مع ان “حدثا” قضائيا بنوعية قرار للمجلس التأديبي بصرف القاضية غادة عون من الخدمة “تأديبا” استنادا الى 12 شكوى مسلكية في حقها يفترض ان يتقدم أولويات المشهد الداخلي، لكن ما تخلل اليوم الثاني من جولة السفير السعودي وليد بخاري لجهة المواقف التي اعلنها وافصح عنها او تلك التي نقلت عنه استحوذت على الاهتمام السياسي والإعلامي الواسع. ذلك ان نبرة الوضوح الكامل اتبعها امس السفير السعودي بتعمد مدروس لينقل الرسالة الحاسمة حيال الموقف القاطع للمملكة العربية السعودية والذي جوهره ان المملكة تترجم موقفها الحازم الثابت من عدم التدخل في الانتخابات الرئاسية وتركه للكتل النيابية والقوى اللبنانية من خلال تشديدها على ان لا مرشح تؤيده المملكة ولا تضع فيتو على أي مرشح وان الاستحقاق يجب ان ينجز في اسرع وقت بارادات اللبنانيين وحدهم.
وبدا ان ابرز ما يركز عليه بخاري لشرح رؤية المملكة حيال الاستحقاق الرئاسي يقوم على نقطتين:
– لن تتدخل المملكة في الانتخابات الرئاسية اللبنانية وهي تترك هذه المهمة للكتل النيابية المطلوب منها ان تمارس هذا الحق الدستوري من دون اي تدخلات خارجية من اي جهة وان هذا الواجب الدستوري والوطني يبقى من مسؤولية اللبنانيين اولا.
– تتطلع المملكة بعد اتمام الاستحقاق الرئاسي وتأليف الحكومة الى الاسراع في تطبيق جملة من الاصلاحات الاقتصادية والمالية والعمل في كل ما يصب في مصلحة المواطنين وانتظام المؤسسات.
وفي المعلومات ان بخاري لم يتطرق في لقاءاته الى ذكر اي اسم من المرشحين.
وهو واصل جولته على المرجعيات اللبنانية السياسية والروحية. وزار في اليوم الثاني البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. ونقل المسؤول الاعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض ان بخاري نقل الى البطريرك الراعي تحيات المملكة واثنى على دوره مثمنا المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي، وشدد على انه يجب وضع حد للفراغ الرئاسي بأسرع وقت، واعتبر ان الاستحقاق الرئاسي شأن سياسي داخلي لبناني بامتياز وقرار الخيارات السياسية يؤخذ ويصنع في بيروت والمملكة ضد الاملاءات في هذا الموضوع من اي جهة. ونقل غياض عن بخاري ان المملكة ليس لديها اي اعتراض على اي مرشح رئاسي يحظى بثقة اللبنانيين انفسهم فأي رئيس ينتخبه المجلس النيابي ترحب به المملكة الحريصة على التعاون ودعم لبنان. ثم زار بخاري المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى حيث استقبله نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب الذي بارك ”الاتفاق السعودي الإيراني الذي يحفظ مصالح البلدين وانعكس على مجمل الأوضاع العربية والإسلامية”، املاً ان” تشهد الأيام المقبلة انفراجاً داخلياً يفضي الى انتخاب رئيس توافقي”.
والتقى بخاري رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الذي شدد بعد اللقاء على “أننا نرفض انتخاب أي مرشح تابع لـ”حزب الله” وإذا وجدت ظروف تأمين النصف زائد واحد لأي مرّشح في لبنان فتأمين نصاب الجلسة هو بمثابة انتخابه”، مضيفًا: من هنا لا يختبئ أحد خلف الدستور ويورطنا بـ6 سنوات بالهيمنة والفقر والذل. وأكد الجميل أنّ “ما من موقف من أي سفارة تطلب منّا أي شيء رئاسيًا، وهذا ينطبق على المملكة العربية السعودية التي تقول بأن هذا الملف، أي الملف الرئاسي هو شأن داخلي لبناني”.وأوضح “أنّنا لن نقبل ان يبقى لبنان بالحال التي هو فيها ولن نقبل أن يملي علينا حزب الله ارادته وأن يغطس لبنان بمزيد من الأزمات والهيمنة ووضع اليد”، معتبرًا أنه “ممنوع أن تكون المواقف رمادية بل عليها أن تكون واضحة برفض إملاءات ووضع يد حزب الله على البلد”.ولفت الجميّل الى أنه “إن كان المطروح إخضاع النواب عبر تعطيل الجلسات إلى أن يفرضوا مرشحهم فهذا يعطينا الحق بأن نعتمد الأسلوب نفسه لمنع استكمال السيطرة على البلد.”
في غضون ذلك كانت السفيرة الاميركية دوروثي شيا تزور معراب حيث شدد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على أن “الرهان على عامل الوقت في الانتخابات الرئاسية لن يخدم اي فريق وبشكل خاص الفريق الممانع ومرشحه، الذي لن يزيد من فرص انتخابه التي اصبحت معدومة” ولفت جعجع الى أنه “حان الوقت للتحلي بالجرأة المطلوبة ودعوة المجلس النيابي للالتئام والقيام بمهامه الدستورية، وفي مقدمتها انتخاب رئيس للجمهورية، في أسرع وقت ممكن”. وفي هذا السياق، اكد جعجع أن “المبادرة اليوم تقع بين ايدي اللبنانيين انفسهم لتأمين وصول شخصية تتمتع ليس فقط بالاستقامة والنزاهة فحسب، بل ايضاً بالجرأة الكافية لإدارة البلاد في ظل هذا الوضع الدقيق والحرج “.
نهاية غادة عون؟
اما في ملف المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون وبعد صراع طويل مع القضاء نفسه حسم المجلس التأديبي للقضاة الصراع باصداره قرارا تأديبيا بصرف عون من الخدمة بعد النظر في عدد من الشكاوى ذات الطابع المسلكي والقانوني تراكمت في حقها أمام التفتيش القضائي محالة عليه من داخل قصر العدل وخارجه. وبموجب هذا القرار اسدلت الستارة جزئيا عن هذه الشكاوى التي قدر عددها بـ ١٢ شكوى جرى ضمها جميعا لتصدر في قرار واحد سري عن رئيس الهيئة القاضي جمال الحجار وعضوية المستشارين القاضيين ايمن عويدات وميرنا بيضا. وتتجه الأنظار الى مجلس القضاء الأعلى لاختبار “شجاعته” في تثبيت القرار.
ووفق المعطيات فإن هذا القرار أصدره المجلس التأديبي اول من أمس وجرى إبلاغه امس في قلم مجلس القضاء الأعلى الى المحامية باسكال فهد وما لبثت أن حضرت القاضية عون التي أطلقت عبارات تعبر عن غضبها “يا عيب الشوم ،،، هذا قرار كيدي وظالم”. وبعد فشل محاولتها الدخول إلى مكتب رئيس الهيئة القاضي الحجار لمناقشة القرار الذي صدر برئاسته اعلنت عون انها ستتجه بالشكوى على هذا القرار الى اللجنة الأوروبية، وتوجهت من الطبقة الرابعة في قصر العدل الى الطبقة الخامسة وتمكنت من رؤية الوفد، الذي كان منهمكا بسماع أجوبة رجا سلامة صاحب شركة “فوري” واطلعته شفهيا على قرار المجلس التأديبي ، ثم قفلت مغادرة قصر العدل الى أمام مدخله حيث تجمهر مؤيدون لها . وكررت عون في تصريحها الكلام عن ان الملاحقات في حقها ” كيدية واقول ذلك على رأس السطح، لأنني قمت بعملي ولم ارتكب أي خطأ … يا عيب الشوم ؟. يلاحقون القاضي الوحيد الذي يجرؤ على فتح ملفات. ”
القرار التأديبي بالصرف من العمل يعتبر من القرارات الأعلى درجة في درجات العقوبات المسلكية القضائية . ويأتي بعده قرار عزل القاضي من القضاء بلا تعويض. اما قرار الصرف من الخدمة الصادر بحق القاضية عون فهو غير نهائي وقابل للاستئناف والاعتراض عليه أمام الهيئة العليا للتأديب التي يترأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود ، وذلك خلال مهلة ١٥ يوما حيث تعاد محاكمة القاضي أمامها تمهيدا لإصدار الهيئة العليا قرارها المبرم في ملف القاضية عون التي أعلن محاموها أنهم سيتقدمون بإعتراض على قرار هيئة الدرجة الأولى التأديبية أمام الهيئة العليا حيث ستجرى مساءلة ثانية للقاضي قبل ان تصدر قرارها النهائي بحق عون، ويقضي اما بتثبيت قرار هيئة الدرجة الأولى التأديبية أو إسقاطه. وقد علق الرئيس السابق ميشال عون على صرف غادة عون المرتبطة سياسيا به فكتب عبر “تويتر” : “القضاء على القضاء هو اليوم عنوان معركة مافيا الفساد، القضاء على مافيا الفساد هو عنوان معركتها . غادة عون قضيتها قضية كل لبناني انسرق جنى عمرو، وصارت أكبر من اي محاولة تعطيل”.
بدوره أشار رئيس التيار “الوطني الحر” جبران باسيل، الى أن “اليوم هو اكثر يوم مشرق في مسيرة القاضية غادة عون، حيث اكدت منظومة الفساد سطوها على حقوق الناس عبر التآمر على القاضية النزيهة التي لا تسمع من احد ولا يمون عليها احد”.
ودعا باسيل، الجميع وخاصة الشباب، الى “التعبير عن رفضهم لما جرى، ووقوف الاوادم الى جانب الحق بوجه الباطل”