في الوقت الذي تتكثف فيه معطيات عن تلقي العديد من المراجع اللبنانية الرسمية والسياسية تحذيرات جديدة من سفراء غربيين وجهات دولية حيال المحاذير الخطيرة التي ستترتب على لبنان في تجاوز الازمة الرئاسية حدودا زمنية تقترب بسرعة وصارت اشبه بالخطوط الحمر المتوهجة، بدأت هذه الازمة تتوغل الى اطار غير مسبوق من الخطورة سيكون بمثابة ضغط محتدم على مختلف القوى اللبنانية الموزعة والمشتتة والعاجزة بكل المحاور التي تتوزعها عن فرض أي خيار رئاسي منفرد واحادي. ولذا اكتسب الحاح رئيس مجلس النواب نبيه بري امس، على ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية قبل منتصف حزيران دلالات تتجاوز الاطار المباشر لتسجيل موقف له من استعجال الانتخاب قبل حلول استحقاق نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان الى كون كلامه ينطوي ضمنا على مضامين مداولات تجري بين المسؤولين والقادة السياسيين اللبنانيين والعديد من الجهات الديبلوماسية الغربية والعربية والتي بدأت تشهد رفع وتيرة التحركات الضاغطة لانتخاب رئيس الجمهورية اقله قبل تموز المقبل، علما انه سبق ان نقل عن السفيرة الأميركية دوروثي شيا تكرار تشديدها على وجوب انجاز الانتخاب في حزيران. يضاف الى ذلك عامل بدأ يتردد في الكواليس واعلاميا بوتيرة كثيفة في الأيام الأخيرة ويتصل بما يوصف بانه تراجع فرنسي عن خيار معادلة انتخاب سليمان فرنجية وتعيين نواف سلام رئيسا للوزراء. بطبيعة الحال لم تثبت تماما صدقية الكلام عن هذا “التراجع” ولو ان الكثير من اللغط يحيط بهذا المناخ، ولكن اوساطا لبنانية مطلعة تعتقد ان التطورات الأخيرة لجهة السخط الأوروبي العام من إعادة النظام السوري الى جامعة الدول العربية، شكل عامل احراج جديدا وقويا واضافيا للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي بات يتعرض وفريق المستشارين لديه الذين يتولون الملف اللبناني، لانتقادات داخلية متصاعدة بقوة لجهة “التدخل” في الملف الرئاسي اللبناني وانحيازه الى من يوصف بمرشح “حزب الله” ونظام الأسد، وهو ما ترجمته صحف فرنسية بارزة منها “لوموند” اخيرا في مقالات لاذعة. ومع ذلك تترقب الأوساط نفسها الأيام القليلة المقبلة لفرز الخيط الأبيض من الخيط الأسود واختبار جدية الكلام عن “مهلة حزيران” وما تحمله من معطيات جديدة، علما ان مجمل الصورة لا يبعث على ترقب أي اختراق حقيقي وجدي الا في حال نجحت الجهود الكثيفة المبذولة على مستويات مختلفة في جمع “جبهات” المعارضين لترشيح سليمان فرنجية حول مرشح منافس.
كلام بري
وكان الرئيس بري اعلن امس امام زواره “بأن إنتخاب رئيس للجمهوريه هو بداية البدايات”. ولفت الى “وجوب انجاز انتخابات رئاسة الجمهورية كحد اقصى في 15 حزيران المقبل اذ لا أحد يمكن ان يعرف الى اين يتجه البلد من خلال الامعان في حالة الشغور في موقع رئاسة الجمهورية”. واضاف : “لا يجوز ان تذهب المنطقة العربية نحو التفاهمات والإنسجام ونحن في الداخل نذهب للتفرق عن وحدتنا وعن حقنا وعن ثوابتنا في الوحدة ورفض التوطين ورفض دمج النازحين وصون السلم الأهلي” . وقال “لا نقبل ولا يجوز القبول بإختيار حاكم لمصرف لبنان دون ان يكون لرئيس الجمهورية كلمة في هذا الامر والامر كذلك ينسحب على موقع قيادة الجيش آملاً ان يشكل الشعور بالمخاطر الناجمة عن الوصول الى الشغور في موقع حاكمية مصرف لبنان حافزاً لكل الاطراف من أجل تذليل كل العقبات والعوائق التي تحول دون إنتخاب رئيس للجمهوريه بأسرع وقت ممكن”.
في غضون ذلك يواصل اليوم السفير السعودي وليد بخاري تحركه فيزور “تكتل الإعتدال الوطني” في مكتبه في الصيفي في الثالثة بعد الظهر علما انه كان التقى التكتل في منزله اول من امس. وكشف النائب وليد البعريني امس لـ”النهار” انه سيكون هناك اجتماع للنواب السنة في دار الفتوى قريبا لمحاولة الاتفاق او الخروج باسم موحد لرئاسة الجمهورية .
الموقف الأوروبي
وفي المواقف الديبلوماسية من الوضع في لبنان برزت امس مطالعة ممثل الاتحاد الاوروبي في لبنان رالف طراف في مناسبة “يوم أوروبا” اذ لخص الاهتمام الأوروبي بلبنان في السنوات الماضية “بشكل أساسي بضرورة استعادة قدرة لبنان على وجه السرعة على اتخاذ القرارات السياسية والإدارية وتنفيذها. وثمة فهم مشترك على أنَّ ذلك يتطلَّب على الأقل انتخاب رئيس، وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، والتوصّل إلى اتفاقات بشأن تعيين مسؤولين كبار آخرين”. ولكنه لفت الى ان “البعض يريد الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، ويطالب بمراجعة شاملة للنظام السياسي ككل. لكن هذا نقاش يجب أن يجريه اللبنانيون في ما بينهم في المقام الأول. ونتفق جميعاً على ضرورة أن يجد لبنان حلاً للأزمة الاقتصادية كأولوية. ومن شأن الإصلاحات النقدية والمالية أن تعيد السيولة الضرورية جداً إلى الاقتصاد، وأن توقف الانزلاق إلى اقتصاد غير نظامي، وأن تعيد بناء النظام المصرفي المتأزم. ومن شأن تنفيذ التدابير المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي منذ أكثر من عام أن يفتح الطريق أمام برنامج للتعافي الاقتصادي، بمساعدة من الصندوق والأسرة الدولية، بما في ذلك أوروبا”. وفي ازمة النازحين السوريين قال “يتعين على صانعي القرار في لبنان وأوروبا على السواء إيجاد توازن بين اهتمامات المواطنين والإنسانية، وبين الميل إلى الدقة والاستعداد للبقاء منفتحين على العالم، وبين الانعزال والانفتاح . وما من حلول سهلة ولا حلول سريعة لهذا الأمر، ويجب ألا نقع فريسة للديماغوجيين الذين يتظاهرون بخلاف ذلك. كما تركز النقاش العام في لبنان في الآونة الأخيرة على وصف المشكلات والتحديات الناجمة عن وجود اللاجئين السوريين، وهذا أمر مفهوم بالتأكيد، بالنظر إلى العدد الكبير جدا من اللاجئين في لبنان. إلا إنني أعتقد بأن الوقت قد حان لكي يركز صانعو القرار على ما يمكن القيام به وتنفيذه، بعبارات ملموسة ومحددة، للتصدي للتحديات المطروحة. إن سلامة جميع الناس في لبنان وركامتهم وامنهم ورفاههم على المحك هنا”، مؤكدا ان “#الاتحاد الأوروبي يبقى مستعدا للدخول في حوار بناء بشأن جميع هذه القضايا، مع مراعاة الحدود التي يفرضها احترامنا لسيادة لبنان، ويعود للبنانيين أن يقرروا مصيرهم، وليس لنا أن نفرض حلولا”.
اما في المواقف الداخلية فدعا المجلس السياسي لـ”التيار الوطني الحر” برئاسة النائب جبران باسيل الى “الاستفادة من التحولات الحاصلة في الشرق الأوسط والخليج منذ توقيع الإتفاق السعودي – الإيراني لتكون في صالح لبنان”، ودعا “الكتل النيابية الى أخذ العِبَر من مواقف الخارج بموضوع رئاسة الجمهورية وإعادة الإستحقاق الى بُعده الداخلي وبالتالي الإسراع في الإتفاق على برنامج إصلاحي يرعى رئيس الجمهورية الجديد تنفيذه بالإتفاق مع الحكومة ومجلس النواب”. ورأى أن “من واجب الجميع الإستفادة من المناخ الإقليمي الجديد للسير بمشروع بناء الدولة على أسس الحداثة والاصلاح بما يتوافق مع الإتجاهات الجديدة في المنطقة”. وجدّد “تمسكه بإستقلالية قراره وخياره في الشأن الرئاسي رافضاً منطق مرشحي المواجهة “والممانعة” ومؤكداً الحوار مع الجميع ليتم إنتخاب رئيس إصلاحي يتمتع بشرعية شعبية ونيابية مسيحية على ان يحظى طبعاً بأوسع قبول وطني من الكتل النيابية”.