كتبت صحيفة “الأخبار”: عقد أمس وزير الاتصالات جوني القرم مؤتمراً صحافياً، حاول فيه تبرير زيادة تعرفة الاتصالات في القطاع الثابت. لكن ما قاله، لا ينطوي فقط على كثير من المواربة في تقديم المسألة باعتبار الزيادة تستهدف ردم هوّة الكلفة، فضلاً عن أن هدفها كسر الاحتكار، إنما هو أخفى حقيقة يتضمّنها مشروع مرسوم الزيادة تتمثّل في أن أسعار خدمات الإنترنت للعموم عبر وزارة الاتصالات – أوجيرو، ستزداد سبعة أضعاف، بينما أسعار تأجير السعات الدولية لشركات القطاع الخاص ستزداد 5.5 أضعاف فقط. لذا، هو لا يحابي فقط القطاع الخاص الآتي منه، بل يمنحه بكل فئاته من شركات نظامية وغير نظامية، قدرة تنافسية هائلة لتعزيز الأرباح من جيوب المستهلكين، وعلى حساب الإيرادات العامة أيضاً. محاولة الترويج هذه تندرج في إطار زيادة تركيز الاحتكار، لا كسره، وهو الأمر الذي سيحصل بعدما جُمع موزّعو الأحياء بيد شركات القطاع الخاص، وهذه الأخيرة حصلت في الوقت نفسه على أسعار تفاضلية تتيح لها منافسة أوجيرو وزيادة أرباحها.
في مؤتمره الصحافي بعنوان «تعديل التعرفة وقطاع الإنترنت عبر الشبكات غير المرخّصة»، رفض القرم ما وصفه بأنها «مزايدة في حرصي على جيبة المواطن الذي أشعر بمعاناته»، مشيراً إلى أن مقاربة تعديل التعرفة استندت إلى كلفة التشغيل لتأسيس المدخول. وقال إن «زيادة التعرفة إلى 7 ملايين ليرة هو كلام يدور فقط حول خدمات لشركات كبيرة وليس للاستخدام المنزلي كما يشاع إعلامياً»، لافتاً إلى وجود 280 ألف شخص مشتركين بخدمة أوجيرو و60% منهم مشتركون بخدمتين: الأولى، بحجم 80 غيغابايت وكلفتها بالتسعيرة الجديدة 420 ألف ليرة. والثانية بحجم 100 غيغابايت وكلفتها بالتسعيرة الجديدة 630 ألف ليرة «علماً أن 12 مشتركاً فقط يستخدمون خدمة 2terra 300MBs التي سيصبح سعرها 6 ملايين و300 ألف ليرة لبنانية، و1.5terra 300MBS بنحو 5 ملايين و250 ألف ليرة».
في الواقع، ركّز الوزير على التسعيرة الجديدة من دون ذكر التسعيرة القديمة، مشيراً إلى أن الجزء الأكبر من المشتركين لديهم خدمة 80 غيغابايت و100 غيغابايت. بالفعل، كانت تسعيرة الباقة الصغرى، أي 80 غيغابايت، محدّدة في المرسوم السابق الرقم 9458، بنحو 60 ألف ليرة ولكنها حُدّدت في مشروع المرسوم الجديد للتعرفة بنحو 420 ألف ليرة، أما الباقة التي تليها فكانت محدّدة بنحو 90 ألف ليرة وستصبح 630 ألف ليرة. وهذه الزيادة تنسحب على سائر الباقات، إلا أنه من اللافت أن هناك باقات ازداد سعرها للمشتركين بنسب كبرى، مثل الباقة القصوى غير المحدودة التي كانت 700 ألف ليرة، وستصبح 7 ملايين ليرة، أي عشرة أضعاف.
في هذا السياق، لم يظهر الوزير حرصاً على جيبة المواطن بمقدار حرصه الخَفي على أرباح الشركات. فهو لم يذكر، بأي شكل من الأشكال أنه منح كل الشركات، النظامية وغير الشرعية، أفضلية التسعير على القطاع العام، لا بل أعطاها قدرات تنافسية لتتغوّل أكثر في توحشها. فالمرسوم 9458 حدّد في الفقرة الثالثة من المادة الحادية عشرة في القسم الثالث «رسوم الخطوط التأجيرية الدولية المخصّصة لخدمة الإنترنت ومزوّدي خدمات الإنترنت» على النحو الآتي: رسم تكوين ملف وكشف على التجهيزات الانتهائية لدى المستأجر: 2,000,000 ليرة لبنانية، ورسم شهري يُطبّق على كل خطّ بسرعة 2Mbps بنحو 475,000 ليرة. أما في مشروع مرسوم زيادة التعرفة، فقد أتت هذه الرسوم ضمن الفقرة الثالثة من المادة التاسعة في القسم الثالث لتنصّ على أن رسوم تكوين الملف والكشف صارت 10,000,000 ليرة، والرسم الشهري 2,600,000 ليرة.
باختصار، تضاعفت الرسوم على الشركات 5.5 مرّات فقط، مقارنة مع سبعة أضعاف ما زيد على مشتركي أوجيرو. وهذه المحاباة، إن لم يكن التواطؤ، واضحة في الكثير من الرسوم الأخرى المحدّدة على القطاع الخاص مثل حقّ المرور والربط على شبكة الألياف البصرية الذي ارتفع من 60 ألف ليرة إلى 200 ألف ليرة فقط، أي 3 أضعاف فقط. أما الرسوم على استعمال شعيرات الألياف البصرية فقد ارتفعت من 125 ليرة إلى 325 ليرة فقط… كل ما يتعلق بالقطاع الخاص والشركات لم يزد بنفس نسبة الزيادة التي ألقيت على كاهل المشتركين على شبكة القطاع العام التي تديرها أوجيرو لحساب وزارة الاتصالات.
رغم ذلك، يحاول القرم تسويق مسألة الزيادة باعتبارها ضرورة «عادلة»، إذ أجرى مقارنة مع تعديل تعرفة الخلوي التي خفضت السعر إلى الثلث على أساس «صيرفة»، «أما اليوم وفي ما خصّ القطاع الثابت، ورغم التعديل الذي لحق بالتعرفة فيه، فإن السعر وإن سيتم تعديله مرّة ثانية إلا أنه لا يزال يشكل فقط 25% أو 27% من السعر الأساسي في عام 2018، وعليه حاولنا قدر الإمكان أن نراعي القدرة الشرائية للمواطن… إن الزيادة الأولى التي قامت بها الوزارة كانت على سعر دولار 3700 ليرة، واليوم مع زيادة 7 أضعاف فإننا نتكلم عن سعر 25000 ليرة، والذي هو توازياً أقل بـ 74% عن عام 2018».
ولا يكتفي القرم بهذا الأمر، بل يجعل مسألة زيادة التعرفة منطلقاً له للحديث عن الإنترنت على الشبكة غير الشرعية. وقال إن المرسوم 9458 لحظ في القسم الرابع منه معالجة الشبكات المنشأة من دون ترخيص وضبطها ووضعها في تصرف الوزارة إلى حين اتخاذ القرار المناسب من قبل القضاء المختص على أن تعمل وزارة الاتصالات على تأمين الخدمة، وأجاز لوزير الاتصالات التعاقد لصيانة الشبكات وتنظيم محاضر ضبط. ولفت إلى أن تطبيق المرسوم يوقف الاحتكار، ولا سيما احتكار الشركات الخاصة ISPs ويتيح لموزّع الحيّ إمكانية صيانة الشبكة، ويعطي الـ ISPs إمكانية تزويد خدماتها جميع الشبكات المضبوطة بالإضافة إلى هيئة أوجيرو، وبالتالي ضمان منافسة عادلة والعمل ضمن القانون، ويعطي الـ DSPs فرص استثمار وصيانة للشركات المرخّصة، لتشغيل شبكة نقل معلومات على الشبكات المضبوطة بالاتفاق مع المشغّلين الحاليين عبر وزارة الاتصالات، ويزيد إيرادات الدولة وقيمة القطاع.
إذاً، يروّج الوزير أيضاً أنه يسعى لكسر الاحتكار عبر تطبيق المرسوم لجهة ما يتصل فيه من الإنترنت غير الشرعي. لكنّ المشكلة أنه لم يصدر عن الوزير آلية لتطبيق المرسوم ولا خطوات واضحة عن كسر الاحتكار عبر ضرب الشبكات غير الشرعية. فالواقع الحالي، هو أن أوجيرو بدأت بقطع خطوط الشبكات تطبيقاً للمرسوم، وهو ما أطلق سلسلة ردود فعل عنيفة من الموزّعين والنافذين المرتبطين بهم وبدأوا يمارسون الضغوط على وزارة الاتصالات لكبح أوجيرو عن مهمة قطع الخطوط غير الشرعية التي يمتدّ بعضها بين مدن بعيدة جغرافياً ولديها خطوط رديفة قيد الخدمة أيضاً. وبموازاة ذلك، تبيّن أن موزّعي الأحياء الذين انضووا ضمن الشركات المرخّصة بتوجيه من مستشاري الوزير، صرّحوا حتى الآن عن 600 ألف مشترك (تصريح بالجملة)، ولم يدفعوا أي قرش عن كل هؤلاء المشتركين ولم يصرحوا عن هوياتهم ونوعية الخدمات التي تُقدّم عبرهم…
زيادة اعتباطية
في المناقشات الجارية بين وزارة المال وهيئة أوجيرو حول موازنة العام المقبل، تبيّن أن الوزارة ترفض أن تمنح الهيئة الاعتمادات التي تطلبها. الهيئة تريد 7000 مليار ليرة لتغطية الأكلاف، بينما الوزارة تقول إنه لا يمكنها أن تمنح الهيئة أكثر من 2600 مليار ليرة، أي 37% مما تطلبه. وهذا يعني أن تعديل التعرفة أصبح اعتباطياً حتى على مقياس الوزير جوني القرم الذي يروّج أن الهدف هو تغطية الكلفة. التعديل في التعرفة المطروح حالياً، لا يستند الى رؤية تطويرية لمستوى الخدمات التي يشكو منها اللبنانيون بل يهدر موارد الدولة ويستعيد العقل الذي كان يحكم قطاع الاتصالات سابقاً، أي عقل الجباية للخزينة. فما أراد الوزير تقديمه في مؤتمره الصحافي، هو أن الحصول على خدمة الاتصالات له مسار وحيد مرتبط بزيادة التعرفة لتغذية القطاع وتأمين استمراريته في تلبية الخدمات للمشتركين، إلا أنه لا يفسّر النقص الكبير في تمويل الذراع التنفيذية لوزارة الاتصالات أي أوجيرو.