كتبت صحيفة “النهار” تقول: سألت “النهار” في عددها الصادر امس: أي فضيحة جديدة غدا او في قابل الأيام بعد طي فضيحة حرب التوقيتين؟ ولم يطل الوقت اقل من 24 ساعة لتنفجر فضيحة انكشاف مجلس النواب في زمن تعطيل الاستحقاق الرئاسي.
على نمط الفضائح التسلسلية او العنقودية، باتت الفضائح تسابق يوميات اللبنانيين ومأسيهم وتداعيات الكوارث التي يرزحون تحتها وهي تتهاطل عليهم ممن لا يزال في قدرتهم انتاج مشاهد الهبوط المقزز الذي يجتاح “ثقافات” سياسية تربت ونشأت وكبرت وتعملقت على خلفيات استباحة المؤسسات واخضاعها لـ “ثقافة الميليشيا” التي تستسيغ مثلا تحويل ام المؤسسات أي البرلمان ، الى ساحة فلتان كلامي مقذع ورمي الاتهامات والنعوت المخجلة التي لا يمكن القبول بها وتسويغها حتى في الشارع .
ما جرى البارحة في مجلس النواب، بعد ساعات قليلة من طي فضيحة التوقيتين، بدا اكبر من فضيحة ولو ان برلمانات عدة في العالم تشهد حوادث صدامية وكلامية، ولكن في لبنان الذي صار مفطورا على الرقص على حافية الفتن كان يمكن كلاما مقذعا كالذي اطلقه علي حسن خليل، النائب و”المعاون السياسي” لرئيس مجلس النواب نبيه بري والناطق الاوثق باسمه وباسم حركة “امل” مسددا الاتهامات ب”الاجرام” لرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل ووالده الرئيس الأسبق للجمهورية امين الجميل ان يفجر فتنة بكل ما للكلمة من معنى. احتقان مخيف انكشف تحت جنح التفجر الاقذاعي الكلامي هذا غداة سقوط فضيحة فرض تجميد التوقيت الصيفي بايعاز معروف من عين التينة، ولكن الانفجار جاء هذه المرة بصورة كلام هابط مقذع. تحلى سامي الجميل بحكمة مشهودة وروية مقدرة ومعقلنة حين بادر فورا امام الرأي العام المحلي الى وضع مجريات المواجهة الكلامية في عهدة الرئيس بري الذي لم يكن اقل حكمة في ملاقاته الى احتواء ما كاد يتسبب به لسان النائب الأقرب اليه. برّي أجرى اتصالاً بالنائب سامي الجميل بعد مؤتمره الصحافي الذي قال فيه إنه سيضع ما حصل في جلسة اللجان المشتركة في عهدة رئيس مجلس النواب، وبدأ العمل على امتصاص التداعيات، اذ ذكر ان بري اعرب عن سخطه لما جرى وان علي حسن خليل اتصل بدوره على الأثر بالنائب الجميل لانهاء الاشكال وتداعياته. ولكن الفضيحة لم تطمس ، فماذا جرى؟
الكلام الصدامي
كانت الاجواء السياسية في البلاد لا تزال مشحونة ومتوترة بفعل التصعيد في الخطاب الذي رافق عاصفة التوقيت وسط مؤشرات لا تزال لا تستبعد اقدام رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي على الاعتكاف بدليل عدم حضوره امس الى السرايا وعدم انعقاد أي اجتماع او لقاء في السرايا. وسط هذا المناخ انفجر خلاف حاد في جلسة اللجان المشتركة التي اجتمعت لتناقش 8 بنود، الا انها انتهت بسبب كثرة الاشكالات التي تجاوزت حدود التخاطب الاخلاقي، خلالها، من دون اقرار اي منها. فمع بدء الجلسة، علا الصراخ من داخل الهيئة العامة بسبب سجال بين النائبين ملحم خلف وغازي زعيتر على خلفية دعوة خلف لانتخاب رئيس جمهورية. فما إن دعا خلف النواب إلى انتخاب رئيس جمهورية حتى ردّ عليه زعيتر معتبراً كلامه “مش بالنظام”. وارتفع سقف النقاش بين النائبين، وصدر عن زعيتر كلام غير مسبوق في المجلس إذا قال للنائبة بولا يعقوبيان، النواب “شو هالبضاعة”، وتوجّه لخلف بالقول “متل صباطي”.
وما ان انحسرت هذه المواجهة حتي انفجرت أخرى اشد سؤا اذ انه اثناء مناقشة موضوع تمويل الانتخابات البلدية طرح النائب سامي الجميل اكثر من احتمال لكيفية تأمين الأموال دون الحاجة الى انعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب والتي كرر اعتبارها غير دستورية بحكم الشغور الرئاسي. كما طرح إمكانية استعمال أموال السحب الخاصة SDR التي تستعمل اليوم لأغراض متعددة وصولا حتى الى تنظيف الوزارات. هنا تدخل النائب علي حسن خليل وقال : “ان احد رؤساء الأحزاب يريد مخالفة الدستور ويطلب من مجلس الوزراء مخالفة الدستور”. فقاطعه النائب الجميل قائلا : ” استغرب كيف ان حضرة الزميل يعطينا امثولة في كيفية احترام الدستور والقوانين والقضاء”. فانفعل حسن خليل ورد على الجميل بحدة قائلا” انت مجرم ابن مجرم ومن عائلة مجرمة”. ودبت الفوضى وعلا الصراخ ثم عقد الجميّل مؤتمرًا صحافيًا أكد فيه “أن ما حصل خطير ومسّ بمقدسات ولن يمرّ”. وقال “جئنا لنؤكد أن عدم حصول الانتخابات البلدية والاختيارية سيؤدي الى فوضى كبيرة في البلد، لافتا إلى أن هناك مئة طريقة للحكومة لإجراء الانتخابات البلدية وأعطينا امثلة ان مصرف لبنان يصرف يومياً 27 مليون دولار لمنصة صيرفة ولتهدئة سعر الصرف”. أضاف: “… لكن حصل شيء بهذه الجلسة التي شهدت منذ بدايتها توترات، لن أدخل في تفاصيل ما حصل وسأضعه بعهدة الرئيس بري لنرى كيف سيتعاطى مع الأمر”. اضاف “إن أفصحت عمّا حصل سأكون مساهماً بفتنة يريد البعض جرّ البلد إليها وهذا ما لا نريده، من هنا لن أتحدث عما حصل خلال الجلسة والذي كان يمكن أن يأخذ البلد الى مكان آخر”. وتابع “تسجيل ما حصل في الجلسة موجود، أي ما قلته وما قاله الزملاء، وأدعو الرئيس بري لأخذ التسجيل والاستماع إليه وإن كان سيعتبر ان ما حصل يمرّ فنكون امام مشكلة كبيرة لن يقبل بها أحد”. وأوضح الجميّل أن ما حصل مسّ بمقدسات وانطلاقاً من هنا اتوجه الى الرئيس بري إن كان سيعالج الموضوع فهو يعرف كيف يعالجه وإن لم يرغب بمعالجته فتكون الرسالة وصلت وسنرى مع حلفائنا كيف سنتعاطى” أضاف : “لن أتحدث ولن أدخل بالتفاصيل وأكرّر أن التسجيلات موجودة ولم أتوجّه لعلي حسن خليل بأنه مطلوب للعدالة”. وختم: “الموضوع بات بعهدة بري”.
في المقابل، قال خليل أنّ “الانفعال الذي تكلّم عنه أحد الزملاء هو ما يولّد ردّات الفعل وكان كلامي واضحًا إذ قلت نحن كمجلس نيابي لا نتحمّل مسؤولية سحب الأموال من SDR وإذا أحد رؤساء الأحزاب اقترح ذلك فليتحمل هو المسؤولية”. تابع “قصدت جعجع بتصريحه عن الـSDR منذ يومين ورئيس الكتائب النائب سامي الجميّل أصرّ أنّه هو المقصود وتكلّم معي بلغة تخطّت لغة الزمالة فاستحقّ ردّة فعلي ليعلو الصراخ في المجلس”. وأكد أن “لن أقبل بأن يكون هناك أيّ مسّ بكرامتنا تحت أي شكلٍ من الأشكال وأننا لن ننجر إلى خطاب الإنقسام في البلد”.
واصدر نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب، بيانا جاء فيه : “على اثر السجال الذي حصل خلال جلسة اللجان المشتركة بالمجلس النيابي تواصل نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب مع الرئيس نبيه بري رئيس المجلس النيابي واطلعه على تفاصيل ما حصل؛ فبادر بعدها مباشرة الرئيس بري واتصل برئيس حزب الكتائب اللبنانية الشيخ سامي الجميل مؤكدا له حرصه على معالجة ما حصل، كما طلب بري من بو صعب استكمال اتصالاته لايجاد حل من شأنه ان يعالج الموضوع سريعا. وعلى أثر هذه الاتصالات، زار بو صعب مقر حزب الكتائب في الصيفي حيث اجتمع مع رئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميل واتفق معه على طريقة معالجة الموضوع. وبعدها، اجرى النائب علي حسن خليل اتصالا بالشيخ سامي الجميل بصفته رئيس حزب الكتائب معتذرا منه على الكلام الذي صدر عنه ولاسيما بعدما تأكد النائب خليل أن الكلام الاستفزازي الذي صدر بحقه لم يكن صادرا عن رئيس حزب الكتائب. واكد خليل خلال الاتصال الذي شارك به بو صعب، كامل احترامه للشيخ سامي الجميل ولحزب الكتائب”.