بدو هذه المرحلة أشبَه بفترة من الوقت الضائع سيليها حتماً وقريباً إنجاز الاستحقاق الرئاسي، فما كتب قد كتب وما يقوم به بعض القوى والشخصيات من تحركات لا يعدو كونه محاولة لإمرار هذه المرحلة او محاولة يائسة لإحداث تغيير في المكتوب الذي اقترب من ان يعرفه الجميع. ولكن في انتظار ذلك يستمر الاستنزاف السياسي والاقتصادي والمالي والمعيشي الذي تستمر المعالجات قاصرة عن وقفه، فيما ملف النازحين الذي يفاقم هذا الاستنزاف بدأ يتحرك بقوة وسط تولّد اقتناع جامع بوجوب معالجته، وقد بدأ المدير العام للامن العام بالوكالة العميد الياس البيسري تحضير خطوات تنفيذية قريبة في اطار العودة الطوعية للنازحين في انتظار الحل الشامل.
كان التطور الخارجي البارز أمس على صعيد الاستحقاق الرئاسي دعوة اميركية تستعجل مجلس النواب اللبناني انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
فبعد أيام على الرسالة التي وجهتها لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الاميركي الى الرئيس الاميركي جو بايدن وناشدته التدخل لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان وتحميل المسؤولية لمعرقلي العملية الدستورية “حَضّت الولايات المتحدة البرلمان اللبناني على انتخاب رئيس للجمهورية بعد مرور ستة أشهر على شغور المنصب الأول في هذا البلد الغارق في جمود سياسي وأزمة اقتصادية طاحنة”.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في بيان استنسخ أجزاء ومقاطع حرفية وكاملة من رسالة الكونغرس: “الولايات المتحدة تدعو القيادات السياسية في لبنان الى التحرك بشكل عاجل لانتخاب رئيس لتوحيد البلاد وإقرار الإصلاحات المطلوبة على وجه السرعة لإنقاذ الاقتصاد من أزمته”. وأضاف: “على قادة لبنان عدم وضع مصالحهم وطموحاتهم الشخصية فوق مصالح بلدهم وشعبهم”.
وأعربَ ميلر في البيان عن “اعتقاد الولايات المتحدة بأن لبنان يحتاج إلى رئيس متحرر من الفساد وقادر على توحيد البلاد وتنفيذ إصلاحات اقتصادية أساسية على رأسها تلك المطلوبة لتأمين اتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي”. وأكد أنّ “الحلول لأزمات لبنان السياسية والاقتصادية يمكن أن تأتي فقط من داخل لبنان وليس المجتمع الدولي”.
اما في التطور الداخلي في شأن الاستحقاق الرئاسي فكان ما أكّدته مصادر “الثنائي الشيعي” لـ”الجمهورية” من انه “وخلافاً لتقديرات البعض ولقراءته المغلوطة في مجريات زيارة وزير الخارجية الإيراني امير حسين عبداللهيان لبيروت، فإنّ حركة “امل” و”حزب الله” لا يزالان متمسّكين اكثر من اي وقت مضى بدعم ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، في اعتباره حق ديموقراطي لكتلتين وازنتين، مع حرصهما على إبقاء باب الحوار مفتوحاً مع القوى الأخرى لمحاولة التفاهم على مقاربة مشتركة للاستحقاق الرئاسي، متى اقتنعت القوى الرافضة للحوار حتى الآن بجدواه وضرورته”.
ونفت هذه الاوساط نفياً قاطعاً “ان يكون الوزير الإيراني قد طرح على الثنائي الشيعي تخفيف دعمه لفرنجية تمهيداً لتسوية على اسم آخر، كما روّج بعض المُبصرين في فنجان الزيارة”، مؤكدة انّ عبداللهيان “لم يخض في تفاصيل هذا الاستحقاق الذي يعتبره شأناً لبنانياً، خصوصاً انّ طهران تثق في إدارة الحزب والحركة للملف على قاعدة أنهما الأدرى بشعاب مكة والاقدر على تحديد الموقف المناسب”.
حوار بين الكتل
وفي غضون ذلك زارت السفيرة الاميركية دورثي شيا أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، واستعرضت معه الأوضاع العامة وآخر المستجدات السياسية والعلاقات الثنائية.
وجاء هذا اللقاء غداة آخر طويل عقدته مساء الاثنين الفائت مع نائب رئيس المجلس الياس بو صعب وبحثت معه في حصيلة ما أجراه حتى الآن من محادثات في جولته التي بدأها على رؤساء الكتل النيابية والهَدف الذي قصده وما هو متوقع منها.
وقد واصَل بو صعب أمس جولته على القيادات الروحية والكتل النيابية. فالتقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والمرشح النائب ميشال معوض، قبل ان يزور مساء رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع على ان يلتقي غداً رئيس حزب الكتائب سامي الجميل.
وعلى هامش الجولة التي كان قد بدأها بلقاء رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، قالت مصادر واكَبت جولة بو صعب لـ”الجمهورية” انه قرر القيام بهذه الجولة بالتنسيق مع بري من اجل التسويق للدعوة إلى الحوار بين رؤساء الكتل النيابية بغية التوصّل الى صيغة تفتح الطريق الى ترطيب الأجواء تمهيداً لدعوة المجلس النيابي الى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية.
ولفتت المصادر عينها الى انّ بوصعب لا يحمل مبادرة معينة بمقدار ما يقدّم عرضاً للتطورات يقود الى ضرورة إحياء الدعوة الى الحوار بغية التوصّل الى تحديد الخطوات المقبلة المتصلة بالاستحقاق الرئاسي.
وبعد لقائه مع جعجع وصف بو صعب الإجتماع بـ”المميز، ولا سيما بعد المعلومات المتداولة في الاعلام التي توحي بأننا سنصِل الى حائط مسدود، وبالتالي عدم متابعة المهمة”. واذ أكد انّ “اللقاء كان جيداً”، لفت الى انه لمسَ من جعجع “انفتاحاً وحرصاً على القواسم المشتركة بين اللبنانيين ولو انّ لديه مواقف ووجهة نظر مختلفة في امور معينة”.
مرشح جديد
وفي وقت متزامِن كان النائب غسان سكاف قد واصَل جولته على رؤساء الاحزاب والقيادات المعارضة في جولة هي الثانية بعد الاولى التي اختتمها قبل اسبوعين تقريباً، بغية البحث عن توافق حول مرشح جديد للمعارضة يمكنه ان ينال ولو صوتاً اضافياً واحداً لما ناله النائب ميشال معوض. وذلك من لائحة ضمّت عشرة مرشحين من الأسماء المتداولة والتي كانت على لائحة موفد البطريرك الماروني المطران انطون ابي نجم الى القيادات المسيحية. وهو تمنّى على مَن التقاهم اختيار اسم او اسمين او ثلاثة تمهيداً لاختيار مَن يتوافر الإجماع عليه في نهاية الجوجلة المرتقبة.
وأكد سكاف امس انّ جولته الثانية اقتربت من ان تنتهي، وسيكون للمعارضة مرشح جدي قبل نهاية الأسبوع الجاري. ولفتت مصادره الى أنه بقي عليه ان يلتقي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قبل ان يلتقي البطريرك الراعي في نهايتها.
لا تنافس
وفي الوقت الذي اعتبر سكاف انّ مبادرته “ليست ضد المرشح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية”، لفتَ الى انها تشجع على “الإسراع في إنجاز الاستحقاق”. وعن التزامن بين جولته الثانية والحركة التي بدأها النائب بو صعب على الخط عينه، أكد أن “كل المبادرات مطلوبة اليوم من أي شخص وليس هناك تنسيق ولا حتّى تنافس بين المبادرتين”.
البخاري والسهلاوي
تزامناً مع الحراك الذي بدأه السفير القطري في بيروت إبراهيم بن عبد العزيز السهلاوي بلقاء عقده مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي قبل ظهر امس، ينتظر ان يكون للسفير السعودي وليد البخاري تحرّك بارز بعدما أمضى اياماً يراجع خلالها التطورات الجارية منذ عودته الى بيروت الاسبوع الماضي حيث لم يسجل له اي لقاءات او زيارات. علماً انّ وجود البخاري في بيروت دحضَ الاشاعات التي تحدثت عن انتهاء مهمته وتعيين خلف له.
ولفتت مصادر ديبلوماسية عبر “الجمهورية” إلى انّ جولة السفير القطري وحيداً أثبتت عدم صحة الروايات التي تحدثت عن وجود أي موفد من بلاده في بيروت.
الحاكمية والحل مُتاح
من جهة ثانية، تناقش القيادات السياسية ? سيناريوهات لمواجهة الازمة الماثلة أمامها عند فراغ الكرسي الماروني لحاكم مصرف لبنان بعد انتهاء ولاية رياض سلامة نهاية حزيران المقبل.
وقال مصدر سياسي رفيع لـ”الجمهورية” إنّ السيناريو الاول هو المسار الطبيعي اذا تم انتخاب رئيس جمهورية وتشكّلت حكومة يصبح تعيين الحاكم من صلاحياتها الدستورية. وهذا السيناريو، بحسب المصدر، لا أفق له. والسيناريو الثاني ان نصل الى موعد انتهاء ولاية سلامة ولا يكون هناك رئيس جمهورية ولا حكومة، وعندها سننتقل حتماً الى السيناريو الثالث وهو امّا تعيين حاكم جديد في جلسة استثنائية لحكومة تصريف الاعمال وامّا ان يتسلّم النائب الاول الشيعي لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري حاكمية المصرف بالوكالة، وهذا الامر يرفضه رئيس مجلس النواب نبيه بري فيستقيل منصوري، فتنتقل الوكالة الى نيابة الحاكم الثاني الدرزي الذي بدوره سيستقيل لأنّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يرفص هذا الامر، وعند استقالة النائب الدرزي تنتقل الوكالة الى النائب الثالث المسيحي وهذا الخيار ضعيف جداً لأنّ الامساك بلعبة مصرف لبنان أصبحت مهمة صعبة جداً”.
واضاف المصدر: “اذا ذهبنا الى خيار تعيين حاكم جديد فهناك عقبات، وقد بدأ البحث بين المعنيين لتذليلها. فتعيين الحاكم يحتاج الى وجود رئيس جمهورية وفي غيابه يمكن الحكومة ان تقوم بهذا الدور اذا كان هناك توافق مسيحي حوله”.
ويكشف المصدر عن تخريجة يجري نقاشها مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي ربطَ حضوره الجلسات بالضرورة القصوى وتعيين الحاكم هو ضرورة قصوى، خصوصاً انّ الجميع مَسكون بهاجس تحليق الدولار الى ارقام قياسية تفوق السعر الحالي بأضعاف أضعاف. امّا الاسماء التي يجري التداول بها فهي: كميل ابو سليمان، سمير عساف، هنري شاوول وحتى جهاد ازعور. لكنّ الاخير سيسحب نفسه من لائحة الترشيحات كون اسمه مطروحاً للرئاسة. ويخلص المصدر الى ان الاجواء بما خَص حل ازمة المصرف المركزي ملبّدة، لكنه يعوّل على سياسة اجتراح الحل في ربع الساعة الاخير والذي يُبدع فيه المسؤولون في الدولة.
ملف النازحين
وفي جديد ملف النازحين وتنفيذاً للمهمة التي كلّف بها المدير العام للأمن العام بالإنابة العميد الياس البيسري، حضر امس في عين التينة والسرايا الحكومية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وميقاتي، حيث نقل اليهما النتائج التي توصّل إليها من خلال الاتصالات الجارية مع الأمم المتحدة لتسلّم لوائح النازحين المسجلين لدى دوائر المفوضية العامة لشؤون اللاجئين وحصيلة زيارته الاسبوع الماضي لدمشق التي خصّصت للجديد المتصل بهذا الملف الترتيبات التي يمكن اتخاذها لتزخيم برامج العودة الطوعية التي سيستأنفها الامن العام قريباً.
وكان ملف النازحين حاضراً في اجتماعات المديرية العامة للأمن العام، حيث التقى العميد البيسري كلّاً من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا وبحث معها في ملفات ذات اهتمام مشترك، ولا سيما منها ما يتعلق بملف النازحين. كذلك التقى وزير المهجرين عصام شرف الدين وناقشَ معه مختلف جوانب هذه الملف النازحين.
نفي الدمج
وفي موقف لافت أشار نائب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان عمران ريزا إلى أنّ “عددًا كبيرًا من اللاجئين العابرين من سوريا ليس مسجّلاً بعد سنة 2015، وشاركنا بياناتنا مع الدولة اللبنانية. أمّا بيانات من يدخل ويخرج من سوريا فليست معنا بل مع المسؤولين على الحدود”. وقال: “نملك علاقة جيّدة مع الدولة اللبنانية والاجتماع الذي انعقد الأسبوع الماضي كان مثمرًا ولكن نرى ارتفاعًا لمنسوب التوتر، لذا علينا أن نعمل معًا لنجد الحلول في القريب العاجل”. واعتبر انّ “الوجود السوري فاقمَ الأزمات في لبنان، وأولويتنا أن نكون قادرين على مساعدة لبنان أكثر وسنطلب في بروكسل مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار له، ونحن لا ندفع نحو خيار الدّمج في لبنان”.
الحفر والتنقيب
وعلى صعيد الحفر والتنقيب، أعلنت شركة “توتال إنرجي” الفرنسية أمس أنها أبرمت عقداً لبدء حفر بئر استكشافية للغاز هذه السنة في المياه الواقعة قبالة لبنان.
وقالت الشركة في بيان “وقّعت توتال إنيرجي بالتوافق مع شريكتَيْها “إيني” و”قطر للطاقة” عقداً ثابتاً مع “ترانس أوشن” لاستخدام منصّة الحفر التي ستقوم بحفر بئر استكشافيّة في الرّقعة الرقم 9 قبالة سواحل لبنان، في أقرب وقت ممكن في العام 2023″. وأضافت: “مع وصول الفرق، هذه خطوة رئيسيّة جديدة في التحضير للعمليّات”.
وتحتوي الرقعة رقم تسعة حقل قانا الذي يسمّى أيضاً حقل صيدا.
لا توجد حتى الآن احتياطيات غاز مؤكدة في الحقل الذي يمتد على الحدود البحرية للبلدين، لكنّ دراسة أجرتها شركة “سبكتروم” البريطانية عام 2012 قدّرت احتياطيات الغاز القابلة للاستخراج في لبنان بنحو 25,4 تريليون قدم مكعب. لكن مسؤولين في لبنان أعلنوا عن تقديرات أعلى.