أحداث غير مسبوقة منذ العام 2006 شهدها الجنوب اللبناني، أمس، بعد إطلاق عشرات الصواريخ باتجاه شمال الأراضي المحتلة، وبالتحديد الجليل الغربي، وإصابة مستوطنين بشظايا. وفي حين لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ، فإن الجيش الإسرائيلي اتهم حركة “حماس” بالوقوف خلف الهجوم، وحمّل الحكومة اللبنانية المسؤولية لأن العملية انطلقت من الأراضي اللبنانية.
اجتمعت الحكومة السياسية الأمنية الإسرائيلية المصغّرة (الكابينيت) مساء لبحث سبل الرد على الهجمة وتوعّد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالرد، في حين لفتت تقديرات الجيش الإسرائيلي إلى أن الهجوم سيطاول لبنان وغزّة معاً، انطلاقاً من أن هوية منفذ الهجوم فلسطينية، أي حماس، والأراضي المستخدمة لبنانية. إلّا أن من المتوقع أن يكون الرد مضبوطاً وتحت سقف قواعد الاشتباك، لأن إسرائيل غير مستعدة لحرب مدمّرة في ظل الانقسام السياسي الحاصل في داخلها، وتكاليف الحرب الباهظة.
وهذا ما حصل، إذ شنّت إسرائيل بعد منتصف الليل حملة عسكرية على عزّة، استهدفت فيها من خلال سلاحها الجوّي مواقع تابعة لكتائب “القسّام”، الجناح العسكري لـ”حماس”، وحمّلت الحركة مسؤولية ما حصل، وقالت إنها ستدفع الثمن. إلّا أنها لا يبدو انها تريد حرباً مفتوحة ومواجهات، بل رداً مدروساً فقط.
لبنانياً، وبالرغم من عدم تبنّي أي فصيل لبناني أو فلسطيني الهجوم، إلّا أن الخيوط تدل على بعض الفصائل الفلسطينية، بحسب مصادر متابعة، تساءلت عن دور حزب الله لأن المنطقة التي أُطلقت منها، هي محيط بلدتي زبقين والقليلة في صور، التي تخضع بشكل مباشر وكلّي للحزب، ومن غير الممكن أن يقوم أي طرف بأي عمل أمني دون إعلام “حزب الله” بالموضوع، وإلّا فإن أجهزة الحزب الأمنية ستعرف بالهجوم قبل حصوله وتمنع حدوثه في حال لم ترغب به.
إلى ذلك، فإن ما حصل في الجنوب اللبناني أمس لا ينفصل عمّا يحصل بالإقليم من تصاعد حدّة التوتر بين الأميركيين والإسرائيليين من جهة، والإيرانيين من جهة أخرى، والقصف الصاروخي جاء بعد اشتباكات صاروخية إيرانية أميركية شرق سوريا، وضربات إسرائيلية على سوريا استهدفت قيادات في الحرس الثوري الإيراني، “الجهاد الإسلامي” و”حزب الله”، وفي كواليس هذا التوتر، فإنّه إشارة إلى الرفض الأميركي – الإسرائيلي للتقارب الإقليمي الحاصل بين السعودية وإيران، ورفض تعويم إيران وجماعاتها في المنطقة.
في هذا السياق، نفت مصادر “حزب الله” في اتصال مع جريدة “الأنباء” الالكترونية أن يكون للحزب أي علاقة بالتطوّرات الأمنية التي شهدتها المنطقة الحدودية يوم أمس، لأن لا مبرّر لتوتير الأوضاع جنوبا، برأي الحزب.
الأمر نفسه لفتت اليه مصادر أمنية جنوبية، قالت إن ليس لحزب الله علاقة بالتطورات التي حصلت، لأن الطريقة التي تمت فيها عملية إطلاق الصواريخ مختلفة كليا عن الأسلوب الذي يعتمده الحزب في حربه مع أعدائه.
المصادر نفسها أشارت عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية إلى أن استراتيجية “حزب الله” العسكرية لا يُمكن مقارنتها بما حصل، كما أن الحزب لا يرى مبرراً في هذ الوقت لشن الحروب، وهو على جهوزية تامة كما أعلن أمينه العام حسن نصرالله للدفاع عن لبنان في حال قيام اسرائيل باعتداء ضده، سواء في البر أم في البحر.
كما نفت المصادر أي علاقة للتطورات الأمنية في الجنوب باجتماع وزيري خارجية ايران والسعودية انطلاقاً من أن ثمّة دول كبيرة غير راضية عن هذا التقارب، لأنها لا تعتمد هذه الأساليب للتعبير عن رأيها.
في الإطار، استبعد النائب السابق فارس سعيد “تطور الأوضاع الأمنية جنوباً”، وما جرى برأيه هو “عمل عابر، ولن يكون له أي تداعيات أمنية”، مشيراً إلى حدثين حصلا في الداخل لفتا الانتباه، الأول يتعلّق بما حصل بالامس في الجنوب، الثاني، وقد حصل منذ أسبوعين إثر اعلان الامين العام للحزب السوري القومي الاجتماعي بأن حزبه سيعود الى السلاح دون أن يوضح الاسباب الموجبة لهذا الكلام”.
وفي حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية، قال “لا أتصور أن “حزب الله” بعد ترسيم الحدود يتجرأ على القيام بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، لكنه حتماً قد يستعين بصديق، وصديقا الحزب هما “حماس” بالداخل الفلسطيني، وسرايا المقاومة بالداخل اللبناني”.
كما حذّر سعيد من العودة لاستخدام لبنان منصة لضرب الصواريخ، لافتاً إلى صعوبة الظروف التي تمر بها البلاد، وعدم القدرة على تحمّل أي ضربة عسكرية.
من جهة ثانية، رأى سعيد ان ما يحصل بين السعودية وايران يتجاوز المرحلة الاختبارية التي حددت بشهرين، وهم يحاولان تقصير المدة والذهاب من إعلان النوايا إلى مرحلة التنفيذ، متوقعاً أن يكون لهذا التقارب ارتدادات عدّة على لبنان، وخاصة ان هناك مجموعات عدة محسوبة على ايران، وهي ولدت في خضم الصراع السعودي الايراني فاذا تم التفاهم بينهما فماذا ستفعل هذه المجموعات؟
إذاً، فإن على ما يبدو لبنان عاد ليكون منصّة صواريخ وساعي بريد لإيصال الرسائل بين طهران، تل أبيب وواشنطن، والتقارب الإيراني السعودي من غير الضروري أن ينعكس هدوءاً على لبنان في هذا السياق، لأن المعركة بين المحورين مختلفين بعيدين عن السعودية، وقد تكون المرحلة المقبلة عنواناً للتوتّر وليس الهدوء.