كتبت صحيفة “الديار”: نجحت المقاومة بالامس، بتعزيز قوة الردع الجوية عبر “كمين جوي محكم” لاحدى المسيّرات “الاسرائيلية” المتطورة التي اخترقت الاجواء اللبنانية.
سياسيا، جاءت عطلة عيد الاضحى في توقيت اكثر من مناسب لمختلف القوى السياسية، كي تستخدمها “شماعة” لتبرير الجمود رئاسيا، فيما يدرك الجميع ان ما بعد عطلة العيد ستكون كما قبلها، بانتظار ان يجد الجانب الفرنسي “الترياق” لحالة الاستعصاء السياسي، دون آمال كبيرة بحصول التقدم المأمول سريعا، لاسباب خارجية اكثر منها داخلية، بعدما ثبت ان التقدم في حل الملفات العالقة بين السعودية وايران يتم بهدوء ودون استعجال، سواء في اليمن او العراق وحتى في سوريا، ولهذا لن يكون لبنان استثناء.
وحتى ذلك الحين، فان الحل لهذا الانسداد في الواقع الداخلي المتعثر سياسيا ورئاسيا واقتصاديا، سيبقى رهنا بالظروف والتطورات التي قد تستجد في الخارج، فاما يأتي جان ايف لودريان بكلمة السر عبر تسوية اقليمية- ودولية، او تفرض وقائع من خارج السياق على الارض موازين قوى مغايرة، يمكن من خلالها فرض امر واقع جديد، يخشاه الفرنسيون، وعندها يصبح الحديث عن رئيس الجمهورية تفصيلا صغيرا، في حال باتت الازمة اكثر عمقا وتتعلق بازمة نظام، كما حذر حزب الله بالامس، وهي قد تفضي الى نتائج غير مرضية لجميع الاطراف في حال تمت التسوية على “الحامي” وليس على “البارد”.
“خمسة زائد واحد”؟
ولهذا سمع بعض المسؤولين اللبنانيين كلاما واضحا عبر قنوات ديبلوماسية اقليمية تنصح بعدم الركون للمواعيد التي يضربها البعض للتسوية، لانها مجرد تكهنات “وابر مورفين” لا تتسق مع اي معطيات جدية. وفي هذا السياق، علمت “الديار” ان المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان لا يملك اي تصور جاهز لكيفية الخروج من المأزق الراهن، وتقريره المفترض للرئاسة الفرنسية يوصف طبيعة الخلافات غير المفاجئة والمعروفة سلفا داخليا، لكن الجديد تبلور قناعة فرنسية بان اي حوار داخلي جدي يحتاج الى رعاية اقليمية ودولية، بغض النظر عن شكله ومكانه، ولهذا ستكون ضمن اقتراحاته ضم ايران الى “طاولة” “الخماسية” عبر صيغة 5 زائد واحد، لتجنب صعوبة جمع واشنطن وطهران على طاولة واحدة، حيث تلعب باريس دور المنسق في هذه الصيغة، وهذا يمنح كافة اطراف النزاع في لبنان الضمانات التي تحتاجها في اي عملية تسوية مقبلة، كما تمنح دول “الخماسية” ما تحتاجه من ضمانات، على اعتبار ان اي اتفاق مفترض يحظى بدعم ايراني رسمي مباشر على عبر قناة ثالثة ممثلة بحزب الله.
مضمون الحوار
هذا الاقتراح سيكون على بساط البحث في الايام المقبلة فرنسيا مع دول الخماسية وطهران، حيث ستعمل باريس على “جس نبض” تلك الدول قبل الانطلاق في صياغة شكل ومضمون الحوار المفترض، واذا حصل توافق على الصيغة الجديدة التي يرى الفرنسيون انها ستمنح الحوار فرصة اكبر للنجاح، سيحمل لودريان في جولته المقبلة ما هو ابعد من الازمة الرئاسية، وسيحاول طرح مقترحات تتعلق بحل جذري لمعضلة الاستعصاء اللبناني عبر ايجاد صياغة جديدة لتجنب المشاكل الدستورية الحالية من داخل النظام الحالي، وليس عبر الانقلاب عليه.
رهانات فرنسية
واذا كانت باريس تدرك جيدا حدود تأثيرها على القوى اللبنانية، فهي تأمل بحصول تقدم اكبر في مسار العلاقات السعودية -الايرانية، كي يستفيد لبنان من المناخات الايجابية، لكن الفرنسيين لم يخفوا قلقهم من تاريخ مقلق لحل النزاعات اللبنانية التي لم تحصل الا على “الساخن”، فلا الطائف جاء بحوار بارد ولا الدوحة، ولهذا فهم قلقون من عامل الوقت، وسيبذلون جهودا مضاعفة كي يتم اسقاط التوافق الخارجي على الافرقاء اللبنانيين، قبل ان “يحدث شيء ما” من خارج السياق يؤدي الى تعديل الموازين الداخلية، ويكون حينها التفاهم باثمان كبيرة. ولهذا باتت القناعة جلية وواضحة لدى لودريان، ان التسوية لن تحصل الا بواحدة من اثنتين، ضغط خارجي جدي من القوى الفاعلة على القوى اللبنانية يكسر الجمود الحالي، ويكون اتفاقا على تسوية شاملة باتت تعرف “بالسلة”، وتشمل الرئاسة الاولى والحكومة ورئيسها، وقيادة الجيش، وحاكمية مصرف لبنان، او بحدث ما يغير قواعد اللعبة داخليا، وهو حل محفوف بمخاطر كبيرة تعمل باريس على تجنبها.
تفكيك “لغمين”
ووفقا لاوساط مطلعة، سيكون امام لودريان حل معضلتين جوهريتين قبل عودته المقبلة، وهما بمثابة “لغمين” سيطيّرا جهوده اذا لم ينجح في فكفكتهما، وهي ستكون مدار بحث مع الرئاسة الفرنسية اولا، ولاحقا مع مجموعة خمسة زائد واحد، على اعتبار ان باريس لن تغيّب طهران عن الحدث اللبناني سواء رضيت باقي الاطراف، او رفضت انضمامها رسميا الى المحادثات:
– المعضلة الاولى: سلبية المعارضة اللبنانية في طروحاتها لجهة رفضها الحوار مع “الثنائي”، وعدم تقديم بدائل واضحة وجدية للتفاوض، مشترطة تراجع الطرف الآخر عن دعمه لرئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية قبل اي نقاش، وهو شرط لاغ لاي حوار.
– المعضلة الثانية: تتعلق باصرار “الثنائي” وخصوصا حزب الله على حوار يتجاوز مسألة ترشيح فرنجية الذي هو ثابتة ولا تتزحزح، وما يعرضه الحزب يتعلق بحوار حول الضمانات التي يمكن ان يمنحها فرنجية للاطراف الاخرى لتسهيل وصوله الى بعبدا…
لبنان محاصر بالفوضى
وفي هذا السياق، تخشى باريس من استمرار عدم مبالاة الدولة المعنية في الملف اللبناني، بسبب وجود قضايا ذات اولوية ملحة، واذا كانت واشنطن مهتمة بانجاز اتفاق نووي مؤقت مع ايران، ومهتمة بالصراع في اوكرانيا والوضع في روسيا، فانها تبدو قلقة اكثر على ما يجري في “اسرائيل” التي تدهورت إلى حالة فوضى لا حدود معروفة لها، فهي بحسب توصيف الاعلام “الاسرائيلي”، دولة تفككت إلى قبائل لا تتفق على جوهر القانون. الفاشيون يسمون المحتجين ضد الدكتاتورية فوضويين، الأمر الذي يدل على أنه لا يوجد في “إسرائيل” حوار في هذه الأثناء. الجميع يتفقون على أن “إسرائيل” تضج بالفوضى. لا احتمالية لإجماع على مسألة ما هو القانوني ومن الذي يضع القانون. لا يوجد في “إسرائيل” قانون واحد أو أخلاق واحدة. وفي ظل غيابها، سيتم حسم الصراعات الداخلية الوطنية على الأغلب بحرب أهلية. وهو نموذج تخشى ان يعمم في المنطقة، ولبنان ليس بعيدا عنها في ظل رفض الدعوات للتحاور.
تغيير موقف واشنطن!
ولفتت اوساط مطلعة، ان احد المؤشرات المنتظرة يتعلق بالموقف الاميركي، الذي لن يبقى في دائرة “السلبية” طويلا، لان الاشهر القليلة المقبلة ستكون مهمة للغاية اميركيا. وثمة رهان في باريس على انخراطها جديا في التسوية من خلال حشرها في زاوية استحقاقات تهمها، فهي ستكون مستعجلة لانجاز الاستحقاق الرئاسي وانتخاب رئيس سريعا قبل نهاية الصيف، خشية تمدد الفراغ الى المناصب المالية والامنية والعسكرية والقضائية، وهي معنية بالتفاوض على حاكم المركزي وقائد الجيش، وهذا له في المقابل اثمان. فهل ستكون الادارة الاميركية جاهزة لدفعه؟ وهل ستكون مستعدة لاجراء “المقايضة”؟
هل يتحول موقف “التيار”؟
وفي الانتظار، علمت “الديار” ان “ورقة” تفاوضية جديدة ستكون على “الطاولة” من خارج السياق المعلن حاليا، وقد تغير في مزاج بعض القوى السياسية، وتتعلق بملف اعادة الاعمار في سوريا الذي يسير على قدم وساق، من خلال اتصالات سورية – سعودية على ارفع المستويات. وقد حصل تواصل رفيع المستوى بين قيادة “التيار الوطني الحر” والقيادة السورية، بوساطة السفير السابق علي عبد الكريم علي، لفتح مكتب علاقات عامة “للتيار” يعنى بشؤون الاعمار والاستثمار في بعض القطاعات.
ووفقا للمعلومات، لم تكن الاجواء السورية “مقفلة”، بل سمع المعنيون انفتاحا على التجاوب مع الطرح، دون ان يتحول بعد الى امر واقع. واذا كانت القيادة السورية لم تربط الملف مباشرة باي موقف سياسي “للتيار”، الا ان هذا الحوار المستجد قد يفتح “الابواب” امام نقاشات تتعلق بالملف الرئاسي، كما تأمل مصادر مطلعة على مسار العلاقات السورية مع “البرتقالي”، والتي توجت بلقاء الرئيس السابق ميشال عون مع الرئيس بشار الاسد في دمشق مؤخرا.
ازمة نظام؟
وفيما راى نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، أنّ “ثمانية أشهر من التمترس والمواجهة كافيةٌ لإثبات عدم جدوى هذا المسار لانتخاب الرئيس”، وقال عبر “تويتر”: “لم يعد من سبيل إلَّا الحوار للتفاهم والتوافق، والقواسم المشتركة مع تغليب المصلحة الوطنية ليست معدومة وهي أفضل من التقاطع المؤقت مسدود الأفق”، وحذر النائب علي فياض من أن يجد اللبنانيون أنفسهم أمام أزمة نظام وليس أزمة رئاسة فقط، وأضاف: “إن إصرار البعض على “التعامي” عن هذا المسار العقلاني، لا يعني سوى نتيجة واحدة، وهي إطالة أمد الفراغ وتفاقم الأوضاع سوءاً وتدهوراً، وعندها ليس من المستبعد أن يجد اللبنانيون أنفسهم أمام أزمة نظام وليس أزمة رئاسة فقط”.
بدوره رأى عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق أنّ “الانتخابات الأخيرة ثبتت موازين للقوى داخل المجلس النيابي وهذه التوازنات تقطع الطريق على أي فريق من أن يفرض مرشحا للرئاسة”. وأشار إلى أن “تسعة وستين نائبا رفضوا التصويت لمرشح التقاطعات المتجزأة، أي أكثر من نصف النواب من كل الطوائف”، لافتًا إلى أنّ “جهة بارزة في جماعة التقاطع تعتبر أن ورقة مرشح التقاطع قد احترقت ،وأنهم بدأوا يفتشون عن أسماء جديدة”. وأضاف: “ننصحكم بألا تضيعوا الوقت على اسم جديد، ولا تجربوا المجرب لأن الحل والطريق الأقرب والأضمن هو الحوار، حزب الله أكد ولا يزال يؤكد دعوته إلى الحوار غير المشروط وإلى التوافق ليس من موقع الضعيف، إنما من موقع الحرص لأن هذا البلد لا يتحمل تصفية حسابات سياسية أو شخصية ، ولا يتحمل تعميق الإنقسامات الداخلية”. وختم: “حزب الله أكد للموفد الفرنسي تمسكه بشكل واضح وصريح بدعم ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، وأن الوصفة المثالية لحل الأزمة ليس إلا بالحوار والتوافق”.
“الاشتراكي” يدعو للتفاهم
في المقابل، لفت عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب وائل أبو فاعور إلى “أننا وصلنا بعد جلسة الأربعاء الرئاسية إلى خلاصة مفادها أن التفاهم على الرئيس هو الحل الوحيد”. واستكمل “لبنان يعيش اليوم حالة انعدام وزن في الملف الرئاسي، في ظل انعدام المبادرات الداخلية، والمرحلة تتطلب سكينة وطنية للوصول إلى بر الأمان، وهي مرحلة حقوق الأفراد وليس المجموعات”. وأردف “لم نساهم بإقرار أو اعتماد الثلث المعطّل، وإنّما فُرض علينا فرضاً، وقانون الانتخاب الحالي دمّر محاولات إحياء الحياة الوطنية”.
“كمين جوي”
جنوبا، وفي تطور نوعي، أعلن الإعلام الحربي التابع للمقاومة، أنّ المقاومة الاسلامية أسقطت مسيّرة “إسرائيلية” اخترقت الأجواء اللبنانية في وادي العزية قرب بلدة زبقين الجنوبية مستخدمة “الاسلحة المناسبة”. وقد اعترف جيش العدو من ناحيته بإسقاط الطائرة، وقال: إنّ “مسيّرة تابعة لنا سقطت في الأراضي اللبنانية أثناء قيامها بنشاط روتيني”، وزعم انه “لا خوف من تسرّب معلومات”.
ووفقا للمعلومات، فان طائرة مسيرة “اسرائيلية” وقعت في “كمين جوي”، بعد ان رصدت المقاومة مسارها لـ7 كيلومترات واسقطتها بالوسائل “التقنية” المناسبة، وهي مسيّرة متطورة تحمل نوعين من الكاميرات بجودة عالية، ويمكن لمشغليها السيطرة عليها من اماكن بعيدة، وهي تحمل مخاطر امنية عالية، كونها قادرة على التحليق المنخفض يصل الى مستوى الارض مباشرة، وهي قادرة على القيام بمهام تجسسية عالية الدقة.
تعزيز المعادلة الجوية
وهذا التصدي، يأتي في سياق اعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأن الهدف الاعلى من اسقاط طائرات الاستطلاع أو إبعادها من الاجواء اللبنانية “هو تنظيف الأجواء اللبنانية من الخروقات الإسرائيلية”، هذه القاعدة تجسدت ايضا في الرسالة المصوّرة التي وزعها الاعلام الحربي لاسقاط “المسيرة”، والتي تشير بوضوح الى أن الطائرات الاسرائيلية قد تحوّلت الى أهداف جدية، والتعامل معها يتم بالاسلحة المناسبة عندما تخترق الاجواء اللبنانية. وهي معادلة يعمل حزب الله على فرضها من خلال استخدام قدرات فعالة، وبشجاعة في اتخاذ القرار، دون اي خشية من رد الفعل “الاسرائيلي”.
والنتائج الاهم لما حصل بالامس، يرتبط بتذكير “الاسرائيليين” ان حركتهم الجوية باتت مقيدة في الاجواء اللبنانية ، وهو امر يفرض قيودا على نشاطاتها التجسسية، في ضوء التقنيات المتطورة التي يستخدمها حزب الله، والتي اثبتت قدرتها على اسقاط الطائرات المتطورة من خلال “كمائن جوية” خطيرة.
اخفاق “اسرائيلي”
ووفقا لمصادر معنية بالملف، ان ما حصل سينعكس حالة تخبط في المؤسسة الامنية “الاسرائيلية”، في ظل اخفاق الخيارات المضادة في مواجهة استراتيجية حزب الله. فـ”اسرائيل” معنية بعدم منح الحزب القدرة على فرض قواعد ردع تمنعها من الاستمرار بنشاطها التجسسي في لبنان، وفي المقابل تخشى ان تصاب في كمائن موجعة كما حصل بالامس.
وفي الخلاصة، نجح الحزب بفرض توازن في الجو، ورسم معادلة جديدة تكبح الاستباحة “الاسرائيلية” للاجواء اللبنانية، والتي تراجعت على نحو كبير باعتراف القيادات الامنية والعسكرية “الاسرائيلية”.