لم يكن متوقعا ان يفضي لقاء الاليزيه بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير #محمد بن سلمان الى نتائج علنية واضحة وفورية حيال الانسداد المتمدد للازمة الرئاسية في لبنان خصوصا ان #فرنسا نفسها باتت الجانب الدولي الأكثر تحسسا بإزاء اضرار هذه الازمة التي ارتدت عليها اخفاقا بدليل تعيين الرئيس ماكرون موفده الشخصي الجديد الى لبنان الوزير السابق المخضرم جان ايف لودريان بما اعتبر مؤشرا أساسيا لتبديل المقاربة الفرنسية . ولكن ذلك لم يقلل الأهمية التي اكتسبها احتلال الملف اللبناني الصدارة الى جانب قضايا دولية وثنائية بارزة في المحادثات الطويلة التي عقدها ماكرون وبن سلمان بعد ظهر امس .
وأفاد مراسل “النهار” في باريس سمير تويني ان ملف لبنان كان من الاطباق الرئيسية الى طاولة الغداء التي جمعت ظهر امس في قصر الايليزيه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وضيفه ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان على انفراد. وكانت مناسبة لكي يوضح كل طرف موقفه من الملفات المطروحة بينهما واهمها الحرب الدائرة في اوكرانيا واقناع دول غير منحازة على غرار المملكة العربية #السعودية بالضغط على موسكو لانهاء الحرب وازمة الرئاسة في لبنان فيما العقدة تتجسد باستحالة انتخاب رئيس لا يشكل تحديا من جهة للاطراف المسيحيين الذين يدعمون ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور ومن جهة ثانية لا يشكل تحديا للثنائي الشيعي المؤيد لترشيح سليمان فرنجيه فيما لا احد من الاطراف قادر على الحسم.
ومن المفترض ان يحدد اللقاء الذي عقد بين ماكرون وبن سلمان مستقبل عمل المجموعة الخماسية للبحث في اخر المستجدات والانفتاح على حلول قد يعرضها موفد الرئيس ماكرون الشخصي الى لبنان جان ايف لودريان الذي علمت “النهار” انه سيصل الى بيروت الاربعاء المقبل للبدء بمشاوراته مع الافرقاء اللبنانيين.
وقد وصل بن سلمان الى قصر الاليزيه في الاولى والربع بعد الظهر واستقبله الرئيس الفرنسي بحفاوة . واشارت مصادر رئاسية فرنسية الى ان اهم الملفات التي ناقشها الطرفان السعودي والفرنسي هي الدعم الفرنسي لترشيح السعودية لاقامة معرض “اكسبو ٢٠٣٠” ومشاركته في قمة من “اجل ميثاق مالي عالمي جديد” تنظمها فرنسا في ٢٢ و٢٣ الشهر الحالي والتركيز على الاستثمار حيث تشتد حاجة العالم لمحاربة الفقر وقيادة التحول المناخي لحماية التنوع البيولوجي.
وافادت المصادر ان الغداء كان مناسبة ليقوم الطرفان بجردة للمشاورات المستمرة بين ماكرون وبن سلمان. كما ان باريس تعول على تعزيز اهداف التعاون الثنائية المحددة بينهما وموضوع الامن والدفاع. كما وان وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا شاركت في غداء مع نظيرها السعودي ووزراء المالية والثقافة والاستثمارات حيث تم بحث العديد من المواضيع ذات الاهتمام المشترك . وشارك ماكرون وبن سلمان في قسم منه بعد اجتماعهما المنفرد.
واشارت المصادر الى انه تم عرض المواضيع الاقليمية ومنها لبنان والاستقرار في العراق ومتابعة التقارب والتطبيع السعودي – الايراني وتداعياته اذ تعتبر ان هذا التطبيع يجب ان يخفض التوترات في المنطقة والهدف من الزيارة متابعة الحوار الثنائي والتعاون بين البلدين.
ولفتت المصادر الى ان باريس تتساءل عن دور هذا التطبيع السعودي – الايراني وما يجب ان يقوم به البلدان من جراء تطبيع العلاقات بينهما حول العديد من الملفات الاقليمية. ونوهت المصادر بان السعودية تعتبر ان لبنان فقد سيادته من جراء التاثير الايراني و”حزب الله” ولكن ذلك يتناقض مع التطبيع السعودي -السوري. وباريس تريد توضيح هذه النقاط دون ان تتخذ اي موقف منها اذ ان فرنسا لم تعلن انها ضد التقارب السعودي – السوري بل لم تقبله لانها لا تعلم ما هي الفرص الذي يتيحها اقليميا خصوصا ان للسعودية دورا مهما في المواضيع الاقليمية. وتم توضيح الموقف السعودي من الرئيس السوري والوعود التي قدمها.
اما بشان الانتخابات الرئاسية في لبنان فان باريس تريد معرفة ماذا يمكن ان يؤدي اليه التطبيع السعودي – الايراني من اجل سد الفراغ الرئاسي في لبنان وما هي الفرص التي يقدمها وهل هناك اتصالات ايرانية -سعودية من اجل ان يتم انتخاب رئيس للجمهورية ومن اجل تثبيت الاستقرار دون ان تكونا طرفا بالنسبة الى المرشح الذي يعود الى اللبنانيين انتخابه. فالاستقرار الاقليمي يجب ان يستفيد من التطبيع بين البلدين ويتعين على السعودية وايران ان تظهرا ان العلاقات الجديدة بينهما تفيد السلام والاستقرار الاقليمي.
وفرنسا في هذا السياق تعول على السعوديين لتأمين الظروف المؤاتية لحصول الانتخابات الرئاسية لكن المصادر الرئاسية الفرنسية كررت انه يعود الى اللبنانيين انتخاب رئيس والقيام بالاصلاحات الاساسية وهذا يحتاج الى توافق داخلي.
ويتعين على السعودية وفق المصادر استخدام نفوذها في لبنان لكسر الجمود السياسي الذي ادى الى فشل البرلمان مرارا في انتخاب رئيس جديد للجهورية وسط انقسام سياسي يزداد حدة بين الحزب وخصومه وينذر باطالة الشغور الرئاسي على وقع الانهيار الاقتصادي.
وافادت المصادر الرئاسية ان السعوديين لم يعرضوا اي مشروع لمؤتمر لبناني لسد الفراغ الرئاسي. كما وان ماكرون وبن سلمان عرضا نظرتهما للانتخابات الرئاسية التي حصلت نهار الاربعاء الماضي والتي ادت من جديد الى تعطيلها.
وأفادت وكالة الانباء السعودية الرسمية بانه “جرى خلال الاجتماع استعراض العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين، وسبل تطويرها في جميع المجالات، بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين.
كما تم تبادل وجهات النظر حول مستجدات الأحداث الدولية والإقليمية، وتنسيق الجهود المبذولة المشتركة بشأنها”.
وليلا صدر بيان عن الرئاسة الفرنسية تناول نتائج المحادثات وجاء فيه ان ماكرون وولي العهد اشارا إلى “تمسكهما المشترك بالأمن والاستقرار في الشرقين الأدنى والأوسط، وأعربا عن رغبتهما في مواصلة جهودهما المشتركة من أجل تخفيف التوترات بشكل دائم. وأشارا إلى ضرورة الإنهاء السريع للفراغ السياسي المؤسساتي في لبنان، والذي يشكل العقبة الرئيسية أمام حل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الشديدة”.
مجموعة الدعم
وكانت التداعيات الدولية لاخفاق مجلس النواب في الجلسة الثانية عشرة في انتخاب رئيس الجمهورية توالت اذ أصدرت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان بيانا اكدت فيه أنها أخذت علماً بالتصويت الذي حصل يوم 14 حزيران في البرلمان، معربةً عن “أسفها لعدم انتخاب رئيس للبنان بعد اثنتي عشرة جلسة انتخابية غير حاسمة”. وأضافت “بعد مرور ثمانية أشهر من دون رئيس ومن دون حكومة كاملة الصلاحيات، تعبّر مجموعة الدعم الدولية عن قلقها العميق من أن يؤدي الجمود السياسي الحالي إلى تفاقم تآكل مؤسسات الدولة وتقويض قدرة لبنان على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والأمنية والإنسانية الملحّة التي يجابهها”. واشارت الى ان “من أجل مصلحة الشعب اللبناني وحرصا على استقرار البلاد، نحثّ القيادات السياسية وأعضاء البرلمان على تحمل مسؤولياتهم وإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية من خلال انتخاب رئيس جديد من دون مزيد من التأخير”. وفي السياق، اعتبر البيان أنّ “أي استمرار للوضع الراهن غير المستدام لن يؤدي إلا إلى إطالة وتعقيد مسيرة تعافي لبنان فضلا عن تفاقم المصاعب التي يواجهها الشعب”. وحثت مجموعة الدعم الدولية، السلطات اللبنانية على “المسارعة باعتماد وتنفيذ خطة اصلاحية شاملة لوضع البلاد على مسار التعافي والتنمية المستدامة”، مؤكدةً استمرارها بالوقوف إلى جانب لبنان وشعبه.
اما على صعيد المشهد فان أي جديد بارز لم يطرأ امس في حين بدا ان القوى الداعمة لترشيح جهاد ازعور قابلت باستغراب شديد ما وصفته “المناورة الفاشلة” لرئيس مجلس النواب نبيه بري في محاولته الصاق التهمة “الانقلابية” بها واصطناع مناخ تصعيدي بزعمه ان القوى الداعمة لازعور كانت ستورط البلاد في ازمة كبرى في حين كان نوابه يبادرون قبل بدء فرز الأصوات الى الإطاحة مجددا بانتخاب رئيس الجمهورية . وبحسب أوساط بارزة لدى القوى الأساسية الداعمة لازعور فان بري اصطنع هذه المناورة لحجب ادارته الملتبسة للجلسة ومع ذلك فان هذه القوى لم تمنح الفريق “الممانع” مزيدا من الحجج لتصعيد الوضع وهي ذاهبة في الاعداد للمضي في معركة حشد الدعم لازعور من دون توقف عند الديماغوجية التي تطبع مزاعم الفريق المنافس .
“اقتراح” مبكر
وبدا لافتا وسط هذه الأجواء ما خرج به امس نائب رئيس المجلس الياس بوصعب عقب لقائه والرئيس بري في عين التينة من “اقتراح” لم تعرف الأهداف الكامنة وراء اثارته باجراء انتخابات نيابية مبكرة قال ان بري لم يعترض عليه . واعلن بو صعب اولا ان ما علمه من الرئيس بري هو “ان الحوار هو الباب الأفضل ولكن إذا كان الافرقاء لا يريدون الحوار ولا يريدون الخروج من الأزمة بهذا الشكل فلديه ( بري) كل النية للدعوة الى جلسة وهذا ما كنت أريد معرفته هو متى سيكون هناك دعوة الى جلسة جديدة لإنتخاب رئيس للجمهورية لكن لابد من تقييم للذي حدث هذا الاسبوع وعلى ضوئها الرئيس بري قال أنه سوف يدعو الى جلسة ثانية”.
وأضاف بو صعب “ما لم نستطع الوصول الى حل في المجلس النيابي. تمنيت على الرئيس بري أن نبدأ جديا التفكير في إنتخابات نيابية مبكرة . فاذا كان المجلس عاجزا عن العمل لإنتخاب رئيس الجمهورية وهو ما يتوقعه منا الشعب اللبناني واذا كان الافرقاء عاجزين على القيام بحوار بين بعضنا البعض الحل الأفضل الذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة وليتحمل كل واحد مسؤوليته. طبعا الرئيس بري سمع هذا الرأي والكلام ولم أجده معترضا عليه. ولنر ما سيحمل الاسبوع المقبل من متغيرات كي نبني على الشيء مقتضاه”.
الى ذلك ردت”القوّات اللبنانيّة” على ما وصفته ب”الاضاليل” المتعلقة بالجلسة الانتخابية الأخيرة فلفتت الى ان “جماعة “الممانعة” تواصل نهجها المعتاد في تضليل الرأي العام مع تسويقها مؤخّرًا بأنّها نجحت في رفع عدد مؤيّدي مرشّحها الرئاسي من ٤٤ إلى ٥١ نائبًا، في وقت أنّه بالعودة إلى تصاريحها السابقة كلّها كانت تؤكّد بأنّها تحظى بتأييد ٦٥ نائبًا وأنّ ما يمنعها من الذّهاب إلى جلسة انتخابيّة هو عدم قدرتها على تأمين النّصاب. وبالتّالي فإنّ “الممانعة” فقدت من رصيد مرشّحها ١٤ نائبًا مع تراجعها من ٦٥ إلى ٥١ صوتًا، وهي التي لم تتحدّث يومًا عن أنّ حجم أصواتها يبلغ ٤٤ لا بل ٦٥ نائبًا”. اضاف البيان “وقد روّجت “الممانعة”، أيضًا، أنّ ١٠ من النوّاب آثروا عدم التصويت في الجلسة الماضية لمرشّحها لكنّهم ملتزمون التصويت لمصلحته عند الحاجة، في حين تُسأل إذًا عن سبب انسحابها قبل انتهاء الجلسة”؟ وختم “ملأت جماعة “الممانعة” الدّنيا كذبًا وغشًّا وتشويشًا، إنّها لا تخجل من أن تفعل عكس ما ادّعت، وتروّج عكس ما أعلنت”.