت الساحة لاشتباك، ربما على الارض، ودامٍ هذه المرة، بين موظفي ومتقاعدي القطاع العام، الذين اعدت المالية تحويلات رواتبهم عبر المصرف المركزي، الى المصارف التجارية، التي ما زالت تقفل ابوابها، على الرغم من تعليق الاضراب، من دون رفعه نهائياً، على ان تصرف اليوم على سعر صيرفة المعتمد في اليوم ذاته، اي 90٫000 ل.ل. لكل دولار أميركي.
قوبل هذا التطور، بردود فعل غاضبة من حراك العسكريين المتقاعدين، والمجلس التنسيقي لقدامى موظفي الدولة، وسط دعوات لرفض قبض الرواتب والمعاشات على سعر صيرفة 90 ألفاً، والتي لم تعد تعادل شراء شيء ناهيك عن الخدمات من كهرباء وماء وبعض من محروقات، مع تأكيد العسكريين على النزول الى الشارع غداً للاعتصام والتظاهر وسط بيروت وقبالة السراي الكبير.
وأعلن المجلس التنسيقي لمتقاعدي القطاع العام النزول الى الشارع لإيصال رسالة واضحة، من زاوية ان الحلول ليست قريبة للأزمة، للمطالبة بسعر صيرفة للدولار على 28500 ل.ل. لمعاشات المتقاعدين والعاملين في الخدمة، ودعم تعاونية موظفي الدولة وصندوق تعاضد اساتذة الجامعة اللبنانية، والتأكيد على التمسك بالحقوق «ولن نترك عائلاتنا تجوع، ومرضانا يموتون على أبواب المستشفيات».
التخبط سيد الموقف
وسط هذه التداعيات الحياتية الخطيرة، فضلاً عن التعثُّر النيابي في مقاربة أبسط المسائل من التشريع الى مناقشة اقتراحات القوانين الى انتخاب رئيس، بدا الواقع الداخلي ممعن في التخبط على وقع استعادة خطيرة للخطاب المذهبي، وتدني التخاطب بين النواب أنفسهم، الذي يترتب عليه ان يكونوا القدوة في العمل والسلوك على حدّ سواء.
ولفتت أوساط مطلعة لـ«اللواء» الى أن المعطيات بشأن الملف الرئاسي لا تزال غير واضحة وإن الحراك الخارجي بشأنه لم يستقر على مشهد ما، معتبرة ان الواقع الداخلي في المقابل يشهد تخبطا واستعادة للغة مذهبية.
وأوضحت هذه الأوساط أن الاشتباك السياسي متواصل ولن يتوقف وإن تدخلات من هنا وهناك تحول دون تفجير الوضع كما جرى مؤخرا، مؤكدة في الوقت نفسه ان الفوضى المالية تفرض نفسها من دون بوادر حل، حتى أن لا معلومات عن استئناف حكومة تصريف أعمال اجتماعاتها للبت في القضايا الملحة مع العلم ان الرئيس نجيب ميقاتي بدا واضحا في البيان الذي تلاه وإقراره بالأعباء التي تحاصره. ودعوته إلى انتخاب رئيس للبلاد في اقرب وقت ممكن.
واعتبرت مصادر سياسية ان السبب الاساس لتوتير الاجواء السياسية، لاي خلاف كان، على النحو الذي يشهده لبنان حاليا، هو حالة الفراغ السياسي والسلطوي جراء عجز الطبقة السياسية عن انتخاب رئيس للجمهورية، والتداعيات السلبية على باقي مؤسسات الدولة واداراتها، وتوقع مزيدا من التوترات والاشتباكات بين الاطراف السياسيين، لاي سبب كان، اذا استمرت مرحلة الفراغ الرئاسي لوقت أطول.
وقالت المصادر ان استسلام الطبقة السياسية برمتها للوضع القائم حاليا، وعجز اي زعيم او مسؤول سياسي عن تقريب القيادات من بعضهم البعض، كما كان يحدث خلال الازمات والظروف المفصلية التي مرت على لبنان في العقود الماضية، ظهر وكأنه لا يمكنها القيام بأي حراك جدي وفاعل باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، وترك الامور على مسؤولية الخارج، أكان فرنسا او اي دولة عربية اوغيرها، زاد من اهتراء الوضع السياسي والسلطوي العام، وترك مصير البلد في المجهول، ومصالح اللبنانيين في مهب الريح.
واشارت المصادر الى انه مهما كان الخارج حريصا على مساعدة لبنان لتخطي ازمته، ولكنه يهتم بحل مشاكله اولا كما هو ملاحظ، بينما يبقى الوضع في لبنان وحل ازمته، على مسؤولية اللبنانيين انفسهم.
ولاحظت المصادر ان هناك اهتماما لاعطاء دفع لعملية انتخاب رئيس للجمهورية من قبل الدول الشقيقة والصديقة للبنان، كما يظهر من خلال البيانات والمواقف الصادرة عنها، الا ان تحقيق مثل هذه التمنيات، ينتظر حل المشاكل والازمات المتعلقة بهذه الدول.
ترتيبات الاعتذار
إثر نقل ما جرى الى الرئيس بري، عبر نائبه إلياس أبو صعب، وبعد ان وضع النائب الجميل المسألة في عهدة رئيس المجلس، أجرى الاخير اتصالاً هاتفياً برئيس الكتائب، وقف على خاطره، رافضاً ما حصل، وطلب من ابو صعب استكمال مساعيه مع الجميل، الذي وافق على اتصال اعتذار من النائب خليل، الذي اوضح انه تأكد ان الكلام الذي سمعه بحقه واتهامه «بالمجرم»، لم يصدر عن رئيس حزب الكتائب، مؤكداً احترامه للنائب الجميل وحزب الكتائب، وكان ابو صعب حاضراً خلال مصالحة الاتصال.
اللجان المشتركة… يوم صدامي
وفي الوقائع التي سبقت، شهدت جلسة اللجان المشتركة خلافاً حاداً بين بعض النواب كاد ان يتطور لولا تدخل عدد من النواب لضبط الامور. فمع بدء الجلسة، علا الصراخ من داخل الهيئة العامة بسبب سجال بين النائبين ملحم خلف وغازي زعيتر على خلفية دعوة خلف لانتخاب رئيس جمهورية. فما إن دعا خلف النواب إلى انتخاب رئيس جمهورية حتى ردّ عليه زعيتر معتبراً كلامه «مش بالنظام». وارتفع سقف النقاش بين النائبين، وقال زعيتر للنائب بولا يعقوبيان، «شو هالبضاعة»، وتوجّه لخلف بالقول «كول.. أنت متل صباطي».
ولاحقا، وقع نقاش حاد خلال الجلسة بين النائب الجميّل والنائب خليل بسبب رفض خليل استخدام اموال حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي لتمويل الانتخابات، وقد اعتبر الجميل أن هذه أموال ليست لتمويل الانتخابات البلدية والاختيارية وأنها بحاجة إلى قانون خاص، فرد خليل: هناك رئيس حزب اعتبر أن هذه الأموال يمكن أن تموّل الانتخابات البلدية (وهو هنا كان يقصد رئيس حزب القوات سمير جعجع).
لكن الجميل اعتبر انه هو المقصود فقال: أنا الوحيد رئيس حزب هنا وأنت تقصدني، وهذا الكلام ليس مقبولاً، كما لا يحق لك التكلم بذلك.
أجاب حسن خليل: لا اقصدك بل اقصد شخصاً آخر.
فرد الجميل: أنت اصلاً مطلوب إلى العدالة وأنا لا أرد عليك.
فردّ خليل بانفعال قائلاً: أنت بتسكت.. أنت مجرم إبن مجرم.
ورفعت جلسة اللجان المُشتركة من دون اقرار أي بند.
وقد عقد الجميّل مؤتمراً صحافياً أكد فيه أن ما حصل خطير ومسّ بمقدسات ولن يمرّ. وقال: جئنا لنؤكد أن عدم حصول الانتخابات البلدية والاختيارية سيؤدي الى فوضى كبيرة في البلد، لافتا إلى أن هناك مئة طريقة للحكومة لإجراء الانتخابات البلدية وأعطينا امثلة ان مصرف لبنان يصرف يومياً 27 مليون دولار لمنصة «صيرفة» ولتهدئة سعر الصرف. هناك عدد من الطرق للتمويل خصوصًا ان المبلغ المطلوب هو 8 مليون دولار وهو ربع ما يدفعه مصرف لبنان يومياً.
وأكد أننا جئنا لحماية هذا الاستحقاق البلدي والاختياري لأن موقفنا ان المجلس هو هيئة ناخبة لا يحق لها التشريع والمسؤولية تقع على الحكومة التي لا يمكنها ان تؤمن تمويلاً للانتخابات البلدية فيما تجد تمويلا لأمور اخرى.
مضيفًا: لكن حصل شيء بهذه الجلسة التي شهدت منذ بدايتها توترات، ولن أدخل في تفاصيل ما حصل وسأضعه بعهدة الرئيس بري لنرى كيف سيتعاطى مع الأمر. إن أفصحت عمّا حصل سأكون مساهماً بفتنة يريد البعض جرّ البلد إليها وهذا ما لا نريده، من هنا لن أتحدث عما حصل خلال الجلسة والذي كان يمكن أن يأخذ البلد الى مكان آخر.
وتابع: تسجيل ما حصل في الجلسة موجود، أي ما قلته وما قاله الزملاء، وأدعو الرئيس بري لأخذ التسجيل والاستماع إليه وإن كان سيعتبر ان ما حصل يمرّ فنكون امام مشكلة كبيرة لن يقبل بها أحد. اكرر أن التسجيلات موجودة ولم أتوجّه لعلي حسن خليل بأنه مطلوب للعدالة.
في المقابل، رد حسن خليل بالقول: للأسف هناك جهات لأسباب عديدة تصرّ على تعطيل المجلس النيابي ورفض عقد جلسات تشريعية. والانفعال الذي تكلّم عنه أحد الزملاء هو ما يولّد ردّات الفعل وكان كلامي واضحاً إذ قلت نحن كمجلس نيابي لا نتحمّل مسؤولية سحب الأموال من صندوق النقد الدولي، وإذا أحد رؤساء الأحزاب اقترح ذلك فليتحمل هو المسؤولية.
واوضح انه قصد بكلامه سميرجعجع بتصريحه عن سحب الاموال من صندوق النقد وليس سامي الجميل، ولكن رئيس «الكتائب» النائب سامي الجميّل أصرّ أنّه هو المقصود وتكلّم معي بلغة تخطّت لغة الزمالة، فاستحقّ ردّة فعلي ليعلو الصراخ في المجلس.
وقال: لن أقبل بأن يكون هناك أيّ مسّ بكرامتنا تحت أي شكلٍ من الأشكال، أننا لن ننجر إلى خطاب الإنقسام في البلد. أنّ «حركة أمل» حركة قاتلت من أجل وحدة لبنان وما زالت تُناضل، وهي الحريصة على السلم الأهلي بعكس جهاتٍ رفعت شعار «لكم لبنانكم ولنا لبناننا» بسبب «الساعة».
وعلّق أمين سرّ كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن على الخلاف الذي شهدته الجلسة وقال: إنَّ ما حصلَ في الجلسة كان صادماً والواقع في البلد خطير اذا ما استمر على هذا النحو والمطلوب ان يعلو صوت العقل في عين العاصفة.
أبو الحسن أكّد أنَّ «ما قام به رئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي وليد جنبلاط و«اللقاء الديمقراطي» من محاولة لضبط الأمور قد نكون نجحنا بها ولكن مازالَ الجو محتقناً، داعياً الى تنفيس هذا الإحتقان.
وختمَ أبو الحسن متسائلاً: إذا الشارع توّتر فعلى المسؤول ضبطه ولكن عندما يتوّتر المسؤولون فمن يضبط المسؤول والشارع؟ مؤكدّاً أنَّ «ما حصل مخيّب للآمال ودعوتنا الى كلّ الفرقاء للعودة الى الحكمة والتروي والتعقّل والمنطق والحرص على المصلحة الوطنية.
وفي سياق السجالات، فبعد هجوم شنه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على النائبين حليمة قعقور وابراهيم منيمنة، ردّ النائبان على جعجع، بتذكيره ان القوات جزء لا يتجزأ من المنظومة التي خربت لبنان.
جنبلاط في فرنسا
الى ذلك وفي حين لم يحصلجديدعلى صعيد الاستحقاق الرئاسي، لم يظهر شيء بعد حول لقاءات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في باريس، لكن مصادر الحزب قالت لـ«اللواء» انه قد يعود الخميس او الجمعة الى بيروت وتتضح كل الامور في وقتها.
وأكد أمين سر الاشتراكي ظافر ناصر ان زيارة جنبلاط الى فرنسا ستشهد اكثر من لقاء لعدد من المعنيين، مشيرا الى ان جنبلاط يجري تشاوراً مستمراً مع القيادة الفرنسية من اجل البحث عن مخرج للأزمة اللبنانية.
الشامي: هذا ما نخشاه
على الصعيد الاقتصادي، صدر عن نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بيان ال فيه: حذَّرت بعثةُ صندوق النقد الدولي إبّان زيارتها لبنان أنه، في غياب الإصلاحات الضرورية التي تَمَّ الاتفاق عليها مع الصندوق على صعيد الموظفين، سيدخل لبنان في أزمة عميقة لا أفق زمنيا لها. كما كنّا نحن نُحذِّر تكرارا ولا نزال، من على منابر عدة ومن داخل مجلس النواب، من خطورة الوضع ولكن صوتنا لم يلقَ آذاناً صاغية، فعسى أن يكون صوتُ الصندوق أكثر وقعاً.
اضاف: لقد أعدَّت الحكومة برنامجاً اقتصادياً ومالياً تم الاتفاق عليه مع الصندوق، وكذلك خطة مفصلة وموسعة مستوحاة من هذا الاتفاق أُرسلت إلى مجلس النواب في التاسع من أيلول الفائت. فمن المستغرب أن بعض السياسيين من مشاربَ مختلفة، ما زالوا يدّعون جهاراً أنَّ ليس للحكومة أية خطة، إذ في ذلك استخفاف بأمور ذات أهمية بالغة وتداعيات على مسيرة الإصلاح، بل على مصير البلد.
وتابع: توصّل لبنان إلى اتفاق مع الصندوق قبل سنة، ولم ينجز إلا القليل من الإجراءات المُتفق عليها. إن عدم القيام بهذه الإصلاحات من قبل المسؤولين أينما وجدوا يقوّضّ صدقية لبنان ويزيد صندوقَ النقد تصلّباً في مواقفه ورفضا لقبول أفكار جديدة، حتى لو لم تكن متعارضة بشكل جوهري مع مذكرة التفاهم. لبنان بحاجة لاستعادة ثقة المجتمع الدولي لنكسب بعضا من المرونة بالتعامل مع لبنان. المرونة من قبل الغير تتطلب صدقية من قبلنا.
وقال: في ضوء التعثّر الحاصل، أسهبَ البعضُ بالاستنتاج أن الصندوق سينسحب من الاتفاق مع لبنان، وها هو الصندوق يؤكد انه ملتزم بمساعدتنا، ولكن الخوف، كل الخوف، هو أن ننسحب نحن من الاتفاق فعلياً بحكم التلكؤ الحاصل في تنفيذ الإجراءات.
وتابع: المراوغة في تطبيق الإصلاحات قد يؤدي بنا إلى مزيد من المأسوية. فالضوء في نهاية هذا النفق الطويل يخفت شيئا فشيئا ويكاد ينطفئ. في ظل وجود حكومة تصريف أعمال، وعندما يُفقد الأمل، قد يضطر المسؤول الى الانكفاء بعدما قدَّم كل ما في حوزته وينتقل إلى الظل حتى لا يكون شاهد زور على الانهيار الحاصل.
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامة عن تسجيل 82 اصابة جديدة بفايروس كورونا وحالة وفاة واحدة.