أقامت عائلة المفكر الراحل زياد سعادة، برعاية وزيري الاعلام والثقافة في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري والقاضي محمد وسام المرتضى، ندوة تكريمية له في ذكرى رحيله وبمناسبة صدور كتاب “الباراسيكولوجيا والانسان”، في قاعة محاضرات مؤسسة الصفدي، وقد حضر الى المكاري وممثل المرتضى المحامي شوقي ساسين، النائب السابق سمير الجسر، السيدة سليمة أديب ريفي، نقيبة المحامين ماري تيريز القوال، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مياه لبنان الشمالي المهندس خالد عبيد، مدير كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية الدكتور خالد الخير وحشد من أصدقاء الراحل ومهتمون.
بداية النشيد الوطني، ثم ترحيب من الاعلامي زياد مكاري، فعرض فيلم وثائقي عن سعادة “المفكر والرجل والزغرتاوي والزوج والحبيب والابن والأخ”.
المكاري
وألقى الوزير المكاري كلمة استهلها بالترحيب “بالصديق معالي وزير الثقافة محمد وسام مرتضى في رحاب طرابلس والشمال”، مشددا على “ضرورة الحيوية الثقافية لعاصمة الشمال رغم الظروف الأليمة”.
وقال: “مع زياد سعادة يتجدد اللقاء في رحاب الفكر الإنساني، رحل الصديق الشغوف بالفلسفة والمثقف الهادئ بالجسد، لكن ترك لنا شعلة لا تنطفئ، فتحية لمن حملها من زوجته الصديقة هدى شديد كما أفراد عائلته ومحبيه وأعدادهم وفيرة”.
أضاف: “تحمل دلالات كثيرة، إن نلتقي في طرابلس تحديدا لتخليد ذكرى زياد سعادة والحديث عن الباربسكلوجيا والإنسان، هذه المدينة التي تحتضن كل أبناء الشمال تستحق بذل الجهود لتحسين واقعها وفتح مجالات التنمية بشكل جدي وفعال. طرابلس التي نجتمع في رحابها اليوم، والتي افتتحت الرابطة الثقافية معرضها الكتاب السنوي للسنة ال49 على التوالي، هي مدينة العلم والثقافة والايمان عن جدارة، أصيلة بتاريخها وبأهلها وناسها التي ترافقت معهم لعقود من حياتي جعلتني التزم حبها مدى العمر”.
وتابع: “عن صديقي الراحل زياد سعادة ساترك المجال أمام المتحدثين لشرح جوانب مشرقة لحياة قصيرة، لكن اسمحوا لي أن أتوجه إليه بالتحية لقدرته الهائلة على تحريك عقولنا بالنظريات الفلسفية والأفكار المنفتحة دون التقوقع والانغلاق على الذات. هناك مقولة فلسفية بأن كل ظاهرة جوهرية ولا بد لمطلق جوهر أن يظهر. هذا ينطبق بشكل كامل على زياد سعادة لكونه ظاهرة تستحق التوقف عندها كونها المنبعثة من جوهر عميق في دواخلنا الإنسانية لا يحجبه الموت رغم الم الفراق، زياد سعادة ظاهرة في البحث الدائم والتساؤل المشروع عن الماضي كما التفكير بوقائع الحاضر واستشراف المستقبل”.
وأردف: “ندرك جميعا، حجم المأساة التي نعيشها والواقع الصعب التي نتخبط فيه، لكن لا بد أن ينتصر الأمل ونتجاوز الصعاب، ففكرة لبنان قائمة على الانبعاث من بين الرماد والتحليق عاليا، كما لا مفر من العمل والسعي لحل الازمات انطلاقا من انتخاب رئيس للجمهورية بشكل فوري وسريع واستعادة الانتظام العام. الدولة القادرة والقوية ضمانة لجميع اللبنانيين، ولن تقوم بمنطق الشرذمة ونهج الانغلاق بقدر السعي إلى الحوار وخلق مساحات مشتركة”.
وختم المكاري: “كل التحية للقائمين على جمع هذه النخبة الرائدة لإكمال مسيرة زياد سعادة الفكرية”.
الحلوة
ثم تحدث الدكتور مصطفى الحلوة عن سعادة “الذي غلب الموت وانبعث مشروع فيلسوف”، وقال: “الرحيل استعجله وهو في اوج عطائه، انهزم منه الجسد وبقي روحا ينبعث كتابا يبقى”.
وتطرق الى فلسفة سعادة في “خوض معركة مواجهة تهمة البارابسيكولوجي وما آلت اليه كعلم بذاته يدرس في الجامعات”، وختم سائلا: “هل كان فيلسوفا ام مشروع فيلسوف، كان فيلسوفا وأثار عاصفة فكرية لا زالت تتردد حتى يومنا هذا”.
طراد
من جهته لفت الدكتور جورج طراد إلى “صعوبة كتابات سعادة لما تكتزنه فكريا، حيث تجد نفسك مضطرا لقراءة المقطع الواحد مرارا لتلج عالمه الفكري”.
وتطرق الى “ثقافة سعادة والتعامل مع العلوم البالغة الصعوبة تعامل الخبير”، وقال: “أهميته تكمن في سعيه الى الحؤول دون أن تبقى البارابسيكولوجيا رهن العلوم الرسمية فحرص على نشرها لتتحول الى مادة منتشرة، وميزة كتاباته انه تصرف تصرف العالم في المختبر مدركا الدقة والحساسية ودائما تعاطى من باب التجريب بعيدا عن الجزم آخذا كل الاحتمالات باستخدامه الفاظا تدل على التجريب العلمي”.
نون
كما تحدث بيتر نون عن جمعية Kids first التي يعود ريع الكتاب لاطفالها، فلفت الى “أهمية استخراج الإبداع من رحم الالام”، منوها بما تركه سعادة ومشيرا إلى “عجيبة قدرة ابجدية سعادة على الشفاء”.
وشكر الراحل على “أمانة الأدب والرقي وامانة هدى شديد التي جربت الألم وامانة والدته”، كما شكر باسم الأطفال المصابين بالسرطان “الفكرة التي تحيل دعما ماليا لهم”، معتبرا ان “تعثر المؤسسات الضامنة بسبب الظروف الراهنة ينعكس على مسار الطبابة للأطفال”.
ساسين ممثلا المرتضى
وألقى ساسين ممثلا المرتضى كلمة قال فيها: “زياد سعادة الإنسان ما بين طرفة حبر وانتباهته، كان على يراعتي أن تغط ريشتها في ذكرى زياد سعادة، وتحرك في قعر الدواة أخبارا عن فصوله البارابسيكولوجية، عل مدادها يسرب في علم النفس وما وراءه، والفلسفة وما بين يديها، إلى أعماق كان الراحل يسبر أغوارها ويستخرج لآلئها ويقدمها هدايا للفكر في تجلياته المشرقة. ولا أكتمكم خشية استبدت بي، منذ الجملة الأولى، لأنني ما كنت يوما بظان أن هذه المواضيع الشائكة معرفيا تسلس معانيها لمنبر سريع الهنيهات، ما يوشك صاحبه أن يعتليه حتى يترجل عنه؛ ولا خيل لي مرة أنني قد أكون واحدا ممن يخطب في مثلها، لاقتناعي بأن الغوص في لجة “الترابط بين الواقع الخارجي والظواهر الباطنية التي تكتنف الذات الفردية في تذكرها وانفعالها وتفكيرها”، يستدعي سباحة ماهرة لا يتقنها إلا الراسخون في بحور النفس، وما أنا منهم، فكيف بي والكلام في زياد سعادة وفكره، يتجاوز الما وراء البعيد، إلى ما وراءه الأبعد؟”.
أضاف: “لكن التكليف يفرض أن أستجيب. فما عتم، حين أمسكت الكتاب على عجالة، أن قفز إلى عيني سؤال عن موجب استعمال هذا المصطلح الفلسفي بعينه “الما وراء”، في التعريف بعلم يتناول قواعد الإدراك من خارج الحواس، أو بعبارة هندسية، علم تخطيط الدرب التي تسلكها خطا النفس في مسيرها إلى الغد الساكن قدامها، فكيف يعرف إذا بالوراء والما وراء؟ ولقد زاد السؤال حضورا في ذهني، أن التوغل العجل في تصفح الكتاب بين لي أن الراحل زياد سعادة، في بحوثه الفلسفية، كان يسعى فعلا إلى أمام، ويحاول أن يرسي منهجا علميا لتفسير الظواهر النفسية الخفية كالتخاطر والتنبؤ والخوارق وما إليها، وهي كما ترون ظواهر تتطلع إلى المستقبل، ثم إني تذكرت في هذا المعنى قول أبي العلاء: “ورائي أمام والأمام وراء”، فأدركت أن بحر علم النفس وما وراءها، لا يحتاج قبطانه إلى بوصلة شمال ونجمة صبح، لأن الجهات تشتبك فيه وتضيع الخرائط والمراكب والشطوط”.
وتابع: “وفي كل حال، هذا لم يشغل قط لزياد سعادة قلما ولا حلما. فخرائط البارابسيكولوجيا عنده كفيلة برسم تضاريس الكون كله، انطلاقا من لواعج النفس الخفية وصولا إلى مدارج الغيب المجهول. حتى إنه في عشرينياته، وما قبلها، استطاع أن يبلغ هذا المبلغ من الشغف الفلسفي، ويحوز هذه الملكة الفكرية من القراءة والتحليل والكتابة، وهذه القدرة النفسية على الحب حتى انقطاع الأنفاس. ومن يتأمل في تضاعيف سيرته القصيرة والبليغة، يجده وقد توزعته تكاليف الفكر، تثقفا وتثقيفا، وتعليما وتأليفا، وهوى مستعرا، وسكنى قلوب، حتى صار هذا كله ضماد روحه من آلام الجسد، ومرقاة نفسه إلى ما أمامها من بقاء. أنا عارف أن القليل الذي قرأت لا يغني المقام ولا الكتاب ولا صاحبه، لكن لي عذر المستعجل الذي يكتفي بقطرة ماء تبل ريق الطريق الماضي إلى اكتناه الينبوع”.
وختم ساسين: “فيا أم زياد يا أهله ومحبيه، طوبى لكم ذكراه في فكره وكتبه، ووجهة ريعها صوب بسمات الأطفال المكبوتة من قهر. ويا هدى التي بحبها اهتدى إلى نكهة العمر الإهدني النقي، إني لأسمعك في ما وراء الما وراء تبثينه همسا وجهرا قول بدوي الجبل: نحن كون لا كائنان ضعيفان ألح الهوى، وتم الوصول ألا طابت الذكرى وصاحبها والكتاب. والسلام”.
هدى وطوني شديد
زوجة الراحل الزميلة هدى شديد ألقت كلمة تناولت فيها سعادة “الحياة والفكر والحب والمرض والصبر”، وعرضت تجربتها مع السرطان منوهة بدور من وقف معها والمؤسسات الإعلامية التي لازمت علاجها مرارا مع تجدد المرض.
من جهته طوني شقيق هدى تحدث عن سعادة الذي علمه وطور مقدرته العلمية ثم تحول بعد رحيله “حافزا وسببا للانطلاق بقوة للنجاح”.
وتلا من الكتاب المقدس عن الرحيل وتحول الراحلين الى دور اكثر إضاءة بعد انتقالهم.
ختاما اخذت صورة تذكارية للعائلة والمكاري وساسين.