لا شيء يوحي بعد ان الشغور الرئاسي سينتهي الشهر المقبل، كما توقع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يواصل اطلاق «بالونات» اختبار محلية لتحريك «المياه الراكدة» ووضع الجميع تحت ضغط مهل الاستحقاقات الداهمة. حديث المعارضة عن التوحد خلال ساعات على مرشح واحد «ضبابي» ولن ينجح في كسر رتابة المشهد حتى وان حصل في ظل استمرار الهوة الكبيرة مع التيار الوطني الحر الذي يحاذر قطع «شعرة معاوية» مع حزب الله.
حتى الان لا معطيات جدية توحي بان الامور «سالكة»، خصوصا ان اصحاب الشان في الخارج لم يصلوا بعد الى صيغة نهائية يمكن ان تتبلور سريعا الى تسوية يتم فرضها او اقناع الاطراف المحلية بها. فهامش المناورة لا يزال متاحا ولا يبدو ان ايا من اطراف النزاع يشعر بخطورة استمرار الفراغ. فالرياض عبر سفيرها في بيروت وليد البخاري لا تزال على استراتيجيتها «باللعب» على اعصاب جميع الاطراف في الوقت الضائع، وقد جاءت الدعوة المفاجئة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى دارة السفير بالامس لتثير المزيد من التكهنات والافتراضات التي تعمل كل جهة على تفسيرها على هواها. اما واشنطن فتراجع نشاطها خلال الساعات القليلة الماضية رئاسيا وعادت لتتحرك على جبهة الجنوب باحثة عن ضمانات لم تحصل عليها لبقاء الامور هادئة وعدم التحاقها بجبهة غزة المشتعلة بعد سقوط كل محاولات العودة الى التهدئة.
تحرك السفارة الاميركية
اما واشنطن التي تعمل على محاصرة حزب الله الكترونيا من خلال حجب 13 من المواقع التي تتهمها بالترويج للحزب وسياساته، فقد تراجعت رئاسيا خلال الساعات القليلة الماضية وانشغلت الدبلوماسية الاميركية بمحاولة الحصول على ضمانات باستمرار الهدوء على الجبهة الجنوبية على وقع التصعيد المستمر في قطاع غزة وسقوط محاولات وقف النار. ووفقا للمعلومات، انضمت السفارة الاميركية في بيروت الى الضغوط الاسرائيلية على قوات اليونيفيل للحصول على موقف واضح من حزب الله من التصعيد الحالي في القطاع والحصول على ضمانة بعدم حصول خرق مماثل لما حصل قبل اسابيع عندما اطلقت الصواريخ باتجاه المستوطنات الاسرائيلية. فالخشية لدى القيادة الاسرائيلية من حرب متعددة الجبهات تحت «مظلة» توحيد الساحات لدى محور المقاومة، استنفرت الجهود الدبلوماسية لمحاولة الضغط بالتهديد باستعداد اسرائيل للذهاب بعيدا هذه المرة في التصعيد اذا ما حصل تهديد جدي على الجبهة الشمالية.
رسائل اميركية تحذيرية
هذه الرسالة التي نقلتها اليونيفيل الى المراجع الرسمية اللبنانية، وكذلك الى المقاومة، لم تلق اي اجابة مطمئنة من حزب الله الذي اختار «الصمت» باعتبار انه ليس في موقع يمكن ان يقدم فيها اي ضمانات لدولة الاحتلال التي يجب ان تبقى قلقة ومزعورة طالما انها اختارت تجاوز الخطوط الحمراء وحاول تعديل «قواعد اللعبة». وبعد ساعات على اخفاق الاسرائيليين بالحصول على رد على الرغم من رفع منسوب التحذير، دخل الاميركيون على «الخط» واجرت السفيرة الاميركية دورثي شيا مروحة من الاتصالات شملت كبار المسؤولين الامنيين والسياسيين في محاولة منها للحصول على مواقف واضحة في هذا الشان، محذرة من انزلاق الامور نحو الاسوأ وخروجها عن السيطرة اذا ما حصل اي احتكاك على الحدو الجنوبية، محملة الدولة اللبنانية مسؤولية منع اي عملية اطلاق للصواريخ طالبة اجراءات استثنائية على الارض لمنع تكرار ما حدث في المرة السابقة.
لا ضمانت لواشنطن
ووفقا لمصادر مطلعة، كان تاكيد رسمي على عدم رغبة لبنان في استخدام اراضيه «لزعزعة» الاستقرار في المنطقة مع التاكيد على ان اسرائيل مسؤولة عن التصعيد الذي يوتر الاجواء ويدفعها نحو الاحتقان. في المقابل لم تحصل شيا على اي اشارة يمكن ان توضح كيفية تعامل حزب الله مع التطورات المتصاعدة، لان ما لم يمنح للاسرائيليين من ضمانات لن يعطى للاميركيين.
اسرائيل وخطر مواجهة حزب الله
هذا التدخل الاميركي ياتي على خلفية المخاوف الاسرائيلية من اشتعال الجبهات اذا ما طال امد الجولة القتالية في غزة، ونقلت صحيفة»هآرتس» عن أوساط إسرائيلية امنية وجود قلق حقيقي من تدرج المواجهة الحالية الى قتال مع حركة حماس، ثم مع حزب الله، وطرحت تساؤلات عن تجريب المجرّب وعن جدوى هذه العمليات والجولات العسكرية مع قطاع غزة، وتقول إنها تتكرر مرة كل سنة أو سنتين، وتؤدي لأضرار في الجانبين دون ردع المقاومة. وقالت إن العملية الحالية حققّت نجاحاً تكتيكياً وحسب، دون مكسب إستراتيجي، فإسرائيل لا تردع المقاومة الفلسطينية للكفّ عن القتال وإطلاق الصواريخ لفترة الطويلة، كما أن هذه الجولة لن تردع حماس ولا حزب الله ولا إيران، فإسرائيل اختارت مواجهة التنظيم الأصغر، الجهاد الاسلامي، وتحاشي مواجهة التنظيم الأكبر حماس، مكررة خطأها مع حزب الله، وهما خطآن متشابهان سينفجران في وجهها قريبا.
«لعبة» الاعصاب السعودية!
رئاسيا، ومهما تعددت التحليلات والاستنتاجات، شكلت زيارة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى مقر اقامة السفير السعودي وليد البخاري في الشكل حدثا كبيرا لا يمكن تجاهله في «اللعبة» السياسية التي تتمحور حول السباق الرئاسي الى بعبدا،اما في المضمون لا شيء تغير فعليا، ولم تخرج الرياض عن حيادها الايجابي تجاه ترشيح فرنجية للرئاسة، لكنها منحته وحلفائه «حبة مسك» للاستمرار في الرهان على الوقت. ووفقا لمصادر مطلعة، فان المملكة تلعب «باعصاب» الجميع وتضعهم في حيرة، حيث كل طرف يعمد الى تفسير موقفها على هواه، فيما تواصل تسريب المعلومات حول تمسكها بموقفها القائم على انها لا تتدخل في «لعبة» الاسماء، ولا تضع «فيتو» على احد، وهي تحكم على الممارسة تاركة اللبنانيين ليقرروا ما يريدون اي ترك الامور بين ايديهم.
حوار «دون قفازات»
وفيما نفت مصادر ديبلوماسية ان تكون هناك اي زيارة مقررة للبخاري الى بنشعي الاسبوع المقبل، خطفت زيارة فرنجية الى السفارة السعودية الاضواء، بعد ان لبّى فرنجية دعوة السفير السعودي الى الفطور، حيث دام اللقاء أكثر من ساعة، وتطرّق الطرفان الى المستجدات الراهنة، وقد صرح فرنجية بعد اللقاء قائلا: شكراً على دعوة سفير المملكة العربية السعودية الكريمة، اللقاء كان وديّاً وممتازاً. وهو امر اكدت عليه مصادر مطلعة، اشارت الى ان جوا من الاحترام والود ساد اللقاء،ولفتت الى ان اللقاء كان دون «قفازات» وكانت مصارحة شفافة حيال كل القضايا الداخلية والاقليمية وكانت الرئاسة «طبقا» رئيسيا على مائدة الفطور مع تاكيد البخاري احترام السيادة اللبنانية وحرص بلاده على استقرار لبنان.
تكرار للمواصفات
وبعد ظهر امس، زار البخاري تكتل الاعتدال الوطني. واكد عضو التكتل أحمد الخير ان الموقف السعودي متجدد بدعوة كل الأفرقاء على الساحة اللبنانية للتوافق، باتجاه الانتهاء من الشغور في سدّة الرئاسة، ورفع الفيتو عن أي إسم من خلال البحث عن شركاء استراتيجيين بأطر مستدامة، مشيرًا إلى أن توجّه المملكة ليس باتجاه الأشخاص بل باتجاه السياسات التي سيتم اتباعها في المرحلة القادمة والعهد الجديد ووصولها إلى واقع ملموس، على أن تحدد هذه السياسات مدى دعم المملكة العربية السعودية للدولة اللبنانية، لافتًا إلى التوصّل من خلال اعتماد هذه الخطوات إلى طرح عدة مرشحين والذهاب باتجاه اللعبة الديمقراطية تحت قبة البرلمان. وأوضح الخير في ما يتعلّق بترشيح فرنجية، أن عليه تحمل تداعيات أي موقف، وتقديم التوضيحات اللازمة للرأي العام اللبناني، مؤكّدًا عدم تداول الكتلة بأي أسماء مع السعودية.
«لوموند» وحظوظ فرنجية
في هذا الوقت، كشفت صحيفة «لوموند» الفرنسية، ان ما تنفيه الخارجية الفرنسية، من دعم لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية هو حقيقة لا يمكن نفيها فهو في قلب الصيغة التي يجري اختبارها حاليا من قبل الديبلوماسيين الفرنسيين، لإخراج لبنان من المأزق بعد سبعة أشهر من الشغور في رأس الدولة. لكن في المقابل لم يظهر حتى الآن توافق في الآراء بين الأحزاب في البرلمان «غير المهتمة» بعواقب هذا الفراغ المؤسسي. ولفتت الصحيفة الى أن سليمان فرنجية، هو مرشح التحالف الشيعي، حركة أمل وحزب الله، لكنه يحافظ على علاقات ودية مع الخليج والولايات المتحدة. وقد تعززت فرصه بسبب التقارب المستمر بين المملكة العربية السعودية ونظام دمشق.
لماذا تدعم باريس فرنجية؟
وبعد حديثها عن الاتهامات لباريس برغبتها الاستثمار في اعادة اعمار سوريا ، ولهذا تدعم خيار فرنجية، نقلت عن مصادر دبلوماسية تاكيدها ان المبادرة الفرنسية «ولدت» بعد الاجتماع «الخماسي» في باريس في السادس من شباط بين الولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر حول خارطة طريق رئاسية. حينها اختار ماكرون أحد الخيارات التي طُرحت على الطاولة، فباريس تعتبر أنه من غير الممكن العمل ضد النظام والقوى السياسية التقليدية. لهذا يجب أن يكون الرئيس قادراً على التفاوض مع حزب الله، ورئيس المجلس نبيه بري، ليؤيدوا الإصلاحات الضرورية لاستعادة لبنان.
واكدت «لوموند» إن فرنسا تعتمد على الرياض لبث الروح في مبادرتها. لكن على عكس اليمن أو سوريا أو السودان، حيث تنشط السعودية بعد الانفراج مع إيران، فإنها لا تظهر أي استعجال حتى الآن في معالجة الملف اللبناني. على الرغم من ان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد استمع إلى حجج ماكرون حول خطر التخلي عن لبنان، بوابة سوريا، وضرورة عدم انزلاقه إلى الفوضى.
حركة بلا بركة؟
في المقابل فان مجموعات الفيتوات المعارضة على فرنجية لا تزال في دائرة السلبية فلا التقاء على اسم مرشح موحد حتى الان وهي تستفيد من غياب الضغوط السعودية، للتمسك بمواقفها، ويبدو ان ارتفاع منسوب التحركات، يبقى حتى الساعة دون «بركة» فيما تحدثت المعلومات عن زيارة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى باريس في 2 حزيران المقبل لمحاول فهم طبيعة الموقف الفرنسي الذي يثير غضب شريحة واسعة من الاحزاب المسيحية.
الجميل يشكك!
وفيما عقد لقاء امس جمع معظم اقطاب المعارضة، من قوات وكتائب وتجدد مستقلين وعدد من التغييريين، شكك رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل بعد لقاء عضو كتلة «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل ابو فاعور بامكانية حصول اختراق في ملف الرئاسة وقال ان الاتصالات ستتكثف اكثر وسنحاول الوصول الى اختراق في ملف الرئاسة في الايام القليلة المقبلة»، مضيفاً «لا اعد احداً بشيء، ولكن سنقوم بالمستحيل، وجميعنا نتواصل مع بعضنا البعض، وهناك جهد متواصل واستيعاب من الجميع لضرورة الاسراع بالوصول الى نتائج سريعة». وجدد الجميل رفض ما اسماه الاستسلام وقال «هناك فرق بين الحرص على الانتخاب والاستسلام للأمر الواقع ومنطق التعطيل، وهذا ما لا نقبل به». وردا على سؤال حول الاتفاق على إسمين في المعارضة، قال: «عندما نصل اليها سنصلّي عليها.
ماذا يريد «التيار»؟
في هذا الوقت كشفت مصادر في المعارضة بان الاتصالات تنشط مع التيار الوطني الحر في محاولة لاقناعه بنقطة التقاء مع المعارضة لن تكون في اطار حوار مباشر مع القوات اللبنانية، وهو امر لا ترغب به «معراب»، وتبتعد قدر الامكان عن تكرار التجربة السابقة، ولهاذا يتولى النائب سكاف محاول تحقيق اختراق في موقف «ميرنا الشالوحي» للاتفاق على مرشح بالمواصفات المطلوبة، لمواجهة ترشيح فرنجية. الا ان المصادر نفسها تتهم «التيار» بلعب لعبة مزدوجة فمن جهة يرفض تبني مرشح حزب الله لكن في المقابل يمتنع عن تاييد اي مرشح يمكن ان يستفزه، وحتى الان لا يريد النائب جبران باسيل قطع «شعرة معاوية» مع الحزب وحتى انه لا يناور في السياسة، فهو يرفض المغامرة بالايحاء انه قاب قوسين من التفاهم مع المعارضة على اي اسم ولا يزال يراهن على فتح قنوات اتصال مع الحزب للتوصل الى صيغة رئاسية تتفهم هواجسه، وهو لا يبدو مستعجلا «لحرق مراكبه» مع حارة حريك. ولهذا يفرمل تقدمه باي خطوة نحو المعارضة حتى الساعة.