كتبت صحيفة “النهار”: مع ان زحمة الملفات المفتوحة لم تحجب استمرار ترددات حادث القرنة السوداء في واجهة المشهد الداخلي، عادت المواقف والتحركات وما امكن توافره من معطيات متصلة بالازمة الرئاسية لتطرح مجددا في ظل عدم تبلغ أي جهة لبنانية معطيات جدية وثابتة بعد عن الخطوات التالية التي ستقررها باريس للموفد الرئاسي الفرنسي الى لبنان جان ايف لودريان في مهمته “شبه المستحيلة”. وإذ يبدو واضحا ان أي تطور داخلي سيكون مستبعدا في ظل حالة الانتظار الأقرب الى إجازة صيفية طويلة التي تسود الواقع السياسي والنيابي حاليا، برزت في الساعات الأخيرة معالم معطيات تشير الى ترجيح تأخير عودة لودريان الى بيروت في الشهر الحالي.
وفي هذا السياق نقل مراسل “النهار” في باريس سمير تويني عن مصدر ديبلوماسي ان الاشارات الداخلية والخارجية تفيد ان شهري تموز وآب لن يوفرا الحل للشغور الرئاسي. وسيطول الانتظار الى اشهر عدة اخرى في حال عدم التوافق داخليا من خلال ضغط خارجي على انتخاب رئيس. وتعترض مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي بعض العوائق التي لا تسهل مهمته فيما الدول الخمس ضمن المجموعة الخماسية غير مستعدة للدخول في بحث عن تسوية جديدة تطيح باتفاق الطائف.
ويشير المصدر الى ان جولة جان ايف لودريان على الاطراف اللبنانية السياسية والدينية والعسكرية كان يمكن ان تعطي جرعة امل واحداث خرق في الانسداد الرئاسي، لكنها ادت الى فضح المستور فظهرت التباينات العميقة بين اللاعبين على الساحة الداخلية، واستمرار هذا التحدي يمكن ان يهدد الوضع الامني. ولاحظ ان التواصل الداخلي مقطوع بين اللاعبين على الملعب السياسي فكل فريق متمسك بمواقفه حتى التشدد وحظوظ قيام حوار للتوافق على مرشح لرئاسة الجمهورية لا يشكل استفزازا وتحديا لاي طرف معدومة. ووفق هذه المعطيات فان لودريان يعمل بجهد على خطته الانقاذية، لكنه يواجه العديد من المطبات والمعوقات التي يريد تذليلها وهي تؤخر عودته الى لبنان خلال شهر تموز الجاري. فعرضها يحتاج الى مقاربة حثيثة للوضع اللبناني ومحاولة لاحتوائه .
الدعوات للحوار
ووسط ترقب ما ستؤول اليه مهمة لودريان في خطوتها التالية، لم تجد الدعوات للحوار التي يدأب “حزب الله” على اطلاقها في اكتساب الصدقية اللازمة لفتح مسالك التعامل معها كمنطلق للحل. وفي هذا السياق اعتبرت امس كتلة “الجمهورية القوية” ان “أيّ دعوة إلى الحوار حول الملفّات الأساسيّة واستطرادًا أيّ تلبية لهذه الدعوة، هو فعل تنصّل علني من المؤسسات ودورها من جهة، وتحديدًا مجلس النواب المُناط به انتخاب الرئيس، كما هو أيضًا تنصل علني من وثيقة الوفاق الوطني من جهة أخرى، في حين أنّ الحلول للمسائل الخلافية التي اتّفق عليها كل اللبنانيّين، ومن بينها السلاح والقرار السيادي منصوص عنها بشكل واضح في اتفاق الطائف”. وأكدت “أنّ التذرّع بالذّهاب إلى الحوار لطرح الملفّات الرئيسيّة الخلافيّة بغية الوصول إلى حلول مشتركة هو عمليّة غش موصوفة، باعتبار أن الحوار بين اللبنانيّين حول الملفات الكبرى، من الأمن وسواه قد تمّ، في مدينة الطائف بعد انتهاء الحرب، وأنتج وثيقة الوفاق الوطني، وبالتالي خُلاصة هذا الحوار هي “اتفاق الطائف”. وشددت على إلتزام “القوّات اللبنانيّة” وثيقة الوفاق الوطني والمؤسسات الدستورية، مشيرة الى ان “مواجهة التعطيل واستنباط الحلول للأزمات، لا يكون من خلال جلسات غير دستورية تحت مُسمّى “الحوار” بل في المؤسّسات الدستورية وعبر الآليات القانونية التي تترجم بدورات انتخابية مفتوحة تفضي إلى انتخاب الرئيس العتيد”.
بدوره استهجن المكتب السياسي لحزب الكتائب “تراجع ملف الانتخابات الرئاسية الى خلفية المشهد السياسي في ما يشبه الاستسلام لأمر واقع يحاول حزب الله إرساءه لفرض معادلته: إما رئيس يرضخ لإملاءاته أو لا رئيس”. وحذر من “السقوط في فخ التطبيع مع الفراغ الذي يشلّ مجلس النواب ويكبّل الحكومة ويطيح بما تبقى من دولة فتخلو الساحة أمام حزب الله لإتمام مخططه الانقلابي الذي ينفذه تدريجياً عبر إرساء معادلات جديدة وسوابق خطيرة تبقي لبنان ورقة في قبضته يناور بها على طاولة المناقشات الخارجية والصراعات الإقليمية”.وشدد على أن “الاستسلام لهذا الواقع سيقضي على لبنان ويقود إلى تغيير وجهه وأن مواجهة هذا المخطط تبقى أولوية لا تعلو فوقها أولوية”، مطالبا “بالرجوع الى الدستور والعملية الديمقراطية فقط والامتثال الى نتائجها دون ابتداع طاولات مبتورة وحوارات عقيمة”.
وفي المقابل شددت قيادتا حركة “امل” و”حزب الله” في بيان مشترك “للمرّة الألف على أن بداية الخروج من الفراغ الرئاسي والمأزق السياسي الذي يتخبط فيه لبنان هو الحوار الصادق والمعمق، وهذا ما طرحه الثنائي الوطني قبل أكثر من سنة كما أن أي جهد لا يصب في هذا السبيل هو هدر للوقت وتعميق للازمة، يجب الاقلاع عنه لأنه يفاقم التداعيات السلبية لبقاء الفراغ المدمر للبلد”.
وحضرت تداعيات الفراغ الرئاسي في كلمة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي امس في الموتمر الاقتصادي الاغترابي الثالث اذ اعتبر أنّ “الحكومة تكاد تكون المؤسسة الدستورية شبه الوحيدة التي لا تزال تؤمن الاستمرارية بفعل استمرار التعطيل.”وأشار إلى انّ “قدرنا أن نصبر على الإفتراءات وبات ضروريًّا وضع النقاط على الحروف منعاً للتمادي في التضليل والحكومة ليست مسؤولة عن الفراغ الرئاسي وليست من يمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية”. وقال “لم ولن تتقاعس حكومتنا عن القيام بعملها وما فعلناه حتى الآن لا يلبّي طموحات اللبنانيين ولا نزال نعمل رغم الإمكانات المتاحة على التخفيف من وطأة الأزمات”. وأضاف “مخطئ من يعتقد أنّه يمكنه ممارسة الوصاية على عمل الحكومة ونحن في الحكومة نراعي الواقع الموجود في البلد ونتفهّم أنّ الناس ملّت السجالات ولكنّنا لن نقبل بوصاية أو هيمنة علينا”. وتوجّه ميقاتي إلى المعترضين قائلًا “إنتخبوا رئيساً جديداً للجمهورية بأسرع وقت ممكن فتنتفي كلّ الإشكالات المفتعلة وارحموا الناس وأوقفوا السجالات التي لا طائل لها”.
التحقيق ورد قضائي
اما في ملف حادث القرنة السوداء فتبين ان الكلمة الحادة التي القاها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في جناز ضحيتي بشري هيثم ومالك طوق قد أحدثت ترددات قوية ومكتومة في اتجاهات عدة تكثفت معها الاتصالات والمساعي لاستعجال التحقيق الجاري في الحادث كما للقيام بخطوات استثنائية على طريق انهاء ملفات الترسيم العقاري والمائي بين مناطق تشهد مشكلات مزمنة. ومعلوم ان البطريرك الراعي وجه انتقادات لاذعة الى القضاء كما اثار تساؤلات واسعة لدى إعلانه “اننا نعرف القاتل” وطالب بترسيم الحدود بين قضائي بشري والضنية .
وفي هذا السياق سارع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الى الاعلان عن تشكيل لجنة لدرس مسألة النزاعات بين الحدود العقارية والنزاعات على المياه في أكثر من منطقة عقارية برئاسة وزير الداخلية وتضم ممثلين عن وزارات المال والطاقة والمياه والبيئة والعدل والزراعة وقيادة الجيش ومجلس الانماء والاعمار .
وفيما التحقيقات لجلاء ملابسات حادث القرنة السوداء وقد قارب عدد الموقوفين لدى الجيش الثلاثين شخصا من بقاعصفرين وبشري، بادر مجلس القضاء الأعلى الى اصدار بيان رد فيه على الانتقادات التي طاولت القضاء في هذه القضية ولفت الى “صدور قرارات قضائية عدّة عن قاضي الامور المستعجلة في بشري، والقاضي العقاري في محافظة لبنان الشمالي، تتعلّق بالمنطقة العقارية المتنازع عليها، جرى إبلاغها من الفرقاء ومن المراجع الرسمية، كما تمّ إنفاذها على أرض الواقع، بالإضافة إلى أنّه على أثر وقوع الجريمة المذكورة، بادرت قاضي التحقيق الأول في الشمال الى الانتقال الى مكان وقوع الجريمة، وذلك بهدف اجراء التحقيقات اللازمة، التي هي قيد المتابعة، توصّلاً الى معرفة الجناة وتحديد المسؤوليات وترتيبها.” ونفى تاليا “اي تلكؤٍ أو تخاذلٍ يُنسب الى القضاء والقضاة، الذين قاموا ويقومون بواجباتهم، بالرّغم من التطاول وكل الضغوط والتهديدات التي يتعرّضون لها”.