بين خطر الضغوطات على لبنان لقبول دمج النازحين السوريين في بيئته المجتمعية وبنيته الاقتصادية والثقافية، تمهيداً لإيجاد حل لهم خارج سياق العودة الى بلادهم، والعجز عن ايجاد قواسم مشتركة بين اللبنانيين، ولو بحدها الأدنى، على الرغم من أنهم ارتضوا اتفاق الطائف دستوراً لهم، سواء في ما خص ممارسة السلطات العامة، او حتى تكوينها، وصولا الى تقاسم الحقائب الوزارية ووظائف الفئة الاولى، مروراً بمهزلة المهازل، التناحر حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية، سواء كان بالاقتراع او بالتوافق، او بالحوار على التوافق على رئيس، بين الخطر والعجز اتجهت انظار اللبنانيين لمعرفة ما بحثه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان لجهة اقتراح اسماء او آليات تساعد اللبنانيين في الخروج من دوامة الفشل والتخبط، يتمكن لبنان، بموقعه ودوره من اخذ دور ريادي في ترتيبات الشرق الاوسط الجيواقتصادية والجيوسياسية على حد سواء.
صيغة جديدة للمبادرة الفرنسية
ما توافر حول ما بُحث، خارج ما أُعلن في البيانات او التسريبات الرسمية هو:
1 – استمرار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في اعتبار انتخاب رئيس جديد للجمهورية قضيته الاولى لبنانياً، في سياق السعي لان يكون «عراباً» او شريكاً في رعاية التسوية اللبنانية، ونقل البلد من ضفة التفكك إلى ضفة الوحدة واستئناف دوره.
2 – هذا الهم، تشاركه فيه المملكة العربية السعودية، التي تقف على مسافة واحدة من اللبنانيين، والمرشحين، وتدعو الاطراف اللبنانية الى التفاهم، وهي، تدعم من دون شك ما يتفقون عليه، مع الحرص على الاسراع بإنهاء الشغور الرئاسي، على الرغم من ان الطابع الرئيسي لزيارة بن سلمان التي تستمر لاكثر من اسبوع، يتعلق بمواضيع اقتصادية وتنموية بين السعودية وفرنسا، فضلا عن الملفات المتفجرة في العالم والمنطقة.
3 – ولعل مشاركة مستشار الرئيس ماكرون لشمال افريقيا والشرق الاوسط في الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل، الذي ما يزال يتولى الملف اللبناني، على الرغم من ان تعيين جان- ايف لودريان موفدا شخصيا لماكرون، دليل على ان الوضع اللبناني حضر بين ماكرون وبن سلمان.
4 – في معلومات سُرِّبت عن اتصالات جرت بين مسؤول فرنسي والثنائي الشيعي، قبل جلسة 14 حزيران وبعدها، درست نتائج احداث كل من المرشحين سليمان فرنجية، الذي تدعمه فرنسا وجهاد ازعور الذي اتضح لاحقا ان واشنطن تدعمه بقوة، وانتهت الى تعادل بين المرشحين» 51 صوتا لفرنجية، و51 صوتا من المعارضة + 8 اصوات من اللقاء الديمقراطي لازعو، فضلا عما يشبه الهندسة لتوزيع الاصوات بين لبنان الجديد وزياد بارود وجوزف عون والورقتين البيضاء، الامر الذي يفترض حسب المعلومات بالاتفاق على متابعة ما بعد الجلسة، من زاوية (ودائماً حسب هؤلاء): استمرار التمسك بفرنجية، مقابل افساح المجال امام المعارضة والفريق الوسطي بتسمية اي شخصية لرئاسة الحكومة والثلث الضامن وتعيين حاكم لمصرف لبنان خارج الاسماء المتداولة.. فضلا عن ادارة ملف النفط.
5 – ومع الدعوة الى تجديد الحياة السياسية، عبر وصول مسؤولين شباب الى سدة المسؤولية لإحداث التغيير المنشود، اكدت الرئاسة الفرنسية، ان ماكرون وبن سلمان اتفقا على الاسراع بإنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان.
وشدد البيان الصادر عن الاليزيه ان الرئيس ماكرون والامير محمد شددا على ضرورة وضع حد سريع للفراغ السياسي المؤسساتي في لبنان، الامر الذي يعد العائق الرئيسي امام حل الازمة الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة.
وذكرت وسائل اعلام فرنسية منها قناة «فرانس 24» و«فرانس برس»،أنهه يُتوقّع أن يطلب الرئيس الفرنسي من ولي العهد «أن يستخدم نفوذ السعودية في لبنان لكسر الجمود السياسي الذي أدّى إلى فشل البرلمان مراراً في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، كان آخرها الأربعاء، وسط انقسام سياسي يزداد حدّة بين حزب الله وخصومه وينذر بإطالة الشغور الرئاسي، على وقع انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
ويشير الباحث ديني بوشار، المستشار لشؤون الشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (Ifri)، إلى أن الرياض قد «تلعب دورًا للتخفيف من حدّة موقف حزب الله وذلك من خلال إيران، للتوصل إلى حلّ وسطي» بشأن الرئاسة في لبنان.
ويضيف:«المسألة هي معرفة ما إذا كانت مصالحة السعودية وإيران يمكن أن تساهم في تهدئة الساحة السياسية في لبنان».
لقاء لودريان
وفي السياق، يصل لودريان الى بيروت الاربعاء، ويبدأ لقاءاته الخميس مع كل من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، على ان يلتقي لاحقا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.
وفي السياق، افيد ان تأخير موعد اجتماع اللجنة الخماسية المعنية بلبنان التي تضم فرنسا، قطر، السعودية واشنطن ومصر الى اول تموز المقبل، مرده ترقب ما سيصدر عن لقاء ماكرون بن سلمان، وزيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان إلى بيروت المتوقعة الاسبوع المقبل. وتوقعت المعلومات ان يعقد الاجتماع الخماسي على مستوى الوزراء لا الخبراء او المستشارين نظراً لأهمية ما يمكن ان يصدر عنه.
ميلر: لا نناقش عقوبات محتملة
وفي سياق الضغوطات الاميركية، قال المتحدث باسم الخارجية الاميركية ماثيو ميلر في مؤتمره الصحفي أمس، رداً على سؤال عما اذا كانت بلاده ستفرض عقوبات على الرئيس نبيه بري: لا نناقش اي عقوبات محتملة لكنني سأقول ان الادارة تدرس وتستفيد من جميع الادوات الدبلوماسية المتاحة لنا لتشجيع السياسيين اللبنانيين على التوافق وانتخاب رئيس في أقرب وقت ممكن».
مجموعة الدعم
دولياً، أكدت «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان»، أنها أخذت علماً بالتصويت الذي حصل يوم 14 حزيران في البرلمان، معربةً عن أسفها «لعدم انتخاب رئيس للبنان بعد اثنتي عشرة جلسة انتخابية غير حاسمة».
وأضافت في بيان: بعد مرور ثمانية أشهر من دون رئيس ومن دون حكومة كاملة الصلاحيات، تعبّر مجموعة الدعم الدولية عن قلقها العميق من أن يؤدي الجمود السياسي الحالي إلى تفاقم تآكل مؤسسات الدولة وتقويض قدرة لبنان على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والأمنية والإنسانية الملحّة التي يجابهها. وقالت: من أجل مصلحة الشعب اللبناني وحرصا على استقرار البلاد، نحثّ القيادات السياسية وأعضاء البرلمان على تحمل مسؤولياتهم وإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية من خلال انتخاب رئيس جديد من دون مزيد من التأخير.
وحثت مجموعة الدعم الدولية، السلطات اللبنانية إلى «المسارعة لإعتماد وتنفيذ خطة اصلاحية شاملة لوضع البلاد على مسار التعافي والتنمية المستدامة»، مؤكدةً استمرارها بالوقوف إلى جانب لبنان وشعبه.
وعليه أوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ «اللواء» أن اي دعوة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية لن تصدر قبل تنفيس الأحتقان السائد بين الأفرقاء السياسيين، وأشارت إلى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يمتنع عن توجيه الدعوة إنما هناك استراحة ستمر وفي خلالها تقوم اتصالات لبلورة المشهد الداخلي والخارجي ويقوم ترقب بشأن زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودربان فضلا عن جس نبض مواقف الأطراف في الترشيحات الرئاسية والخطوات التي قد تتخذ.
وقالت إن جلسة مجلس النواب الاثنين المقبل تنتظر النصاب مع العلم ان كتلاً جاهرت بالمقاطعة وأخرى بالحضور وهناك كتل لا تزال تدرس خياراتها، مع العلم ان الجلسة مخصصة لاقرار اقتراح قانون يوفر للرواتب الموظفين والمتقاعدين لنهاية العام الجاري، في حال تأخر اقرار الموازنة.
الانتخابات المبكرة
هكذا، عاد لبنان الى قارعة انتظار المساعي العربية – والسعودية تحديداً- والفرنسية لإخراجه من مأزق تعذر انتخاب رئيس للجمهورية نتيجة الانقسامات الحادة بين الكتل النيابية التي يبدو انها لم ولن تتوافق على شخصية وسطية مقبولة للرئاسة، فيما بدأت تظهر اقتراحات محلية للخروج من هذا المأزق كالذي اقترحه نائب رئيس المجلس الياس بوصعب بعد لقائه رئيس المجلس نبيه بري بقوله: تمنيت على الرئيس بري البدء في التفكير جدياً بالتوجه الى انتخابات نيابية مبكرة لأن المجلس الحالي عاجز عن انتخاب رئيس للبلاد.
واضاف: ما عرفته من بري أن الحوار هو الباب الافضل ولكن ان كان الافرقاء لا يريدون الحوار فهو مستعد للدعوة الى جلسة ثانية.
كذلك رأى النائب فيصل كرامي أن «الخيارات محدودة اليوم للخروج من دوامة الفراغ، وأبرزها إما انتخاب رئيس للجمهورية، وإما الحوار، وإما اللجوء إلى انتخابات نيابية مبكرة، أو انتظار ما سيحصل في الخارج ويُفرض علينا»، سائلًا: «هل دائماً ما يُفرض من الخارج هو أمر جيّد؟» .
وقال كرامي: التوافق هو الحل الوحيد لإنتاج رئيس للجمهورية، وإذا بقيت الأمور على ما هي عليه فإنّنا قد لا ننتخب رئيساً حتّى 2026 ربّما.
لكن يبقى السؤال في ظل الانقسام الحاصل وتمسك عدد من الفرقاء السياسيين بوضعهم النيابي، وهل توافق الاكثرية النيابية والقوى السياسية على عقد جلسة سواء بطلب من الحكومة او بإقتراحات نيابية لتقصير ولاية المجلس؟ ام هل يذهب نصف اعضائه واكثر لا سيما نواب طوائف باكملها الى الاستقالة بحث يفقد المجلس ميثاقيته ويتم فرض إجراء انتخابات مبكرة؟.
أصداء سلبية لمؤتمر بروكسل
على صعيد آخر، صدرت انتقادات لبنانية حادة للموقف الاوروبي غير المتعاون في مؤتمر بروكسل مع طروحات لبنان في ملف النزوح السوري. وفي هذا المجال، قال المكتب الاعلامي للرئيس السابق ميشال عون: أن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لا يريد التطبيع مع النظام السوري، وهذا شأنه، أما حديثه عن إبقاء النازحين في الدول المضيفة وربط عودتهم بالحل السياسي فهذا شأننا ومصير وطننا، ونرفضه جملة وتفصيلاً، ونرفض ان يدفع لبنان ثمن الحرب التي شُنَّت على سوريا.
أضاف: ان مشروع دمج النازحين في المجتمع اللبناني هو تدمير ممنهج للبنان؛ وأسئلة مشروعة لا بد وأن تُطرح حول دور فرنسا وألمانيا في هذا الشأن: من منحهما حق التلاعب بمصير لبنان؟ لأجل ماذا؟ ولمصلحة من؟ وأي مستقبل لسوريا ولبنان تريدون «دعمه» وانتم تسعون لتخريب نسيج البلدين وضرب مقومات وجودهما؟!
وتابع: إن مشروع الدمج يلغي عودة السوريين الى بلادهم وأرضهم مع ما يحمل ذلك من تداعيات على لبنان وعلى سوريا على مختلف الصعد. هو قرار يقوّض المجتمعين اللبناني والسوري معاً، وعليهما رفضه ومقاومته مهما كلّف الأمر، والتنسيق بين الدولتين ضرورة من أجل تحقيق العودة الكريمة والآمنة.
وأعلن وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين ان «مطالب مؤتمر بروكسل واضحة وكان الهدف التركيز على خطة لحل أزمة اللاجئين لأن الحكومة أصبحت تتحمل أعباء بأكثر من 4 مليار دولار، بالاضافة الى ارتفاع تداعيات النزوح السوري اقتصادياً وبيئياً وأمنياً».
وأضاف: إن مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل لا يقبل بتشكيل لجنة ثلاثية كحلّ اساسي للحفاظ على أمن اللاجئ السوري، فهو غير متعاون مع وزارة الخارجية.
وتابع: ان عرقلة ملف اللاجئين من قبل الاتحاد الأوروبي هي ضغط سياسي على الحكم السوري لأنهم غير راضيين عن نتائج الحرب السورية.
وفي تطور ايجابي، تبلغت وزارة الخارجية والمغتربين رسمياً من سفير لبنان في الامارات رفع الحظر عن منح تأشيرات بدءاً من يوم امس.