هل يخرج التوتر المفاجىء على الحدود الجنوبية عن السيطرة بعد الصواريخ «اللقيطة» التي اطلقت على المستوطنات؟ سؤال يطرح نفسه بقوة في ظل محاولات اسرائيلية واضحة لاستغلال الموقف لتنفيس الوضع الداخلي المتازم، والتغطية على التصعيد الاسرائيلي الذي وصل الى ذروته في القدس المحتلة، وتجاوز كل «الخطوط الحمراء» التي تهدد باشعال المنطقة برمتها. فقد اهتزت «قواعد الاشتباك» التي أفرزتها حرب تموز في العام 2006 ولم تقع بالامس، على خلفية سقوط عدة صواريخ في المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وفيما حذرت قوات «اليونيفيل» من خطورة الوضع مع تقاطع المعلومات حول مسؤولية فصائل فلسطينية عن اطلاق نحو 30 صاروخا، ساد الارباك على الجانب الاسرائيلي الذي رد بشكل مدروس بقصف مدفعي محدود، فيما تضاربت التسريبات حول «الخطوة» التالية. فثمة خشية اسرائيلية من توسيع رقعة الاعتداءات على لبنان، ما سيؤدي الى حرب حتمية لا تريدها مع حزب الله، فيما يجري البحث عن رد يقلل من تضرر صورة الردع الاسرائيلية، وهو ما بحثه رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو مع قيادة الاركان الاسرائيلية واعضاء الحكومة الامنية حيث يتعاظم القلق في «اسرائيل» من رد يؤدي الى «توحيد الجبهات» واشتعالها دفعة واحدة. وبين تحميل مصادر امنية حركة حماس المسؤولية، وبين تحميل وزير الدفاع الاسرائيلي الحكومة اللبنانية المسؤولية، ومنح واشنطن اسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، يبقى السؤال عن حجم الرد ومكانه وزمانه؟ في غزة او في لبنان؟ هل ستؤدي الاتصالات على اعلى المستويات المحلية والدولية الى منع الانزلاق الى الاسوأ ولجم التصعيد؟ ام ان حكومة المتطرفين الاسرائيليين ستدخل في مغامرة غير محسوبة تؤدي الى مواجهة شاملة؟ داخليا، ملأ السجال بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع حالة الفراغ في الملف الرئاسي المسدود، بعد ساعات على انتهاء خلوة بيت عنيا الروحية التي لم تبدّل في مقاربة القوى المسيحية للاستحقاق الذي يدور في حلقة مفرغة، وسط قلق «قواتي» من صفقة تتجاوز مصالح «المعارضة»، بينما تتعزز الثقة المتبادلة بين طهران والرياض حيث انتهى اجتماع بكين بين وزيري خارجية البلدين الى اتفاق على تسريع خطوات استعادة العلاقات الثنائية على كافة الاصعدة.
التطورات الامنية
بدات الاحداث مع اطلاق صليات من نحو 34 صاروخا من نوعي «الكاتيوشا» «وغراد» من منطقة المعلية جنوب مدينة صور باتجاه فلسطين المحتلة. وانطلقت الصواريخ على دفعات عديدة وعبرت معظمها الحدود اللبنانية الفلسطينية. وبعد عدة دقائق، قصفت مدفعية العدو الإسرائيلي وادي زبقين وسهل المعلية ولم يفد عن وقوع إصابات. وفي السياق عينه، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، في بيان، وقوع هجوم صاروخي مصدره الأراضي اللبنانية، استهدف الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال جيش الاحتلال إنّ صافرات الإنذار دوّت في مواقع عديدة في الشمال. وقال المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، أنّه تمّ رصد إطلاق 34 قذيفة صاروخيّة من الأراضي اللّبنانيّة باتجاه الأراضي الإسرائيليّة، حيث تمّ اعتراض 25 منها من قبل الدّفاعات الجويّة، فيما سقطت 5 قذائف في «البلدات الاسرائيلية»، أمّا الصواريخ الأربعة الأخرى فسقطت في مناطف مفتوحة. إلى ذلك، أعلنت سلطة المطارات والمعابر الإسرائيلية إغلاق المجال الجوي من حيفا وحتى الحدود مع لبنان. كما دعت سلطات الاحتلال المتنزهين إلى عدم الوصول إلى منطقة الشمال. وفي ساعات المساء، اعلنت «اسرائيل» عن سقوط اربع قذائف هاون في مستوطنة المطلة، ودعت المستوطنين الى البقاء في الملاجىء. وأفاد إعلام العدو بأن القصف الصاروخي على مناطق الشمال تسبّب بإصابة 3 أشخاص، بينما عمل رجال الإطفاء على إهماد الحرائق التي اندلعت إثر اطلاق الصواريخ على المستوطنات. وإثر ذلك، أغلق العدو الإسرائيلي المجال الجوي شمالاً وفتح الملاجئ في المنطقة المتاخمة للحدود مع لبنان، ونقل إعلامه تقييم المؤسسة الأمنية بأن القصف هو «رد فعل على الأحداث في الأقصى». وشهدت الأيام الأخيرة تصاعداً للأحداث في أعقاب اقتحام الشرطة الإسرائيلية للحرم القدسي والاعتداء على المصلين الذين كانوا بداخله قبل اعتقال المئات ممن تحصنوا في داخله، كما شهدت سوريا سلسلة من الغارات الجوية والقصف الصاروخي الاسرائيلي.
الرد في لبنان وغزة؟
في هذا الوقت، رفعت اسرائيل من سقف تهديداتها، واكدت الاذاعة الإسرائيلية، أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت اقترح تعزيز خيارات الرد على إطلاق النار من لبنان لعرضها على مجلس الوزراء. وكشفت أنّ وزير الدفاع الإسرائيلي أصدر تعليمات للجيش بالتحضير لخيارات الرد على لبنان، إثر الهجوم الصاروخي، واشارت الى ان الجيش الإسرائيلي سيرد على الهجمات الصاروخية في لبنان وغزة. من جهته اكد زعيم المعارضة يائير لابيد انه يمنح الحكومة الدعم الكامل لرد قاس على إطلاق الصواريخ من الاراضي اللبنانية. اما القناة 12 الإسرائيلية فاشارت الى ان هناك توجها لدى «الكابينت» بتوجيه ضربة باتجاه غزة ولبنان بشكل متزامن؟!
واشنطن تدعم وحماس تنفي
وردا على تحميل «اسرائيل» حركة حماس مسؤولية اطلاق الصواريخ، اكد ممثل حركة حماس في لبنان أحمد عبد الهادي، ان لا معلومات لدى الحركة عن إطلاق الصواريخ. وكان الناطق باسم جيش الاحتلال افيخاي ادرعي قد اكد ان الجهة التي أطلقت القذائف الصاروخية من لبنان هي حركة حماس، وقال ان الحكومة اللبنانية تتحمل المسؤولية. في هذا الوقت، عمدت «اسرائيل» الى استغلال الحادثة ديبلوماسيا، واوعزت لسفرائها بإخطار الدول العاملين فيها بأنها ستردّ على القصف من لبنان. وفي المقابل، استنفرت واشنطن ديبلوماسيا لدعم الموقف الاسرائيلي، وفيما دعت الولايات المتحدة كل الأطراف إلى تفادي المزيد من التصعيد، مؤكدة التزامها بأمن «إسرائيل»، دانت الخارجية الأميركية إطلاق صواريخ على «إسرائيل» وقالت ان لها الحق في الدفاع عن نفسها، كما عبر مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض عن قلق الولايات المتحدة من التصعيد في لبنان والقدس وغزة، وأشارت إلى أنها تعترف بحق «إسرائيل» المشروع في حماية مواطنيها وأراضيها من أي نوع من العدوان، معتبرة أن من يستخدم لبنان قاعدة لإطلاق الصواريخ على «إسرائيل» يعرض الشعب اللبناني للخطر ويزيد من احتمالات زعزعة الاستقرار في البلاد. من جهته، قال وزير الخارجية الأردني ان بلاده قلقة جدًا من التصعيد على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية.
«تهويل» ديبلوماسي؟
في هذا الوقت، علمت «الديار» ان الجهات الرسمية اللبنانية تلقت تحذيرات جدية من سفراء غربيين من وجود نيات اسرائيلية تصعيدية، دون معرفة حدود هذا التصعيد ومكانه، لكن الاجواء حتى ساعات متقدمة من مساء امس كانت ضبابية ومقلقة ويمكن القول انها «تهويلية» من قبل عدد من السفراء، تزامنا مع مساع لمحاولة لجم اي تصعيد وحصره ضمن حدود «مقبولة». وهو امر لم يحصل احد في الداخل والخارج على ضمانات حوله من حزب الله الذي سبق واعلن في مناسبات عديدة انه لن يسمح للاسرائيليين بتغيير «قواعد الاشتباك»، فيما يتحمل وحده مسؤولية التصعيد الخطر على كامل الجبهات في ظل حكومة يمينية متطرفة تتجاوز «الخطوط الحمراء» كل يوم.
التزام بالـ «1701»
واثرهذه التطورات المتلاحقة، اجتمع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بوزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب، وبناء على المشاورات والاتصالات السياسة المحلية والدولية التي تم إجراؤها صدر عن وزارة الخارجية بيان اكد على كامل احترام لبنان والتزامه بقرار مجلس الأمن الدولي ١٧٠١، وحرصه على الهدوء والاستقرار في جنوب لبنان، ودعا المجتمع الدولي للضغط على «إسرائيل» لوقف التصعيد. كما ابدى البيان استعداد لبنان للتعاون مع قوات حفظ السلام في جنوب لبنان واتخاذ الاجراءات المناسبة لعودة الهدوء والاستقرار وحذر من نيات اسرائيل التصعيدية التي تهدد السلم والامن الاقليميين والدوليين.
من يصب «الزيت على النار»؟
هذه التطورات انعكست ارباكا في الداخل الاسرائيلي في ظل اتهامات لحكومة نتانياهو بتعمد التصعيد، وفيما دعا رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست داني دانون لردّ غير متناسب على الصواريخ من لبنان، رفض انتقادات إعلامية إسرائيلية بأن اقتحام الأقصى كان عملاً مستفزاً زائداً. وانتقدت محللة عسكرية إسرائيلية الحكومة الاسرائيلية التي سمحت باقتحام المستوطنين للأقصى ومحاولة تدنيسه بقرابين سبّبت حالة غليان فلسطينية وعربية، وتصبّ المزيد من الزيت وعيدان الثقاب على النار المشتعلة أصلاً. وقالت كرميلا منيشيه، المحللة العسكرية للإذاعة العبرية العامة، ان الصواريخ تأتي نتيجة حدث استثنائي وسط محاولة استغلال الأحداث في الحرم القدسي الشريف، واستغلال الانقسامات الإسرائيلية الداخلية، التي يعتبرها «أعداء» «إسرائيل» دليلاً على ضعفها، وتبرر تجرؤهم الواضح في هذه الهجمة الصاروخية الخطرة. وترجّح أيضاً ألا تكتفي «إسرائيل» برد مدفعي فوري على مواقع لبنانية، وقالت إن المجلس الوزاري المصغر سيقرر طبيعة هذا الرد المتوقع، لكنها أشارت الى أن حالة الاحتقان كانت قائمة، وسبق أن حذرت جهات إسرائيلية منها، ومن التصعيد في الجبهة الفلسطينية خاصة في رمضان. ووجهت كرميلا انتقادات شبه مباشرة لجهات إسرائيلية سمحت باقتحام المستوطنين للأقصى ومحاولة تدنيسه بقرابين سبّبت حالة غليان فلسطينية وعربية، وتصب المزيد من الزيت وعيدان الثقاب على النار المشتعلة أصلاً.
ما الذي يقلق «اسرائيل»؟
من جهته تحفظ عوزي رابي، الخبير في شؤون لبنان وحزب الله، ورئيس مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، عن تسمية ما حصل بـ «صواريخ تضامنية»، لأن هذا مصطلح يقلل برايه من خطورة الهجمة الصاروخية التي ينبغي رؤيتها ضمن صورة أوسع، بتنسيق إيران التي تعتبر أن «إسرائيل» في حالة تراجع وتفكّك. وقال إنه لا يمكن لأي جهة في لبنان إطلاق صواريخ على شمال البلاد دون ضوء أخضر من حزب الله مدعيّاً أن هناك رغبة بتفجير الأوضاع في عدة جبهات. وتوقع ان ترد «إسرائيل» برد قوي جداً، وليس بالضرورة فوراً، ولكن ينبغي أن تكون ضربة تبدد الاعتقاد بأن «إسرائيل» ضعفت وتوضح للأعداء أن هذا مجرد وهم، لأنها ما زالت قوية ومقتدرة. وقال «ان اسرائيل أمام وضع صعب الآن لأن هناك من يحاول إشعال وتشبيك عدة جبهات». بدورها، تساءلت إذاعة جيش الاحتلال عمّا إذا كانت هناك علاقة بين وجود رئيس حركة حماس اسماعيل هنية في زيارة في لبنان وإطلاق هذه الصواريخ. وأشارت إلى أن منطقة صور مأهولة بالكثير من اللاجئين الفلسطينيين، ورجحت أن تكون منظمات فلسطينية، وربما حماس هي التي تقف خلف الهجمة الصاروخية، وليس حزب الله.
مزاعم اسرائيلية!
في هذا الوقت، وفيما اعلن رئيس اركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي ان «إسرائيل» قادرة ومستعدة لمهاجمة ايران وحدها، ودون مساعدة الولايات المتحدة، نقل المحلل العسكريّ الإسرائيليّ رون بن يشاي، في موقع»اي نت» الإخباريّ-العبريّ، عن مصادر امنية اسرائيلية واسعة الاطلاع زعمها ان وتيرة الهجمات على أهدافٍ إيرانيّةٍ في سورية، والمنسوبة إلى «إسرائيل»، في الأسبوع الماضي، كانت غيرَ مسبوقةٍ من حيث حجمها وكثافتها وقوتها لانها كانت تهدف الى منع هجومٍ إيرانيّ بواسطة المسيّرات، خطّط له الحرس الثوريّ الإيرانيّ، بمساعدة حزب الله. ولفت الى انه عندما تكون المسيّرة مزودة بالذخيرة، فإنها تصبح تهديدًا جديًا للغاية، ذلك أنّه على الرغم من أنّ الرأس المتفجِّر الذي تحمله صغير نسبيًا، فإنّه شديد الدقة، ويصيب النقطة الحساسة في البنية التحتية بدقة ويشلّها. وأكّد أنّه بالإضافة إلى ذلك، كلّما كان مدى تحليق المسيّرة قصيرًا، كلما كان من الصعب كشفها وتحديدها واعتراضها، لذلك، يمكن التقدير أنّ الإيرانيين قرروا مهاجمة أهدافٍ في عمق الأراضي الإسرائيليّة من سوريا، من أجل تقليص المسافة.
تعزيز الثقة بين طهران والرياض
على صعيد متصل بالتطورات الاقليمية، صدر بيان مشترك وقّعته السعودية وإيران، اثر لقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان امس، وتضمن البيان اعلان عن اعادة فتح الممثليّات الديبلوماسية خلال فترة الشهرين المنصوص عليهما في اتفاق تمّ بوساطة الصين في آذار. وذكر البيان أن البلدين ناقشا استئناف الرحلات الجوية والزيارات الثنائية للوفود الرسمية ووفود القطاع الخاص، بالإضافة إلى تسهيل تأشيرات الدخول للمواطنين. وشدد البيان الثلاثي الموقع مع الجانب الصيني على تفعيل جميع الاتفاقيات المشتركة بين السعودية وإيران، ومنها اتفاقية التعاون الأمني، واتفاقية التعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب.
ما سر توتر جعجع؟
هذا التطور الاقليمي الايجابي لم ينعكس على الساحة اللبنانية التي لا تزال قواها السياسية تتبادل الاتهامات بتعطيل الاستحقاق الرئاسي. وفيما واصلت السفيرة الفرنسية آن غريو تحركها لشرح موقف بلادها من الملف الرئاسي، والتقت بالامس رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، تواصل السجال بالامس بين «معراب» «وعين التينة»، فغرّد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على «تويتر» مستعيداً كلام بري حوله كاتباً: جعجع ليس صديقاً ولا عزيزا… لن أستطيع النوم الليلة. وبدا لافتاً منذ عودة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى باريس ولقائه مسؤولين فرنسيين، التصعيد في مواقف جعجع، الذي أكد العمل على بذل كل الجهود لمنع أي مرشّح أو ممثل لمحور «الممانعة» من الوصول إلى سدّة الرئاسة. ووفقا لمصادر مطلعة، فان هذا التصعيد ياتي على خلفية مؤشرات مقلقة وصلت الى «معراب» تفيد بوجود «صفقة» ما يعمل عليها بعيدا عن الاضواء، ولا تزال مختلف القوى المسيحية بعيدة عن اجوائها، فاضافة الى عدم اكتراث الاميركيين للمواقف المسيحية المعترضة على انتخاب فرنجية، والتواطوء الفرنسي لتسويق هذه التسوية، فان «الصمت» السعودي وعدم الوضوح في مقاربات السفير الوليد البخاري للملف، وابقاء الموضوع ضبابيا وغير محسوم لجهة «الفيتو» السعودي على فرنجية، زاد من منسوب التوتر المتصاعد على وقع التقارب السعودي –السوري، والسعودي الايراني.