تتزامن زيارة الموفد القطري وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي إلى بيروت، مع الحركة المكثفة لدول اللجنة الخماسية التي اجتمعت الشهر الماضي في باريس، وعلى بعد أيام من زيارة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط إلى العاصمة الفرنسية التي تلتها دعوة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للقاء باتريك دوريل المستشار الرئاسي الفرنسي، وهذا كله يعطي انطباعاً بأن الملف الرئاسي يشهد محاولات جدّية نحو إيجاد صيغة تكون مقبولة من مختلف الأطراف لإتمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فهل تنجح المساعي هذه المرة لإنجاز الاستحقاق قبل موعد القمة العربية المقررة في أيار المقبل، في ظل التقارب السعودي – الايراني الذي يفترض أن تكون له ارتدادات إيجابية على الملف اللبناني؟
مصادر مواكبة لزيارة الموفد القطري أشارت إلى أنه يكتفي بجمع المعلومات فقط، ولم يطرح أسماء لمرشحين معينين لتسويقهم مع القوى التي يلتقيها، لأن جولته استطلاعية بالدرجة الأولى وللدفع باتجاه تقديم تنازلات من قبل الجميع للخروج من المأزق، لأن اطالة الشغور الرئاسي تُضر بلبنان وقد يؤدي الشغور في حال استمراره الى عزلة لبنان عربيا ودولياً.
المصادر رأت أن “الكرة الآن هي في ملعب الثنائي أمل – حزب الله الذي يعمل على حرق المرشحين لمصلحة مرشحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، والثنائي الآخر تكتل الجمهورية القوية وتكتل لبنان القوي اللذين يرفضان الرئيس التوافقي، مما يزيد من تعقيد الأمور بدل حلها”.
في السياق، رأى النائب أديب عبد المسيح في حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية أن “الموفد القطري يسعى بالتنسيق مع السعودية لتقريب وجهات النظر. وهو لم يطرح أسماء معينة، وهذا يعني ان الملف الرئاسي بدأ يتحول الى الداخل اللبناني. وهو أيضا يريد أن يقول للثنائي الشيعي أن الخروج من الأزمة يتطلب البحث عن مخرج آخر”، معتبراً أنه “لو نجح الحل الخارجي لما أتى الموفد القطري الى لبنان، ولما تمت دعوة فرنجية الى فرنسا لإبلاغه بتكثيف الاتصالات مع الفريق المسيحي القوات والتيار لتغيير موقفهم ودعمه في الوصول إلى الرئاسة”، ورأى أنه “قد يكون المخرج بتغيير موقف أحد الفريقين، لكن الأمور لم تنضج بعد مع التأكيد بالتزام الثنائي الشيعي بدعم فرنجية”.
من جهة ثانية، مسؤول الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور رأى أن “قطر على دراية وتنسيق كامل ومتكامل مع المملكة العربية السعودية”، وفي حديث مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية أشار الى ان “لا أحد يستطيع خارجيا التعاطي مع الملف اللبناني إن كان باريس أو واشنطن من دون المرور بالسعودية، وأي محاولة لتجاوزها لن يكتب لها النجاح، فالمملكة إذ ذاك لا تلتزم بتقديم اي دعم سعودي”، معتبرا أن “الأزمة في لبنان تتطلب دعما ماليا خليجيا، وقطر هي جزء من الاستراتيجية الخليجية التي ترأسها السعودية. مشيرا إلى أن “الاستعصاء الرئاسي سببه الفريق الآخر الذي يتمسك بمرشحه دون تقديم أية أفكار جديدة، إذ ما زال يراهن على دور فرنسي لإقناع السعودية بالقبول بفرنجية، لكن ذلك ما زالت يصطدم برفض المملكة خصوصا بعد التقارب مع إيران، لأن السعودية لن تسمح ان تخرج ايران بموقف يظهرها بأنها المنتصرة”.
وبرأي جبور “يفترض بالانتخابات الرئاسية أن تكون مدخلاً لإعادة ترتيب البيت اللبناني تمهيدا للشروع بتنفيذ الإصلاحات، زالرئيس الذي ينتمي للفريق الممانع لا يمكنه تنفيذ هذه الإصلاحات، بل إن المدخل لتنفيذها يتم عبر انتخاب رئيس غير خاضع للفريق الممانع. اذ إن التجربة منذ العام 2019 حتى اليوم واضحة، والدليل ان البلد معطل منذ ذلك التاريخ. لذلك لا أحد بوارد إعادة التمديد للواقع الممانع إن كان على المستوى الدولي أو العربي”، وتابع: “للخروج من الأزمة المالية هناك ميزان قوى خارجي بوابته السعودية، وهي ليست بوارد التساهل بمسألة لبنان ولن تسمح بسلخه عن محيطه العربي وبتجاوز اتفاق الطائف”.
وبانتظار ما ستستفر عنه كل تلك الحركة والاتصالات، ثمة حقيقة ثابتة تبقى هي حجر الرحى في ما يجب أن يدفع القوى السياسية المحلية إلى التصرف فوق حساباتها الضيقة، وهي الحياة المعيشية التي لا تطاق لدى الغالبية من اللبنانيين الذين يعانون الأمرّين، ولا ملاذ لهم سوى باستعادة الدولة لدور مؤسساتها وانتظامها وانطلاق مسار العلاج الاقتصادي والمالي.