كتبت صحيفة “النهار”: انتظرت القوى السياسية تسرب أي معطيات ملموسة من شأنها ان تحمل “علامات ” توافق او عدم توافق او “ابيض على اسود” او مساحات رمادية ، من محطتي باريس وطهران الأخيرتين ولكن هذا الانتظار المزدوج لم يلق الاستجابة الفورية بل بدا عالقا معلقا في انتظار محطة ثالثة .. وهكذا دواليك!
لقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الاليزيه والذي على أهمية ايلائه الملف اللبناني والازمة الرئاسية أولوية لافتة فيه فانه لم يطلق مؤشرات كافية للقوى اللبنانية حيال امكان توغل المحادثات بين الجانبين الى مقاربة قد تدفعهما الى الانخراط في ملف أسماء المرشحين من باب التفاهم او التنسيق او التمهيد لمهمة المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي الى لبنان جان ايف لودريان . وبعد هذا اللقاء البارز كان الانتظار الثاني اشد اثارة للغموض اذ ان زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لطهران ، والتي اكتسبت أهمية مفصلية من زاوية تعزيز العلاقات الثنائية والمضي قدما في تطبيعها ، لم تتسرب عنها أيضا مؤشرات كافية تدل على ان لبنان طرح من ضمن ملفات “الاستقرار الإقليمي” او “عدم التدخل في الشؤون الداخلية” للدول في المنطقة .
بذلك ، تميل أوساط ديبلوماسية مطلعة الى الاعتقاد بان الخيبة الخارجية التي تسببت بها الجلسة الثانية عشرة لمجلس النواب بعدم انتخاب رئيس للجمهورية وبتطيير فريق الممانعة للنصاب لدى تقدم المرشح جهاد ازعور على المرشح سليمان فرنجية، لن تقترن بتدخلات حاسمة وسريعة كما راهن على ذلك بعض الافرقاء اللبنانيين ولا سيما منهم من لا يزالون يستبقون وصول المبعوث الفرنسي الى بيروت الأربعاء المقبل ب”الجزم” بان فرنسا لم تتخل بعد عن دعمها لترشيح فرنجية . وتاليا تستبعد هذه الأوساط ان تكون الازمة الرئاسية اقتربت من تبديل جوهري وجدي في المقاربات الخارجية اذ ان “دور لبنان لم يحن بعد” بمعنى إتمام التفاهمات الكبرى وان أسوأ مراحل الازمة الرئاسية تتمثل راهنا في افتعال العقبات والعراقيل الإضافية لمنع انجاز الاستحقاق إنجازا لبنانيا صرفا دونما رهن الازمة وتداعياتها للانتظارات الخارجية العقيمة .
ومع ذلك فان الأسبوع الطالع ستتداخل فيه تداعيات التعقيدات وعض الأصابع والتوترات التي تركتها الجلسة الانتخابية الأخيرة مع تجدد التجاذب النيابي والسياسي اليوم حول الجلسة التشريعية التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لدرس مشروعي قانونين يتعلقان بتوفيرالاعتمادات لرواتب ومعاشات القطاع العام بكل اسلاكه حتى نهاية السنة ، اذ تقاطع قوى المعارضة ولا سيما منها كتل “الجمهورية القوية” والكتائب و”تجدد” وعدد من النواب التغييريين والمستقلين هذه الجلسة على أساس رفضهم الثابت لانعقاد جلسات تشريعية قبل انتخاب رئيس للجمهورية . وانتظر المؤيدون للجلسة موقف “تكتل لبنان القوي” من المشاركة في الجلسة او عدمها لتبين ما اذا كانت ستعقد اليوم ام لا. ولكن قرار التكتل كان في انتظار عودة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي توجه امس الى قطر. ووفق معلومات فانه توجه الى قطر للقاء المسؤولين الذين يتابعون الملف اللبناني.
مهمة لودريان
وفي غضون ذلك وتبعا لما كانت أوردته “النهار” قبل يومين تأكد رسميا في باريس ان المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان جان إيف لو دريان سيصل الأربعاء إلى بيروت لإجراء محادثات مع المسؤولين السياسيين، وفق مصدر دبلوماسي، امس. وأكّد المصدر نفسه لوكالة الصحافة الفرنسية أن تاريخ الزيارة في 21 حزيران مؤكد بعدما تحدثت وسائل إعلام لبنانية عن زيارة لو دريان بيروت “الأسبوع المقبل”. وتحدّث مصدر آخر مطّلع على الملف عن زيارة يوم الأربعاء، لكن لم يحدد أيّ من المصدرين المدة التي سيبقى فيها لودريان في بيروت ولا المسؤولين الذين قد يلتقيهم. وأجرى وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لو دريان محادثات مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا شاركته خلالها معطيات حول المناقشات التي أجرتها في الأشهر الأخيرة مع مسؤولين لبنانيين.وفي اليوم نفسه، كانت الأزمة السياسية اللبنانية في صلب المحادثات بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال مأدبة غداء. وشدّد المسؤولان على “ضرورة وضع حد سريعاً للفراغ السياسي المؤسساتي في لبنان” . وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان مساء الجمعة إن عدم انتخاب رئيس منذ ثمانية أشهر “يبقى العائق الرئيسي أمام معالجة الأزمة الاجتماعية الاقتصادية الحادة” التي يعانيها لبنان”. وأفادت معلومات أولية ان لودريان يزمع اجراء جولة واسعة من اللقاءات والمشاورات مع المسؤولين الرسميين والسياسين وان السفارة الفرنسية وجهت دعوات الى عدد وافر من النواب للقاءات مع لودريان في قصر الصنوبر من دون تحديد مهلة زيارته لبيروت التي يرجح ان تستمر لايام .
“بدم بارد”
وسط الأجواء المكهربة منذ الجلسة الانتخابية الأخيرة تصاعدت المواقف الانتقادية بحدة للكنيسة ممثلة بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة . وسآل الراعي امس “كيف نستطيع مع شعبنا، الذي تكويه في الصميم هذه الأزمات، أن نقبل بمهزلة ما جرى في جلسة انتخاب رئيس للجمهوريّة الأربعاء الماضي، بعد ثمانية أشهر من الفراغ والإنتظار، حيث انتُهك الدستور والنظام الديمقراطيّ بدمٍ بارد، وتوسّع جرح الإنقسام والإنشطار، في وقتٍ يحتاج فيه لبنان إلى شدّ أواصر الوحدة الداخليّة؟ أهكذا نحتفل بمئويّة لبنان المميّز بميثاق العيش معًا مسيحيّين ومسلمين، وبالحريّات العامّة، والديمقراطيّة، والتعدّديّة الثقافيّة والدينيّة في الوحدة؟ أهكذا ننتزع من لبنان ميزة نموذجيّته، ونجرّده من رسالته في بيئته العربيّة؟”.
وكان البطريرك الراعي اعلن في اختتام سينودس أساقفة الكنيسة المارونية السبت ، وبمناسبة مرور 15 سنة على انطلاق اعمال المؤسسة المارونية للانتشار في لبنان وبلدان الانتشار انه “فيما شعبنا يعيش مأساته الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة والإجتماعيّة، جاءت جلسة انتخاب رئيس للجمهوريّة الأربعاء الماضي بكيفيّة إيقافها عن مجراها الدستوريّ والديمقراطيّ، لتزيده وتزيدنا ألـمًا معنويًّا، وتجرحنا في كرامتنا الوطنيّة، وتخجلنا بوصمة عار على جبيننا أمام الرأي العام العالميّ، لا سيما والجميع يتطلّعون إلى لبنان بأمل انتخاب الرئيس، لكي يتمكّن من الخروج من أزماته”.واكد: “أمّا من جهتنا فلا نفضّل أحدًا على أحد، بل نأمل أن يأتينا رئيس يكون على مستوى التحديات وأوّلها بناء الوحدة الداخليّة، وإحياء المؤسّسات الدستوريّة، والمباشرة بالإصلاحات المطلوبة والملحّة”.
ودعا سينودس أساقفة الكنيسة المارونية في ختام اجتماعه النواب “إلى القيام بواجبهم الوطني والدستوري وانتخاب رئيس للجمهورية، ثم الإسراع في تشكيل حكومة مؤهلة وقادرة تمتلك برنامجًا إصلاحيًا ديناميًا بحيث يكتمل عقد السلطات ويتأمّن توازنها وتعاونها بإرادة وطنية جامعة” . وايد “تأييدًا كاملاً” مواقف البطريرك الراعي “الذي يقوم بالمساعي الحثيثة لتعميق التفاهمات بين جميع اللبنانيين. وقد أكدت هذه المساعي من جديد دور البطريرك المؤتمن التاريخي على كيان لبنان ووحدة أبنائه وعلى دور بكركي التي كانت وستبقى دارًا للتلاقي والحوار بين كل الأطراف اللبنانيين. ودعاه إلى متابعة هذه المساعي لجمع اللبنانيين وإقامة الحوار فيما بينهم، لأن هذا الحوار بات ضروريًا من أجل قراءة نقدية لأحداث الماضي وتنقية الذاكرة وفتح الطريق أمام المصالحة الشاملة”. وشدد على “التمسّك بالثوابت الوطنية، أي العيش المشترك والميثاق الوطني والدستور والصيغة التشاركية بين المكوّنات اللبنانية في النظام السياسي وتطبيقها بشكل سليم.”
وبدوره قال المطران عودة امس : “إثنتا عشرة جلسة لانتخاب رئيس لم تكن سوى عمليات إجهاض تمنع إنقاذ بلد، يكون وطنا لجميع أبنائه. لماذا هذا الأسر الذي يقبع فيه بعض النواب الذين يفترض بهم أن يكونوا أحرارا، وأصواتا صارخة بصراخ الشعب اليائس؟ النيابة ليست هروبا من المسؤولية بل هي تمثيل الشعب أحسن تمثيل. هل يؤيد الشعب حقا تصرف نوابه وتقاعسهم عن القيام بواجبهم الأول وهو انتخاب رئيس للجمهورية، لا بالطريقة التي يريدونها بل كما يمليه الدستور؟ هل أحسن التصرف من أدلى بصوته وغادر القاعة وكأنه غير مهتم لا بالبلد ولا بنتيجة الإقتراع؟ هل هكذا تكون الممارسة الديمقراطية؟”. وسأل ” هلضياع صوت أمر عادي لا يستحق الوقوف عنده أو الإعتراض عليه؟ ما هذه العبثية المدمرة؟ كيف سيبنى وطن لا يستطيع نواب الشعب فيه احترام الدستور وانتخاب رئيس، بجدية وديموقراطية، رئيس لكل البلد، يشارك في عملية انتخابه جميع النواب، ويكون خادما للشعب بأسره، لا لجماعات محددة فقط؟ ألم يحن وقت التخلي عن الأنانيات والمصالح من أجل إنقاذ البلد؟”.