في الإقليم تحرّكات متسارعة تحت عناوين فتح طريق وضع دولي جديد، تسبّب بتراجع أميركي كبير يصعب ترميمه، ظهرت تداعياته على الحضور الأميركي في المنطقة وعجزه عن ضبط أداء حلفائه تحت السقوف السياسية التي يرسمها، خصوصاً على الصعيد العربي حيث التموضع السعودي المتعدّد الوجوه، من الاتفاق مع إيران برعاية الصين، الى الانفتاح الواسع على سورية ورسم خريطة طريق للحل السياسي وإعادة الإعمار وعودة النازحين بالتنسيق مع الدولة السورية، وجوهر التحرّكات الجديدة، عبّر عنها ما أعلنه وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، في مقابلة مع موقع «المونيتور»، أن إيران والولايات المتحدة «قريبتان» من التوصل لاتفاق بشأن إطلاق سراح أميركيين محتجزين في إيران. وأضاف البوسعيدي «أستطيع أن أقول إنهم قريبون. ربما تكون هذه مسألة فنية». وأوضح البوسعيدي، مشيراً إلى الإفراج عن الأموال المجمّدة، «إنهم بحاجة إلى إطار، وإطار زمني لكيفية تنسيق ذلك». وأكد وزير الخارجية العُماني، أن الأجواء المحيطة بشأن القضايا النووية «إيجابية».
بالتوازي كان مفوّض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، يتحدّث في مؤتمر بروكسيل الخاص بالنازحين، ويقول إن الاتحاد الأوروبي لا يشارك الجامعة العربية خيارها تجاه سورية، لكنه يراقب ويتابع هذا المسار بإيجابية، متمنياً أن تظهر نتائج تتيح تغيير الموقف الأوروبي.
لبنانياً، أقفلت نتائج الانتخابات الرئاسية في جلسة الأربعاء الباب على فرص عقد جلسات لاحقة ما لم تظهر وقائع جديدة، تتيح الدعوة كما تقول مصادر نيابية، وفي ظل إقفال أبواب الحوار من قبل «تقاطع المرشح جهاد أزعور»، من خلال وضع شرط مسبق هو سحب ترشيح المرشح سليمان فرنجية، بدت دعوات حلف ترشيح سليمان فرنجية من دون صدى، بانتظار نتائج اللقاء الذي سوف يضمّ في باريس الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي سوف يكون بين ملفاته مستقبل الاستحقاق الرئاسي اللبناني وكيفية تطوير المبادرة الفرنسية السعودية المشتركة في رعاية الوضع اللبناني، والمتوقع أن يحمل خلاصته وزير الخارجية الفرنسي السابق جان ايف لودريان الى بيروت بعد نهاية القمة الفرنسية السعودية.
لا تزال تداعيات جلسة 14 حزيران ترخي بظلالها على المشهد السياسي الداخلي، حيث انصرفت القوى السياسية كافة لقراءة الأرقام والأحجام واستخلاص العبر وموازين القوى التي أفرزتها الجلسة للبناء على الشيء مقتضاه في المرحلة المقبلة، إذ سينتقل الملف الى اليد الخارجية لكون الأطراف الداخلية عجزت عن انتخاب الرئيس بالتوافق وبالطرق الديموقراطية، كما أثبتت جلسة الأربعاء، وسط معلومات عن حراك ديبلوماسي باتجاه لبنان سينطلق بعد لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المرتقب اليوم في باريس، على أن يصل وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان الى بيروت مساء الأحد المقبل، وفق معلومات «البناء» ويبدأ جولته على المرجعيات السياسية بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، ثم ينتقل إلى السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر لعقد سلسلة لقاءات فردية مع عدد من رؤساء الكتل النيابية من بينها حزب الله، كما يلتقي رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل.
وإذ تعيد بعض الأطراف السياسية التحقق من الأرقام التي نالها المرشحان فرنجية وأزعور، ومن تسرّب أصوات من كتل نيابية مؤيدة لأزعور، لا سيما من التيار الوطني الحر أو الاعتدال الوطني، أوضح النائب ابراهيم كنعان، أن «تسويق وسائل إعلامية ومواقع تواصل اجتماعي رواية مختلقة بالكامل مفادها أنني صوّتت بورقة تحمل اسم جهاد العرب ليس الا كذبة سخيفة وساقطة لأنّني أمارس وكالتي النيابية بمسؤوليّة وجديّة بعيداً عن الهزليّة والشعبويّة الرخيصة التي مارسها ويمارسها البعض».
من جهتها، نفت أوساط نيابية في اللقاء الديموقراطي تسرّب أي أصوات من الكتلة الى مرشح غير أزعور، مؤكدة لـ»البناء» أن نواب الكتلة الثمانية صوتوا لمرشح المعارضة، موضحة أن أزعور كان مرشحنا منذ البداية فيما رفضته أطراف عدة في المعارضة، فكيف نصوّت لمرشح آخر؟ ورفضت الأوساط أي انقسام في الكتلة بين موقفي رئيس الكتلة تيمور جنبلاط ورئيس الحزب وليد جنبلاط، مؤكدة أن موقف الكتلة موحد.
لكن الأوساط ترى بأن نتائج الجلسة أثبتت بأن لا بديل عن الحوار للتوصّل إلى مرشح ثالث غير فرنجيّة وأزعور، لأن كلا الطرفين غير قادر على كسر الثاني ولا يمتلك الأكثرية النيابية ليفرض مرشحه، وعما إذا كان اللقاء الديموقراطي سيستمر بترشيح أزعور، قالت الأوساط.
لكن مصادر في الفريق الداعم لأزعور رجحت أن ينفرط عقد فريق «التقاطع» وتعيد مختلف أطرافه قراءة مشهد الجلسة والبحث عن خيارات أخرى طالما وصل خيار أزعور الى طريق مسدود.
وعلمت «البناء أن قوى التغيير بدأت بإجراء تقييم للأرقام الذي نالها المرشحان والأرجح أن لا يستمروا بدعم أزعور، في ظل انقسام وعتاب واتهامات يتبادلها نواب التغيير، إذ حمل قسم منهم زملاءهم مسؤولية شطر كتلة التغيير بذهاب البعض الى خيار أزعور، ويدعو البعض للتخلّي عن أزعور والعودة الى مرشح موحد للتكتل.
وكان وقع صدمة الأرقام في الجلسة قاسياً على فريق المعارضة لا سيما القوات اللبنانية، والتي ستترك تداعيات سلبية كبيرة على خيار أزعور الذي لن يستمر طويلاً وستبدأ الكتل بالتخلي عنه بشكل تدريجي.
في المقابل، وصفت مصادر سياسية في الفريق المؤيد لفرنجية مشهد الجلسة بالجيد، مشيرة لـ»البناء» الى أن «فرنجية خرج منتصراً من المعركة في كل المعايير، فهو نال 51 صوتاً رغم كل التقاطعات والحملات الإعلامية والسياسية والضغوط، ونال 12 صوتاً مسيحياً و12 صوتاً سنياً وكل النواب الشيعة الـ 27 ويمكنه استقطاب 20 صوتاً آخرين في لحظة إقليمية – دولية طالما أن كتلاً عدة ستعيد النظر في خياراتها وقد تنتقل الى خندق فرنجية، أما أزعور فوصل الى السقف الأعلى وسيتشتت فريق التقاطع عليه»، موضحة أن «ترشيح أزعور كان يهدف لإسقاط فرنجية فقط لكن لم يؤد وظيفته».
وأشار وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى، في تصريح تحت عنوان «صاحب الحاجة أرعن»، إلى أنّ «جهاد أزعور أغواه حبّ الظهور، وراودت من وراءه فكرة محاولة «حرق» سليمان فرنجية. كلّفوه بهذه المهمة فقبلها وسار لتنفيذ الدور الذي رسمه بعض الخارج مع «تعساء الحظ وخائبي الرجا» في الداخل، فارتدى حزاماً ناسفاً وفجّر نفسه في ساحة نزالٍ انتخابي مع الوزير فرنجية ساعيًا الى تفجير فرص الأخير، فهلك، أمّا سليمان بيك فلم يمسّه سوء بل خرج من النزال أكثر ثباتًا وتألقًا».
وكشفت مصادر «البناء» أن الرئيس بري لن يدعو الى جلسة لانتخاب الرئيس وقد يطول أمد الفراغ لوقت طويل، مرجّحة أن يمرّ الصيف بلا رئيس. كما علمت «البناء» أن قنوات التواصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر ستفعّل خلال الأسبوع المقبل للحوار مجدداً على الملف الرئاسي. وأكد هذه المعلومات لـ»البناء» مصدر نيابي في التيار الوطني الحر.
الى ذلك، دعا الرئيس بري، إلى جلسة عامة تشريعية الاثنين المقبل. وفي انتظار تحديد جدول أعمالها وأبرزها فتح اعتمادات لصرف رواتب موظفي القطاع العام، أعلنت وزارة المالية في بيان، عن «تحويل المساعدة الموقتة للعسكريين والتي تُعادل ثلاثة رواتب عن شهر أيار، وللمتقاعدين عسكريين ومدنيين التي تعادل ستة معاشات عن شهري أيار وحزيران، أما بخصوص العاملين في الإدارة العامة فسيتمّ تحويل المساعدة تلك، اعتباراً من اليوم الجمعة».
على صعيد آخر، طالب وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب من مؤتمر بروكسل للنازحين، بـ»وضع خطة عمل واسعة وواضحة للأزمة في لبنان بحيث إنّ السوريين في لبنان يختلفون بالفئات: منهم مَن هرب من الحرب ومنهم كان في لبنان ومنهم يذهب ويعود إلى سورية يوميًّا، ولهذا لا يمكن التعامل مع الجميع بالطريقة عينها».
وشدّد على أنّ «العودة حق للسوريين»، مطالباً «الشركاء الدوليين بالعمل معنا لإعادة النهوض ومساعدة لبنان بما يصبّ في مصلحة الشعبين اللبناني والسوري». وقال «هناك خطر من توترات بين اللبنانيين والنازحين السوريين وارتفاع العنف بسبب الأزمة والصراع للحصول على وظائف».
وأشار إلى أنّ «لا يمكن أن يتحوّل لبنان إلى بقعة واسعة للنازحين السوريين ولبنان لم يخذل أحدًا، وهو اليوم يطلب المساعدة»، مبديًا خشيته من تحوّل القرار الأممي حول سورية إلى قرار «حبر على ورق».
بدوره، شنّ وزير الشؤون الاجتماعيّة في حكومة تصريح الأعمال هكتور حجار هجوماً على مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، وقال حجار: «بوريل يقول الاتحاد الأوروبي لن يختار مسار التطبيع مع النظام السوري، وبالتالي عودة النازحين السوريين إلى بلدهم غير ممكنة حالياً، كما وعد الدول المضيفة بدعم مادي».
وتابع حجار: «استقبل لبنان النازحين السوريين برحابة صدر وتحمّلوا وزرهم أكثر من 12 عاماً وهم يشكّلون أكثر من 30 في المئة من السكان في لبنان. نحن نحترم خياركم الإنساني وعملنا على أساسه خلال السنوات الـ12 المنصرمة ولكن نتيجته لم تكن جيّدة لا على النازحين السوريين ولا على المجتمع اللبناني المضيف لهم. أما بالنسبة لخياركم السياسي، لقد أثبت فشله منذ 12 عاماً، ولكن نحن مستعدون لدعمه إذا ما قررتم استقبال حوالي 7 ملايين نازح سوري في أوروبا، على أن تعيدوهم إلى بلدهم عند بلورة حلّ سياسي واضح للأزمة السورية ومقبول بحسب مقاييسكم».
بدوره، أعلن وزير المالية السوري كنعان ياغي في حديث الى قناة «الشرق» السعودية، بأن «هناك مراسيم عفو مطلقة لكل النازحين العائدين إلى سورية»، وفي حديث آخر لوكالة «سبوتنيك» الروسية، أعلن كنعان أن «دمشق تعتزم التقدم بطلب الانضمام إلى «بريكس» ومنظمة «شنغهاي»». وأشار إلى أنّه «من المخطط أيضاً افتتاح بنك «سبيربنك» في سورية».
وأكد النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي تييري مارياني، على «ضرورة مساعدة لبنان في إعادة النازحين الى بلادهم»، لافتاً الى أن «ما يريده اللبنانيون ليس أن نساعدهم على إبقاء اللاجئين بل أن نساعدهم في عودتهم إلى ديارهم».