كتبت صحيفة “النهار”: في الأول من اب، عيد الجيش اللبناني، اضطر الجيش مساء امس الى الدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة الى منطقة صيدا ومحيط مخيم عين الحلوة في مؤشر واضح الى مدى الخطورة الذي بلغه الانفجار الأمني في المخيم. فقد تجاوزت جولات القتال والاشتباكات العنيفة الدائرة في مخيم عين الحلوة منذ اربعة أيام، كل التقديرات المحلية والفلسطينية نفسها، اذ رسمت معالم حرب تصفيات نفوذ وحسابات شرسة بين كبرى المنظمات الفلسطينية “فتح” والتنظيمات والجماعات الإسلامية المتشددة التي لم يعد خفيا ان بعض الجهات المتصلة بمحور “الممانعة” يدعمها ضمنا وربما عبر تورط ميداني. وحتى لو تنكرت الجهات اللبنانية الممانعة لاي تورط في هذه الحرب المستعرة والتي هددت محيط المخيم ومدينة صيدا وشلته عن الحركة لاربعة أيام متتالية، فان معالم التورط الإعلامي والسياسي بدت مكشوفة عبر تحميل فريق فلسطيني بعينه مسؤولية انفجار الوضع في حين ان أي جهة رسمية او سياسية لبنانية لا تبدو مالكة لكل المعطيات الدقيقة والموضوعية التي تقف وراء الامعان في تسعير وتصعيد القتال واسقاط كل مشاريع وقف النار واحلال تسوية تكفل وقف الاستنزاف الدموي المستمر. وتخوفت جهات امنية معنية برصد مجريات الاشتباكات والمعطيات الناطقة بالعجز عن ردع التصعيد الذي يظهره الانفجار ان يكون هناك مخطط يجري تنفيذه بدأب لاستنزاف القوى المتورطة في الاشتباكات لوقت غير قصير بعد، اذ أظهرت التطورات الميدانية ان “فتح” التي منيت بخسائر جسيمة لم تتمكن بعد من تسديد ضربة حاسمة للقوى الإسلامية فيما الأخيرة مارست مجتمعة اقصى قدراتها وتجمعاتها ولن تقوى على السيطرة وهزيمة “فتح” كما سعت اليها. ومع تواصل الاستنزاف هذا، تحول الجانب اللبناني بشقيه الرسمي الحكومي والأمني أي الدولة والسياسي أي المرجعيات والقوى التي تعتبر نفسها الأكثر التصاقا بالملف الفلسطيني وخصوصا في منطقة الجنوب، اقرب الى شهود على العجز التام عن أي عوامل للتأثير او السلطة او الثقل من شأنها ان تشكل ضغوطا حقيقية وفعالة على كل القوى الفلسطينية لجعلها توقف تماديها الدامي في استباحة الاستقرار الأمني أولا وتظهير فضيحة فقدان السيطرة اللبنانية كليا على واقع التفلت المخيف للسلاح سواء داخل المخيمات او خارجها بما باتت معه حرب عين الحلوة تنذر باستعادة تجربة مخيم نهر البارد الامر الذي حذر منه بحق الرئيس ميشال سليمان.
وقد تواصلت الاشتباكات المسلحة داخل مخيم عين الحلوة، لليوم الرابع، بين مسلحي حركة “فتح” ومسلحي العناصر الاسلامية المتشددة (“جند الشام” و”الشباب المسلم” ومجموعة بلال بدر)، حيث فشلت كل الجهود والاتصالات اللبنانية – الفلسطينية في لجمها ووقف النار، حاصدة مزيداً من القتلى والجرحى والتدمير والخراب ونزوح المدنيين، ولاسيما منهم النساء والاطفال. ولم تتوقف آلة الحرب عن الدوران إلا لساعات معدودات “لأسباب انسانية”، مما أتاح للعائلات المحاصرة في حي الطوارىء والأطراف الشمالية للمخيم، للخروج الى أماكن آمنة في صيدا ومسجد الموصللي.
وابتداء من ساعات قبل الظهر، عاود الطرفان تبادل النار والقذائف الصاروخية، خصوصاً على محور حي الطوارئ او ما يعرف بـ”مخيم الطوارئ” الذي تتحصن فيه العناصر المتشددة على اختلافها، في مواجهة حي البركسات والشارع التحتاني حيث مقار ومكاتب لحركة “فتح”. واستمرت الاشتباكات بشكل عنيف ومتقطع حتى ساعات بعد الظهر، وعلم ان مقاتلي الطرفين تبادلوا الهجمات.
وسرعان ما توسعت رقعة الاشتباكات لتشمل غالبية احياء المخيم في الشارعين الفوقاني والتحتاني. ومع ان محاولة جديدة لوقف النار بذلت مع ساعات المساء لم تستبعد مصادر فلسطينية احتمال لجوء “فتح” الى عملية واسعة لاستئصال المجموعات المتشددة من “مخيم الطوارئ” موضحة انها “تدرك جيدا ان اي طرف في المخيم لا يستطيع توقيف اي متهم بجريمة اغتيال العرموشي ومرافقيه، وان ثمن دمائه لن يمر من دون السيطرة على هذا المخيم حتى لو تتطلب الامر تدميره. وان هذا المخيم كان ولا يزال يشكل خطرا على سكان عين الحلوة وعلى الجوار اللبناني وايضا على الجيش اللبناني”.
وبدعوة من مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان، عقد اجتماع للمرجعيات السياسية في صيدا والجوار الذين طالبوا “حاسمين جازمين” بـ”وقف النار فوراً، ثم بعد ذلك فليجلس المتخاصمون ويتفقوا. والطبيعي ان يكون هناك اختلاف في وجهات النظر، ولكن ليس من الطبيعي أن يترجم هذا الاختلاف بالرصاص والقنابل والقذائف التي تتساقط على البيوت وتقتل الناس”. وأكدوا تكليف لجنة للتحقيق في قتل القائد اللواء “أبو أشرف” العرموشي، و”أن تباشر عملها منذ اليوم من دون تسويف وتردد، للكشف عن الذين ارتكبوا هذه الجريمة وتسليمهم الى القضاء والى الأمن اللبناني”.
كذلك تمنوا “التعويض بالسرعة الممكنة على هؤلاء الذين ظلموا بهدم بيوتهم وبإصابة الأبناء والرجال والنساء من دون ذنب”.
وعلق الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على ما يجري في عين الحلوة فقال “ان ما يجري في مخيم عين الحلوة مؤلم، ونحن نوجه النداء للجميع في المخيم لوقف القتال، وكل من يستطيع الضغط من أجل وقف القتال يجب أن يفعل ذلك”.
ومساء أعلنت الخارجية الأميركية في بيان “أنها تتابع التقارير المقلقة عن أعمال عنف في مخيم للاجئين في لبنان”. وتابعت عبر “رويترز”: ندعو جميع الأطراف في مخيم عين الحلوة إلى احترام سلامة المدنيين وعدم استهداف المنشآت المدنية”.
قانون الاقتراض
في الجانب الاخر من المشهد الداخلي ظل الاستحقاق المالي متقدما سائر الأوليات الداخلية الراهنة. ومع تسلم النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري امس مسؤولياته رسميا كحاكم بالوكالة استحوذ موضوع تشريع الاقتراض الحكومي من مصرف لبنان على مناقشات مجلس الوزراء الذي انعقد برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جلسة لمجلس الوزراء لاستكمال درس الموازنة. ورسم تبدل المسار الذي كان مقررا لاستصدار مشروع قانون عن الحكومة شكوكا في هذا المسار الذي كان سائدا ان اتفاقا حصل حياله بين رئيس الحكومة ومنصوري ونواب الحاكم الثلاثة الاخرين.
ذلك ان رئيس الحكومة قال في الجلسة ان “المادة الرابعة من مرسوم تنظيم اعمال مجلس الوزراء تنص على وجوب ارسال مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية قبل اسبوع على الاقل من مناقشتها في مجلس الوزراء. بالأمس وزعنا على السادة الوزراء مشروع قانون يرمي الى الاجازة للحكومة الاقتراض بالعملات الاجنبية من مصرف لبنان، ما يعني ان المناقشة قد تستغرق وقتا ، ومصرف لبنان يحتاج الى وتيرة اسرع في هذه المسالة، ولذلك اقترح ان يصار الى تقديم اقتراح قانون من قبل نواب في مجلس النواب بهذا الصدد، لا سيما وأن البعض ربما سيعترض على ارسال مشروع قانون من الحكومة، ما يعني المزيد من اضاعة الوقت.ومن خلال اقتراح القانون يمكن للمجلس النيابي اتخاذ القرار الذي يراه مناسبا”.
من جهة أخرى، سأل الرئيس ميقاتي وزير المالية عن موضوع التقرير الجنائي، فاجاب الوزير انه “ينتظر التقرير النهائي خلال الايام المقبلة، فطلب منه الرئيس ميقاتي نشره حسب الاصول فور تسلّمه إياه”.
وفي المواقف السياسية من هذا الملف شدد “تكتل لبنان القوي” على موقفه “الرافض لتشريع أي إنفاق من الإحتياطي الإلزامي هدفه شراء الوقت بأموال المودعين لتمويل الدولة وعجزها ولتثبيت سعر الصرف بكلفة باهظة بدل اعتماد الإصلاح اللازم للاستقرار النقدي”، وربط التكتل مشاركته بأي جلسة تشريعية “بشرط أن تُقرّ في وقت واحد القوانين الإصلاحية المطلوبة وهي: الكابيتال كونترول، إعادة هيكلة المصارف والتوازن المالي فضلاً عن إقرار موازنة إصلاحية جدّية عن عام 2024 تحال الى المجلس بتوقيع جميع وزراء حكومة تصريف الأعمال”. واعلن انه “يتطلع بإرتياح الى ما بدر من نواب حاكم مصرف لبنان لجهة إشتراط إقرار الإصلاحات وعدم الإستمرار بالسياسة النقدية التي كان يتبعها رياض سلامة وبإعتماد الشفافية وإحترام القانون والإلتزام بالإستقلالية”.
كما ان رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان اعلن انه: “يجب أن تتوقف سياسة استدانة الحكومة من المصرف المركزي، أي السياسة التي اتبعت لثلاثين عاماً وأدت إلى ما أدت إليه. وعندما سنقوم بالتقييم العام حول التوازن المالي لا بد أن نمر بكل هذا لأن الديون التي استدانتها الدولة والتي هي بالأساس من أموال المودعين، يجب أن تدخل في المحاسبة، ما يعني أن على الدولة ومصرف لبنان والمصارف أن يتحملوا مسؤوليتهم في إعادة أموال المودعين”. واكد انه “لا توجد سياسة نقدية مستقلة عن السياسة الاقتصادية والسياسة المالية، فكل هذه السياسات تشكل وحدة لا تتجزأ ومطالبتنا للحكومة كانت أن تقدم خطة فيها سياسة اقتصادية مالية نقدية متكاملة حتى نتعامل معها”.
4 آب
الى ذلك ومع انطلاق الاستعدادات لاحياء الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت في 4 آب، التقى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب 15 سفيرا وقائما بالأعمال من الدول الموقعة على البيان المشترك الخاص بانفجار مرفأ بيروت في مجلس حقوق الانسان، سلموه رسالة يحثون فيها الجهات اللبنانية المختصة على الإسراع في التحقيقات القضائية الخاصة بانفجار مرفأ بيروت، “بخلاف المنحى البطيء الذي سلكته حتى تاريخه، معربين عن قلقهم من الاستمرار في إعاقتها”.