كتبت صحيفة ” البناء ” تقول : دخلت باريس يومها السادس مع أزمة ضواحي المدن الكبرى بعدما تجاوز منذ أيام ضواحي باريس الى مدن مثل مارسيليا وليون وسواهما، والضواحي حزام ناري يلف المدن الفرنسية منذ تحويلها الى مراكز إقامة مساكن الجنود العائدين من الحربين العالميتين المنتمين إلى دول المستعمرات، لتكون مدن الفقر والتهميش وتبقى لقرن كامل على حالها يرثها الأبناء والأحفاد عن الآباء والأجداد كما ورثوا جنسياتهم مواطنين من درجة ثانية وثالثة ورابعة، وورثوا معهما المزيد من التهميش والتعامل العنصري.
حكومة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون لم تتحرّك باتجاه أي مبادرات للاحتواء ولا زالت أسيرة المعالجات الأمنية، ما يزيد الأمور تعقيداً. ووفق ما هو ظاهر تتجه حكومة ماكرون، كما تقول مصادر متابعة، الى فرض حالة الطوارئ، دون إعلانها، وحالة الطوارئ بفرض رقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، وتقييد حركة التنقل بين المناطق، والسماح بتنفيذ التوقيفات العشوائية دون مذكرات قضائية، مع تزامن الترويج لقانون رقابة غريب عجيب، يتيح للأجهزة الأمنية تفعيل استخدام كاميرا ومذياع جهاز الهاتف الخليويّ الشخصيّ إلى أداة تنصت على حامل الهاتف دون إذنه. ويتوقف الكثير من قادة أوروبا أمام المشهد الفرنسي خشية امتدادها الى دول أخرى، خصوصاً مع تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في ظل تعقيدات الحرب الأوكرانية وارتداداتها.
في عواصم المنطقة تتمّ متابعة حثيثة لتطورات الملف النووي الإيراني، حيث كشف مستشار الأمن القومي الاسرائيلي عن تجميد إيران للتخصيب على نسب مرتفعة، مؤكداً أن حكومة الكيان ليست بوارد عمل هجومي ضد منشآت إيران النووية، وهو ما قرأت فيه مصادر إقليمية متابعة للملف النووي توصل واشنطن الى اتفاق عملي مع إيران، بعدما كان مدير الوكالة الايرانية النووية قد ربط بين استمرار وتوقيف التخصيب المرتفع بمصير الأموال المجمّدة والعقوبات الاقتصادية، وربطت المصادر بين كلام مستشار الأمن القومي الاسرائيلي وما أعلنه روبرت مالي المسؤول عن الملف النووي في ادارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن تجميد ترخيصه الأمني، وما نشر عن صلة ذلك باتهامات وجهت لمالي بالتصرف بوثائق سرية، تعتقد المصادر أن المقصود بها هو ما كشفه المسؤول الإسرائيلي عن تجميد إيران للتخصيب المرتفع.
لبنانياً، تجاوز البلد قطوعاً خطيراً مع الإعلان عن مقتل شابين من آل طوق من مدينة بشري في القرنة السوداء، في ظل محاولات للترويج عن علاقة لبلدات الهرمل بالنزاع على الأراضي في القرنة السوداء، وفيما انتشر الجيش اللبناني في المنطقة وأبلغ المسؤولين بنتائج أولية لتحقيقاته بصورة استبعدت الفرضيات التي تمّ الترويج لها، وتم التداول لاحقاً بصلة لشباب من بلدة الضنية بالنزاع العقاري، بينما أصدرت شخصيات شمالية من طرابلس والضنية والمنية مواقف مندّدة بالحادث داعية إلى انتظار نتائج التحقيق ورفض الانجرار الى أي فتنة، فيما استبق نائبا بشري ستريدا طوق جعجع ووليم طوق، بياناً للتهدئة وعدم إطلاق الرصاص في الجنازة التي يتمّ تنظيمها اليوم، والتنبيه لمخاطر الفتنة.
يفترض أن تستعيد الدورة السياسية بعض حراكها، من دون توقع اختراقات على المسار الرئاسي قبل عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي تشهد بلاده اضطرابات واسعة. وفي هذا الوقت الضائع عن عودة لودريان الى لبنان، بدأ الحديث في الأروقة السياسية أن باريس في حال فشلت مبادرتها سوف تتجه الى طرح ملف النظام مع الدول المعنية بلبنان، وسط معلومات تشير الى أن باريس تبدي استعدادها لدعوة الأفرقاء في لبنان الى حوار اقتناعاً منها ان لا مفر من جلوس القوى المتخاصمة مع بعضها من اجل التوصل الى توافق حول إنهاء الفراغ الرئاسي. وتعتبر اوساط مطلعة على الحراك الفرنسي لـ»البناء» ان لودريان لن يعود الى لبنان قبل النصف الثاني من تموز الحالي. وفي هذه الفترة الفاصلة يفترض ان يتظهر الموقف السعودي بشكل نهائي خاصة أنه عرضة لتأويل من كلا الفريقين في لبنان، وكل طرف يفسّره بما يناسبه.
وليس بعيداً، فإن مصادر سياسية في لبنان تشير لـ”البناء” الى اهمية الحوار، لكن الحوار المشروط بانتخاب رئيس للجمهورية وتسوية تتصل بالملف الحكومي وما يتصل بعمل المؤسسات والتعيينات والإصلاحات المطلوبة، اما ما عدا ذلك فلن يلقى آذاناً صاغية فأي حوار لضرب صيغة الطائف لا يمكن القبول به، مع تشديد المصادر الى ان خيار التعديل في صيغة النظام لا يلاقي قبولاً خارجياً في اشارة الى السعودية. وهذا ما ستأخذه فرنسا او سواها بعين الاعتبار.
وعبّر عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين الحاج حسن عن وجود استعصاء سياسيّ أمام انتخاب رئيس للجمهورية، وتمنى أن “تلقى دعوتنا للحوار آذاناً صاغية والعقل المنفتح، لأنه من دون حوار كيف نصل إلى هذا الانتخاب؟”.
إلى ذلك أرخت حادثة القرنة السوداء بظلّها على المشهد المحلي، حيث تشيّع بشري اليوم هيثم ومالك طوق، وسط حداد تام في بشري، بحسب ما أعلنت بلديتها. وأعلنت قيادة الجيش أنه إلحاقًا بالبيان السابق بتاريخ 1 / 7 / 2023 المتعلق بمقتل مواطنَين في منطقة القرنة السوداء، تدعو قيادة الجيش جميع اللبنانيين إلى التحلّي بالمسؤولية وضبط النفس والحرص على السلم الأهلي، وعدم الانجرار وراء الشائعات واستباق التحقيق.
كما تؤكد القيادة أن الوحدات العسكرية تواصل الانتشار وتنفيذ التدابير الأمنية في المنطقة، وأن الجيش يقوم بالتحقيق في الموضوع تحت إشراف المراجع القضائية المختصة، وذلك انطلاقًا من واجبه الوطني. وكانت استخبارت الجيش اللبناني أوقفت شبانًا من الضنية مشتبهاً بهم بحادثة القرنة السوداء، والتحقيقات جارية معهم. كما أفيد عن توقيف 5 أشخاص من بشرّي، وهم قيد التحقيق.
وباشرت قاضية التحقيق الأولى والنائبة العامة الاستئنافية في الشمال تحقيقاتهما وإجراءاتهما القضائية اللازمة.
وتشير مصادر مطلعة لـ”لبناء” الى أن ما حصل في بشري هو حادث فرديّ ولا يحمل أي تأويلات وليس وراءه اي خلفيات سياسية. وقالت المصادر إن حزب الله لا علاقة له لا من قريب او من بعيد بما حصل ببشري، وهو يعمل منذ لحظة وقوع الحادثة على تهدئة الأمور حفاظاً على الاستقرار. وهذا ما عمل عليه أيضاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري من خلال اتصالاته مع عدد من المسؤولين في المنطقة ودعوته الى التعاطي بحكمة مع الحادثة وعدم الانجرار وراء الشائعات وانتظار جلاء الحقيقة وحماية السلم الأهلي.
ولفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى “اننا نعوّل على الجيش في فرض الأمن لصالح الجميع، وعلى أهالي بشري في ضبط النّفس، ووضع الخلاف المزمن في منطقة قرنة السّوداء في عهدة القضاء”.
ودعا رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، إلى “التحلي بالحكمة قطعاً للطريق على أيّ فتنة”، مناشداً السلطات الأمنية والقضائية “العمل وبسرعة لكشف الحقيقة وإحقاق العدالة”.