لا اجوبة جدية لدى احد حول اسباب «الكربجة» على الساحة اللبنانية، الجمود هنا، يقابله حراك دبلوماسي ناشط في الاقليم، وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، يقوم بزيارة إلى طهران يوم السبت، والتي من المحتمل أن يتمّ خلالها افتتاح السفارة السعودية، استمراراً للاتجاه نحو تعزيز العلاقات مع إيران. في هذا الوقت، «أنصار الله» اعلنت أنها سوف تبدأ تنفيذ رحلات من مطار صنعاء الدولي لنقل الحجاج إلى المملكة العربية السعودية ابتداء من السبت المقبل، بعد نحو سبع سنوات من التوقف. طهران وواشنطن «قاب قوسين» او ادنى من التوصل الى تفاهمات نووية جديدة تجنبا لاي مواجهة عسكرية تدفع باتجاهها «اسرائيل». في المقابل وبعد جلسة الانتخاب العقيمة، هدوء ما بعد «العاصفة» في بيروت لان ما قبلها تبين انه كما بعدها، التعادل السلبي سيد الموقف، لم يسجل احد هدفا في مرمى الآخر، المرشح المدعوم من «الثنائي الشيعي» وحلفائه سليمان فرنجية لم «تحترق» حظوظه، ولم يحرمه «البوانتاج» من الاستمرار في السباق، كما كان يراهن خصومه الذين لم ينجحوا في منح جهاد ازعور «سكور» يخوله ان يصبح رئيسا افتراضيا. الجميع مرة جديدة في انتظار جولة من التفاوض السعودي- الفرنسي حول لبنان، سيتبين خيطها «الابيض من الاسود في نهاية هذا الاسبوع الحافل باللقاءات والاتصالات على اكثر من مستوى. الاجتماعات التحضيرية في باريس بدات عشية لقاء القمة بين الرئيس ايمانويل ماكرون وولي العهد الامير محمد بن سلمان اليوم، الملف اللبناني سيكون مادة دسمة على طاولة الحوار بين الجانبين حيث سيؤكد الفرنسيون ضرورة التفاهم على «السلة» الكاملة للحل، دون ان تبدي الرياض اي اشارة سلبية او ايجابية، حتى الان، حول نياتها الحقيقية ازاء الطرح . في المقابل خيبة امل جديدة من مؤتمر بروكسل السابع حول النزوح السوري، بعد ان ثبت مجددا ان لبنان هو الحلقة الاضعف، والمجتمع الدولي لا يكترث للتحذيرات من انفجار اجتماعي وامني يهدد «النموذج» اللبناني ووجود هذا البلد ككيان.
لقاءات سعودية – فرنسية؟
فعشية مباحثات سيجريها اليوم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في الاليزيه ، سيكون لبنان ورئاسته جزءا منها، كشفت مصادر دبلوماسية عن عقد لقاء بين المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري والمستشار الفرنسي باتريك دوريل، والمبعوث الرئاسي جان ايف لودريان، في حضور السفيرة الفرنسية آن غريو، جرى خلاله نقاش الازمة اللبنانية بتشعباتها وفي مقدمها الانتخابات الرئاسية وما انتهت اليه الجلسة الاخيرة من نتائج، وفيما لم تؤكد المصادر السعودية الاجتماع دون ان تنفيه واصفة المعلومات حوله بانها «غير دقيقة»، تابعت السفارة الفرنسية في بيروت تسريب معلومات اشارت فيها الى ان باريس تعتقد ان الامور عادت الى «نقطة الصفر» رئاسيا، ولم تغير الجلسة الاخيرة الكثير من الامور بل ثبتت عدم وجود قوة وازنة قادرة على فرض ما تريد على الطرف الآخر، وهذا يعزز التوجه الفرنسي القائم على ضرورة انتاج تسوية متوازنة تمنح الرئاسة لفريق ورئاسة الحكومة للفريق الآخر وفق سلة تفاهمات شاملة حول الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة لانقاذ ما يمكن انقاذه والانطلاق نحو التعافي الشامل.
ماذا يحمل لودريان؟
ووفقا لتلك الاوساط، لم ينجح الفريق الرافض لمبادرة باريس في فرض وقائع تجبرها على تغيير استراتيجيتها التي سيتم عرضها مجددا على الجانب السعودي قبل الانتقال الى توسيع مروحة الاتصالات باتجاه اطراف «الطاولة» الخماسية. وفي ضوء نتائج المحادثات بين ماكرون وابن سلمان سيتحرك لودريان في جولته الاستطلاعية على كافة الافرقاء اللبنانيين للاستماع الى ما لديهم من افكار بعدما تاكدوا انه لا يمكن انتخاب رئيس في ظل التوازنات الحالية. وعن احتمال ان يكون في جعبة لودريان تصور متكامل للحل، تشير تلك الاوساط، الى ان هذا الامر مرهون بما سيحمله الوفد السعودي من افكار، وعندئذ سيتحدد نوع المهمة، فاما تكون استطلاعية يستمع فيها اكثر مما يتحدث ثم يعود الى باريس لتقييم النتائج، او يحمل مبادرة متكاملة بغطاء سعودي هذه المرة لانطلاق نحو ترجمة عملية لتفاهم شامل يتم التسويق له مع واشنطن. والحراك الفرنسي لم يقتصر على الرياض فقط، فقد ناقشت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا هاتفيا الملف اللبناني مع نظيريها القطري والايراني، كما سُجلت مكالمة هاتفية مطولة بين ماكرون ونظيره الايراني حسن روحاني منذ ايام، كما ستكون لكولونا محادثات مع لودريان اليوم عشية توجهه الى بيروت.
حرب «الارقام»
في المقابل، تشير مصادر المعارضة الى ان لودريان، لا يمكنه تجاهل «البوانتاج» وادعاء ان شيئا لم يحصل، وتشير الى انها تعد خارطة واضحة لن يتمكن من تجاهلها، وهي ترتبط بتوزيع أصوات النواب المسيحيين على المرشحين المتنافسين. وترى انه لا يمكن للمبعوث الفرنسي ان يتجاهل انه من اصل النواب المسيحيين الـ64 في البرلمان حصل أزعور على تأييد 44 نائباً في مقابل حصول فرنجية على دعم 13 نائباً فقط، أي بفارق 31 صوتاً، فيما توزّع الباقون على الوزير السابق زياد بارود (3 أصوات)، وقائد الجيش العماد جوزاف عون (صوت واحد). وبرايها فان غياب الميثاقية الشيعية عن انتخاب ازعور يقابلها غياب للميثاقية الدرزية والمسيحية لفرنجية، وهذا ما يجب ان يفرض على الفرنسيين ان يغيروا في طريقة تفكيرهم ويضعوا مشروعهم للتسوية وراءهم ويقدموا تصورا جديدا.
«المعارضة» تتجاهل الحوار
في هذا الوقت تجاهلت «المعارضة» الدعوة الى الحوار، فرفضته القوات اللبنانية التي ترى مصادرها ان الحوار الثنائي اثبت جدواه اكثر من خلال تجربة التقاطع على ازعور، وفيما ابدى رئيس اللقاء الديموقراطي تيمور جنبلاط استعداده للحوار، تساءل وفق اي شروط، لا يمانع التيار الوطني الحر اصل الفكرة ولا يمانع ان تقوده بكركي التي تدرس بعناية هذا الطرح. في هذا الوقت، رأى نواب «قوى المعارضة» في بيان أن جلسة الانتخاب أنهت حظوظ رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في الوصول إلى رئاسة الجمهورية، مؤكدين الاستمرار في دعمهم للوزير السابق جهاد أزعور. واعتبر نواب قوى المعارضة في بيان ان الغالبية الكبرى من ممثّلي الشعب اللبناني ترفض بوضوح المرشح المفروض من فريق الممانعة، إذ لم يَنل، وبالرغم من جهود الحشد وكل الضغوط التي مورست في الأيام الماضية، سوى 51 صوتًا مقابل 77 نائبًا صوّتوا ضد هذا الترشيح، بل أكثر من ذلك، فقد انتخب 59 نائبًا المرشّح الوسطي جهاد أزعور الذي تلاقت عليه قوى سياسيّة مختلفة بهدف كسر الجمود الرئاسي، علمًا أن عددًا إضافيًا من النوّاب والكتل كانوا قد أعلنوا صراحةً عن نيّتهم التصويت له في الدورة الثانية». وهكذا برايهم، انتهت عمليًا حظوظ وإمكان فرض مرشّح فريق الممانعة على اللبنانيين.
«سرقة موصوفة» وانكار!
وقد لفتت مصادر نيابية داعمة لفرنجية الى ان هذه المبالغة مثيرة «للسخرية»، خصوصا احتساب الاصوات الـ 77 لازعور، واصفة الامر بانه «سرقة» موصوفة. واشارت في هذا السياق، الى ان داعمي فرنجية لم يدعوا بالامس انه فاز في الانتخابات لكنه ثبت نفسه كرقم صعب، فيما فشل معارضوه في تامين رقم يمكن من خلاله احراج الطرف الآخر. اما حالة «الانكار» ودفن «الرؤوس في الرمال» فهي لن تجدي ولا مفر من الحوار دون شروط.
مازق باسيل؟
في هذا الوقت، تتحدث مصادر نيابية بارزة عن «مأزق» لدى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي راهن على «بوانتاج» الجلسة الثانية عشرة لفرض شروطه الحوارية على حزب الله، فهو بعد ان وجه «رسائل» ود عشية الجلسة عبر التشديد على حيادية تياره ورفض الانضمام الى اي من الاصطفافات القائمة، كان يراهن على عدم تجاوز الاصوات المؤيدة لفرنجية الـ 45 صوتا، ما يعني عمليا «حرق» ترشيحه والبدء بالتفاوض مع الحزب على مرشح ثالث، خصوصا لو نجح مع «المتقاطعين» في تامين الـ 65 صوتا لازعور. لكن «الرياح جرت بعكس سفنه» وجاءت النتيجة مخيبة للآمال، وتم تثبيت فرنجية كرقم صعب يصعب تجاوزه او التخلي عنه، وهو ما جاهر به «الثنائي» بعد الجلسة. لهذا لن تفتح «الابواب» في حارة حريك مجددا الا اذا اقتنع باسيل بان فرنجية اسم موجود بقوة على «الطاولة» ولا يمكن شطبه من المعادلة. لكنه سيكون حوارا غير مشروط، ليس مع حليف يمكن الثقة به كما كان في السابق، وانما كفريق سياسي لديه وجهة نظره المختلفة، بعد ان اثبت باسيل ان مناوراته السياسية تخطت «لعبة» التذاكي ووصلت الى مرحلة التشكيك في نزاهة حليفه السابق واتهامه بعدم «الاخلاقية» وبالتدخل في شؤون «التيار» الداخلية، وهي اتهامات تترك المزيد من الندوب في العلاقة التي «كرسحها» باسيل ولم تعد تقف على رجل واحدة كما يظن. طبعا لن تقفل «الابواب» في وجهه لكن ليس بشروطه.
الجلسة التشريعية
في هذا الوقت، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة تشريعية يوم الاثنين المقبل، وعلى جدول اعمالها اعتمادات لصرف رواتب موظفي القطاع العام . الجلسة تحتاج الى حضور 65 نائبا، وحتى الان لم تحسم كتلة الكتائب موقفها بعد، فيما اعلنت الكتل التي لم تشارك في جلسة تاجيل الانتخابات البلدية المقاطعة، اما تكتل لبنان القوي فسيجتمع قبل الجلسة لدراسة جدول الاعمال «ويبنى على الشيء مقتضاه». وقد عقدت اللجان النيابية، جلسة مشتركة برئاسة نائب رئيس المجلس النيابي إلياس بو صعب امس، واقرت اقتراح القانون الرامي الى فتح اعتمادات في الموازنة لتغطية بعض النفقات الاضافية ، ومنها اعطاء تعويض موقت لجميع العاملين في القطاع العام والمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعدي، واقتراح تغطية اعطاء حوافز مالية وبدل نقل لاساتذة الجامعة اللبنانية لتمكينها من استكمال العام الجاري، والبند الثالث له علاقة باستكمال دراسة قانون الضمان الاجتماعي وانشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية.
النزوح والاصرار على «الدمج»
في هذا الوقت، لم يحصل الوفد اللبناني المشارك في مؤتمر بروكسل حول النزوح السوري الا على وعد بتسليم «داتا» النازحين قريبا. في المقابل لمس الوفد تمسكا اوروبيا ودوليا بسياسات عقيمة تكرس دمج السوريين في اماكن اقامتهم، وهو ما خلصت اليه مصادر وزارية لفتت الى وجود «حوار طرشان» حقيقي مع تلك الدول التي لا تاخذ بالحسبان الا حماية اراضيها من اي موجة نزوح وابعاد هذا «الكأس» عنها حتى لو ادى الى ذوبان مجتمعات ودول كما يحصل في لبنان غير القادر على الاستمرار في الرضوخ لمقاربات خاطئة تهدد استقراره على المدى القصير وليس البعيد. وقد أوضح وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب من بروكسل عمق الازمة وطالب بـ «وضع خطة عمل واسعة وواضحة للأزمة في لبنان… وقال «هناك خطر من توترات بين اللبنانيين والنازحين السوريين وارتفاع العنف بسبب الأزمة والصراع للحصول على وظائف».
لا تغيير في الموقف الاوروبي
الا ان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل شدد في المؤتمر عينه على «أننا لا نقبل عودة السوريين بالقوة الى بلادهم»، وقال «نتابع الوضع في لبنان ونعلم أن البلد يتطلّب دعماً أكبر من المجتمع الدولي. واعلن تخصيص الاتحاد الأوروبي 600 مليون دولار لمساعدة الدول المجاورة لسوريا على تحمل تكاليف استضافة اللاجئين السوريين. واعلن بوريل ان الظروف غير مؤاتية ليغيّر الاتحاد الأوروبي سياسته بشأن سوريا» في ظلّ غياب «إصلاحات سياسية حقيقية» في البلد. وأوضح أن الاتحاد الأوروبي سيُبقي على عقوباته على نظام الأسد ولن يدعم عودة السوريين إلى بلدهم ما لم تكن عودة «طوعية» وآمنة وخاضعة لمراقبة مجموعات دولية…
لماذا لا تسقبلهم اوروبا؟
وردا على بوريل، غرد وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الاعمال هيكتور حجار، عبر حسابه على «توتير»، قائلا: بنبرة متعالية، أكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أن الاتحاد لن يختار مسار التطبيع مع النظام السوري وبالتالي عودة النازحين السوريين إلى بلدهم غير ممكنة حاليا، ، لا بدّ من التذكير بأن الحلّ السياسي المنتظر للقضية الفلسطينية مضى عليه 75 عاما ولا يزال الفلسطينيون مشتّتين فى كل أصقاع الارض. سيدي الكريم، لقد استقبل لبنان النازحين السوريين برحابة صدر وتحمّلوا وزرهم أكثر من 12 عاماً وهم يشكّلون أكثر من 30% من السكان في لبنان. وتابع حجار: نحن نحترم خياركم الإنساني وعملنا على أساسه خلال السنوات الـ 12 المنصرمة، ولكن نتيجته لم تكن جيّدة لا على النازحين السوريين ولا على المجتمع اللبناني المضيف لهم. أما بالنسبة لخياركم السياسي، لقد أثبت فشله منذ 12 عاماً، ولكن نحن مستعدون لدعمه إذا ما قررتم استقبال حوالى 7 ملايين نازح سوري في أوروبا، على أن تعيدونهم إلى بلدهم عند بلورة حلّ سياسي واضح للأزمة السورية ومقبول بحسب مقاييسكم.
ما هي الخيارات اللبنانية؟
ووفقا لمصادر مطلعة، فانه بعد مؤتمر بروكسل لا خيار امام لبنان الا تزخيم الاتصالات مع دمشق للتنسيق الثنائي في تنظيم العودة، خصوصا ان تحولا جذريا مساعدا قد طرأ على الموقف السعودي حيث تخوض الرياض حوارا مع شركائها الغربيين بشأن خفض العقوبات أو حتى رفعها عن سوريا. ولمحاولة تجاوز «الفيتو» الاميركي- الاوروبي، الرافض التطبيع مع دمشق ورفع العقوبات وإعادة إعمار بدون حل سياسي للصراع، ومع توجه الكونغرس الأمريكي الى تجديد قانون «قيصر» في عام 2024 فان السعوديين سيضخون الاموال تحت عنوان المساعدات الانسانية ومشاريع تمول عبر اموال «كاش» لا تمر بالنظام المصرفي، ويمكن للبنان ان يستفيد من هذا التوجه اذا نجح في ايجاد صيغة «ذكية» للتنسيق الثلاثي بما يتناسب مع مصالحه وتقديم اولوياته على نحو واضح ودون اي محاذير في فتح نقاش عالي المستوى مع النظام في سوريا.