خرج الجميع رابحا من جولة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، فكل من زاره او التقاه في قصر الصنوبر، سرب عبر مصادر، او صرح، قائلا «بانه مرتاح والاجواء ايجابية». «بنشعي» مرتاحة و«معراب» ايضا «البياضة» كذلك، وقبلها بكركي «وعين التينة»، وحزب الله. رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يؤكد ان المبادرة الفرنسية طويت،واصبحت من الماضي، في المقابل لم يشعر رئيس تيار المردة سليمان فرنجية انه تم التخلي عنه فرنسيا، على عكس ما استشفت «معراب» من اللقاء مع لودريان. كل ش«يغني على ليلاه»، فاما يترجم هؤلاء ما يقوله المبعوث الفرنسي كما يناسبهم، او ربما يتقصد لودريان «المستطلع» اسماع كل طرف ما يطربه في غياب مبادرة فرنسية واضحة المعالم. ولهذا كل الاطراف ترى نفسها «رابحة» في هذه الجولة التي ستكرس الانقسام اللبناني على اوضح وابهى صوره، وسيعود لودريان الى بلاده وهو على قناعة تامة بانه لن يستطيع بالدبلوماسية الناعمة اقناع احد بتغيير موقفه، والمهمة التي سبق ووصفها دبلوماسي فرنسي بانها شبه مستحيلة تبدو مستحيلة بعدما تبين للفرنسيين انه اذا بقيت المعطيات الراهنة على حالها ولم تتغير مواقف الدول المؤثرة على الساحة اللبنانية وتتخذ قرار التدخل على نحو مباشر لفرض تسوية، فان فرص النجاح تبقى ضئيلة. هذه الاجواء المعقدة تتناقض مع المشهد في فندق فينسيا حيث نظم السفير السعودي الوليد البخاري مساء امس عشاء ديبلوماسيا، تحت عنوان «خلق شبكة امان دولية للبنان»، حيث جلس السفير الايراني على طاولته وحضرالقائم بالاعمال السوري، في «رسالة» بالغة الدلالة بالشكل والتوقيت..في هذا الوقت، ارتفعت الاصوات داخل دولة الاحتلال الاسرائيلي منتقدة العجز الفاضح للحكومة في مواجهة حزب الله الذي يزعم الجيش الاسرائيلي انه نصب خيمتين داخل مزارع شبعا المحتلة متجاوزا «الخط الازرق»، دون رد فعل اسرائيلي على الارض، مع تحذير من اي خطوة متهورة في منطقة «النار» فيها تحت «الرماد» وقابلة للاشتعال فيما بات يعرف بتوحد الساحات.
تقييم محبط واجتهاد في غياب النص!
بالعودة الى جولة لودريان، رات مصادر ديبلوماسية ان اسباب التضارب بقراءة الموقف الفرنسي يعود الى «اجتهاد» لبناني في غياب «النص» الفرنسي، لان باريس لم تقل «كلمتها» عبر مبعوثها الرئاسي، بل جاء في هذه الزيارة ليستطلع لا لكي يضع اي طرح على «الطاولة»، ولهذا فان عدم حديثه عن «المقايضة» فسره خصوم فرنجية لصالحهم فيما اعتبر الاخير ان عدم وجود طرح مغاير يعني عدم وجود تغيير في الموقف الفرنسي!؟ وفي الخلاصة لا توجد مبادرة فرنسية او دولية-اقليمية للحل، ما يقوم به لودريان جولة استطلاعية دون طرح اي مبادرة للخروج من المأزق، هو اعلن ان للبحث الفرنسي في بيروت صلة حيث أعلن انه سيعود الى لبنان قريبا، مشيرا الى ان اي حل يجب ان ينطلق من الجانب اللبناني.. ولا تخفي المصادر ان التعقيدات الحالية تبدو عصية على الحل الداخلي ومن الصعب التوصل الى ارضية مشتركة بين مختلف القوى التي تعرض المشكلات ولا تقدم حلولا او مخارج، ولان المكتوب يقرا من عنوانه، فان تقرير لودريان الى الرئيس ايمانويل ماكرون ووزيرة الخارجية كاترين كولونا، سيكون «محبطا» ويعكس التعقيدات الكبيرة في المشهد اللبناني، ولهذا سيقدم لودريان توصية بضرورة اشراك اللجنة الخماسية بجدية في الحل ووضع واشنطن والسعودية وايران امام مسؤولياتهم لتحريك الجمود «القاتل» بخطوات عملية يجب ان تستبق جولة لو دريان الثانية، لانه بات على قناعة بان باريس وحدها غير قادرة على مساعدة اللبنانيين بالخروج من المأزق، وحتى ذلك الحين سيكون الملف اللبناني في «ثلاجة» الانتظار في ظل انسداد المخارج المحلية وانقطاع التواصل بين «الخصوم».
بكركي «تغسل يديها» من الحوار
وكان الموفد الرئاسي الفرنسي، بدا، جولاته على المسؤولين اللبنانيين صباحا من السرايا الحكومية حيث التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، في حضور سفيرة فرنسا آن غريو. وتمّ خلال الاجتماع عرض مفصّل للوضع في لبنان وللمساعي التي تقوم بها فرنسا لحلّ الأزمة السياسية، ومن بكركي أوضح لودريان أنّ الهدف من زيارته الأولى للبنان استطلاع الوضع سعياً للمساعدة في إيجاد الحلول للأزمة التي يمرّ بها لبنان والبحث مع مختلف الأطراف في كيفية إنجاز الحل المنشود. وقد «غسلت» بكركي يديها من ما اسمته مصادر مقربة منها محاولة لتوريط الصرح بطروحات غير مجدية مشددة على رفضها تكريس المرجعيات الطائفية، مشيرة انه اذا كان لا بد من حوار فليحصل في المجلس النيابي وليتم الاحتكام الى الدستور من خلال جلسات مفتوحة حتى انتخاب رئيس للجمهورية…
اجواء متضاربة بين معراب – بنشعي- والبياضة؟!
انتقل لودريان إلى معراب حيث بدأ من هناك تضارب المعلومات، واختلط حابل التمنيات بالوقائع، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، قال، بعد اللقاء «إنّ موضوع الرئاسة بحاجة إلى 128 نائباً، والملف لا يتطلّب تدخلاً دولياً». ووصف جولة الموفد الفرنسي بالـ«استطلاعية»، لافتًا إلى أنّه «طرح أسئلة عن مختلف الأمور، وليس لديه أيّ مقترح لطرحه». وأضاف: «كل ما نبحث فيه أن يكون النواب في موقع صحيح بطريقة العمل ومع محبتي لفرنسا لا نريد تدخلها ولا تدخل إيران ونريد قراراً سيادياً داخلياً. نريد فقط انتخاب رئيس إنّما البعض للأسف عطّل فيما كان من الممكن أن تكون النتيجة حاسمة ويريدون أن يديرونا لانتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية وهذا لن يحصل». ورأى أنّ «الحوار ضروري ونحن على جهوزية للاتفاق على مرشح، لكن ليس وفق الطريقة القائمة حالياً، وخصوصاً وسط تمسّك محور الممانعة بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وعن إمكانية إحياء المبادرة الفرنسية التي رشحت سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، لفت جعجع إلى أن «هذه المرحلة باتت من الماضي، وأنها صفحة وانطوت، كما أن الموفد الفرنسي لم يأتِ أبداً لإقناعنا بفرنجية أو بمرشح آخر». ولفتت اوساط شاركت في اجتماع معراب الى ان «لا افضليات لفرنسا في الملف الرئاسي وهي مستعدة للقيام بوساطة بين الافرقاء اللبنانيين لكن الحل يجب ان يكون لبنانيا والموفد الفرنسي مدرك لصعوبة المهمة.
من جهتها اكدت اوساط «بنشعي» بعد لقاء لودريان ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية على مائدة الغداء في قصر الصنوبر، ان الاجتماع كان ايجابيا، والمبادرة الفرنسية لا تزال قائمة. ولفتت الى ان الفرنسيين يبحثون عن حل متكامل للازمة يشارك فيها جميع الافرقاء، ولفتت الى ان فرنجية لم يشعر بان هناك رجوعا عن المبادرة الفرنسية، بل كان الجو اكثر من ايجابي. وقد استمع لودريان بعناية شديدة لراي فرنجية في الاستحقاق الرئاسي وقد جرى حوار بناء للمرحلة المقبلة. في المقابل، وبعد اللقاء مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في البياضة قالت مصادر التيار الوطني الحر ان لودريان ابلغ باسيل أن المرحلة السابقة حول ترشيح فرنجية قد طويت وبدات مرحلة جديدة مع زيارته. لودريان سمع من باسيل أن انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان لا يكون إلا نتيجة توافق بين المكونات السياسية. واكدت تلك الاوساط، ان الاجتماع دام ساعة وربع الساعة والأجواء جيدة وهو جاء مستطلعا. ايجابية حزب الله
ومساء، التقى لودريان وفد حزب الله برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، وعضوية مسؤول العلاقات الخارجية عمار الموسوي في قصر الصنوبر، ووفقا للمعلومات، كان اللقاء وديا وايجابيا في ظل التقاء الطرفين على اكثر من قاسم مشترك ابرزها ضرورة الحوار للوصول الى مخرج للازمة الراهنة. وكانت كتلة «الوفاء للمقاومة» قد استبقت اللقاء بالتاكيد على وجوب تداعي اللبنانيين للحوار فيما بينهم لأنهم المعنيون أساساً بمباشرة ذلك بغية التوصل إلى جوامع مشتركة تضع حدّاً لأزمة الشغور الرئاسي في البلاد. وقالت إنّ الدور الذي يمكن أن يؤديه بعض الأصدقاء للبنانيين، سواء كانوا إقليميين أم دوليين، هو في الحقيقة دورٌ مساعدٌ ننظر إليه بإيجابيّة، خصوصاً حين يعبّر عن حرصٍ واضحٍ على المصالح المشتركة مع لبنان والتي لا بدّ من تفاهم اللبنانيين وتشاركهم لتحقيقها وتطويرها. كما استقبل الوزير السابق زياد بارود مساء في السفارة الفرنسية، ويواصل لودريان اجتماعاته اليوم حيث قد تشمل اجتماع مع سفراء «الخماسي الدولي» في لبنان، كما سيجمع مختلف الكتل النيابية التي لم يلتق بممثليها بالامس، وبينهم النائب تيمور جنبلاط مساء اليوم الجمعة على ان تكون هناك لقاءات خاصة وأخرى جماعية، فيما لم تتم دعوة عدد من النواب التغييريين بينهم نجاة صليبا وملحم خلف!.
العشاء السعودي
وفي توقيت وحضور لافتين، اقام السفير السعودي في بيروت وليد البخاري عشاءً تحت عنوان «الديبلوماسية المستدامة»، مساء امس، دعا إليه أكثر من 50 رئيس بعثة دبلوماسية عربية وأجنبية وممثلي منظمات، من ضمنهم السفير الايراني مجتبى أماني والقائم بأعمال السفارة السورية علي دغمان، ووفقا لمصادر مطلعة لا تسمح طبيعة اللقاء باي مناقشة للملف الرئاسي اللبناني، لكن طبيعة الحضور هذه المرة تعكس اجواء التلاقي في المنطقة التي ستنعكس آجلا او عاجلا على لبنان.
مزارع شبعا «نار تحت الرماد»؟
في غضون ذلك، ارتفعت حدة التوتر على الحدود الجنوبية مع اصرار قوات الاحتلال الاسرائيلي على تضخيم الاحداث في مزارع شبعا، بعدما تحدثت عن اختراق لحزب الله في المنطقة، وفيما وصفت مصادر مطلعة ان ما يجري في المنطقة «نار تحت الرماد»، محذرة من اي خطوة اسرائيلية قد تدفع المنطقة الى تصعيد خطير. ارتفعت الاصوات المنتقدة في اسرائيل لما اسمته ضعف رد فعل الحكومة ازاء مواجهة ما اسمته تحديات حزب الله «الاستفزازية» في المزارع ، وذلك بعد ساعات على الكشف عن ما اسمته قوات العدو،اختراق مزارع شبعا من قبل عناصر من الحزب الذي وضع مؤخراً خيمتين وفيهما مقاتلون، من خلال انزلاق متعمد لبضعة أمتار داخل منطقة تحت سيطرة إسرائيل. وقالت صحيفة «هآرتس» ان الجيش الإسرائيلي والحكومة يعرفان عن هذا التجاوز، وتابع الجيش بشكل دائم ما يحدث في المكان، لكنه أمر لم يتم إبلاغ الجمهور عنه حتى أمس الاول. واشارت الى ان حزب الله ثبت حقائق على الأرض في مزارع شبعا في المنطقة التي هي تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي والتي يحظر دخول المدنيين إليها. لكن المستوى السياسي والجيش قررا الامتناع عن استخدام القوة، واختارا نقل رسائل تهديد عبر قنوات ديبلوماسية بواسطة قوة «اليونيفيل» وبعض الدول الغربية. لكن التهديدات لم تثمر أي نتائج حتى الآن، على الرغم من التهديد بالقيام بالإخلاء بالقوة. وهي خطوة قد تؤدي إلى تصادم عنيف بشكل أوسع مع حزب الله.
لا يجب التصعيد
ووفقا للصحيفة، ثمة إغراء كبير ومبرر لانتقاد الحكومة بسبب سلوكها على الحدود اللبنانية. فمن جهة، تتبجح الحكومة اليمينية المطلقة وتهدد باستمرار بضرب الأعداء بكل قوة، ومن جهة أخرى تضبط نفسها إزاء «استفزازات» حزب الله الصارخة، بل وحاولت إخفاء ذلك عن المواطنين. مع ذلك، من الأفضل للمعارضة عدم حث الحكومة على فعل المزيد، بالتحديد في هذا المجال. ويبدو أن الأمر الأخير الذي تحتاجه إسرائيل الآن هو التصعيد على جبهة أخرى، أمام حزب الله. خصوصا ان هناك ميلا لتوحد الساحات المختلفة من أجل عمل موحد.
حزب الله والتحدي المحسوب
ووفقا للإذاعة الإسرائيلية، فإن إسرائيل توجهت فقط إلى قوات الأمم المتحدة المتواجدة في لبنان، وأطلعت دولاً معيّنة بشأن موضوع الخيمتين، «من دون أن تطلب مساعدة في إزالتها من هذه الدول»؛ إذ هدفت إلى تمرير رسالة مفادها بأنها على دراية بما يجري في الحدود، عسى أن تلتقط هذه الدول الإشارة وتوجه بدورها رسالة لحزب الله ولبنان عبر القنوات الدبلوماسية. وبرأي «هآرتس» فان ما حصل الجبهة الشمالية شكل مفاجأة، ولفتت الى ان التحدي المحسوب لحزب الله هو جزء من خطة مبرمجة يعمل عليها في مواجهة قيام إسرائيل في السنتين الأخيرتين بتحسين الخطط الدفاعية على الحدود مع لبنان . فهي تبني جداراً على مقاطع على الحدود المعرضة للاختراق. حزب الله يتهمها بخرق سيادة لبنان في عدة نقاط على طول الحدود. وفي الوقت نفسه، نشر معظم الوحدات من قوة النخبة «الرضوان» قرب الحدود في جنوب لبنان، وأقام عشرات مواقع المراقبة على طول الجدار تحت غطاء مواقع لحماية الطبيعة.
ضعف حكومة نتانياهو
ولا تقف الامور عند هذا الحد،حالة الوهن الاسرائيلية، تتظهر بحسب مصادر امنية في كيان العدو بأحداث على ثلاث ساحات حدثت خلال بضع ساعات، أبرزت عدم السيطرة على الأمور في الفترة الحالية. وقالت للصحيفة، في الضفة الغربية قام مئات المستوطنين بأعمال الشغب وأحرقوا بيوتاً وسيارات لفلسطينيين انتقاماً على عملية إطلاق النار التي قتل فيها أربعة إسرائيليين. أما في هضبة الجولان فأصيب خمسة مواطنين بإصابات بالغة في مواجهات عنيفة بين الشرطة وأبناء الطائفة الدرزية على خلفية معارضتهم إقامة مزارع الرياح. وعلى الحدود اللبنانية في مزارع شبعا تبين بشكل متأخر أن حزب الله قد اخترق المنطقة التي هي تحت سيطرة إسرائيل وأقام هناك خيمتين ووضع فيهما نشطاء مسلحين – الجيش الإسرائيلي لم يعمل على إبعادهم بالقوة. يبدو أن هذه الساحات الثلاث غير مرتبطة بشكل مباشر بعضها ببعض. مع ذلك، ثمة قاسم مشترك بين المواجهات الثلاث؛ وهو ان السلطة المركزية في اسرائيل آخذة في الضعف.