قبل أسابيع قليلة من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، تشاورت مجموعة من القوى السياسية حول ما يمكن اعتباره المعركة الرئاسية الجديدة. كان المجتمعون يأخذون في الاعتبار جملة من العناصر والحقائق، منها طبيعة التوازن في المجلس النيابي، وطموحات القوى وبعض الشخصيات، والموقف العربي ولا سيما السعودي، إضافة إلى الموقف الخارجي، خصوصاً الأميركي. لكن كل من بحثوا في هذا الملف، كانوا على يقين بأن فرنسا، لأسباب عدة، هي الطرف الوحيد القادر على التواصل مع الجميع من دون استثناء.
وبناء على حسابات كثيرة، التقى ثنائي أمل وحزب الله على دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وتُرك للحزب فتح الموضوع مع التيار الوطني الحر، على أن يتولى الرئيس نبيه بري جبهة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وكتلاً محسوبة على الوسط تضم نواباً كانوا في فلك الرئيس سعد الحريري. بينما كان على فرنجية أن يدرس تموضعه السياسي بما يتناسب مع طبيعة المعركة.
الكل يعرف تفاصيل ما دار خلال الشهور الماضية، وكيف تعقّدت الأمور عندما انقسمت الكتل النيابية على بعضها البعض. لكن الخيط الوحيد الذي بقي يعمل من دون انقطاع، أمسك به الفرنسيون من دون غيرهم. أكد الفرنسيون للأميركيين أن لا أحد غيرهم في العالم يمكنه محاورة حزب الله. فيما كان الأميركيون يفضلون أن تتولى باريس إقناع الحزب بالسير في ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، وهو ما لم يعارضه الفرنسيون في المبدأ، خصوصاً بعدما لمسوا حماسة مصرية – قطرية ونصف موافقة سعودية. لكنهم كانوا أول من وصل إلى خلاصة حاسمة: لن يقبل حزب الله بغير فرنجية، وهو مستعد للتعايش مع الفراغ ليس لأكثر من عامين كما حصل قبل انتخاب العماد ميشال عون، بل لأعوام إذ تطلب الأمر.
درس الفرنسيون واقع القوى السياسية، خلصوا بعد مفاوضات مع غالبية القوى المعارضة لترشيح فرنجية، إلى أن هؤلاء يتفقون فقط على معارضة فرنجية، من دون أي جامع مشترك حول اسم المرشح البديل أو مواصفاته. وهم استفادوا من جلسات الانتخاب التي عُقدت وأظهر التصويت فيها أن ميشال معوض ليس سوى ستارة تخفي خلافات كبرى، كما لمسوا أن من يحاول بري وحزب الله جذبهم قسمان:
الأول، فريق ينتظر كلمة سر سعودية، وعلى رأسه جنبلاط وعدد غير قليل من المستقلين، مسيحيين ومسلمين. وقد صارح هؤلاء بري بأنهم لا يعارضون مبدأ ترشيح فرنجية، لكنهم لن يسيروا فيه من دون موافقة سعودية.
الثاني، هو القوى المسيحية الطامحة لتولي المنصب نفسه. اكتشف الفرنسيون أن التيار الوطني الحر، رغم خلافه الجدي مع حزب الله على ترشيح فرنجية، ليس مستعداً للسير بمرشح يستفز الحزب، في مقابل استعداد القوات اللبنانية للسير بقائد الجيش، أو مرشح آخر لا يكون لصيقاً بحزب الله. أما ما حسم الموقف الفرنسي السلبي من الواقع السياسي للقوى المسيحية، فهو حصيلة مساعي البطريرك بشارة الراعي الذي لم يتمكن من حصر عدد المرشحين التوافقيين بثلاثة، وكان موفده المطران أنطون أبو نجم، يزيد اسماً أو أكثر على لائحة الأسماء بعد كل اجتماع مع شخصية أو قوة مسيحية.
عملياً، انتقل الفرنسيون إلى الخطة البديلة. تصرفوا على أساس أن لبنان يقع ضمن صراع جبهات عدة، وأن اختلافات القوى لناحية نفوذها وإمكاناتها وقدراتها، لا يعني أن هناك توازناً فعلياً للقوى. وبادروا – ولو من غير رغبة أو ربما مرغمين – بفتح «قناة عمل» – لا قناة تواصل – مع حزب الله باعتباره القوة الأكثر تأثيراً في لبنان والإقليم، آخذين في الاعتبار أن للحزب أوراقاً كثيرة خارج الساحة اللبنانية من شأنها جر الآخرين إلى التفاوض معه على أمور في لبنان والمنطقة. وقد وجدوا الحزب شديد الواقعية، فلا هو متوهّم بأن فرنسا تريد حفظ استقلال لبنان وأنها تملك موقفاً أخلاقياً يبنى عليه في ملفات كثيرة، كما أنه يدرك حجم الخلاف الكبير جداً مع باريس ربطاً بموقفها السلبي تجاه إيران والمعادي لسوريا. مع ذلك، نجح حزب الله في إقناع الفرنسيين بأن برنامجه الخاص بلبنان يمكن فصله عن المسارات الأخرى، وساعده في ذلك اصطدام الفرنسيين طوال الوقت بـ«لا» إيرانية للتدخل في ملف يديره حزب الله في لبنان.
الانطلاقة الجديدة في الحوار بين الحزب وباريس قامت على أساس أنه لا بد من تسوية الوضع، وأن الحزب وحلفاءه غير قادرين على تحقيق نصر ناجز بإيصال فرنجية إلى قصر بعبدا، ثم إكمال معركتهم على إدارة الحكومة. وقبل أن يشرح الفرنسيون وجهة نظرهم، وجدوا أن الحزب هو من يعرض المقايضة، وهو من يشرح موجبات عقد تسوية كبيرة، في لبنان والإقليم (حول لبنان)، ويقدم رؤية صريحة بأن الأزمة في لبنان لا تتصل بخلافات اللبنانيين فقط، بل أن عناصر الضغط الخارجي كبيرة جداً، وأن مدخل العلاج للأزمة الاقتصادية يتطلب تغييراً حقيقياً في مواقف الولايات المتحدة والسعودية على وجه الخصوص.
لم يحتج الفرنسيون إلى وقت لاكتشاف أن كل اللاعبين الخارجيين يسعون إلى تواصل مع الحزب، مباشرة كما يفعل القطريون والمصريون، أو بطريقة غير مباشرة كما يفعل السعوديون وحتى الأميركيون، فكان على باريس أن تنتهز الفرصة لتحصل على تفويض أميركي – سعودي (ولو بشروط) لإدارة المفاوضات حول ملف الرئاسة والحكومة معاً.
طوال هذه الفترة، جرب الفرنسيون كل الطرق للإطاحة بترشيح فرنجية، مستندين إلى أن أحداً لم يجاهر بدعمه وأنه هو نفسه لم يعلن ترشيحه، بينما تحتدم المحادثات السياسية بالمواقف الرافضة له في لبنان وخارجه. لكن الفرنسيين كانوا يستشعرون أن التطورات في الإقليم تقترب من ساحة لبنان، لذلك وجدوا – لأسباب مختلفة – أنه ينبغي أن يباشروا حواراً جاداً مع فرنجية نفسه، وهو ما ترجم في لقاءات طويلة مع السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، وفي اجتماعات واتصالات تركزت مع خلية الأزمة في الإليزيه، وصولاً إلى الزيارة الأخيرة لفرنجية إلى باريس، والتي التقى خلالها الرئيس إيمانويل ماكرون وقيادات أخرى، وناقش تفاصيل الملف مع المستشار باتريك دوريل. وقد جاءت دعوة فرنجية بعدما تبلغ الفرنسيون أن ثنائي أمل وحزب الله قرر المجاهرة بدعم ترشيح رئيس المردة. ورغم الجدل الذي رافق إعلان الرئيس نبيه بري موقفه الداعم لترشيح فرنجية من دون التنسيق مسبقاً معه أو مع حزب الله، يعرف الفرنسيون أن لهم حصة في خطوة بري، قبل أن تتتالى الخطوات التي حسمت بصورة نهائية أن الثنائي لا يريد العزوف عن ترشيح فرنجية.
عند هذا الحد، كان كثيرون يسألون عن سبب امتناع فرنجية عن إعلان ترشيح نفسه. وهو كان صريحاً في جوابه بأنه لم يحصل أن أعلن أحد في لبنان ترشحه للرئاسة كما يجري في بقية دول العالم. وأضاف: «لست هاوياً لأعلن عن ترشيح من دون حسابات واضحة»، و«لست مضطراً أن أعلن ترشحي إلا بعد توافر الظروف التي تؤكد أن حظوظي أكثر من جدية». وهذا ما حصل. فعندما زار باريس أخيراً، أبلغ الفرنسيين أنه سيدرس توقيت إعلان ترشحه أو شكل الترشيح بناء على ما يعودون به من أجوبة من السعودية.
في باريس، طرح الفرنسيون قائمة طويلة من الأسئلة على فرنجية، تبدأ بملف النازحين السوريين والعلاقة مع الرئيس بشار الأسد وصولاً إلى موقع حاكم مصرف لبنان، مروراً بطريقة تشكيل الحكومة واسم رئيسها المفترض والبرنامج الخاص بالإصلاحات والعلاقة مع صندوق النقد الدولي. كما سألوا عن مصير قائد الجيش العماد جوزيف عون، فرد بأنه بعد أن يكمل ولايته يصار إلى تعيين قائد جديد للجيش. لكنه لفت إلى أن غالبية القيادات المسيحية في لبنان صارت أقرب إلى قانون لا يجعل أي قائد للجيش يتصرف على أنه سينتقل حكماً من اليرزة إلى القصر الجمهوري، مؤكداً أنه ليس لديه أي موقف من العماد عون. وفوق كل ما سبق، كان لا بد من حديث عن سلاح المقاومة. لكن فرنجية يعرف أن الفرنسيين يعرفون أيضاً أن سلاح المقاومة ليس مطروحاً على طاولة البحث، وأن النقاش يتركز على أمرين:
تثبيت مبدأ أن نواف سلام هو المرشح الوحيد لرئاسة الحكومة الجديدة، وأن على المجلس النيابي توفير ضمانات بعدم تعطيل عمل الحكومة خصوصاً في العلاقة مع صندوق النقد الدولي والقوانين المرتبطة بالإصلاحات، وأن تؤلف الحكومة بطريقة تمنع انفجارها سريعاً، كما تمنع أي طرف من الاستفراد بتعطيلها. وقد سمع الفرنسيون من فرنجية كلاماً واضحاً وصريحاً، وهو لم يخف أي ملاحظة عنده، كما تحدث بصراحة عن أن التفاهم على اسم رئيس الحكومة لا يعني أن هناك تفاهماً مكتملاً على برامج عملها، وأن منصب حاكم مصرف لبنان يحتاج إلى مشاركة أطراف عدة في اختياره.
وتحدث فرنجية مطولاً عن علاقته بكل من سوريا والسعودية، وأبدى استغرابه لما يصل إلى مسامعه عن تحفظات سعودية عليه. وهو سمع، في المقابل، أن باريس باتت على قناعة بأن هذه المقايضة هي الحل الممكن حالياً، وأن البديل عنها هو انهيار كبير في لبنان ستكون له آثار سلبية بما يتجاوز حدوده. وهو أمر أدركت فرنسا أن الآخرين يعون مخاطره، خصوصاً الولايات المتحدة التي «أخذت على محمل الجد تهديدات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأن المقاومة ستجعل إسرائيل تدفع ثمن الضغط الاقتصادي على لبنان».
بعد زيارة باريس، أبلغ فرنجية حلفاءه بأنه لا يزال عند موقفه بأن إعلان ترشحه يحتاج إلى ضمانات أكبر حيال فرصة الفوز بالرئاسة. واتفق معهم على انتظار الجولة الجديدة من الحوار السعودي – الفرنسي.
وليس بعيداً من هذه المناخات، كان الاتفاق السعودي – الإيراني يرخي بظلاله على الجميع. لمس الفرنسيون تبدلاً واضحاً في اللغة السعودية حيال ملفات كثيرة في المنطقة، وأن محمد بن سلمان يريد تنفيذ استراتيجية تصفير المشاكل من حوله، مع الفوز بنفوذ إضافي. وهو غير مهتم فقط بالعودة إلى ساحات أقصي عنها بفعل سياسات خاطئة، بل لم يعد يريد أن يترك للاعبين خليجيين النطق باسمه، خصوصاً قطر والإمارات العربية المتحدة، كذلك سمعت الكويت ومصر كلاماً سعودياً واضحاً بأنه لا يمكن العبث في ملفات المنطقة من دون العودة إلى الرياض.
وسط هذه الأجواء، انتهى الأسبوع الماضي على جولة جديدة من الاتصالات السعودية – الفرنسية، وبحسب ما وصل إلى بيروت، فإن الفرنسيين نجحوا في فتح كوة كبيرة في جدار الموقف السعودي. أبلغ الفرنسيون قوى في لبنان: «أصلاً لم نسمع يوماً من السعودية كلمة فيتو على فرنجية، ولكننا اليوم سمعنا دعوة إلى الحوار المفتوح حول تفاصيل هذه التسوية وكيفية إنجازها بما يضمن الفوز للجميع».
باريس تسأل عن المرشح لمنصب حاكم مصرف لبنان والاتفاق مع صندوق النقد ومصير قائد الجيش
عند هذا الحد، قد يكون الكلام غير مفيد عن تفاصيل كثيرة، كي لا يتم استخدامها في معرض تعطيل المسعى الذي يقترب من لحظات حاسمة. لكن فرنجية نفسه، تلقى قبل أيام اتصالات فرنسية، وضعته في أجواء إيجابية حول نتائج آخر تواصل فرنسي مع السعودية، مع دعوة من باريس له للمبادرة إلى خطوة عملانية.
في هذا السياق، كان على فرنجية أن يدرس الأمر من زاوية الشكل كما المضمون، وهو لم يجد غير بكركي مكاناً مناسباً لإعلان ما يمكن تسميته بخطاب الترشيح. وهو ناقش مع البطريرك الراعي، أمس، تفاصيل كثيرة، ووضعه في أجواء الاتصالات الجارية، وسمع منه أن الكنيسة لا تقف ضد أي مرشح، ولكنها ليست في موقع خوض معركة أحد. وما استرعى انتباه فرنجية هو ما قاله له الراعي لدى مغادرته بكركي: «أنا منيح يا بيك، بس هلأ صرت منيح أكثر»!
خرج فرنجية ليعتلي منبر بكركي، وليطلق من هناك خطاباً مدروساً لناحية ما يريد قوله، وما يريد تثبيته كوقائع. فلم يورط نفسه بأي التزام من شأنه أن يضر بالخطوات اللاحقة والحاسمة، كما لم يخف رغبته في توضيح الكثير من النقاط العالقة. وكان قد حسم أنه مستعد الآن للتحاور مع أي طرف مسيحي أو لبناني حول المرحلة المقبلة. لكنه لا يريد حديثاً بشروط مسبقة!
عملياً، دخل لبنان مرحلة جديدة، وقد لا يتأخر الوقت حتى تتضح الصورة الكاملة التي تقول إن حظوظ فرنجية تقدمت كثيراً، وإن البديل عنها، هو الفراغ!
خطاب الترشح من بكركي: أدعو المسيحيين لقراءة الحقائق لا الرغبات
استأذن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية البطريرك بشارة الراعي بأن يعقد مؤتمراً صحافياً بعد الاجتماع به أمس في بكركي. وكان فرنجية قد أعد مسبقاً لما يمكن اعتباره «خطاب الترشح» الذي أعدّه على خلفية تطورات إيجابية في الملف الرئاسي لمصلحته.
فرنجية حدد موقفه من النقاط العالقة بمواقف جاء فيها:
– أنا لم أسمع بالفيتو السعودي على اسمي إلا من الإعلام ولم أسمعه يوماً من السعودية أو من أصدقائها وحلفائها. وليست لدي أي نظرة عدائية لأي بلد صديق للبنان خاصة السعودية، ونتمنى أن تكون هناك مصالحة عربية ووفاق في المنطقة، ولا نريد إلا الخير للعرب وللسعودية. وأنا من بيت عربي، وتربينا بنفس عروبي، وكنا نجاهر بعروبتنا عندما كانت العروبة تهمة.
– عندما زرت باريس أجبت على أسئلة طرحها الفرنسيون وهم على تواصل مع السعودية، ومن البديهي أن نسير بالإصلاحات، وندعم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ولدينا رؤية لكننا ندعم أي حكومة لديها برنامجها الإصلاحي.
– لن أتخلى عن واحد في المئة من صلاحيات رئاسة الجمهورية، لكنني سأمارس هذه الصلاحيات بمسؤولية وطنية وليس بكيدية شخصية.
– أعتقد أن على المسيحيين عدم قراءة الرغبات بل رؤية الحقيقة لأنه عندما تمت التسوية في التسعينيات وخرج البعض منها، كان المسيحيون وحدهم من دفع الثمن.
– سأدعو إلى طاولة حوار حول الاستراتيجية الدفاعية شرط أن يأتي الجميع بروح وطنية للوصول إلى توافق يحمي لبنان ويسحب الهواجس لأنه إذا التقينا بروح التآمر لن نصل إلى مكان.
– موقفي من ملف النازحين السوريين واضح منذ البداية على عكس مواقف البعض المتقلبة، والأمور اليوم أسهل، وسيكون للمصالحة العربية – العربية كل التأثير بهذا الموضوع. العرقلة لم تكن سورية بل دولية، وسأستثمر علاقتي الجيدة بالرئيس بشار الأسد لحل هذا الموضوع.
سامي الجميل: فرنجية خيار فرنسا الوحيد
خرج رئيس حزب الكتائب سامي الجميل من اجتماعه مع مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل بشعور بالإحباط من إمكانية إحداث خرق يناسب قوى المعارضة في الملف الرئاسي. وقالت مصادر قريبة من الجميل إن دوريل «كان واضحاً وحاسماً بالقول إن الحل الوحيد الممكن الآن هو السير بالمرشح سليمان فرنجية». وفي وقت لاحق صرح الجميل أن دوريل «شرح خيار فرنسا صيغة المرشح الرئاسي سليمان فرنجية مع حكومة إصلاحية يترأسها القاضي الدولي السفير السابق نواف سلام»، معتبراً أنه «الخيار الوحيد المتاح، وليس هناك حل آخر».
وقال الجميل إنه أبلغ دوريل أن الحل «ليس في الاستسلام لإرادة حزب الله، وعلينا أن نختار مرشحاً وسطياً»، وأن خيار فرنجية «ليس الخيار الوحيد ولكنه خيار حزب الله فلا يمكن أن يربح فريق على الآخر»، مضيفاً أنه «اقترح سلة أسماء على أن يتوجه النواب إلى المجلس مع أربعة أو خمسة أسماء ويتم انتخاب أحدهم وتأخذ اللعبة الديموقراطية مداها ولا يأتي موضوع الرئاسة معلباً مع شروط حزب الله».
قطر تسعى لاستقطاب السنة: لا لمرشح حزب الله
بخلاف كل ما كان يميز الجانب القطري في علاقاته مع لبنان والقوى السياسية فيه، تتصرف الدوحة من وحي الاكتئاب الذي يسودها بعد خلوها من الناس بعد «نشوة» المونديال. وبعدما كانوا يعتقدون أن إدارة حل الأزمة ستؤول إليهم، اصطدم القطريون بالاجتياح الكبير للسعودية لكل مفاصل الحل والربط في المنطقة العربية والإقليم. ورغم عودة العلاقات بين الطرفين، لم تتوقف الدوحة يوماً عن أدوار تتمايز فيها عن بقية عواصم الخليج لإظهار نفسها في موقع الند للرياض.
منذ انطلاق المعركة الرئاسية في لبنان، كانت قطر في قلب الاتصالات إلى جانب فرنسا والسعودية والولايات المتحدة، وشعرت بأن دورها قد يتعاظم بعد مشاركتها في كواليس مفاوضات تفاهم الحدود البحرية، وبعدما مدت جسور التواصل مع عدد من القوى، مع اهتمام خاص بالعلاقة مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
في لحظة ما، بادر القطريون بفتح الملف الرئاسي مع باسيل، وسمعوا منه معارضته ترشيح سليمان فرنجية، وأنه أبلغ حزب الله هذا الموقف، لكنه أكد أنه ليس في وارد دعم مرشح يعارضه الحزب. فانتقل القطريون إلى الحديث عن قائد الجيش العماد جوزيف عون كأفضل الموجودين على الساحة اليوم، لكنهم فوجئوا بموقف باسيل الرافض بقوة لوصول عون إلى الرئاسة، وسمعوا منه مطالعة تتجاوز الكلام السياسي العابر، مع شروحات حول طريقته في إدارة المؤسسة العسكرية. وبعد جولات من اللقاءات، فقد القطريون الأمل في جذب باسيل إلى صفهم، خصوصاً أنه رفض فكرة أن تقدم الدوحة «ضمانات» نيابة عن عون، قال البعض إنها أرفقت بإيحاءات عن استعداد قطر لدعم التيار الوطني الحر في مجالات عدة.
فرمل موقف باسيل الاندفاعة القطرية بعض الشيء. لكن تطور الحراك الفرنسي وشعور الدوحة بأن اهتمام باريس منصبّ على موقف الرياض، دفعا القطريين إلى تحريك مسارات جديدة بمحاولة إحداث خرق في الكتلة النيابية السنية في لبنان.
وإلى جانب اتصالات بقيت بعيدة من الأضواء، تبين أن وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية محمد عبد العزيز الخليفي الذي زار بيروت أخيراً والتقى كل القوى السياسية، لم يكن صريحاً إلا في لقاءاته مع المعارضين لترشيح فرنجية، وحرض على حزب الله الذي يريد «فرض فرنجية» وأنه «لا يمكن لكم أن تقبلوا أن يفرض الحزب رئيس مجلس النواب ثم يتدخل في تسمية رئيس الحكومة والآن يريد فرض رئيس الجمهورية»، مهدداً بـ«أننا لن نستثمر في لبنان إذا لم تسر الأمور بشكل صحيح». لكنه لم يخف في لقاءات ضيقة، بما في ذلك مع البطريرك الماروني بشارة الراعي، همسه مجدداً باسم قائد الجيش.
كما دعا الوزير القطري عدداً من النواب السنة للاجتماع به في السفارة القطرية في بيروت، وكرر على مسامعهم رفض فرنجية وضرورة التوصل إلى خيار آخر. ووجه الدعوة إلى عدد من هؤلاء لزيارة الدوحة لاستكمال البحث في الملف. وفهم أن القطريين ربما يظهرون رغبة في عرض لائحة أسماء جديدة وأنهم لن يظلوا متمسكين بترشيح قائد الجيش إذا شعروا بإمكانية حصول تفاهم بين معارضي فرنجية على مرشح آخر.
وقال مصدر مواكب للاتصالات إن القطريين لا يريدون المساعدة في وصول فرنجية، وهم لا يرونه حليفاً قوياً لحزب الله فقط، بل حليفاً قوياً وصديقاً مدافعاً عن خصمهم الأبرز في المنطقة الرئيس السوري بشار الأسد، وقد أوحى القطريون بأن وصول فرنجية إنما هو عودة سوريا إلى لبنان من بوابة الرئاسة هذه المرة، وكرروا أمام من اجتمعوا بهم أنهم سيعارضون بقوة عودة الحكومة السورية إلى الجامعة العربية، وسيرفضون التطبيع مع الأسد.