كتبت صحيفة “النهار”: من انتظار محطة إقليمية، الى أخرى عربية، فثالثة دولية، الى ترقب تداعيات هذه وتلك من المحطات الخارجية المتعاقبة عليه، بات لبنان في أسوأ ما يمكن تصوره في واقع الارتهان العقيم للحسابات والتطورات الخارجية علّ بعضها يلفح ازمته برياح الانفراج. البارحة كانت الأنظار متجهة الى نتائج الانتخابات التركية . وقبلها ومعها ترصد القوى اللبنانية على اختلافها تموجات التفاهم السعودي الإيراني في ظل اتفاق وزيري خارجية البلدين السبت الماضي على دفع لمرحلة جديدة من تطوير التفاهم. وبعد أيام قليلة ستتسمر انظار اللبنانيين على مشهد القمة العربية في المملكة العربية السعودية بمزيج من الانفعالات والرهانات المتناقضة التي سيفرضها مشهد الحضور المرجح لبشار الأسد الى هذا المنتدى العربي مجددا بعد قرار جامعة الدول العربية اعادته الى الجامعة وما يحكى عن وساطة سعودية لمصالحته مع قطر قبيل القمة. يقفز لبنان بقواه السياسية وعجزها المتعاظم عن انهاء ازمة الشغور الرئاسي من محطة انتظار الى اخرى بما يكشف اكثر فاكثر واقع الارتهان الكامل للازمة والاستسلام التام للانتظار فيما تشكل الشعارات التي تطلق بين الحين والأخر ملهاة لملء الفراغ والتستر على العجز من جهة او التواطؤ التأمري لابقاء الفراغ ورقة مساومة وتحصيل مكاسب مختلطة إقليمية داخلية من جهة أخرى. وبذلك يكون الدفع الدعائي التصاعدي من جانب بعض القوى المعروفة في اتجاه ملهاة تحديد منتصف حزيران حدا مفصليا لانتخاب رئيس الجمهورية بمثابة المناورة الكبرى التي لا شيء يضمن واقعيا وعمليا انها آيلة الى تحقيق اختراق حقيقي ونهائي في جدار الازمة. فالمعطيات الداخلية الجدية البعيدة من التلاعب بالرأي العام لا تبدو في مستوى المعطيات التي تسوقها جهات عدة حيال ما يسمى مهلة حزيران حتى انه ينقل عن مرجع بارز استبعاده حصول أي تطور واختراق في منتصف حزيران كما يجري الترويج له وان الازمة ستطول الى امد غير محدد بعد.
التضارب
والواقع ان التضارب في التوقعات بلغ مستوى قياسيا بين من بات يجزم بوصول “وشيك” لمرشح “محور الممانعة” رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية استنادا الى لقائه مع السفير السعودي وليد بخاري في دارة السفير في اليرزة وكأنه لقاء منح الغطاء لانتخابه بعد اسقاط الفيتو السعودي عنه، ومن بات يتوقع ردة سياسية قوية تقوض فرصة فرنجية مع اقتراب قوى المعارضة من اختيار مرشحها الجديد البديل من النائب ميشال معوض لمقارعة فرنجية في الفصل الحاسم من المعركة. واظهرت تصريحات لعضو “كتلة الجمهورية القوية” النائب بيار بو عاصي امس ان ما تردد أخيرا عن تقارب بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية ” كان مبالغا فيه جدا اذ اعتبر بو عاصي ان “التفاهم المسيحي المسيحي وهم وان جبران باسيل لا يتلاءم وهذه المتطلبات وان مشكلتنا معه كبيرة ولها الكثير من الجوانب والحديث عن التقارب هو انطباع خاطئ فلا ثقة لدينا جراء عدم التزام التيار الوطني الحر اتفاق معراب وان قدم حزب الله لباسيل مصالحه نراه في حارة حريك”.
وفي كل المقلبين، بدا واضحا ان المعركة السياسية الداخلية تحولت الى مواجهة دعائية وإعلامية طاغية بحيث يغلب فيها الطابع الدعائي الضاغط على المعطيات الجدية الموثوقة، وبذلك تفقد معظم المواقف والمعطيات صدقيتها ويبقى الرأي العام عرضة للكثير من التضليل والتلاعب بالوقائع الصحيحة. ولكن العامل الثابت من بين كل ما يساق ويطرح في سوق الاثارة هو ان ثمة شبه اجماع لدى القوى السياسية على وجود ضغط متعاظم ان بفعل مواقف خارجية متعاظمة، وان بفعل زخمة استحقاقات داخلية منتظرة تفرض اعتبار حزيران المقبل مهلة وانذار وليست محطة حسم قاطعة، ويتعين بذل كل الجهود الاستثنائية لانتخاب رئيس الجمهورية العتيد وانهاء حالة الشغور الرئاسي خلالها قبل الوصول الى ازمة نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان التي لم يبلور بعد أي مخرج واضح لمواجهتها قبل اقترابها من موعدها في تموز المقبل. وبذلك فان حزيران يبقى، حتى اشعار اخر، مهلة حث وليس موعدا حاسما لان لا معطيات داخلية او خارجية يمكن اعتبارها حاسمة قطعا تضمن الانتخاب في حزيران. وكل ما يحاول هذا الفريق او ذاك اغراق الرأي العام في مناخاته كأنه حقيقة حاسمة ليس سوى لعبة دعائية تذكيها التحركات الكثيفة المتصاعدة .
في سياق التحركات المتصلة بالازمة زار امس رئيس المجلس التنفيذيّ لـ”مشروع وطن الإنسان” النائب نعمة افرام السفير السعوديّ وليد البخاري في اليرزة، كما التقى لاحقاً في بكركي البطريرك مار بشارة بطرس الراعي.
وكان من مؤشرات الوضع “المائع” الذي يحكم الازمة الرئاسية تغريدة ساخرة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي ستكون له مواقف ايضاحية لموقف الحزب التقدمي و”اللقاء الديموقراطي” في مقابلة تلفزيونية مساء اليوم. فهو كتب اول من امس عبر حسابه على “تويتر”: “متى سيخرج المنقذ المنتظر نسر الإصلاح وحبيب الجماهير من صندوق الاقتراع بعد تصويت نواب الأمة الأبرار ومباركة سفراء السند والهند، ويعلو شاهقًا حتى يلامس الشمس والثريا، حاملاً الأرجوان من صندوق النقد، شاهراً صولجان العدل والملك؟ متى يا قوم متى؟” وأرفق جنبلاط تغريدته بمقطع فيديو بعدسة المصور الأميركي مارك سميث، لنسر يخرج من أمواج البحر حاملاً سمكة اصطادها.
الراعي وعودة
اما في المواقف البارزة من الازمة امس فكانت عظة البطريرك الراعي الذي يستعد للقيام بزيارة سريعة لباريس في مطلع حزيران للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اذ قال : “لا يستطيع نواب الأمة والمسؤولون السياسيون عندنا متابعة صم آذانهم عن سماع كلام الله، ومتابعة سماع أصوات مصالحهم الخاصة والفئوية، وأصوات الأحقاد والكيديات، على حساب هدم مؤسسات الدولة بدءا من عدم انتخاب رئيس للجمهورية من شأنه أن يوحي بالثقة في الداخل والخارج، وصولا إلى إفقاد المجلس النيابي صلاحية التشريع، وحرمان الحكومة من كامل صلاحياتها، وتعطيل التعيينات المستحقة وتفشي الفساد في الإدارات العامة . لو يسمعون كلام الله، لتسارعوا إلى إصلاح الهيكليات والمؤسسات، وإلى النهوض بالإقتصاد والحد من إفقار الشعب، ولأصلحوا الوضع المالي، وأوقفوا هجرة قوانا الحية، ولحزموا أمرهم ووحدوا كلمتهم وعمدوا إلى إجراء المفاوضات اللازمة مع سوريا والمجتمع الدولي من أجل عودة النازحين السوريين إلى بلادهم وقد اصبحوا خطرا متزايدا على بلادنا، مطالبين الأمم المتحدة بمساعدتهم على أرض وطنهم”. وقال: “يا أيها النواب والمسؤولون السياسيون على رؤوسكم وضمائركم يقع كل هذا الخراب بسبب فشلكم وكبريائكم. والأدهى أن المنطقة في حالة تغيير وتسويات وحوارات وتهدئة. فأين أنتم من جرأة الحوار؟ وإلى أين تذهبون بلبنان جاعلينه أرضا سائبة؟”
كما ان متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده اعتبر في عظته ان “بلدنا اليوم يماثل المرأة السامرية في خطيئتها، فزيجاته المتعددة، أي ارتباطات معظم الزعماء والمسؤولين فيه وتعلقهم بهوى خارجي أوصلاه إلى قاع الهوة التي يقبع فيها اليوم”. وأشار إلى أن “الدول المحيطة كانت ترنو إلى لبنان، بعضها يحبه، وبعضها يسعى أن يكون مثله، والبعض الآخر يحسده. أما الآن فقد سبقوه جميعهم، وأصبحوا يفتشون عن حل لقضيته بسبب تقصير أبنائه وخلافاتهم وانقساماتهم. فهم يقولون ما لا يفعلون. يطلقون المواقف والشعارات المرتكزة على المبادئ والقيم، لكن أعمالهم تفضح نياتهم. الجميع ينادي بضرورة انتخاب رئيس ويحددون مواصفاته”. وسأل: ماذا ينتظرون؟ ما هذه الاستحالة في انتخاب شخصية تترأس الدولة؟ هل خلا البلد من الرجالات الذين ينبض قلبهم بحب لبنان؟”.
في ملف النازحين السوريين التقى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب المنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان عمران ريزا حيث شدّد جعجع على “ان لبنان تحمّل الكثير في سبيل نجدة وإيواء الشعب السوري، لكن الوضع اليوم لم يعد يحتمل وعلينا العمل سوياً وبشكل سريع، للانتقال من تنظيم بقاء النازحين الى تنظيم عودتهم”. واذ أكد “أن لبنان بلد عبور لا لجوء، وفق اتفاقية موّقعة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2003، دعا المجتمعَ الدولي إلى “البناء على التطوّرات الإقليمية الأخيرة بغية انتشال لبنان من هذه الازمة المستفحلة، باعتبار أن المسألة تعدّت وتجاوزت المفهوم الاقتصادي أو الإنساني أو تقدمة المساعدات وتحوّلت الى مشكلة وجودّية سياديّة، وبات حلّها أولى الأولويات، منعاً لتفاقمها وحفاظاً على استقرار البلد من جهة والاقليم من جهة أخرى”.