كتبت صحيفة “الأنباء” الالكترونية: الحملة المفاجئة ضدّ النازحين السوريين بتوقيتها ومغزاها تعكس حقيقة فشل الدولة اللبنانية في مقاربتها لهذا الملف منذ بداية الأزمة السورية، مع ضرورة مقاربة الملف بعقلانية والاعتراف بالبعد الاقليمي والدولي له والعقبات العملانية الكثيرة التي تمنع إنجازه وإيجاد مخارج له، ومن المفيد التذكير بالرؤية التي قدمها وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك وائل أبو فاعور وكانت لتشكل أرضية مهمة لضبط النزوح والتي لم تلق للأسف تجاوباً انذاك.
وفي السياق، علّق رئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي وليد جنبلاط على السجال القائم عن عودة النازحين السوريين متسائلاً “كيف سيعود النازحون السوريون إلى بلدهم ومَن الجهة العربية والدولية التي تضمن عودتهم بسلامة، وهل بشار الأسد يُريد العودة؟”، داعياً “لإقامة مخيمات مقبولة على الأراضي اللّبنانية ولنسأل حزب الله وحلفائه مع العرب ما إذا كانوا يستطيعون ضمان عودة آمنة للنازحين”، لافتاً إلى أنَّ “هذا الأمر ليس بمثابة توطين إنّما النظام السوري فعلَ بهؤلاء كما فعلت إسرائيل بالفلسطينيين عام ١٩٤٨، والمسألة تعود إلى النظام السوري إذا كان يُريد عودتهم”.
مصادر سياسية مواكبة للحملة القائمة على النازحين السوريين ذكرت في اتصال مع “الأنباء” الالكترونية بموقف الغيارى اليوم على السيادة اللبنانية الذين رفضوا في بداية الأزمة مطالبة العديد من القوى السياسية الحكومة اللبنانية تخصيص أماكن خاصة في البقاع والشمال لإقامة مخيمات لهؤلاء النازحين لضبط عملية النزوح كما فعلت الحكومتين الأردنية والتركية وكيف علت يومها الأصوات من قبل هؤلاء الذين يتعاطون اليوم مع هذا الملف من وجهة عصبية وعنصرية، إذ، وبحسب المصادر، لما سمح للنازحين التداخل في المجتمع اللبناني بهذه الطريقة العشوائية التي بدأت ترتد سلباً على اللّبنانيين خاصة بعد التأكد من عدم جدية المجتمع الدولي بمعالجة قضيتهم وإعادتهم الى بلدهم.
المصادر أقرّت بأخطاء كثيرة ارتكبت واخلالات بالأمن وسرقات وتجاوزات تقترفها مجموعات من النازحين لكنّها ما زالت تحت السيطرة وبإمكان الجيش والأجهزة الأمنية والبلديات العمل على ضبطها معتبرةً أنَّ كل مخالف لمواصفات النازح ينبغي ترحيله بموجب القانون بعيداً عن العنصرية والتعصب، داعيةً الأسر اللّبنانية الى التواضع قليلاً والاستغناء قدر الإمكان عن العمالة الأجنبية وخاصة السورية في ظلّ هذه الأزمة الخانقة في تدبير شؤونهم الحياتية دونما الحاجة لتلك العمالة التي أصبحت كلفتها باهضة جداً عليهم وضرورة التخلي عن الترف المعيشي الذين اعتادوا عليه، إذ إن من غيرالمنطقي إعطاء العامل الاجنبي 3 او 5 دولارات بدل ساعة العمل لتنظيف المنزل أو الحديقة من جهة ونتهم النازح السوري او غيره بالمضاربة وسرقة قوتنا، فعلماً أن هذه الأزمة بكل تشعباتها هي من صنع اللبنانيين دون غيرهم.
وفي هذا السياق، حضر ملف النازحين السوريين بقوة في اجتماعات السراي الحكومي بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والوزراء المعنيين وقادة الجيش والأجهزة الأمنية عرضت فيها آخر المستجدات على هذا الصعيد، إذ اتفق على اتخاذ اجراءات أمنية سريعة لضبط الفلتان والفوضى القائمة ومراقبة دخول وخروج السوريين وترحيل من يجب ترحيله بعد التأكد من اوراقهم الثبوتية وتسجيلها في دوائر الأمن العام اللبناني.
توازياً، وفي تعليقه على المواقف المستجدة للأزمة القائمة بما خص النازحين السوريين دعا النائب عبد الرحمن البزري الى معالجة أزمة النازحين السوريين بعيداً عن العصبية والتعصب ولفت الى وجود عصبية وعنصرية غير مبرّرة من قبل البعض في مقاربتهم لهذا الملف الذي بدا يخضع للتجاذب السياسي.
البزري وفي حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية رأى أن المسؤولية تقع على عاتق الدولة التي اساءت من البداية التعامل مع هذا الملف، وأقرّ بوجود خطأ بنتيجة الاستيعاب أدى الى لجوء كبير من اهلنا السوريين الى لبنان علماً أنَّه كان من واجب الحكومة أن تتعامل بطريقة إجماع وطني أسوة بما قامت به الحكومة الاردنية لناحية تأمين أماكن مؤهلة بيئياً وصحياً، لكن الدولة بانقساماتها لم تتعامل بجدية مع هذا الملف بل طلبت من الوكالات الدولية عدم تسجيل أعداد النازحين لأسباب تعود الى عدم قيامها بانشاء مراكز لجوء جديدة وتركتهم ينتشرون في المناطق اللبنانية فتداخلوا في المجتمع اللبناني وكان من نتيجته هذه الأزمة فتحوّل هذا الوجود الذي كانت له تبعات منها ايجابية ومنها سلبية الى عبء كبير، وأصبح هناك ضغط على البنى التحتة من ماء وكهرباء وصرف صحي وغيره.
واعتبرَ البزري أنّه مع غياب أي سياسة حكومية واضحة أصبح هذا الأمر يهدّد نسيجنا الوطني ويهدّد توازنات النسيج نفسه، داعياً الى الاستفادة من المتغيرات الايجابية التي تشهدها المنطقة وخاصة التقارب السعودي الايراني، كما والانفتاح العربي على سوريا والحوار القائم بين ايران والسعودية وان نستفيد من هذا الجو الايجابي بعيداً عن العنصرية والتمييز والعصبية للمساعدة على الحل اللبناني وايجاد حل لازمة النازحين السوريين.
وفيما خص زيارة وزير الخارجية الايراني أمير عبد اللهيان الى لبنان، أشار البزري إلى أن المبادرات الرئاسية لم توضع بعد على نار حامية وأي موفد لدولة عربية او اقليمية او دولية يزور لبنان ولديه مبادرات ايجابية يجب ان نستفيد منها وضرورة القيام يمروحة اتصالات يجب ان تشمل الحل السياسي اللبناني، مضيفا: نحن كلبنانيين فشلنا بالتهيئة لايجاد الحل الاكثر نضوجاً، داعياً الى الاستفادة من المتغيرات الحاصلة في المنطقة وتحديداً الاقليمية القائمة من حولنا وان نبدأ باعادة ترتيب اوضاعنا وعلاقاتنا الداخلية لان كل ما يحصل في المنطقة باستثناء السودان يجب ان يساعدنا على حل أزمتنا، معتبراً أن الحوار السعودي الايراني مهم جداً بالنسبة لنا وكذلك الحوار التركي المصري لكننا مع الاسف لم نجهز بعد الارضية المطلوبة من اجل التسوية الداخلية.
إذاً، على لبنان أن يكون واقعي في مقاربة الاستحقاقات، بدءا برئاسة الجمهورية وصولاً الى ملف دقيق كالنزوح، حيث لا بدّ من توّفر ضمانات أساسية تكون ركيزة لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم بسلامة، وضرورة التعامل مع هذا الملف بانسانية بعيداً عن العنصرية والشعبوية لما فيه مصلحة البلد والنازحين السوريين تفادياً لأيّ احتكاك يُعرّض أمن لبنان واستقراره للخطر.