كتبت صحيفة “اللواء”: مع أن الجلسة التشريعية التي دعا الرئيس نبيه بري لانعقادها اليوم، تحمل ما يكفي من المؤشرات لمعرفة مدى إمكان التغلب على طروحات معيقة من هنا او هناك أمام استحقاق الرواتب للعاملين في القطاع العام من عسكريين ومدنيين في الخدمة او متقاعدين بدءاً من «عيدية الأضحى» وما تبقى من العام او فتح الأحوال السياسية امام موجات جديدة من الاضطرابات في السياسة وفي الشارع.
مع هذه الوصفية، فإن الترقب الرسمي والسياسي لمهمة الموفد الرئاسي الفرنسي الشخصي جاك- ايف لودريان، الذي يصل الى بيروت قبل اسبوع من عيد الاضحى المبارك الذي يصادف الاربعاء في 28 الجاري بقي الحاضر الأكبر في عملية اعداد ما يمكن ان يحمله الضيف الفرنسي وما يمكن ان يسهم من هذا المسؤول او ذاك..
وحسب المعلومات المتاحة فإن لودريان لن يغرق في الاستماع الى ما يعرفه جيداً عن اسباب عدم التمكن من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بل سينطلق من رؤية الكتل ورؤساء الاحزاب للمخرج او المخارج الممكنة، قبل ان يعكف على استخلاص النتائج من اوراقه اللبنانية، ووضع تقرير مختصر لإيمانويل ماكرون حول ما يتعين عمله لإنهاء الشغور الرئاسي، في ضوء بعض من التفويض العربي للرئيس الفرنسي، الذي يمكن ان يكون حصل على دعم ايراني مماثل في ما خص انتخابات الرئاسة.
خارج السياق، عاد رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل من قطر، بعد زيارة استمرت 24 ساعة، تناولت بطبيعة الحال المقاربة القطرية لانهاء الشغور الرئاسي، عبر تجديد طرح العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهوري، وهو الامر الذي لم يحظ بعد بقبول باسيل، الذي يروّج القريبون منه انه يتعاطى بحذر مع مهمة لودريان من زاوية المعلومات التي تحدثت عن عدم اسقاط الجانب الفرنسي صيغة ترشيح فرنجية وانتخاب مقابل رئاسة الحكومة ومناصب في الحكومة وحاكمية مصرف لبنان وقطاع النفط.
وحسب المعلومات الديبلوماسية المسرَّبة فإن ماكرون وضع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بأنه سيرسل لودريان كموفد شخصي إعراباً عن اهتمامه الشديد بلبنان، وانه سيثير مع الجانب السعودي والايراني كيفية العمل لانجاز هذا الملف..
وكشف مصدر مطلع ان لودريان الذي وضع خارطة طريق لمهمته، سيلتقي الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، والبطريرك الماروني ورؤساء الكتل، حيث وجَّه الدعوة الى حضور غداء لممثلي الكتل والاحزاب في السفارة الفرنسية يوم الجمعة، شبيه باللقاء الذي عقده الرئيس ماكرون عندما اتى الى بيروت غداة انفجار 4 آب في مرفأ بيروت.
وبعد اللقاء، سيضع لودريان تقريرا حول ما اذا لمس تقاربا في مواقف الكتل ام ان التباعد هو سيّد الموقف في ضوء تمسك الثنائي الشيعي بالنائب سليمان فرنجية، ورفض النائب باسيل والمعارضة المسيحية وعدد من النواب التغييريين بالوقوف ضده، مع اعتراض مسيحي متعدد على العماد جوزاف عون.
هذا في المرحلة الاولى، اما في المرحلة الثانية، فستبدأ عملية التنسيق بين فرنسا والمملكة العربية السعودية عبر لقاء خلية الرئاسة اللبنانية المكونة من المستشار نزار عالولا والسفير في بيروت وليد بخاري، في ضوء ما سمعه ماكرون من الامير محمد بن سلمان من استعداد للتنسيق مع الجانب الفرنسي لإنهاء الشغور الرئاسي.
وعليه، ستكون مهمة لودريان دبلوماسية في الخارج لجهة التفاهم مع كل من الرياض وطهران لوضع تفاهم يؤدي الى ممارسة دور في ما خصَّ الاتفاق على صيغة متكاملة لانجاز انتخاب الرئيس.
وكشف النائب طوني فرنجية انه تلقّى دعوة لغداء السفارة، مشيرا الى ان ما نراه هو استكمال وترسيخ ما بدأ مع دوريل.
وكشفت مصادر سياسية إلى ان لودريان، لن يحمل في جعبته اي اقتراحات حلول جاهزة للازمه حتى الساعة، وخصوصا بعد فشل المبادرة الفرنسية التي روج لها الاعلام المحلي والعربي، والتي ارتكزت بصورة رئيسية على ترشيح فرنجية للرئاسة والقاضي نواف سلام لرئاسة الحكومة من دون، بعد بروز معارضة مسيحية وازنة لها وعدم قدرة الاطرف الداعمة لها لتسويقها.
وتوقعت المصادر ان يتولى لودريان خلال لقاءاته مع الاطراف السياسيين، السماع لآرائهم واقتراحاتهم، في كيفية الخروج من الازمة، ومدى استعدادهم لقبول اي مقترحات جديدة تساهم في الحلول المطروحة للازمة من دون الكشف عن مضمونها، يعمد بعدها الى تدوين تفصيلي لكل ما سمعه، ثم يتولى وضع تقرير شامل على ان يرفعه لاحقا الى الرئيس ماكرون لاتخاذ الخطوة المقبلة، التي يبدو انها محاطة بصعوبات وعوائق عديدة، قد تؤخر اجتراح اي حل مطلوب، اذا بقي الانقسام السياسي الحاد على حاله داخليا.
واشارت المصادر أن محاولة بعض الاطراف الرهان على مهمة المبعوث الرئاسي الفرنسي ايف لودريان لحل ازمة الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية، هي للتهرب من مسؤوليته في تعطيل الانتخابات الرئاسية، كما ظهر بوضوح خلال تهريب نصاب الدورة الثانية من جلسة مجلس النواب التي عقدت الخميس الماضي وسادها تجاوزات دستورية، لم يتم حلها بالطرق الدستورية، ولاسيما وجود الظرف الفارغ من دون اسم اي من المرشحين المطروحين للرئاسة، ما يطرح اكثر من تساؤل عن النوايا المبيتة جراء ذلك، والخشية من اطالة امد الفراغ الرئاسي الى وقت غير معلوم.
في هذه الاثناء يستمر التوتر السياسي الداخلي، بحيث اعلنت كتل الكتائب والقوات اللبنانية و«تجدد» ونائب «التغيير» مارك ضو مقاطعة «جلسة تشريع الضرورة» المقررة اليوم في المجلس النيابي، للبحث في بندي توفير الاعتمادات لرواتب ومستحقات موظفي القطاع العام، لكن لم يعرف موقف باقي نواب التغيير، لا سيما بعد اعلان النائبين حليمة قعقور التي قالت: أنه لم يعد هناك شيء اسمه تكتل نواب التغيير منذ فترة ولم تعد هناك من اجتماعات. وابراهيم منيمنة الذي اعلن «عن خلافات داخل كتلة التغيير، لا سيما حول المقاربات المالية».
كما علمت «اللواء» ان كتلة التيار الوطني الحر عقدت اجتماعاً متأخراً ليل امس لتقرير الموقف من حضور لجلسة او عدمه. فيما قال عضو كتلة اللقاء الديموقراطي النائب الدكتور بلال عبد الله عبر «تويتر»: «أكرر ما قلته في جلسة مناقشة أقتراحات القوانين المطروحة على جدول أعمال الجلسة : كرامة المواطن الموظف المدني او العسكري او المتقاعد وأمنهم الصحي والاجتماعي، في ظل التعثر السياسي، لن تعوضها الدساتير والقوانين والأنظمة التي تستخدم غب الطلب عند الحاجة لتسجيل النقاط.. لا للتعطيل.
وعشية موعدي الجلستين التشريعية اليوم والحكومية غدا او بعده اذا تم التوافق عليها، استقبل الرئيس بري الرئيس ميقاتي، حيث كان عرض للأوضاع العامة والمستجدات السياسية ولا سيما موضوع جلسة التشريع وتوفير الاعتمادات. بعد اللقاء غادر الرئيس ميقاتي دون الادلاء بتصريح. فيما استقبل بري الوزير السابق غازي العريضي، (وبالطبع موفدا من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي المستقيل وليد جنبلاط).
وسأل البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في عظة قداس الاحد: كيف نستطيع مع شعبنا، الذي تكويه في الصميم هذه الأزمات، أن نقبل بمهزلة ما جرى في جلسة انتخاب رئيس للجمهوريّة الأربعاء الماضي، بعد ثمانية أشهر من الفراغ والانتظار، حيث انتُهك الدستور والنظام الديمقراطيّ بدمٍ بارد، وتوسّع جرح الإنقسام والانشطار، في وقتٍ يحتاج فيه لبنان إلى شدّ أواصر الوحدة الداخليّة؟ أهكذا نحتفل بمئويّة لبنان المميّز بميثاق العيش معًا مسيحيّين ومسلمين، وبالحريّات العامّة، والديمقراطيّة، والتعدّديّة الثقافيّة والدينيّة في الوحدة؟ أهكذا ننتزع من لبنان ميزة نموذجيّته، ونجرّده من رسالته في بيئته العربيّة؟ فلا بدّ من عودة كلّ مسؤول إلى الصلاة والوقوف في حضرة الله بروح التواضع والتوبة والإقرار بخطئه الشخصيّ، لكي يصحّح خطأه، ويتطلّع إلى حاجة الدولة والمواطنين من منظار آخر.
الى ذلك، صدر يوم السبت البيان الختاميّ لسينودس أساقفة الكنيسة المارونية، وتضمن فقرة في السياسة الوطنية جاء فيها: إن تراكم الأحداث في لبنان والأخطاء السياسية والجرائم المالية والتمادي في سياسة الفساد خلال العقود الثلاثة الأخيرة، أدّى إلى تهالك الأخلاق والقيم على صعيد الحياة الاجتماعية والسياسية والإعلامية، وإلى تفكك الدولة.
اضاف: لذا إننا ندعو النواب إلى القيام بواجبهم الوطني والدستوري وانتخاب رئيس للجمهورية، ثم الإسراع في تشكيل حكومة مؤهلة وقادرة تمتلك برنامجاً إصلاحياً ديناميًا بحيث يكتمل عقد السلطات ويتأمّن توازنها وتعاونها بإرادة وطنية جامعة.
وقال: يؤيد الآباء تأييداً كاملاً مواقف البطريرك الراعي، الذي يقوم بالمساعي الحثيثة لتعميق التفاهمات بين جميع اللبنانيين. وقد أكدت هذا المساعي من جديد على دور البطريرك المؤتمن التاريخي على كيان لبنان ووحدة أبنائه، وعلى دور بكركي التي كانت وستبقى دارًا للتلاقي والحوار بين كل الأطراف اللبنانيين. ويدعونه إلى متابعة هذه المساعي لجمع اللبنانيين وإقامة الحوار في ما بينهم، حوار المحبة في الحقيقة، لأن هذا الحوار بات ضروريًا من أجل قراءة نقدية لأحداث الماضي وتنقية الذاكرة وفتح الطريق أمام المصالحة الشاملة.