كتبت صحيفة “الديار”: تعود الحركة السياسية بعد عطلة الاعياد لتعزز الانقسامات القائمة في البلاد وتزيدها تعقيدا على خلفية جلستي مجلس النواب والحكومة المقررتين اليوم وعلى جدول اعمالهما مخرج تطيير الانتخابات البلدية والاختيارية، المعرضة للطعن،ومشروع تعديل النقد والتسليف، وزيادة الرواتب ما يعني زيادة التضخم.. واذا كان الملف الاول فتح سجالا حاميا بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، ويضع المجلس الدستوري امام اختبار جديد، فان المسألة الثانية قد تفتح الطريق امام المزيد من الانهيار المالي بغياب خطة انقاذية متكاملة فيما لا شيء يوحي بحدوث انفراجة على صعيد الاستحقاق الرئاسي بعدما ثبت «بالوجه الشرعي» ان الرياض تلعب مع باريس «لعبة القط والفار» فهي ليست مهتمة او مستعجلة راهنا على فتح اي نقاش حول الملف اللبناني، وتتهرب من نقاش جدي حوله، وكان تحركها خلال الساعات القليلة الماضية على خط الازمة الفلسطينية، بعد حركتها الدبلوماسية اتجاه دمشق، خير دليل على ذلك، وبينت من خلال دعوتها لقيادات حركة حماس ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الى المملكة، انها تملك اجندة اولويات ولبنان ليس على راس القائمة، وهو امر يثير «استياء» الفرنسيين الذين يشعرون انهم يدورون في حلقة مفرغة، وباتوا مقتنعين انه لن يتحرك اي شيء بعد عطلة عيد الفطر. في هذا الوقت، اثار خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في يوم القدس المزيد من النقاشات الصاخبة داخل اسرائيل وسط قناعة بانهيار معادلة الردع على الجبهة الشمالية.
«تعنت» سعودي!
بات هناك شك حول ما إذا ما كان شيء إيجابي سيتحرك بعد انتهاء شهر رمضان وبعد عيد الفطر، بل العكس ربما تكون العودة الى نقطة الصفر اقرب الى الواقع، كما ينقل عن الفرنسيين الذين فوجئوا بالتسريبات السعودية عن عدم وجود اي ترتيبات لعقد اجتماع خماسي قريب في المملكة، علما ان مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل نسق لعقد اجتماع مماثل عند زيارته الاسبوع الماضي الى المملكة، لكن مسارعة السعوديين الى اجهاض الاقتراح اثار استياء باريس التي بدات تشعر بان ثمة مراوغة سعودية سلبية، وبحسب ما نقلت اوساط دبلوماسية عن دوريل قوله «لا نعرف ما يريدونه حقا نحن امام حالة «سريالية» غير مسبوقة وغير مفهومة ديبلوماسيا. فالمملكة لا تسهل الحلول، وتدعي عدم تعطيلها، لكنها لا تقدم خططا بديلة وواضحة لحفظ مصالحها؟ انها ليست ساحتهم ولا يريدون الحل ولا يسهلونه؟ لبنان لا يعني لهم شيئا»!
لما تخفق باريس؟
خيبة الامل الفرنسية لا تعني ان باريس ستتراجع عن محاولتها لاحداث خرق في الملف اللبناني، في محاولة لحفظ مصالحها بعد شعورها ان التقارب الايراني – السعودي يضعف موقفها كوسيط، لكن مصادر سياسية بارزة تشير الى ان الفرنسيين يدفعون ثمن التصعيد مع طهران وهم الان ادركوا عدم قدرتهم على استمالة الموقف السعودي او التأثير عليه. وهو امر سيرتد سلبا على الديبلوماسية الفرنسية التي كانت تعتقد ولا تزال انه يمكن تعويض الاخفاق في ساحات اخرى على الساحة اللبنانية.
فرنجية يتحرك
في هذا الوقت، ستشهد الساعات القليلة المقبلة تحركا لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية باتجاه بكركي حيث سيطلع البطريرك الماروني بشارة الراعي على آخر ما توصلت اليه الاتصالات على الصعيد الرئاسي، ووفقا لمصادر مطلعة، سيكون لفرنجية كلام في الرئاسيات بعد الاعياد، لكن امر اعلان ترشحه لا يزال موضع بحث ودراسة معمقة حول التوقيت المناسب وهو مرتبط بطبيعة الاتصالات الداخلية والخارجية التي ستشهد زخما في المرحلة المقبلة.
جلسة حكومية دسمة
في هذا الوقت، تتجه الانظار الى جلسة الحكومة وخصوصا الى بندي تعديل قانون النقد والتسليف، وزيادة رواتب القطاع العام.
في الملف الاول، ثمة هوة لا تزال كبيرة بين مطالب رابطة الموظفين وما يمكن ان تقره الحكومة اليوم، واذا كان الموظفون يطالبون بزيادات تصل الى حدود 350 دولارا اميركيا او ما يوازيه بالعملة الوطنية ، فان الاتجاه حكوميا لاقرار زيادة تصبح معها الرواتب بحدود 175 دولارا فقط باعتباره الاقتراح الاكثر موائمة مع الواقع المالي السيىء. اما الايرادات فستؤمن من رفع جديد لسعرالدولار الجمركي، وعودة النافعة الى العمل، وثمة توجه لاقرار مبلغ 500 مليار ليرة تكلفة التغطية الطبية.
تعديل قانون النقد
اما تعديل قانون النقد والتسليف المادة الخامسة والمادة 47 لمنح الحكومة القدرة على اصدار عملات من فئة جديدة، فسيكون امام تحدي تمريره في المجلس التشريعي لان استقلالية المصرف المركزي على المحك ويمنح وزير المال او رئيس الحكومة سلطات استنثابية ويضع السلطة النقدية تحت سطوة السلطة التنفيذية.
المزيد من التضخم
وتشريع إصدار فئتي النصف مليون والمليون، سيخفف تلقائياً من كميات النقد المحمولة لإتمام عمليات الاستهلاك وسداد المستحقات، ولكنه سيظل مقصوراً بقيمته الفعلية عن التماهي مع تكلفة المعيشة التي تضاعفت خلال الأشهر القليلة الماضية. أما المخاوف الحقيقية، بحجم التضخم المتوقع، طباعة الأوراق الكبيرة تعني أن ثقة المستثمرين والمواطنين بالعملة الوطنية انخفضت، ما يُشكل ضربة كبيرة لهذه العملة. مقابل عدم وجود حلول اقتصادية مطروحة ولا أفق لحل الأزمة.
هل تتراجع الحكومة؟
ولان إدراج مشروع قانون النقد والتسليف يثير الهواجس، بالنظر إلى حساسية الملف النقدي في ظل تسارع وتيرة انهيارات سعر صرف الليرة اللبنانية، والتمادي بتأخير إقرار خطة شاملة للإنقاذ تستند إلى اتفاقية نهائية مع صندوق النقد الدولي. سيطرح بعض الوزراء ان تطال التعديلات حصراً عملية إصدار النقد، مما يعني تلقائياً أن الحكومة على وشك اقتراح تشريع بإصدار فئات جديدة من الأوراق النقدية يرجّح أن تحمل قيمتي النصف مليون والمليون ليرة، فيما تسحب التعديلات التي تخص مركزية امتياز الإصدار المحددة بمصرف لبنان المركزي، وبحيث تتحوّل إلى السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة المال، أو بالتشاركية في القرار والإدارة بين الطرفين.
جلسة التمديد
في هذا الوقت، لن تكون جلسة مجلس النواب امام امتحان تأمين النصاب، بل سيكون قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية امام تحدي الطعن به امام المجلس الدستوري. فالنصاب سيؤمنه نواب التكتل الوطني المستقل اللقاء الديموقراطي تكتل لبنان القوي بكامل اعضائه كتلة الاعتدال الوطني، ربما يغيب عنها ثلاثة نواب، اي نحو 75 نائبا سيحضرون الجلسة مع العلم ان النصاب المطلوب هو 65 نائبا، في المقابل تقاطع كتلة الجمهورية القوية ونواب «التغيير» ونواب حزب الكتائب.
هل يقبل الطعن؟
وما ان ينشر القانون سيتم الطعن به من قبل النائب بولا يعقوبيان، وتكتل «الجمهورية القوية». والرهان لدى الطرفين على سابقة امام المجلس الدستوري على اعتبار ان الظروف الراهنة ليست قاهرة لتمرير التمديد، وبالتالي براي المعارضين فان قبول الطعن مضمون لانه في العام 1997، علل المجلس الدستوري قراره بأنه لا يجوز التمديد للمجالس البلدية والاختيارية الا في حالات استثنائية، وهي لا تنطبق على الوضع الحالي.
من ينشر القانون؟
ووفقا لمصادر دستورية، تبقى المشكلة الاساسية في هوية السلطة التي ستصدر وتنشر التمديد بغياب رئيس الجمهورية المناطة به هذه الصلاحية، فهل سينشره رئيس الحكومة او الحكومة مجتمعة؟ وما هو موقف التيار الوطني الحر الذي غطى الجلسة لكنه يرفض عقد جلسات حكومية بحجة غياب الرئيس وعدم اختذال صلاحياته!؟
تناقض لدى القوات
وعلى وقع انعقاد الجلسة ارتفعت حدة السجالات بين «التيار» و»القوات» التي اعلن رئيسها سمير جعجع عدم مشاركة تكتل «الجمهورية القوية» في الجلسة ودعا كتلتي «اللقاء الديموقراطي» و»الاعتدال الوطني» وغيرهما من الكتل والنواب المستقلين الى «عدم الوقوع في شرك كتل الممانعة والتيار، والامتناع ايضا عن المشاركة في الجلسة! وفي موقف يفضح حجم التناقض لدى «القوات» اكد جعجع ان «محور الممانعة و»التيار الوطني الحر» يعطلون الانتخابات الرئاسية، ويشلون البلد والمؤسسات، ويمنعون قيام الدولة الفعلية، وردا على سؤال حول كيفية رفض «القوات اللبنانية» المشاركة في جلسة الغد في وقت سبق وشاركت بين العامين 2014 و2016 تحت اطار تشريع الضرورة، أجاب جعجع: «مش بالضرورة اذا الواحد غلط مرة يكفي يغلط كل مرة»، آنذاك لم يكن من المفترض المشاركة ولكن مسألة قانون استعادة الجنسية، لأهميتها، كانت ضاغطة علينا.
رد من باسيل
في المقابل، غرد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على تويتر قائلا»ليش دايما التيار بضحي للصالح العام بوقت المزايدين والشعبويين بيكذبوا وبيستفيدوا؟ اذا قاطعنا الجلسة شو بيعملوا بالفراغ البلدي والاختياري، القوات والميقاتي ووزير داخليته والمرجعيات لما بعد ما في تسجيل لاي ترشيح؟اسهل شي مقاطعة الجلسة والمشاركة بحفلة الكذب.! وكان البطريرك الماروني بشارة الراعي انتقد المسؤولين اللبنانيين وممثلي الكتل النيابية، على خلفية استعدادهم لتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية، وذلك في ظل عجزهم عن انتخاب رئيس.
نصرالله يشغل اسرائيل
في هذا الوقت، انشغلت اسرائيل بتحليل خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في يوم القدس في العالمي وقالت انه عاد وتنبأ بأن الأزمة السياسية والقانونية الشديدة في أعقاب الانقلاب النظامي الذي يقوم به ائتلاف نتنياهو سيؤدي إلى انهيار الدولة. لكن الاخطر والأكثر أهمية كما يبدو هو رسالة أخرى تضمنها خطابه حين هدد بأن إسرائيل لن تستطيع أن تعول لفترة طويلة على الهدوء في الجبهة السورية إذا استمرت هجماتها الجوية هناك. هذا تصريح هام، لانه في صيف 2019، بعد هجوم الطائرات الذي نسب لإسرائيل في الضاحية الجنوبية، أعلن نصر الله بأنه من الآن سيسعى حزب الله إلى ضرب الطائرات الإسرائيلية في سماء لبنان، والنتائج كانت واضحة فيما بعد.
فحزب الله قام بتطوير منظومات دفاعه الجوية في لبنان بمساعدة إيران، وهو يحاول اسقاط طائرة إسرائيلية والمس بتفوق إسرائيل في سماء لبنان، الذي كان واضحاً خلال سنوات كثيرة. من تجربة الماضي فإن نصر الله تعود على أن يشير إلى نوايا منظمته في خطابات من هذا النوع وهو امر يتحول الى واقع.
حرب استزاف
وتوقفت الصحيفة عند تحذير السيد نصر الله في خطابه من أنه إذا «تصرفت إسرائيل بغباء ومست بالأماكن المقدسة» فستتسبب بحرب. وقالت إن محاولة إسرائيل الفصل بين جبهات المواجهة لعبة خطرة، وحزب يبدو انه غير معني بحرب شاملة، بل بحرب استنزاف…
خلل في قواعد «اللعبة»
ووفقا «لمعاريف» إذا تواصل اتباع سياسة الرد والاستيعاب من جانب حكومة إسرائيل، سيواصل «أعداؤها» محاولة إملاء قواعد اللعب. إذا لم يتم كبح عملاء الفوضى في صفوف الحكومة الإسرائيلية واستمروا في إشعال المواجهات في الحرم والساحة الفلسطينية، هذا بموازاة مواصلة الصراعات الداخلية حول الديمقراطية، سيفسر أعداء إسرائيل بأنها تضعف قدرتها على مواجهتهم في كل الساحات. في الوقت نفسه، على إسرائيل خفض التوتر في الساحة الفلسطينية والتمسك بالوضع الراهن في الحرم حسب القرار الذي اتخذ في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، ومحاولة تعزيز السلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني معها. هكذا يمكن لإسرائيل التركيز على ثلاثة مجالات، وهي: ترميم قواعد اللعب مع حزب الله في لبنان وإعادة فحص معادلة الردع المتبادلة التي تمنع إسرائيل من العمل أيضاً ضد البنى التحتية لحماس في لبنان؛ ووقف طريق إيران نحو القنبلة النووية والتركيز على الساحة الشمالية وبذل الجهود للسيطرة على الساحة الفلسطينية؛ وإضعاف مكانة حماس الآخذة في التعزز في الساحة الفلسطينية.
ثمن «الترسيم»؟
من جهتها تساءلت صحيفة «اسرائيل اليوم» المقربة من رئيس الحكومة عما اذا كان بنيامين نتنياهو محقاً بالتهمة التي وجهها لحكومة بينيت – لبيد في أن التصعيد على الحدود الشمالية في الأسابيع الأخيرة مغروس في اتفاق الغاز مع لبنان، التي وقعت عليه الحكومة السابقة في تشرين الأول الماضي؟ وقالت ان الجوانب الأقل راحة للاتفاق أخفاها الناطقون بلسان الحكومة السابقة. أولاً، حقيقة أن تهديدات نصر الله الحربية هي التي أدت أو على الأقل سرعت التوقيع على الاتفاق، الأمر الذي منح التنظيم ريح إسناد وعزز ثقته بنفسه.
وفضلاً عن ذلك، أتاح الاتفاق لإسرائيل البدء باستخراج الغاز من حقل كاريش، لكن إنتاج الغاز من الجانب اللبناني من الحدود موضوع طويل ومركب وسيتطلب زمناً طويلاً إلى أن تبدأ الدولارات تضخ إلى جيوب السياسيين الفاسدين في لبنان. من هنا، لا توجد للبنان بعدُ حقول غاز خاص به ربما تتضرر في حالة التصعيد، الأمر الذي كان يمكنه أن يلجم «حزب الله».
وبعد كل هذا، فإن التصعيد الحالي في الحدود الشمالية لا يرتبط باتفاق الغاز، بل بتقييم نصر الله للوضع، وبموجبه إسرائيل مشغولة بمشاكلها الداخلية، لذا ستمتنع عن الرد على هجماته لكن النقاش في اتفاق الغاز فوت الأمر الأساس الذي هو القصور المتواصل لكل حكومات إسرائيل من صف 2006 – كل رؤساء الوزراء وكل وزراء الدفاع – الذين تركوا حزب الله يتعاظم ويضع يده على ترسانة قرابة 200 ألف صاروخ.
لا حرب قريبة
ولفتت الصحيفة الى انه في جولة المواجهة الأخيرة، تبين ان اسرائيل مردوعة وبخلاف تام مع ادعاءات رئيس الوزراء نتنياهو امتنعت إسرائيل عن مهاجمة أهداف حزب الله على أراضي لبنان. بخلاف ما يحصل في سوريا يحصل العكس تماماً في لبنان. لكن على الرغم من ذلك تنقل الصحيفة عن مسؤولين امنيين بارزين تاكيدهم ان هناك مبالغة كبيرة في التحذيرات من حرب قريبة في الحدود الشمالية.