كتبت صحيفة “الديار”: يبدو أن السيناريو المحلي والعربي والدولي الذي رسم لجلسة انتخاب الرئيس، نفذ بحذافيره، ووحدها فرنسا تابعت العملية بشغف، فيما انكفأت واشنطن والرياض وطهران ودمشق، وظهر ذلك من التصويت السني الذي وزع أصواته مما يؤكد على عدم وجود كلمة سر سعودية، والنتائج المتقاربة بين سليمان فرنجية وجهاد ازعور قد تبعدهما عن السباق الرئاسي لمصلحة الخيار الثالث الذي بدا يشق طريقه المقبول من الجميع بعيدا عن لغة العد، فلا المعارضة آمنت الـ ٦٥ صوتا لجهاد ازعور او ٧١ صوتا كما وعدت جمهورها بأن يوم الخامس عشر من حزيران هو يوم جديد في تاريخ لبنان. فيما الثنائي الشيعي اكتفى مع حلفائه بتطيير النصاب في الدورة الثانية عبر مغادرة ٤٧ نائبا الجلسة أثناء فرز الأصوات، رغم ان حلفاء فرنجية نجحوا في رفع نسبة التصويت من ٤٢ نائبا حسب توزيع اصوات الثنائي الشيعي وكتل التوافق الوطني والمستقلين والتكتل الوسطي، إلى ٥١ صوتا، فيما التزمت القوات اللبنانية ونواب التيار الوطني الحر و٩ نواب من التغيريين و٤ مستقلين والاشتراكي بجهاد ازعور وحصل على ٥٩ صوتا، اما نواب الاعتدال الوطني العشرة صوت ٨ منهم للبنان الجديد، فيما عبد الرحمن البزري انتخب زياد بارود مع اسامة سعد وشربل مسعد وحليمة قعقور وسنتيا زرازير والياس جرادة، وأعطى النائب إيهاب مطر صوته للعماد جوزف عون فيما صاحب الورقة البيضاء وورقة جهاد العرب ما زالا مجهولين، اما الصوت الضائع أعطاه الرئيس بري لزياد بارود والبعض أعطاه للبنان الجديد، واخرون أشاروا إلى وجود مغلف فارغ، وطالبت النائبة ستريدا جعجع اعادة التصويت واعتبرت الجلسة غير دستورية وإهانة للعمل الديمقراطي مع عدد من نواب التغيير رد عليها بري «صوت واحد لا بيقدم ولا بياخر» رافعا الجلسة.
والسؤال، هل فتحت جلسة امس الأبواب للخيار الثالث مع دعم معظم الكتل لهذا التوجه، ام يستمر الفراغ الطويل و«تتحلل» الدولة في ظل الكم الكبير من المشاكل الاقتصادية والمالية والصحية والتموينية وغرق المركب فوق رؤوس الجميع، لكن المؤشرات تشير إلى طبخة محلية وعربية ودولية لإنجاز الاستحقاق، وضعت الأسس لها جلسة الأمس.
لغز ٤ إلى ٥ نواب
واللافت ان الجلسة شهدت تباينات داخل الكتلة الواحدة، واعتبرت ستريدا جعجع الجلسة غير دستورية بسبب الصوت الضائع فيما اكد جورج عدوان، «ان الأمر غير مهم مطلقا»، خصوصا بعد موافقة بري على اشراف ممثلين عن جميع الكتل على الفرز، كما كشفت الجلسة عن انقسامات حادة في صفوف التغيريين وحصلت مشادة حادة بين مارك ضو ووضاح الصادق أمام وسائل الإعلام، و اعتبرت بولا يعقوبيان ان حركة امل والقوات اللبنانية هما المستفيدان الوحيدان مما جرى. في مقابل التزام حديدي بالتصويت من الثنائي الشيعي والقوات والارمن وكل حلفاء فرنجية، مع خروقات محدودة في كتلة الاعتدال الوطني. فيما نفى راجي السعد من كتلة جنبلاط اعطاء صوته لفرنجية.
واللافت ايضا، ان حلفاء فرنجية يملكون ٤٢ نائبا، ومع نواب الأرمن الأربعة وجميل عبود يرتفع العدد إلى ٤٧ نائبا. وبقي ٤ نواب مجهولين اعطوا فرنجية، اعتبرهم البعض من النواب المستقلين، اذ أكدت مصادر التيار الوطني الحر للديار أن نواب التيار التزموا جميعاً بالتصويت لأزعور.وكان باسيل غرد قائلا : «اثبتت الجلسة انه لااحد يستطيع تخطي المكون المسيحي في رئاسة الجمهورية، ولافرض للرئيس من احد على احد، وان التيار لايعمل الا قناعاته» «والعناد يقابله عناد» متهما حزب الله بالتدخل في شؤون التيار الداخلية.
ما جرى مع فرنجية ينطبق ايضا على جهاد ازعور إذ تعطيه أصوات القوات والتيار والكتائب والاشتراكي والتغيريين٦٥ صوتا وهناك ٣ اصوات ذهبت لفرنجية و٣ اصوات توزعت بين جهاد العرب والورقة البيضاء والعماد جوزف عون.
لقاء ماكرون – ابن سلمان
الاستحقاق الانتخابي سيسلك مسارا مختلفا بعد جلسة امس، وهناك طباخون ماهرون وايد خفية وإخراج بارع أدوا إلى معادلة لا غالب ولا مغلوب في جلسة الأمس، وهذا ما يفتح مجالا لنزول الجميع عن الشجرة وبدء حوار داخلي وخارجي، ودخول أطراف عربية ودولية على الخط مستفيدة من نتائج الجلسة ووضع ما حصل على طاولة ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان غدا، على ان يحمل نتائجها مبعوث ماكرون إلى بيروت جان ايف لودريان الاثنين لمناقشتها مع المسؤولين اللبنانيين وجميع الإطراف بما فيهم حزب الله. وحسب معلومات مؤكدة تناقلتها قيادات لبنانية، ان الملف الرئاسي طرح بشكل عابر بين وزيري خارجية الرياض ودمشق في اجتماعهما الأخير في الرياض الاسبوع الماضي وتم التشديد على ضرورة الإسراع بانتخاب الرئيس وانحصر النقاش بالعموميات لكن ما حصل مؤشر إيجابي لجهة فتح هذا الملف. كما يصل الموفد القطري الى بيروت منتصف الاسبوع القادم.
بالمقابل ابدى مساعد وزير الخارجية البريطاني لشؤون افريقيا والشرق الادنى اسفه لعدم قدرة المجلس النيابي على انتخاب رئيس معتبرا ان ذلك لايساعد لبنان على الخروج من ازمته الاقتصادية.
موقف بري
وبعد انتهاء الجلسة دعا بري إلى الكف عن رمي كرة المسؤولية على هذا الطرف او ذاك في إطالة أمد الفراغ، ولنعترف جميعا أن الامعان في هذا السلوك والدوران في الحلقة المفرغة وانتهاج سياسة الإنكار لن تصل إلى النتيجة المرجوة، مشيرا الى ان انتخاب الرئيس لن يتحقق الا بالتوافق وسلوك طريق الحوار ثم الحوار، نعم حوار من دون شروط لا يلغي حق أحدا بالترشيح ودون إقصاء او عزل او تحد او تخوين، حوار تحت سقف الدستور.
باسيل: لا احد يستطيع تخطّي المكوّن المسيحي في رئاسة الجمهوريّة
كما علّق رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على ما حصل في جلسة امس، في تغريدة على حسابه عبر «تويتر»، وقال: «الجلسة أثبتت كما قلنا امس أن لا أحد يستطيع تخطي المكوّن المسيحي في رئاسة الجمهورية، وان لا فرض للرئيس من أحد على أحد، وان التيار ملتزم ويتبع قناعاته فقط… كل عناد سيقابله عناد آخر، فلا حلّ إلا بالتوافق على البرنامح وعلى الرئيس من دون إقصاء أو تشاطر، ولا نجاح لأي رئيس بلا برنامج متفق عليه. أسقطوا الشروط المسبقة فهذا ليس حوارا، وأقلعوا عن نظريات الفرض والتحدّي فهذا ليس لبنان، ولاقونا إلى ورقة الاولويات الرئاسية والأسماء التي تتناسب مع البرنامج السيادي الإصلاحي الخلاصي».
مواقف المرشحين فرنجية – ازعور
اما فرنجية فشكر بري والذين انتخبوه، كما وجه احترامه لمواقف النواب الذين لم ينتخبوه، وهذا دافع لحوار بناء مع الجميع.
اما ازعور فشكر ايضا النواب الذين صوتوا له، وتمنى ان يكون المشهد الجديد حافزا على التلاقي على خيار إخراج لبنان من الازمة من خلال ما عبرت عنه غالبية النواب.
داعمو فرنجية
واعتبر المؤيدون لفرنجية، ان حملات التهويل التي مارسها الفريق الاخر لجهة إخراج فرنجية بالضربة القاضية سقطت وانكشفت الاحجام الحقيقية رغم التقاطع الواسع الذي حصل بين جعجع وجنبلاط وباسيل واغلب التغيريين بدعم أميركي واضح.
ويضيف مؤيدو فرنجية: ان الفريق الاخر تلقى صفعة قوية. وكما انتهى ميشال معوض انتهى جهاد ازعور، بالمقابل حقق حلفاء فرنجية مفاجأة كبيرة عملوا عليها طوال الأسبوعين الماضيين للوصول إلى نتيجة ٥٠+١. كما يعتبر مؤيدو فرنجية ان المعركة انتقلت الى داخل الفريق الاخر وهذا ما ظهر في التصريحات التي اعقبت الجلسة والتفتيش عن بديل لازعور مصحوبة بحملة من الاتهامات والاخفاقات، وسأل المؤيدون لفرنجية، ماذا كسب باسيل من هذه الخطوة؟ خسر حزب الله وخسر ازعور الذي لم يكن مرشحه المفضل ومن المحتمل حصول مشكلة داخل التيار خصوصا ان ما جرى كشف ان التغيريين ليسوا الا مجموعة اضافية من ١٤ آذار.
داعمو ازعور
اما داعمو ازعور فاعتبروا، ان ما جرى يعتبر انتصارا لهم، و لو جرت الدورة الثانية كما كان طبيعيا ان يحصل لكان لدينا الآن رئيس للجمهورية من فريقنا، وما جرى تعطيل حقيقي وفعلي ليس للجلسة وإنما لانتخابات رئاسة الجمهورية، مع تأكيد داعمي ازعور، انهم جاؤوا إلى جلسة الأمس بعنوان المواجهة، واسقطنا محاولات الفرض من فريق معين على الدولة، وانتصرنا، وسألوا، هل يعقل ان مرشحا للرئاسة تنسحب كتلته ونجله من الجلسة؟ وأشار مؤيدو ازعور، ان مشروع الدولة حقق تقدما نوعيا في جلسة الأمس، ولا احد يستطيع فرض رأيه بعد اليوم على النواب الاحرار، معتبرين ان ما حصل هو انتصار للدولة على الدويلة ومن طير النصاب لم يتجرأ ويكمل في دورة ثانية.
حزب الله
اما حزب الله، فقد اكد عبر النائب حسين الحاج حسن، انهم تقاطعوا على مرشح بهندسة معينة وصوتوا له بالتهويل، فيما لبنان يحتاج الى تفاهم وطني وحوار حقيقي، بعيدا عن خطابات الايام الماضية، واكد انفتاح الحزب على كل القوى والحلول. داعيا الى التفاهم على القضايا الكبرى والحوار بعيدا عن التقاطعات للوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية مع التمني على باسيل عدم رمي مشاكله على الاخرين.
تحذيرات لبري من رفع الجلسة
وكانت قد سبقت الجلسة، موجة من التسريبات حملت مختلف انواع التهديدات للرئيس نبيه بري عن عقوبات اميركية ودولية ستصدر بحقه غدا عن الإدارة الأميركية في حال اقدامه على رفع الجلسة في الدورة الثانية مصحوبة بتسريبات محلية عن إجراءات من دول مجلس التعاون الخليجي، تبين انها غير دقيقة من خلال الاتصال التي أجرته مساعدة وزير الخارجية الأميركي فيكتور بولاند التي نوهت بدور بري في الدعوة لعقد جلسة لانتخاب الرئيس وضرورة الاسراع في انجاز ذلك.
الخارجية الأميركية
هذا وأعربت ليلاً الخارجية الأميركية في بيان عالي اللهجة وفيما يعتبر بالأصول الدبلوماسية تحذيرا بالمباشر «عن قلقها من مغادرة نواب البرلمان اللبناني لإفشال التصويت على انتخاب رئيس للجمهورية».
ولفتت الى اننا «نعتقد بأن زعماء لبنان ونخبته يجب أن يتوقفوا عن تقديم مصالحهم وطموحاتهم على مصالح الشعب»، مضيفة «على القادة اللبنانيين وضع حد لحالة الشلل التي يعانيها بلدهم ومواصلة العمل لكسر الجمود السياسي».
هل يربط ميقاتي التوقيع على الترقيات بالتمديد للواء عثمان؟
وحسب المتابعين للشان اللبناني، فان الاتصالات بين المعنيين، افضت إلى قرار بالحؤول دون تمدد الفراغ للمراكز العسكرية والمالية عبر تعميم ما حصل في الأمن العام لجهة انتقال المسؤوليات حسب الدستور والقوانين، فنائب حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري سيتولى شؤون الحاكمية، وينطبق الأمر على رئاسة المجلس الأعلى للجمارك في أواخر تموز، في حين يحال قائد الجيش إلى التقاعد في ١٥-١-٢٠٢٤ وهنا الطامة الكبرى ومن يتولى شؤون المؤسسة العسكرية مع عدم وجود رئيس للاركان وما اذا كان عضو المجلس العسكري الارثودكسي سيتولى مهام القيادة، كما يحال مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان إلى التقاعد في منتصف عام ٢٠٢٤.
واكدت معلومات ان الرئيس نجيب ميقاتي قد يربط التوقيع على الترقيات العسكرية ودورة الـ ١٩٩٤ بالتمديد لقائد قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في جلسة الحكومة ألمقررة لبحث الترقيات العسكرية الاسبوع القادم، وهذا ما يؤشر إلى أن المسؤولين يتعاطون مع الملفات على اساس الفراغ الطويل.