الدخول القطري على خط الاستحقاق الرئاسي، عبر موفد الدوحة الى بيروت ليس حاسما، ولكنه ليس تفصيلا صغيرا، لانه يندرج في اطار حراك ديبلوماسي “استطلاعي” عربي، يهدف الى الوصول الى مخرج للمأزق الحالي، عبر القنوات المفتوحة بين الدول الخمس، والتي اصبحت زائدا واحدا بعد الاتفاق السعودي- الايراني.
واذا كانت النتائج غير واضحة حتى الآن بسبب غموض “الصفقة” المفترضة، وعدم نضج “الطبخة” بعد، الا ان ثمة شيئا تحرّك، ويبنى عليه للمرحلة المقبلة، بحسب مصادر ديبلوماسية ، التي لفتت الى ان باريس لا تتحرك من “فراغ”، ولا تزال تلعب دور “رأس الحربة” في الملف اللبناني برضى اميركي واضح وتسليم سعودي بقيادتها، اقله لتفكيك “الالغام” في مرحلة غربلة الاسماء الرئاسية، وتأمين الضمانات اللازمة للبدء بمرحلة وضع التفاهمات على “الطاولة”.
ولهذا كانت دعوة رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية الى باريس محطة مفصلية سيبنى عليها الكثير في المرحلة المقبلة، بعدما حصلت باريس على الاجوبة المفقودة على الاسئلة، وعلى الهواجس، وتبقى العبرة في تسييل النتائج الى تفاهمات اقليمية – دولية يعمل عليها دون سقف زمني واضح. لكن ما تم تثبيته في الساعات القليلة الماضية ان باريس ثبتت على نحو رسمي، بان فرنجية الذي ناقش مع قيادة حزب الله امس تفاصيل زيارته الباريسية، هو المرشح الاكثر جدية حتى الآن، ولا يمكن تجاوزه بسهولة، اما حسم بقائه او خروجه من السباق فسيكون الخطوة الاولى للانطلاق نحو التسوية او الفراغ الطويل.
واذا كان “الغموض البناء” يغلف كل هذا الحراك الديبلوماسي، فان اكثر الدلائل على وجود “نقزة” لدى قوى المعارضة، ارتفاع حدة التوتر في “معراب” ورفع رئيس “القوات” سمير جعجع من حدة خطابه الرافض لاي مرشح من “الممانعة”، في محاولة واضحة لايصال الصوت الى الخارج الذي يتحرك على وقع تغيرات دراماتيكية، وآخرها التقارب الخليجي مع سوريا.
كل هذا يحصل في وقت تتجه الانظار الى “الصلاة” في بيت عنيا-حريصا دون اوهام كبيرة بخروج توافق مسيحي حول مرشح يمكن ان يقلب “الطاولة” على حسابات الجميع في الداخل والخارج، كما تمنى الفاتيكان الذي يخشى من تسوية على حساب المسيحيين!. اما مصير الانتخابات البلدية والاختيارية فبات معلقا على تمويل غير مؤمن حتى الآن، عن “سابق تصور وتصميم”، بعد رمي وزير الداخلية بسام المولوي “الكرة” في ملعب القوى السياسية، معلنا الجهوزية التامة، ومحددا موعد اجرائها في المهل القانونية بدءاً من الـ7 من ايار.
الصمت “المربك”
في هذا الوقت، فان الصمت حول نتائج زيارة فرنجية الى باريس، سواء من الفرنسيين او من اوساط “بنشعي”، اربك الساحة الداخلية التي تتعامل مع الوقائع دون تأكيدها او نفيها، لكن الحراك الديبلوماسي يشير الى وجود مرحلة جديدة تطلبت رفع مستوى التعامل الفرنسي مع هذا الملف، وسيكون لتحركات فرنجية المقبلة، والتي بدأت مساء امس باطلاع قيادة حزب الله على فحوى الزيارة، المؤشر الحقيقي لما جرى وسيجري في المرحلة المقبلة، لكن المؤكد ان الفرنسيين لم يتخلوا عن دعمه وفق “تسوية” تقوم على انتخابه رئيساً للجمهورية، في مقابل تكليف السفير السابق نواف سلام تشكيل الحكومة، على أن يُعين مسؤول الشرق الأوسط وأفريقيا في صندوق النقد الدولي الوزير السابق جهاد أزعور، حاكماً لـ “مصرف لبنان” خلفاً لرياض سلامة، وتعهدوا بجولة مساع جديدة مع السعوديين الذين قبلوا هذه المرة بالاستماع، وستكون العيون شاخصة على تحركات فرنجية المقبلة، سواء اعلان ترشيحه بشكل رسمي ببرنامج رئاسي واضح للداخل والخارج، علما انه تلقى نصيحة فرنسية بالتحرك باتجاه المعارضة، وفتح نقاشات معمقة معها حول كل الملفات الشائكة.
لا اقتراحات قطرية
وفي سياق متصل، لم يحمل وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي اي اقتراحات رئاسية ملموسة، وانما اجرى جولة استطلاع او استمزاجا لرأي القوى السياسية في “الوقت الضائع”، بانتظار تبلور الافكار الفرنسية – السعودية الى خلاصات محددة، وهو آثر “الصمت” خلال لقاءات تنتهي اليوم بمروحة واسعة شملت مختلف القوى السياسية، وهو التقى بالامس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي شدد خلال الاجتماع، على “العلاقات الوطيدة التي تربط لبنان وقطر على المستويات كافة”، مشيداً “بالمساهمات القطرية في مساعدة لبنان على الصعوبات التي يمرّ بها سياسياً واقتصادياً”. وجدّد “التقدير لدعم قطر الجيش في هذه المرحلة العصيبة بما يمكّنه من القيام بمسؤولياته”. كما عرض رئيس حكومة تصريف الاعمال الوضع الراهن في لبنان والجهود التي تبذلها حكومته في معالجة الملفات الطارئة، وفق ما يتيحه الدستور في مرحلة تصريف الأعمال. وجدّد التأكيد أنّ “مدخل الحل للأزمات التي يعاني منها لبنان يكمن في انتخاب رئيس جديد في أسرع وقت”.
كذلك، زار الخليفي والوفد المرافق رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقرّ الرئاسة الثانية في عين التينة، في حضور السفير القطري. كما التقى الخليفي وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، وجرى خلال الاجتماع عرض الأوضاع العامة وتأكيد أهمية استقرار ووحدة لبنان. ثم زار الصيفي واجتمع الى رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل . كما زار الخليفي بعد الظهر بكركي حيث استقبله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، كما رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد في مقر الكتلة، والنائب السابق وليد جنبلاط والامير طلال ارسلان، وهو سيلتقي اليوم كلا من رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والنواب “التغيريين” ، ويختم جولته في اليرزة بلقاء قائد الجيش العماد جوزاف عون.
حراك ديبلوماسي اميركي
وعشية خلوة بيت عنيا الروحية النيابية المسيحية، المقررة غدا الاربعاء في حريصا، دخلت الفاتيكان على خط الاتصالات، وحصل تواصل مع بكركي في محاولة لتفعيل دورها والخروج بموقف مسيحي موحد من الاستحقاق الرئاسي. وفي السياق نفسه، استقبل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي في بكركي، السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي زارت ايضا رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة. وعلم في هذا الاطار، ان الموقف الاميركي لم يتغير، ولم تبد السفيرة اي موقف سلبي تجاه الحراك الديبلوماسي الفرنسي، موحية بموافقة بلادها على اي تسوية يمكن ان تؤدي الى “سلة” تفاهامات متكاملة حول الرئاسة والحكومة، والمحت الى ان بلادها تؤيد قيام باريس “بتفكيك الالغام” الرئاسية.
نصائح الفاتيكان
ووفقا لاوساط مطلعة، نصحت الفاتيكان البطريرك بشارة الراعي، بضرورة ان يستفيد المسيحيون من الفرصة السانحة اليوم، ولا يكونوا خارج التسوية وانما جزءا منها، لان مفاعيل الاتفاق السعودي – الايراني لا بد وان تشمل لبنان مهما طال الزمن، فالامور في المنطقة، كما تراها الفاتيكان، “تتجه نحو مصالحات كبرى لا يجب ان يدفع المسيحيون ثمنها، ولهذا يجب ان يتوحدوا على خارطة طريق وطنية تحفظ دورهم الوطني من خلال التفاهم على كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة، والبداية تكون بالاتفاق على تسمية جامعة لمرشح رئاسي يكون منطلقا لحوار مع كافة المكونات الاخرى، لان الانقسام المسيحي يضعف موقف الجميع، ويسمح بتمرير التسويات على حسابهم”.
لكن لا يبدو ان ” أربعاء أيوب” الذي اختاره البطريرك الراعي لجمع النواب المسيحيين في يوم اختلاء روحي وصوم وصلاة وسماع لكلام الله وتوبة، لن يفضي الى اي نتيجة، في ظل الهوة الكبيرة التي تفصل بين الاحزاب المسيحية الرئيسية، واذا كان “التيار الوطني الحر” منفتحا على اجراء حوار صريح ودون شروط مع باقي الاطراف، فان “القوات اللبنانية” لا تزال تضع “فيتو” على النقاش مع رئيس “التيار” جبران باسيل، ولن تمنحه اي “فرصة” جديدة “لطعنها” بحسب زوار “معراب”، لأن “اللي جري مجرب كان عقلوا مخرب”. ولهذا لا تعويل على هذه الخلوة التي ستبدأ في التاسعة صباحا بالتأمل الأول تحت عنوان “موت الرجاء وقيامة إلهية ، يليه في التاسعة والنصف استراحة، ومن ثم في العاشرة التأمل الثاني.. ومن العاشرة والنصف حتى الحادية عشرة والنصف، ساعة من الصمت والتأمل وزيارة القربان وتوبة في مزار سيدة لبنان، يتبعها في الثانية عشرة إلا ربعا القداس الالهي والمناولة الفصحية، وينتهي اللقاء في الثانية عشرة والنصف بغداء في ضيافة دار بيت عنيا، بعيدا عن الاعلام.
التصعيد “القواتي” مستمر؟!
واستكمالا لتصريحاته التصعيدية، قال جعجع ” نحنا أبناء الرجا ،خلاصنا بإيدنا مش بإيد الدول الكبرى، وقديش عنا اليوم أعمى بصيرة ومخلّع ضمير وإبن ضال عن درب الوطن” . واضاف”سنفعل كل ما بوسعنا لعدم وصول محور الممانعة إلى بعبدا، وميزان القوى يسمح بذلك”. ولفت إلى أنه “صار الوقت أن يجلس محور الممانعة في البيت، لأنه مُصرّ على استراتيجيته وسياسته”. وخلص الى القول “نحن أعطينا الوطني الحر في الـ 2016 ، واليوم حان الوقت أن يعطونا”، مشددا على أنه “لن يصل أي رئيس من الممانعة إلى قصر بعبدا”.
انقلاب المشهد الاقليمي
وما تحذر منه دوائر الفاتيكان، كان مدار نقاش في دوائر القرار العالمية وفي “اسرائيل”، وفي هذا السياق، ذكرت مجلة “نيوزويك” الاميركية، أنّ السعودية والولايات المتحدة على مسار تصادمي مرةً أخرى كما يبدو، بعد قرار تخفيض إنتاج النفط . وأضافت ” أنّ قرار الدولة الشرق أوسطية وأعضاء آخرون في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك+”، التخفيض المفاجئ في إمداداتها النفطية، يوجه ضربةً جديدة للعلاقة المتوترة بين واشنطن والرياض، بعد اقتراب الأخيرة من روسيا والصين، في ظل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن”. ولفتت الصحيفة الى “ان السعودية تضع استراتيجية اقتصادية مستقلة عن الولايات المتحدة، بعد تدهور العلاقات بين الرياض وواشنطن خلال إدارة بايدن .فالسعودية أرسلت إلى الولايات المتحدة رسالة مفادها أنّ العالم لم يعد أحادي القطب بعد الصفقة الديبلوماسية الأخيرة التي تمت بين الرياض وطهران بوساطة بكين”.
كذلك ، تناولت وسائل إعلام “إسرائيلية ” مخاوف الاحتلال من التقارب السوري مع دول الخليج، مشيرةً إلى أنّ ذلك لن يكون بشارة جيدة لـ “اسرائيل”، بل مقلقة لها. ووصفت صحيفة “معاريف الإسرائيلية”، عودة سوريا إلى التقارب مع بعض الدول العربية بـ “الشرق الأوسط الجديد”، وتحدثت عن دعوة المملكة العربية السعودية إلى الرئيس السوري بشار الأسد لحضور قمة الجامعة العربية التي ستعقد في الرياض في أيار المقبل. مشيرةً إلى أنّ ذلك “يعكس تغييراً في الموقف الإقليمي تجاه سوريا”.
وفي سياق متصل، تحدثت صحيفة “هآرتس الإسرائيلية”، عن الاتفاق بين إيران والسعودية، وأكدت أنّه “يرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط”، وقال محلل الشؤون العربية في الصحيفة، تسفي برئيِل، “إنّ الاتفاق يبدّد الحلم الإسرائيلي بإقامة حلفٍ عربي – دولي ضدّ إيران، وقد يبعث الحياة في الاتصالات من أجل اتفاقٍ نووي جديد”، مضيفاً “أنّ التوقيع عليه يدل على صعود قوة الصين في المنطقة على حساب الولايات المتحدة”.
لا جلسة حكومية
وسط هذه الاجواء، وبينما الدولار تراجع بشكل ملحوظ ، وعاد الى ما دون الـ 100 الف ليرة مخفّضا معه اسعار المحروقات، فلا حلول في الافق لملف رواتب موظفي القطاع العام. وقد ترأس ميقاتي في السراي امس اجتماعا لـ “اللجنة الوزارية المكلفة معالجة تداعيات الازمة المالية على سير المرفق العام”، وأقر المجتمعون جملة اقتراحات لعرضها على الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء. ووفقا للمعلومات لم يحصل اتفاق في اللجنة الوزارية حول ارقام وزارة المال، ولذلك لا جلسة لمجلس الوزراء هذا الاسبوع. وفي وقت لاحق أكد وزير المال في حكومة تصريف الاعمال يوسف الخليل أن “رواتب كل العاملين في القطاع العام، سواء في الادارة العامة او المؤسسات العامة والمستقلة، وكذلك القوى العسكرية ومعاشات المتقاعدين كافة، ستحتسب على سعر صيرفة 60 ألف ليرة”، داعياً المعنيين كافة الى قبض رواتبهم ومعاشاتهم وفق هذا السعر.
“كرة نار” البلديّة … اين التمويل؟
في هذا الوقت، ابعد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي”كرة نار” الانتخابات البلدية والاختيارية عن وزارته، واعلن الجهوزية لإجرائها في مواعيدها الدستورية، على ان يصدر اليوم التعاميم اللازمة بخصوص الترشيح. وطالب مولوي، في مؤتمر صحافي عقده في الوزارة، بتأمين الاعتمادات “لما للانتخابات من مردود كبير على المناطق”، مشيراً إلى أنّ “المبلغ ليس كبيراً مقابل ما أنفق في العامين الماضيين”، ولفت إلى أنّ “تكلفة الانتخابات تؤمّنها الدولة، وبعض المال أتى من الـ “يوأن. دي بي”، والباقي يجب على الدولة تأمينه حتى من حقوق السحب الخاصة”.
لكن مصادر مطلعة، تحدثت عن “لغط” كبير حول هذه الحقوق لغياب الشفافية حول ما تبقى منها، وفيما تشير بعض المعطيات الى ان ما صرف حتى الآن يتجاوز الـ 700 مليون دولار من اصل نحو مليار، فان مصادر اخرى رجحت صرف المبلغ كاملا على تغطية بعض المصاريف المتوجبة على الدولة ، وكذلك تدخل المصرف المركزي في السوق. وتبقى حقيقة الارقام في حوزة وزير المال المطالب بتوضيحات حولها.
وبانتظار حل مسألة التمويل من عدمه، قال مولوي “نحن على جهوزية إدارية، والقوائم الانتخابية حاضرة، وستصدر قرارات تقسيم أقلام الاقتراع، وسنصدر قرارات المهل المتعلقة بالترشيح”. وحدّد مولوي مواعيد إجراء الانتخابات على النحو الآتي: 7 أيّار الشمال وعكار، 14 جبل لبنان 21 بيروت، البقاع وبعلبك الهرمل 28 أيّار الجنوب والنبطية.
وأضاف أنّ “كلّ موظف سنعطيه حقه وتعبه”، معتبراً أنّه لا يمكن “رمي المسؤولية على إضرابات الموظفين المحقة لكي نتنصل من الانتخابات”.
وفي السياق، رحبت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان بالدعوة التي وجهها وزير الداخلية والبلديات لإجراء الانتخابات البلدية ، واعتبرت إن إجراء الانتخابات البلدية “أمر مهم للالتزام بالمهل الدستورية والممارسات الديموقراطية في لبنان”.