كتبت صحيفة ” نداء الوطن ” تقول : صعدت الفتنة أمس الى أعلى مرتفعات لبنان والمنطقة، لكن دماء بشري كانت لها بالمرصاد فأحبطتها وافتدت السلم الأهلي. القنّاص الذي كَمَنَ مصوّباً سلاحه الى هيثم طوق أرداه في أرضه التي ارتوت بدمائه، وكادت الفتنة ان تمضي الى غايتها بعدما سقط مالك طوق في تداعيات الجريمة الأولى، إلا أنّ بشري كانت يقظة، وإذ أدركت أن “مخططاً كبيراً” انطلق من فوهة سلاح “القنّاص” المجهول حتى الآن، فإنها لجأت الى سلاح المواجهة بكل روية وحكمة.
كلّ المراجع داخل لبنان وخارجه التي تابعت وقائع القرنة السوداء منذ بدايتها، أدركت أن ما جرى هو حادث خطر بكل معنى الكلمة، واشتمّت رائحة فتنة مسيحية – سنيّة في هذه المنطقة من لبنان لا يمكن إشعالها إلا بالدماء كالتي نزفت من الشابيّن هيثم ومالك طوق. أما الذين يسألون عن فتنة، فتجيب المراجع بلا تردد، أنّ السلم الاهلي يتهدده المتربصون بلبنان من خلال ما يجري على صعيد الاستحقاق الرئاسي. ولمّا صار هؤلاء المتربصون في عنق الزجاجة، لم يجدوا سبيلاً للخلاص إلا في فتنة يشعلونها في أقاصي الشمال حيث لا شبهة مباشرة للمسؤولين عن التعطيل رئاسياً.
أدرك مخططو الفتنة أنّ أعلى قمم لبنان في حاجة الى “قناص” يصوّب سلاحه من مسافة كافية، كي تصل الرصاصات القاتلة الى جسد هيثم طوق. وجرى تنفيذ الجريمة بالرغم من وجود المنطقة العسكرية التي أنشأها الجيش اللبناني في مسرح النزاعات العقارية في تلك المرتفعات. والمعلوم أن القرنة السوداء ليست إستثناء في موضوع هذه النزاعات التي تنتشر أيضاً على امتداد لبنان، ولا سيما مرتفعاته. وهكذا مرّت الرصاصة أو الرصاصات الجانية في القرنة من دون “إذن مرور” في المنطقة العسكرية فسفكت دماء بريئة، وكانت غاية الفتنة ان تسيل دماء أخرى كي تحقق مبتغاها.
لم تتردّد بشري في الانحياز الى الجيش كحامٍ للسلم الاهلي في الشمال وسائر لبنان. لكن يبقى ان تنفتح كوة في جدار التحقيق في الفتنة المحبَطة كي تميط اللثام عن “القناص” وسلاحه ومشغّليه. وإذ سارع بعض وسائل إعلام الممانعة الى إسقاط فرضية “القنص” الذي أودى بحياة هيثم طوق، كشفت معطيات الطبيب الشرعي أنّ الرصاصة او الرصاصات الجانية أُطلقت من مسافة تتراوح ما بين 15 و30 متراً. ما ينفي نظرية القنص عن بعد، لكن هل هناك من يحدّد المسافة كي يكون القنص قنصاً؟
المعلومات عن توقيف مشتبه فيهم تؤخذ في الاعتبار، لكن على أمل أن لا يطول فصل “قبضنا على القتيل وفرّ القاتل”! ولا داعي لكل “الفبركات” التي تريد صنع “سيناريوات” كي تستثمر في حزن بشري، ومعها لبنان.
إنها ليست المرة الاولى، وبالتأكيد لن تكون الاخيرة التي يسعى الفتنويون الى تدبير فتنتهم في الشمال حيث قلب لبنان. فهم دبّروا مثلها سابقاً، لكنهم فشلوا في إستدراج من هم خارج العبث بالسلم الاهلي، في هذه المرحلة التاريخية، ونعني بهم المسيحيين والسنّة. وعلى الرغم من دفق “الاستثمارات” في الفتنة عبر موالين من هنا وتابعين من هناك، إلا أن المكوّنيْن المسيحي والسني في هذه المنطقة بالذات، كانا وما زالا عصيين على “المستثمرين” في قرنة سوداء ستثبت الأيام أنها أكثر بياضاً من سواد قلوب منظومة الفتنة.
ولعلّ ما صرّح به مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان خلال إتصالات المواساة والتهدئة التي أجراها أمس ما يضع إصبع التنبيه على الجرح النازف من محاولة الفتنة الجديدة، عندما دعا الى الحذر من وجود “طابور خامس يسعى الى تسعير الفتنة والإصطياد بالماء العكر”!