إذا كان من أمر يتباهى به “حزب الله”، فهو ان شعرة لا تسقط في جنوب لبنان إلا بعلمه. فهل من مبالغة في القول، ان الصواريخ التي سقطت في شمال إسرائيل بعد ظهر امس ومصدرها الجنوب هي بعلمه وربما أكثر؟
فجأة، عاد مشهد النيران التي تندلع من الاماكن التي قصفتها إسرائيل في الجنوب يتصدر واجهة الاحداث، كما لو ان هذا الجزء من لبنان، الذي لم يعرف السلام منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948 ما زال على هذه الحال، على الرغم من التغييرات الهائلة في المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً.
لم يجف بعد الحبر الذي وثق اتفاق الترسيم البحري بين لبنان والدولة العبرية، وسط معطيات تؤكد ان هذا الترسيم ما كان ليبصر النور لولا الضوء الاخضر من “حزب الله” ومن خلفه إيران. وقد أشاع هذا الاتفاق ولا يزال ان لبنان دخل مرحلة سلام من بوابة الطاقة ما يعطيه قريباً بطاقة عضوية في نادي الدول المنتجة للنفط والغاز.
أما في بكين، فقد انقلبت فيها إيران في الاتفاق مع المملكة العربية السعودية في العاشر من آذار الماضي، الى داعية علاقات حسن جوار، كما انها ووفق البيان المشترك الصادر عن وزيري خارجية البلدين في العاصمة الصينية امس، بَصمت على عبارة تقول إن “طهران والرياض تؤكدان تعزيز التعاون السياسي والأمني لخدمة مصالح المنطقة”.
بعد ظهر امس، سقط القناع في جنوب لبنان، ولا تنفع مع سقوطه كل مساحيق التبريرات التي تقول إن حركة “حماس” وليس “حزب الله” من أطلق الصواريخ ثأراً لما يتعرض له المسجد الاقصى. وهنا، يصبح “الحزب” بفضل هذا التبرير الذي تبنته إسرائيل خارج المساءلة. أما “حماس” التي يدخل قادتها الى لبنان، كما حال إسماعيل هنية من دون تأشيرات دخول من السلطات اللبنانية (وهي مسؤولة بالاسم فقط)، كما يفعل الحوثيون وسائر أذرع إيران، فهي لم تكتف بساحتها في غزة، بل وسَّعت أعمالها لتشمل لبنان برعاية “حزب الله” وراعيهما الايراني.
أما المسجد الاقصى، فهو عملياً في أقاصي حسابات لعبة الامم التي تعود نشيطة الى الساحة اللبنانية. ففي هذه اللعبة لا يسأل اللاعبون في لبنان: لماذا لا تطلق الصواريخ من سوريا حيث هناك ساحة اخرى لإيران وذراعها الاقوى “حزب الله؟”.
ماذا عن لبنان الرسمي؟ بفضل محفوظات رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية، تمّت الاستعانة ببيان تكرر مراراً منذ اعوام طويلة، فصدر امس بعد إجتماع الرئيس ميقاتي مع الوزير عبدالله بو حبيب، وهو: “يؤكد لبنان مجدداً كامل احترامه والتزامه بقرار مجلس الامن 1701، وحرص لبنان على الهدوء والاستقرار في الجنوب ويدعو المجتمع الدولي للضغط على اسرائيل لوقف التصعيد”.
وماذا عن قوات حفظ السلام (اليونيفيل) التي قال بيان ميقاتي- بو حبيب ان لبنان “يبدي استعداده للتعاون” معها؟ الجواب جاء في معلومات رسمية “ان الجيش اللبناني يقوم بتسيير دوريات في المنطقة بالتنسيق الوثيق مع قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان”. لكن أين كانت هذه القوات لتقوم بما يتوجب عليها في القرار الرقم 1701 عندما تمّ نصب قاعدة إطلاق 34 صاروخاً، فسقط 5 منها في مناطق مأهولة وتمّ اعتراض أكثر من 20، وفق ما جاء في بيان الجيش الاسرائيلي؟ وأين كانت هذه القوات عندما وصلت الى مكان إطلاق الصواريخ في سهل القليلة سيارتا جيب واحدة لونها اسود والثانية فضية، ما يعني ان ملكيتهما تعود الى من هو أكثر يسراً من “حماس؟”.
في إسرائيل، وزع الجيش انه “سارع إلى الرد على إطلاق الصواريخ بقصف بالمدفعيّة الثّقيلة أطراف بلدة القليلة في جنوب لبنان، كما فعّل القبة الحديدية مجدّداً، لاعتراض دفعة جديدة من الصواريخ مجهولة المصدر، التي أطلقت من جنوب لبنان باتجاه مستعمرة شلومي في الجليل الغربي”.
وليلاً، كشفت هيئة البث الإسرائيلية أن الدولة العبرية تتأهّب لأيام عدّة من القتال في لبنان وقطاع غزة، مشيرةً إلى أن إسرائيل أكدت أنها ستردّ على الرشقات الصاروخية من جنوب لبنان، في وقت أفادت تقارير إعلامية بأنّ وزارة الخارجية الإسرائيلية أمرت سفراءها بنقل رسالة إلى الحكومات المضيفة مفادها أن إسرائيل ستردّ على إطلاق الصواريخ. وبالتوازي، شدّد رئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة يائير لابيد على أن “المعارضة الإسرائيلية ستمنح الحكومة الدعم الكامل لردّ قاس”. وذكرت مصادر اسرائيلية أن الرد الاسرائيلي سيحيِّد “حزب الله” تجنباً لنشوب نزاع خطير.
الاسئلة في ختام اليوم الامني امس، عدة، ومن بينها: كيف يمكن للبنان احتمال مخاطر حرب جديدة فيما الانهيار الداخلي يشمل الدولة والأفراد وكل القطاعات، وفيما الاتكال اليوم يقتصرعلى مواسم واعدة في شهر الاعياد الحالي وفي شهور الاصطياف المقبلة؟ وكيف يتمّ جرّ لبنان الى نزاع يدفع ثمنه الجميع لحساب آخرين؟ ما يجيب جزئياً على هذه الاسئلة ان اللاعبين على طرفي الحدود يتبادلان الرسائل كي تبقى الساحة مضبوطة على إيقاعهما. أما ردود الفعل الدولية لا سيما الفرنسية فهي تستنكر، لكنها لا تقول لماذا تستبيح الاستحقاق الرئاسي بتأييد مرشح الممانعة الذي يضع سلاح “حزب الله” وحلفائه خارج المساءلة؟
في زمن الفصح، المطلوب المزيد من الافصاح عن هذا الفصل المأسوي الجديد على طريق جلجلة لبنان.