كتبت صحيفة “النهار”: بدا لافتا في الأيام الثلاثة الأخيرة الانحسار الواضح في مجمل التحركات المتصلة بأزمة الاستحقاق الرئاسي التي تحولت الى “استكمالات” شكلية من دون ان تحمل معالم أي تطورات او معطيات جديدة من شأنها ان تكسر فعلا معادلة الانسداد التي تحكم الازمة، فيما تبدلت بوصلة الاهتمامات والمواقف السياسية ناحية تداعيات قرار مجلس جامعة الدول العربية بإعادة سوريا الى الجامعة بعد تعليق عضويتها فيها لمدة 12 سنة على لبنان. وعكس الجدل الداخلي حول تداعيات هذا التطور ، الذي لا يبدو انه شكل مفاجأة لاي طرف لبناني، امرا بديهيا ينتظر ان تتصاعد حماوته تباعا في ظل امرين متلازمين، كما تؤكدهما الأوساط المعنية بمتابعة هذا التطور. الأول ان لبنان الذي كان من بين الدول التي تشكلت منها لجنة المتابعة المنبثقة عن قرار مجلس الجامعة العربية لمتابعة تنفيذ الإجراءات التي تقررت في شأن موجبات عودة سوريا الى الجامعة، يجد نفسه معنيا بالكثير من هذه الإجراءات ولا سيما منها مسآلة عودة النازحين السوريين الموجودين على ارض لبنان باعداد تفوق كل المعايير المنطقية والموضوعية، كما مسالة ضبط الحدود ومكافحة عمليات التهريب الى إجراءات أخرى. والثاني ان الازمة الداخلية في لبنان ستستتبع حتما التحسب للتوظيف السياسي الذي سيمارسه حلفاء النظام السوري، وهو توظيف بدأ فعلا عبر التهليل والتضخيم اللذين يمارسهما حلفاء النظام بما يترجم طموحهم لتوظيف هذا الامر في مزيد من التعنت لتمرير مرشحهم الرئاسي. وفي ظل هذين العاملين تقول الأوساط المعنية والمتابعة نفسها سيكون من البديهي ان تنعكس المناخات الناشئة هذه مزيدا من التعقيدات والتوترات على مستوى الازمة السياسية والرئاسية في لبنان وليس العكس خصوصا ان الانهماك بالتحضيرات للقمة العربية في الرياض وما ستتركه من تداعيات في شأن سوريا قد لا يبقي مكانا للاهتمامات بلبنان المتروك ل”اهل الداخل” فيما تعصف الانقسامات العميقة في الواقع الداخلي ولا افق واضحا بعد لتطورات إيجابية في شان انهاء ازمة الشغور الرئاسي . وفي أي حال لا يفوت الأوساط المعنية ان تلفت الى حال التشكيك والشكوك الواسعة التي تحيط بقرار التعويم العربي للنظام السوري وليس عودة سوريا الى الاسرة العربية ، اذ ان فقدان صدقية هذا النظام وسقوطها جعلت القرار المتخذ في مجلس الجامعة مشوبا بالشكوك العميقة وعدم الركون الى أي تعهدات قد يكون النظام قطعها للدول العربية ولا سيما منها بعض الدول الخليجية التي لعبت دورا دافعا ومؤثرا في قرار اعادته الى الجامعة. ولذا بدأت الأنظار تتركز على موضوع مشاركة لبنان في القمة العربية التي تلقى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي امس الدعوة السعودية الرسمية لحضورها وما سيتضمنه الموقف الرسمي الذي سيعلنه في القمة سواء بالنسبة الى الملفات الإقليمية والعربية المطروحة او بالنسبة الى ما يطلبه لبنان من العرب في ازمته الخطيرة سياسيا واقتصاديا وماليا واجتماعيا . ومن غير المستبعد ان يشرع رئيس الحكومة في التحضير للموقف اللبناني من خلال مشاورات وزارية وسياسية وهو عقد عصر امس لقاء تشاوريا مع الوزراء في السرايا افيد رسميا انه جرى خلاله تبادل وجهات النظر في شأن الملفات المطروحة وكيفية مقاربتها، على ان يتم البحث في الامور التفصيلية خلال انعقاد جلسات مجلس الوزراء عند الضرورة.
في غضون ذلك أكد السفير السعودي وليد البخاري إنّ “الرياض تأمل أن يُغلّب الأفرقاء السياسيون المصلحة اللبنانية العليا لمواجهة التحديات والمخاطر التي يعيشها لبنان”. وأضاف أنّ “الرؤية السعودية للبنان لا تنطلق من رؤية تفضيلية للعلاقة مع طائفة على حساب أخرى”. وجاء موقفه بعدما سلّم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي دعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للمشاركة في الدورة العادية الثانية والثلاثين لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التي ستُعقد في جدة في 19 الجاري. وجرى خلال اللقاء البحث في الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة، إضافة إلى العلاقات اللبنانية- السعودية.
ووسط الصعود الحار المتواصل لملف النزوح السوري الى واجهة الأولويات الداخلية، التقى ميقاتي المنسقَ المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا وتناول اللقاء الملف السوري في لبنان. وأفادت المعلومات ان ريزا “هنأ لبنان على توحيد الموقف في ما خص موضوع اللاجئين السوريين كما شكر الدولة اللبنانية على جهدها وتفهمها وعلى تعاطيها بهذا الملف بطريقة مهنية”. وتطرق البحث الى مؤتمر بروكسل الذي سيعقد في منتصف شهر حزيران المقبل والذي سيخصص لموضوع اللاجئين السوريين.
الاصداء السياسية
اما في ما يتعلق بردود الفعل اللبنانية على قرار مجلس الجامعة العربية فان اول المرحبين به كان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال : “إن هذا القرار تاخرلسنوات لكنه خطوة بالإتجاه الصحيح وبإتجاه العودة الى الصواب العربي الذي لا يمكن أن يستقيم الا بوحدة الصف والكلمة”. وأضاف: “بعودة سوريا الى العرب وعودة العرب اليها بارقة أمل لقيامة جديدة للعمل العربي المشترك”.
واما اول المواقف المتحفظة السياسية والمشككة في القرار فكان لرئيس حزب”القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي غرد عبر حسابه على”تويتر”، كاتبا: “إذا كان للباطل جولة، ولو ورقية – نظرية، فسيكون للحق ألف جولة وجولة، ولكن حقيقية.”. ولوحظ انه لم يفصح مباشرة عن الحدث المقصود بتغريدته .
وفيما سخر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لدى زيارته اول من امس لعين التينة من تعبير “إعادة سوريا ” وصححه الى “عودة النظام ” غرد امس عبر حسابه على “تويتر”: “وهل سألوا الشعب السوري اذا كان يرغب في العودة الى الحضن العربي طبعا لا. الجامعة العربية شبيهة بسفينة الـTitanic تحمّل هذا الشعب الى غرق محتوم وقد أعطي النظام شرعية التصرف والذين نجوا من التعذيب او السجون او التهجير فان الحضن الحنون كفيل بشطبهم. ومتى بربكم استشرتم الشعوب”.
رقم قياسي جديد
وسط هذه الأجواء سجل رقم عالمي قياسي جديد تصدّر فيه لبنان لائحة الدول الأكثر تضخماً من حيث الغذاء عالمياً، إذ بلغت النسبة 352 %، بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة التي تزامنت مع الغلاء في أسعار السلع والخدمات الأساسية والطاقة والنقل والملابس وغيرها، حسبما أعلن موقع “World of Statistics”.
وأفاد برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة بأن معدل #التضخم في أسعار المواد الغذائية يرتفع بشكل كبير في ظل عجز موازنة خانق ومستويات عالية من الدين العام وانخفاض قيمة العملة ومستويات خطيرة من التضخم في العديد من البلدان في المنطقة، وتواجه خمسة بلدان في المنطقة معدلات تضخمً في أسعار الغذاء تتجاوز الـ60 في المئة ، حيث يواجه لبنان وسوريا تضخمًا في أسعار المواد الغذائية يصل إلى 138 في المائة و 105 في المئة على التوالي. أما في إيران وتركيا ومصر، تخطى معدل تضخم أسعار الغذاء السنوي الـ61 في المئة، ما يجعل من الصعب على العائلات تحمل تكاليف المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز والأرز والخضروات.