كتبت صحيفة “الديار”: حجم الحزن في بشري لا يضاهيه الا حجم القلق من دفن حقيقة ما جرى في القرنة السوداء، وحدها العدالة تشفي، وتساهم في خفض منسوب الغضب والتوتر. اما ابقاء الجرح نازفا دون اجوبة شافية، فيُبقي كل الابواب مشرّعة على فتنة قد تطل برأسها في اي مكان او زمان، لتنسف كل الجهود التي عملت على وأدها معظم القوى السياسية والروحية.
مخابرات الجيش بالتعاون مع اجهزة الامنية والقضائية المعنية تعمل على كشف الملابسات، مع وعد بسرعة انجازها وشفافيتها بعد اكتمال خيوطها، حيث تجري عملية تقاطع للمعلومات ميدانيا واستعلاميا، ومطابقتها مع الوقائع المستقاة من الموقفين عقب الحادثة. واذا كان الجميع يجزم انه تحت سقف القانون، الا ان الخوف يبقى ان يتخاذل القضاء مرة جديدة، كما حذر البطريرك بشارة الراعي بالامس خلال تشييع هيثم ومالك طوق، حيث اعتبر ان ما جرى ليس مجرد حادثة!…
في هذا الوقت، الجمود الرئاسي على حاله داخليا، في ظل انكفاء القوى السياسية عن المبادرة لتحريك المياه الراكدة، بانتظار زيارة المبعوث الفرنسي الرئاسي جان ايف لودريان التي ستتحول الى مجرد زيارات مكوكية لتمرير الوقت، في ظل معلومات عن وجود رغبة فرنسية لدعم حوار لبناني يبدو متعذرا.
جنوبا، التوتر يتصاعد بفعل محاولات «اسرائيلية» لتكبير حجم ملف «الخيمتين» في مزارع شبعا، يضاف اليها قيامه بالامس بعدوان واسع ودموي على مخيم جنين في الضفة الغربية، اعلنت على اثرها قيادة الجيش «الاسرائيلي» نشر القبة الحديدية، تأهّبا لأي رد من غزة ولبنان، كما أعلن وزير الحرب يوآف غالنت أن الجيش الاسرائيلي مستعد لأي سيناريو على جميع الجبهات.
التحقيقات مستمرة
في هذا الوقت، وفيما عقد مجلس الامن الفرعي في الشمال اجتماعا بحث خلاله التطورات، لم تكتمل بعد الصورة الكاملة لما جرى في القرنة السوداء، وقد زار فريق من المحققين بالامس المنطقة، واجرى معاينة ميدانية لمطابقتها مع المعلومات المستقاة من الشهود والموقوفين، الذين ارتفع عددهم عند الجيش الى 28 ، بعد ان جرى توقيف 6 في الجرود من قبل المغاوير امس، وتمت مصادرة اسلحة فردية معهم. ولا تزال التحقيقات مفتوحة حتى الساعة على كل الاحتمالات، دون حصرها بخلفية واحدة. وقد جددت المصادر الامنية والعسكرية التأكيد ان التحقيقات تتم بشفافية، وهي قد تعلن في غضون ايام فور اكتمال مجمل خيوط ما حصل، داعية الى وقف التحليلات والاستنتاجات غير الدقيقة وغير الموثقة باي دلائل وترك الامور لمجريات التحقيق.
قضائيا، استدعت قاضية التحقيق الاول في الشمال سمرندا نصار، التي تتولى التحقيق شخصياً في حادثة القرنة السوداء، المدير الطبي لمستشفى بشرّي الحكومي الدكتور ابراهيم مقدسي، للتحقيق معه اليوم على خلفيّة التصريح الذي أدلى به يوم الأحد عن كيفية اصابة القتيلين، والذي يُعتبر خرقاً لسرية التحقيق وقد يرقى الى مستوى تضليله؟
الراعي قلق
في اجواء من الحزن والحداد، شيعت بشري الشابين هيثم ومالك طوق وسط اقفال للمحلات التجارية والمؤسسات السياحية، في كنيسة السيدة في البلدة. وفي محاولة لتنفيس الاحتقان السائد، بدا لافتا اعلان رئيس بلدية بقاعصفرين ـ الضنية بلال زود الحداد عن روح الفقيدين في بلدة بقاعصفرين، وإغلاق المؤسسات الرسمية فيها، وتنكيس الأعلام على مبنى البلدية. ودعا البطريرك الماروني مار بشارة الراعي «لترسيم الحدود في منطقة القرنة السوداء وإنهاء الفتنة»، كما دعا «لكشف الفاعل أو الفاعلين في جريمة قتل هيثم ومالك طوق والاقتصاص منهم»، ولفت الراعي خلال ترؤس الجناز في كنيسة السيدة في بشرّي الى اننا «نؤمن بالدولة ونعرف حدودنا ونعرف القاتل وهذه ليست مجرد حادثة». واوضح ان «شباب بشري يعلنون دائما استعدادهم للحل، ونحن جميعا تحت سلطة القانون العادل». وشدد على أنّه «لو قام القضاء بعمله لما كنا وصلنا اليوم إلى مأساة القرنة السوداء»، مشيراً إلى أنّ «الخوف أن يستمرّ القضاء بتخاذله فيفلت المجرمون من يد العدالة وسيشرّع ذلك الأبواب لشريعة الغاب». وأضاف في العظة «نطالب بالعدالة في ترسيم الحدود وإنهاء هذه المسألة الشائكة وبقيام الدولة، ولطالما دافعنا عن أرضنا وقدّمنا الشهداء، ونحن من قاومنا كلّ محتلّ، ونريد دولة تبسط سلطتها بشكل كامل وشامل».
مواقف ومحاولات تهدئة
اما النائب وليم طوق فقد اكد في مراسم الدفن «ان بشري لم تتعوّد بتاريخها الغدر تماماَ، كما لم نتعوّد نحن أن نغدر أحداً، ودماؤهما باتت الخط الأحمر لرسم حدود أرضنا التاريخية». وقال «لمن لا يعرفنا بعد نحن لا نفرّط بدم شهدائنا، ولا نساوم على أرضنا وكرامة أهلنا، و«ما تغلطوا» لأن دعوتنا لضبط النفس لا تعني أبداً التساهل، وقرارنا واضح أننا لن نرضى بأقل من توقيف مَن غدر بشهدائنا وحرّض على هذه الجريمة». وكانت النائبة ستريدا جعجع قد اكدت التمسك بالسلم الأهلي والحرص على القانون، وقالت «يهمّنا معرفة الحقيقة وتسليم المجرمين بأسرع وقت». فيما صدر عن «رابطة آل طوق» بيان طالبت فيه قيادة الجيش والقضاء المختص «بكشف ملابسات القضيّة بأقرب فرصة لمعرفة من قتل الشهيدين كي ينال جزاءه المستحق، لأنّه لا نصرة للمظلوم إلّا باحقاق الحق وصون العدالة»، وحذّرت من أن «تقرع في الغد أجراس النفير»!
وأسف «إتحاد بلديات الضنية»، في بيان، «للحادث المشؤوم الذي حصل في منطقة القرنة السوداء، وتوجه بالتعزية الى أهالي بشري وأهل الضحايا. وقال «لن ندخل في تفاصيل هذا الحادث وما هو السبب ومن هو المسبب، لأننا نعتبر أن تدخل الجيش قد أنهى الموضوع، وأيا كان المسبب يجب أن ينال جزاءه وعقابه، وإننا نرفض بشدة أن يقول البعض إن هناك مشكلة بين أهل بشري والضنية، خصوصا أن الوضع لم يعد يحتمل هذا النوع من الكلام، ويجب معرفة الفاعل وإعلان الحقيقة للناس مهما كانت، كما نتمنى على كل السياسيين أن يسحبوا هذا الموضوع من البازار السياسي، لأن لبنان لم يعد يحتمل أكثر من ذلك».
لودريان وتمرير الوقت؟!
رئاسيا، وفي ظل الانقطاع التام للتواصل الداخلي بين القوى السياسية «المتقاطعة» والفريق المؤيد لترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، علمت «الديار» ان مصدرا ديبلوماسيا فرنسيا اكد لمن راجعه، ان زيارة المبعوث الفرنسي الرئاسي جان ايف لودريان الى بيروت لا تزال في موعدها المقرر بعد منتصف الجاري، وقال انه لا تأثيرات مباشرة لاحداث الشغب في المدن الفرنسية على استمرار الاهتمام الفرنسي بالازمة اللبنانية. ووفقا لتلك الاوساط، يفترض ان يسلم لودريان تقريره نهاية الاسبوع الجاري الى الرئاسة الفرنسة والخارجية، لكن حتى الآن لم تتبلور لدى باريس اي صيغة نهائية لطبيعة الخطوة التالية، خصوصا ان حجم التعقيدات الداخلية لا يوازيه خارجيا اهتمام يمكن ان يفكك تلك العقد.
ولهذا من المرجح الا يحمل لودريان معه اي اقتراح جديد، وهو لن يسوق ايضا لمقترح صفقة «السلة» الذي لم يتخل عنه الفرنسيون بعد، وانما سيحمل معه استعدادا من قبل الرئاسة الفرنسية لرعاية حوار داخلي غير محدد في الشكل، ويترك للبنانيين الاتفاق على صيغته، اما المضمون فيختصر بملف الرئاسة والحكومة والاصلاحات، دون مقاربة اي تعديل للنظام السياسي الذي يحتاج الى طاولة دولية واقليمية مستديرة، ظروف انعقادها غير متاحة في الوقت الراهن.
ووفقا لمصادر سياسية مطلعة، فان صدقت تلك المعلومات، فان امد الفراغ سيتمدد الى «ما شاء الله»، وسيعود لودريان ويغادر مرارا وتكرارا دون تحقيق اي تقدم يذكر، لان اقناع القوى السياسية بالجلوس الى طاولة حوارية دونه عقبات كبيرة، وباريس لا تملك «العصا الغليظة» كي تجبر المعترضين على العدول عن رفض فكرة الحوار. ولهذا يمكن القول ان مبادرة لودريان ستتحول الى مجرد زيارات «تقطيع للوقت»، ريثما يحدث متغير دولي او اقليمي يقلب صورة المشهد «راسا على عقب»!
تهويل اسرائيلي
ميدانيا، اعلنت قيادة الجيش الاسرائيلي استنفارها على الحدود الشمالية تحسبا لاي تطورات عسكرية، لكنها عمدت في المقابل الا تسمي العدوان على مخيم جنين بالعملية العسكرية وانما بالنشاط، لتجنب الضغوط السياسية الدولية، ونقل رسالة لغزة ولحزب الله على نحو خاص، بان العملية ليست موجهة ضدهم، ولانها لا تريد مواجهة تمتد إلى ساحات أخرى تحرص على ابقائهم خارج الصورة، بحسب صحيفة «يديعوت احرنوت»، لكن حدة التوتر والارباك ارتفعت جنوبا مع اصرار قوات الاحتلال على تضخيم مسألة «الخيمتين» في مزارع شبعا، وسط تهويل من قبل الجيش الاسرائيلي الذي يهدد بتحرك عسكري، يخشاه ويحاول تجنبه بتوصية سياسية خشية الانزلاق في «الوحول» اللبنانية.
ازالة خيمة؟
وفي هذا السياق، وفيما يلتزم حزب الله «الصمت» المطبق حيال ما يجري، اعلن مصدر عسكري اسرائيلي امس، ان الحزب ازال احدى الخيم جنوب الخط الازرق، وتوقع ان تتم ازالة الخيمة الاخرى قريبا. ووفقا لموقع «واللا» العبري، فان مقاتلين من الحزب تجمعوا في خيمة واحدة، ولفتت الى ان توقعات الجيش الاسرائيلي تشير الى تحريك مرتقب للخيمة الثانية، ولفت الى ان حزب الله لا يريد اي مواجهة.
توصية بعمل عسكري
وكانت «إسرائيل» حذرت في رسالة ديبلوماسيّة من خلال الأمم المتحدة، من أنّها ستستخدم القوة العسكرية لإخلاء الموقعيْن. وفي هذا السياق، أكّدت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الامن القوميّ، التابِع لجامعة «تل أبيب»، ان حزب الله نجح في زيادة الوعي، ولفتت الى ان خطوة الحزب تعكِس زيادة جرأته وثقته بنفسه وقوّته واستفزازاته وتحرشاته، واستعداده لتحمّل المخاطر في مواجهة «إسرائيل»، بما في ذلك خوض حربٍ على الجبهة الشماليّة. وشدّدّت الدراسة، على أنّه يتحتّم على «اسرائيل» العمل بكلّ الطرق، بما في ذلك العسكريّة، بهدف إزالة الخيمتيْن، لافتةً إلى أنّه يجب أولاً استنفاد السبل الدبلوماسيّة من أجل حلّ هذا الإشكال، ولكن على صُنّاع القرار في تل أبيب أنْ يحددوا فترةً زمنيّةً لهذا النشاط الدبلوماسيّ، لافتةً إلى أنّه إذا لم تُجدِ المساعي الدبلوماسيّة، فعندئذ يجِب اللجوء إلى الخيار العسكريّ، وبكلّ القوّة التي تتمتّع بها «إسرائيل». وخلصت الدراسة الى أنّ ارتفاع الأعمال الاستفزازيّة من قبل حزب الله يدخل في إطار مساعيه لتحسين موقعه في ميزان الردع القائم منذ حرب لبنان الثانية في صيف العام 2006، واعترفت الدراسة بأنّ هذه الفترة هي الحقبة التي نشهد فيها تآكل قوّة الردع الإسرائيليّة مُقابل حزب الله، وهذا العامل خطر جدا من الناحية الاستراتيجيّة.
ترقب لاستراتيجية منصوري؟
في الملف النقدي والمالي، يسود الترقب على اكثر من مستوى في ظل الضبابية التي ستحكم تعامل نائب الحاكم الاول وسيم منصوري مع منصب الحاكمية، الذي سيؤول اليه بعد مغادرة رياض سلامة نهاية الجاري، خصوصا في ظل وجود شكوك حول كيفية تعامله مع المقاربات التي انتهجها الحاكم الحالي، خصوصا منظومة التعاميم الاستثنائية لتنظيم العمليات المصرفية والسحوبات من الودائع خصوصا مصير منصة صيرفة. وفي غياب اي توضيحات من الجهات المعنية، عززت عودة منصوري من زيارته إلى واشنطن فرص توليه المنصب. ووفقا للمعلومات، التقى هناك مسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية ومكتب مكافحة تبييض الأموال وآخرين معنيين بملف القطاع المصرفي في لبنان، ويمكن الجزم انه نجح في تجاوز اي «فيتو» اميركي على توليه مهام الحاكم، بعد الاتفاق على التنسيق مع الجهات الأميركية المعنية في ما يتعلق بإدارة القطاع المصرفي والوضعين المالي والنقدي.
وفي هذا السياق، لم تنجح محاولات رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في اقناع «الثنائي» بتوسيع صلاحيات الحكومة لتشمل التعيينات، بما فيها تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، والمجلس العسكري. ولذلك ابلغ ميقاتي عددا من الوزراء انه سيدعو الى جلسة قريبا لمناقشة الموازنة العامة، دون ان يقارب ملف التعيينات او محاولة الحصول على صلاحيات استثنائية، ولهذا فان تسلّم منصوري مهام الحاكمية، بات تحصيلا حاصلا برأي اوساط مطلعة بعد حصوله على الضوء «الاخضر» الاميركي، لكن تبقى مسألة مقاربته للتعاميم الحالية محط انظار كل المعنيين بالشأن النقدي والمالي، لانها ستترك آثارا مباشرة على مجمل القطاعات.
معالجة الـ«عجقة» في المطار
في هذا الوقت، وفيما يشهد مطار بيروت الدولي زحمة وإقبالاً من السيّاح والمغتربين «بأعداد لم يشهدها منذ العام 2018» وفق ما أعلن وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، عُقد في المطار اجتماع «تقييمي» للخدمات فيه ترأسه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وفي هذا السياق، أوضح حميّة أنّ عدد المغادرين أمس الاول وصل «إلى نحو 17 ألف راكب، أما عدد الواصلين فيناهز أحياناً نحو 21 ألف راكب، وبتنا نتكلّم الآن عن نحو 36 ألف راكب كمعدّل وسطي في اليوم».
ولفت حميّة إلى أنّه تمّت دراسة الأمور «من محطة الوصول حيث اتخذ الأمن العام قرارا بفرز 12 عنصراً للإرشاد والتوجيه، قبل التدقيق في جوازات السفر من أجل أن تسير العملية بشكل منظّم توفيراً للوقت، ومن أجل التسريع بالتدقيق في جوازات السفر، وحتى لا تستغرق هذه العملية أكثر من ثلث إلى نصف ساعة». وفي ما يتعلّق بالجمارك، لفت إلى أنّه «تمّ التواصل من قبل رئيس الحكومة مع المدير العام للجمارك وهناك اتفاق على إيجاد مسربين لتخفيف الزحمة». وبالنسبة إلى التفتيش، أكد أنّ «هناك 7 أجهزة سكانر تعمل وسنقوم بصيانة الأجهزة الأخرى ليرتفع العدد إلى 9».
وعن تكييف المطار، قال حميّة: «اتخذنا إجراءات احترازية وتمّ تأمين مولّد إضافي لعمل المكيفات». وعن عدم تخصيص أموال إضافية للموظفين في المطار من أجل حسن سير العمل، قال حميّة إنّ «إيرادات المطار تناهز نحو 250 مليون دولار «كاش»، ولكن نحن إدارة عامة، وكلّ الإيرادات يتمّ تحويلها إلى الخزينة العامة وتنفق الأموال على سد عجز الموازنة، ورواتب القطاع العام والمتقاعدين والعسكريين والمدنيين والإدارة عامة، وجزء منها يذهب لكهرباء لبنان».