كتبت صحيفة “النهار”: فيما عادت امس الحركة السياسية بتثاقل عقب عطلة عيد الفطر ووسط مزيد من التلبد في الأجواء التي تسود واقع الازمة الرئاسية، يبدو من الواضح تماما ان ثمة مرحلة تصعيدية قد بدأت منذ ما قبل العطلة ولكنها تصاعدت بقوة في الأيام الأخيرة منذرة بمزيد من التأزم في الفترة الطالعة. ففي الوقت الذي يستعد فيه رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لاعلان ترشحه “رسميا” مساء اليوم عبر محطة “الجديد” وشرح برنامج أهدافه وتعهداته وحيثيات التحالف الذي رشحه قبل ان يعلن ترشحه بنفسه، بدا المشهد السياسي كما لو انه ضرب بقوة بموجات ساخنة مما يضع التطورات المتصلة بالازمة الرئاسية اشبه بجولات قتالية. ولعل العامل الأشد اثارة لشحن الواقع السياسي بجرعات كبيرة من التوتر تمثل في تعمد خطير لـ “حزب الله” الى اطلاق شحنات من الاستفزاز لخصومه ومعارضي خيار انتخاب فرنجية من خلال دفع الحزب لقادة ومسؤولين فيه الى اطلاق مواقف تهديدية وتهويلية على غرار تهديد الشيخ نعيم قاسم بخيار انتخاب فرنجية او الفراغ او من خلال استتباعه بتهديد السيد هاشم صفي الدين للمعارضين بانهم سيفوتون فرصة الركوب في القطار اذا ظلوا على رفض ما يعرض عليهم، بما يعني القبول بفرنجية او الاقصاء السياسي.
احدثت هذه الموجة الطارئة من التهديدات ترددات خطيرة في كواليس الازمة الرئاسية ليس لكون الأوساط السياسية كافة ليست معتادة على هذا النمط من الخطاب التهويلي الذي يلجأ اليه الحزب في ازمان عدة سابقا، ولكن نظرا الى الخطورة التي يرتبها الحزب على نفسه في دفع البلاد الى مناخ مشحون لن يبقى فقط في الاطار السياسي بل سيتمدد حكما الى الاطار الطائفي، ناهيك عن التسبب بمزيد من الأجواء والمسببات والدوافع التي ستمعن في تعميق الازمة الرئاسية ولن تساعد اطلاقا في أي انفراج محتمل من شأنه فتح ثغرة في جدار الانسداد والتحدي والاستفزاز.
ولعل العامل الاخر الخارجي الذي لا يقل خطورة في هذا السياق تمثل في ما تداولته أوساط ديبلوماسية وسياسية ونيابية على نطاق واسع في الساعات الأخيرة لجهة تحميل الاليزيه تحديدا تبعة مباشرة او ضمنية في دفع “حزب الله” الى الاستقواء بموقف الرئاسة الفرنسية وفريقها الداعم بلا أي هوادة لترشيح فرنجية وعدم التبصر باخطار التزام موقف منحاز بهذا الشكل الامر الذي استغله الحزب في الداخل لاطلاق نمط تهديدي ينذر بعواقب وخيمة. حتى ان هذه الأوساط التي كان كثير منها على تواصل في الأيام الأخيرة مع باريس وواشنطن والرياض تخشى ان تؤدي المعاندة التي يبديها الفريق الرئاسي الفرنسي في المضي بدعم فرنجية ورفض رؤية اخطار إدارة ظهر باريس لجهات لبنانية واسعة ترفض خيار فرنجية كما ترفض انحياز باريس بهذا الشكل في الازمة الرئاسية ، الى اخطر سابقة في تدهور علاقات فرنسا مع جهات لبنانية معروفة بصداقاتها التاريخية معها من جهة والى استقطاب ذي طابع طائفي لدى القوى المسيحية على قاعدة يجمعها فيها رفض الخيار الذي تندفع اليه باريس والسعي الى ترجمة هذا الالتقاء بالاتفاق على لائحة أسماء لمرشحين اخرين .
وتشير المعلومات المتوافرة في هذا السياق الى ان لقاءات لرؤساء احزاب ونواب مستقلين أجريت مع الديبلوماسية الفرنسية على مختلف مستوياتها تميزت اخيرا بخلاف واضح فيما يرجح ان تكون وفود نيابية لبنانية زارت العاصمة الاميركية أخيرا قد بحثت مع المسؤولين الاميركيين الذين التقتهم سبل لجم وتجميد المقاربة الفرنسية. وفي هذا السياق اعربت مصادر سياسية عن اعتقادها بان البيان الذي اصدرته وزارة الخارجية الفرنسية، واعلنت فيه ان لا مرشح رئاسيا لفرنسا في لبنان فيما ان الخارجية الفرنسية لم تبرز مرة في كل المقاربة الفرنسية المتعلقة بالرئاسة اللبنانية، قد يكون اتى من باب اتصال اجرته الخارجية الاميركية بنظيرتها الفرنسية من اجل تخفيف الاندفاعة الفرنسية التي اقلقت للغاية قوى لبنانية بتبنيها موقف الثنائي الشيعي ومرشحه وتولي التسويق له بما وضع فرنسا في مواجهة مباشرة مع هذه القوى التي ترى خطرا كبيرا في تبني دولة مثل فرنسا مقاربة فريق مسلح قادر على تعطيل البلد وتراعيه لهذه الاعتبارات بدلا من ان تدعم القوى التي تتصدى لسيطرة السلاح. وقد تحول الجهد المعارض الى التصدي للمقاربة الفرنسية التي يرى كثر من السياسيين انها باتت تشكل احراجا لادارة الرئيس ايمانويل ماكرون من حيث عدم قدرتها على التراجع وحاجتها الى احداث اختراق ديبلوماسي وسياسي في لبنان يساهم في تعزيز الوضع الداخلي للرئيس الفرنسي .
واللافت انه نقلت عن مسؤولين اميركيين او ديبلوماسيين سابقين لا يزالون يتابعون الوضع في لبنان مواقف متحفظة بل ورافضة لمضمون المقاربة الفرنسية كما ان في هذه التحفظات ما يوحي بان الاميركيين يعتقدون بان الفرنسيين ذهبوا ابعد مما يشكل اطارا لتوكيلهم في مساعدة لبنان.
وزير الخارجية الإيراني
وسط هذه الأجواء سيحط اليوم رحاله في بيروت وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على ان يبدأ زيارة رسمية ليومين يلتقي خلالها المسؤولين اللبنانيين، وقد حُدّدت له غدا الخميس، ثلاثة مواعيد مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب. وتترقب الاوساط السياسية ما سيحمله وزير الخارجية الإيراني، وما اذا كانت مرتبطة مباشرة بتطورات الملف الرئاسي في ظل التقارب الحاصل بين ايران والمملكة العربية السعودية .
وغداة المواقف التي اطلقها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع واكد فيها ان “القوات” لن تنتخب او تؤمن النصاب لاي مرشح من محور الممانعة، غرد عضو امس عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك عبر تويتر كاتبا “أَنذر السيد هاشم صفي الدين المعارَضة بأن تَقبل بمرشحِ حزب الله وإلا فوتّت فرصة لن تتكرر لركوب قطار سفَربرلِك المُمانِع. الموقف يستلهِم السلاح لا حقيقة ما آلت اليه الطبخة الرئاسية. جوابنا، الأحرار لا يخشون السلاح، والدستور أقوى وإن بَدا هشّاً لِمن امتهَنوا الزِندَ والزناد دستوراً”.
سخونة ملف النازحين
ليس بعيدا من المناخات السياسية تسارعت التطورات المتصلة بملف النازحين السوريين بعد التصعيد الذي سجل إعلاميا واجرائيا عقب ترحيل عشرات من النازحين المخالفين . وفيما سجلت تحركات متسارعة لعدد من البلديات لاجراء مسوحات وكشوف لتسجيل النازحين وتقييد تحركاتهم في نطاق عمل هذه البلديات اطلقت دعوات الى النازحين مجهولة المصادر على مواقع التواصل للتجمع والتظاهر اليوم امام مبنى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فيما ووجهت بدعوات مضادة لبنانية للتجمع ضدها ومنعها من التظاهر . وعلى الأثر وجّه وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي مساء كتاباً إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لمنع التظاهر من قبل النازحين السوريين والتظاهرات المضادة لها، بحيث أنّ الدعوة لهذه التظاهرات قد تؤدي إلى حدوث إشكالات أمنية بين المتظاهرين في نطاق المناطق التي ستقام فيها. وفيما يعقد اجتماع قبل ظهر اليوم في السرايا برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي للبحث في ملف النازحين السوريين، ابدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان “قلقها البالغ” تجاه “تقارير عن ترحيل اللاجئين السوريين قسراً من لبنان”، مؤكدة أنها “تتابعها مع الاطراف المعنية”. وقالت المفوضية، ردّاً على سؤال لـ”النهار”: “استناداً للمعلومات من اللاجئين، وبحسب تقارير عدة، تلحظ المفوضية زيادة في عدد المداهمات في صفوف سوريين في كلّ من جبل لبنان وشمال لبنان. ولغاية شهر نيسان الحالي، علمت المفوضية بما لا يقل عن 13 مداهمة تم تأكيدها”. وأضافت: “تلقت المفوضية أيضا تقارير عن سوريين محتجزين بهدف ترحيلهم في ما بعد، ومن بينهم من هو معروف ومسجلّ لدى المفوضية”. ودعت المفوضيّة إلى “احترام مبادئ القانون الدولي وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الإعادة القسرية”.
وفي هذا الملف برز موقف لافت امس للنائب اللواء جميل السيد اذ غرد عبر حسابه على “تويتر” قائلا: “نحن آخر من يمكن اتهامه بالعنصرية ولا سيما ضد السوريين، ومع ذلك فإنّ قضية النازحين هي أكبر وأخطر من أن يتحمّلها لبنان على المدى القصير والبعيد! وما تفعله بعض دول الغرب توطين بكل معنى الكلمة في الوقت الذي تسهّل فيه هجرة المسيحيين من لبنان، وكل زعيم لبناني ساكت حتى الآن متآمر. سبع مدارس مخصصة للنازحين يتم بناؤها في مناطق عدة، كل بناء من ثلاث طبقات وكل طبقة ??? متر مربع، مع ملاعب وغيرها! وزارة التربية ملزمة تعليمهم المنهاج الدراسي اللبناني وليس المنهاج السوري، وهذا معناه ان الخطة بألا يعودوا ابداً الى بلدهم، وغداً ستكون هناك أسلحة في مخيماتهم”.