كما لو ان المشهد يعكس سباقاً ساخناً حاراً مع “مهلة حزيران” التي صارت على ما يبدو كلمة سر علنية ومضمرة في آن واحد، بدت في الساعات الأخيرة صورة التحركات الكثيفة داخليا والتحضيرات لبعض التحركات البارزة خارجيا المتصلة بحيوية تصاعدية لم يعد ممكنا تجاهل اثرها في الاستنفار السياسي والديبلوماسي الناشئ. محوران اساسيان في الداخل شغلا في الساعات الأخيرة الاهتمامات وسط محاولات رصد ما يحصل على كل منهما وهما محور التحرك المتواصل بوتيرة غير عادية للسفير السعودي في لبنان وليد بخاري، ومحور الاجتماعات والاتصالات الكثيفة بعيدا من الأضواء بين القوى المعارضة وسط مناخات الغموض التصاعدي التي تغلف مصير ترشيح رئيس “تيار المردة” #سليمان فرنجية والذي وان كان لبى دعوة السفير السعودي امس الى دارة الاخير في اليرزة فان أجواء الملاطفة الدافئة بينهما لا تعني ما سعى الفريق الداعم لفرنجية الى تعميمه من ان فرصة اقترابه من بعبدا قد زادت. وقد علم ان ما سمعه فرنجية من السفير هو نفسه ما سمعه سائر الافرقاء الاخرين لجهة ان بلاده ليس لديها أي مشكلة مع احد فلا تأييد لاحد ولا فيتو على احد، وتاليا على اللبنانيين ان يختاروا رئيسهم ويتحملوا مسؤولية قرارهم وهي خلاصة تعيد المعركة الى الداخل.
ونقلت معلومات ان لقاء السفير السعودي وفرنجية لم يغير في موقف المملكة ازاء ما اعلنته لجهة الاستحقاق الرئاسي اللبناني، فالموقف الذي ابلغه بخاري الى المعنيين في 3 ايار ما زال على حاله، ولن يتبدل بين ليلة وضحاها، هي على حياد ولا فيتو على اي مرشح ، من هنا يمكن للسفير ان يستقبل فرنجية تماما كما اي مرشح آخر، ولا داعي للاستثمار في الزيارة اكثر مما تحتمل.
ومع زيارة فرنجية الى السفارة السعودية امس استكملت تقريبا خارطة اللقاءات التي اجراها السفير بخاري .وبعد اللقاء الذي جمعه صباحا الى بخاري في اليرزة حيث تناولا الفطور معا غرد فرنجية: “شكراً على دعوة سفير المملكة العربية السعودية الكريمة، اللقاء كان وديّاً وممتازاً”.
وبعد الظهر، زار البخاري “تكتل الاعتدال الوطني” في مقره في الصيفي واعلن “التكتل” مجددا بعد اللقاء انه “يتعهد عدم مقاطعة أي جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية وسندعم أي مرشح يلتزم وثيقة الوفاق الوطني واتفاق الطائف ويحافظ على العلاقات مع العرب والخليج العربي”.
وفي السياق، برزت امس معطيات حيال تحضيرات جدية تجري لدعوة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي الى باريس للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مطلع حزيران المقبل فيما تتنامى مؤشرات إعادة باريس النظر في موقفها “السابق” بدعم ترشيح فرنجية. ومع ذلك لم تمرر بكركي مغالطات تحدثت عن تدهور علاقتها بفرنسا فنفت ذلك نفيا تاما وشددت على تمسكها بالعلاقات التاريخية بين الطرفين.
ولعل ما ينبغي الإشارة اليه خارج السياق الرئاسي ما برز امس من تسريب لخبر عبر الموقع الالكتروني لـ”التيار الوطني الحر” اتجاه المدعية العامة الاستتئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون للادعاء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وزوجته ندى وعلى ستيفاني صليبا وبنك لبنان والخليج على ان تطلب اصدار مذكرات توقيف غيابية بحقّهم . وتبين وفق المعلومات المستقاة من جهات قضائية معنية ان قاضي التحقيق لم يكن تسلم حتى انتهاء الدوام في الثالثة بعد ظهر امس أي طلب من القاضية عون بما يعني ان استباق الخطوة كان بتسريب الخبر تحضيرا لاصدار الادعاء لاحقا .
تحرك المعارضة
في المقابل برزت معطيات متقدمة في سياق المساعي الجارية بين القوى المعارضة لترشيح فرنجية للاتفاق على اسم مرشح موحد او اكثر اذ افيد ان لقاء عقد امس وجمع معظم اقطاب المعارضة، من “قوات لبنانية” وكتائب وتجدد مستقلين وعدد من التغييريين، لهذه الغاية .
وفي موازاة ذلك بات معروفا ان ثمة قناة للتواصل بين “القوات” و”التيار الوطني الحر” يتولاها كلاً من النائبين فادي كرم وجورج عطالله؛ ويُفترض الوصول إلى نتائج في مرحلة قريبة . وتشير معلومات الى ان ثمة مجموعة من الأسماء من الشخصيات المطروحة في الإعلام وأسماء أخرى غير متداولة إعلامياً يجري تداولها، مع الاشارة إلى أهمية تكمن في الانتقال إلى تصوّر ايجابي والتفاهم على اسم رئاسي أو أكثر والاضاءة عليه للكتل النيابية الأخرى. ولا تنحصر المحاولات بفريقين فحسب بل إنها تشمل كل أطراف قوى المعارضة إلى جانب “التيار الوطني الحرّ” للوصول إلى تفاهم على مرشّح رئاسي، مع إدراك الأحزاب السيادية تمسّك محور “الممانعة” بمرشّحه الرئاسي وعدم المفاوضة على مرشّح آخر بل السعي إلى فتح حوار مع الآخرين للمساهمة في قبول مرشّحه فحسب في إطار بحثه عن تسويات.
ومن هذا المنطلق، يشدد النائب فادي كرم على استكمال محطات التشاور مع غالبية أفرقاء المعارضة ومع “التيار الوطني الحرّ”، ليس لإيقاف وصول مرشّح “الممانعة” إلى الرئاسة الأولى فحسب ، بل أيضاً للتفاهم على مرشح جديّ وسط تفاوض على أسماء إضافية بما يشمل قوى المعارضة و”التيار”. ومن الواضح أن المسألة لا تتوقّف عند فريق من المعارضة بل إنها تشمل “القوات” والكتائب والنواب التغييريين و”التيار الوطني”، علماً أن المفاوضات مستمرة ولا وصول إلى شبه نتائج ملموسة حتى اللحظة .
وليس بعيدا من هذه التحركات التقى امس رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل عضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب وائل ابو فاعور وكشف الجميل ان “الاتصالات ستتكثف اكثر وسنحاول الوصول الى اختراق في ملف الرئاسة في الايام القليلة المقبلة”، مضيفاً “لا اعد احداً بشيء، ولكن سنقوم بالمستحيل، وجميعنا نتواصل مع بعضنا البعض، وهناك جهد متواصل واستيعاب من الجميع لضرورة الاسراع بالوصول الى نتائج سريعة”. وشدد على “ان الوقت ليس لصالحنا، وحريصون على انتخاب رئيس للجمهورية باسرع وقت، ولكننا نرفض الاستسلام وهناك فرق بين الحرص على الانتخاب والاستسلام للأمر الواقع ومنطق التعطيل، وهذا ما لا نقبل به”. وأكد “اننا سنقوم بكل ما في وسعنا لتحقيق الاختراق في الملف الرئاسي فلدينا استحقاق مهم وهو تعيين حاكم مصرف لبنان بعد نحو شهرين، ونرفض ان يتم هذا الأمر خارج الأصول الدستورية اي بغياب رئيس الجمهورية، كما نرفض ممارسة الحكومة لصلاحيات لا تملكها كونها حكومة مستقيلة”.