إنشغلت البلاد في عطلة نهاية الاسبوع بتعاميم بعض السفارات العربية والاجنبية وبياناتها التي دعا بعضها رعايا دولها الى مغادرة لبنان، والبعض الآخر الى الحذر في التنقلات والابتعاد عن مناطق التوتر، وذلك في عز الموسم السياحي المزدهر الذي تعيشه البلاد هذه الايام، ما طرحَ علامات استفهام كثيرة حول أبعاد هذه التعاميم والبيانات التي أثارت مخاوف من احتمال وجود شيء ما أمني او عسكري يُدَبّر للبلاد فى ظل انهيارها الشامل واستمرار الفراغ الرئاسي وتعذر الاتفاق منذ اكثر من تسعة اشهر على انتخاب رئيس جمهورية جديد، في وقت هدأت الاوضاع في مخيم عين الحلوة وبوشر اتخاذ الاجراءات اللبنانية والفلسطينية لتطويق ذيول ما حصل ومنع تكراره.
كشف مصدر ديبلوماسي غربي كبير لـ”الجمهورية” معلومات على جانب كبير من الاهمية والخطورة تشرح بدقة ما يجري من اشتباك امني – سياسي على الساحتين الدولية والاقليمية ومدى تأثيره الكبير على لبنان والمنطقة في المرحلة الراهنة. كذلك كشف خلفيات البيان السعودي المتعلّق بسحب الرعايا السعوديين من الاراضي اللبنانية في نهاية الاسبوع الماضي وارتباطه بالدعوة الى عقد اجتماع في السعودية للبحث في تطورات الحرب الروسية – الاوكرانية وايجاد حل لها.
وفي التفاصيل، بحسب المصدر نفسه، انّ الاسباب التي أدت الى فرملة تنفيذ الاتفاق الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية الصين ودفعت المملكة الى وقف اجراءاتها لفتح السفارتين بين الرياض وطهران تعود الى وقوع المنطقة تحت تأثيرات مستجدات الحرب الاوكرانية.
واوضح هذا الديبلوماسي الكبير لـ”الجمهورية” ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المنزعج من تسليح اوكرانيا بالمسيرات الحربية واسلحة اخرى متطورة، رد بوقف التزامه بتسهيل اتفاقية تصديرالقمح وقصف احد ابرز مخازنها في اوديسا، كذلك صعّد في سوريا والعراق وساندته إيران بالضغط في ملفات بارزة في طليعتها اليمن ما اعاد اجواء التشنّج لتخيّم على الساحة الاقليمية. ففي سوريا عاد موضوع التهريب الى الواجهة في الاسبوعين الماضيين على رغم من الوعد بوقف التهريب الى دول الخليج، وذلك كجزء من الضغط الروسي، مما ازعج المملكة العربية السعودية ودفعها الى المبادرة الى اتخاذ سلسلة خطوات مدروسة للرد.
ويضيف المصدر “ان التشنج في المنطقة له علاقة مباشرة بالاشتباكات المسلحة التي حصلت في مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان. وكشف المواقف كالآتي:
1 – تحريض خارجي لقوى مسلحة متشددة في المخيم من اجل محاولة السيطرة عليه وكان من نتيجتها اغتيال مسؤول الامن الوطني الفلسطيني ابو أشرف العرموشي وعدد من رفاقه.
2 – تدخل، في المقابل، من دولة خليجية بارزة لتمويل حركة “فتح” لمنع تمدد المتشددين.
3 – الجيش اللبناني يقوم بمهمات امنية مدروسة جيدا، ومنها تطويق المخيم عند مداخله، وتهدف الى عدم سقوط حركة “فتح” فيه وعدم تسرب اي مسلحين الى خارجه، وحماية طريق الجنوب الحيوية جدا، وبالتالي ابقاء الامور تحت السيطرة.
4 – “حزب الله” يدعم الحفاظ على توازن بين الاطراف المتقاتلة. وقراره يتلخص بعدم التدخل ما دام الجيش مُمسكاً بزمام الامور وطريق الجنوب مؤمنة،
ويقول المصدر الديبلوماسي الغربي ان السعودية، ورَداً على استخدام ورقة المسلحين المتشددين من جهة وتمويل احدى الدول الفريق الآخر من جهة اخرى، وازاء عودة التهريب ومعاودة توتير المنطقة، عبرت عن سخطها وانزعاجها من خلال دعوة الرعايا السعوديين الموجودين في لبنان وعددهم يناهز الـ 400 مواطن الى مغادرته، وكان معظم هؤلاء اتوا الى لبنان من خلال تركيا تفادياً لمخالفة قرار بلادهم بمنع السفر اليه. ولذلك ايضا دعت السعودية الى اجتماع في مدينة جدة حول الحرب الاوكرانية.
عين الحلوة والمعالجات
في غضون ذلك تواصلت امس وطوال عطلة نهاية الاسبوع المعالجات السياسية والميدانية للوضع في مخيم عين الحلوة مع ثبات وقف اطلاق النار والتزام الاطراف المتقاتلة به، وفي هذا الاطار وصل الى لبنان أمس عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد، حيث استقبله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي امس في دارته في حضور المدير العام للامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري ومدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي ورئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني باسل الحسن، وعن الجانب الفلسطيني أمين سر حركة “فتح” وأمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي أبو العردات وسفير فلسطين اشرف دبور. وتم خلال الاجتماع البحث في وضع مخيم عين الحلوة والاجراءات اللازمة لتثبيت وقف اطلاق النار.
وكررت “هيئة العمل الفلسطيني المشترك”، في بيان امس، تشديدها على “تثبيت وقف إطلاق النار الشامل والدائم في مخيم عين الحلوة، وسحب كافة المسلحين من الشوارع وفتح الطرق”. ودعت كافة العائلات التي نزحت بسبب الاشتباكات للعودة إلى منازلهام في المخيم.
الامارات وعمان
وفي اطار التعاميم الديبلوماسية على الرعايا والتي افتتحتها السعودية، اصدرت وزارة الخارجية الإماراتية امس بيانا عبر منصة “إكس” اكدت فيه “أهمية التقيد بقرار منع سفر مواطني الإمارات إلى لبنان الصادر سابقاً”. وشددت على “ضرورة تواصل المواطنين معها في الحالات الطارئة”. فيما دعت سفارة سلطنة عمان لدى بيروت عبر منصة “اكس” ايضا مواطنيها الموجودين على الأراضي اللبنانية إلى “ضرورة توخي الحذر والتقيّد بالإجراءات الأمنية اللازمة بالابتعاد عن المناطق التي تشهد صراعات مسلّحة، مع اتّباع الإرشادات الأمنية الصادرة من جهات الإختصاص. وطلبت السفارة من جميع المواطنين في حال حدوث أي أمر طارىء، الإتصال على الأرقام التالية: 76010037 – 01856555”.
على المستوى الحكومي وفي موازاة التحضيرات الجارية لجلستي مجلس الوزراء المقررة هذا الأسبوع، وأولاها عند الثالثة بعد ظهر اليوم لاستكمال البحث في مشروع قانون الموازنة العام للعام 2023 بقيت العين موجهة الى الوضع الامني بعد مسلسل البيانات الديبلوماسية الخليجية والاوروبية التي تراوحت بين دعوة رعاياها لاتخاذ الحيطة وتحاشي التنقل في مناطق غير آمنة او ترك لبنان كما فعل بعضها.
معالجات ديبلوماسية
ديبلوماسياً، يواصل وزير الخارجية عبدالله بوحبيب مشاوراته مع المراجع الديبلوماسية بدءا من اليوم، مُستكملاً ورشة الإتصالات التي بدأها خلال عطلة نهاية الأسبوع مع سفراء الدول المعنية بالترتيبات التي اتخذتها بالنسبة الى مواطنيها في لبنان من أجل فهم الخلفيات التي أدت الى اصدار البيانات الاحترازية الأخيرة.
وقالت مصادر ديبلوماسية ان بوحبيب وحتى الأمس القريب “لم يتبلغ أي معلومات او مخاوف يمكن ان تؤدي الى سلسلة البيانات التي اعتدنا عليها في وقت سابق، خصوصا ان البعض منها كان ربطا بأسباب معروفة وأبرزها تلك التي تلت اكتشاف شبكات تهريب الكبتاغون من خلال الليمون والرمان والشاي المخدر ولكن هذه المرة لم ترصد الوزارة اي سبب مماثل ولو كان امنيا”.
مراجعة أمنية
ومن المقرر ان يرأس وزير الداخلية بسام مولوي قبل ظهر اليوم اجتماعاً لمجلس الأمن الداخلي المركزي، وقد دعي اليه قادة الاجهزة الامنية وذلك للبحث في بندين اثنين اساسييين احدهما يتصل بالتطورات الأمنية المتصلة باحداث مخيم عين الحلوة والمراحل التي قطعتها التدابير الميدانية التي اتخذتها قيادة الجيش وحصيلة الإتصالات مع القيادات الفلسطينية وممثلي الفصائل. بالإضافة إلى الأسباب التي يمكن أن تكون قادت الى صدور البيانات التحذيرية لعدد من السفارات الخليجية والاوروبية بغية اتخاذ القرارات المناسبة لضمان حفظ الأمن في البلاد. وسيعقد مولوي مؤتمرا صحافيا يتحدث فيه الى وسائل الاعلام المحلية والعربية والدولية قبل ان ينقل حصيلة الاجتماع الى جلسة مجلس الوزراء بعد الظهر.
وعلم أنّ المدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء الياس البيسري سيستقبل صباح اليوم مسؤولي الفصائل الفلسطينية لاستكمال البحث في التدابير الواجب اتخاذها لتحصين الوضع الأمني وضمان الاستقرار في مخيم عين الحلوة.
الاستحقاق الرئاسي
في اطار الاستحقاق الرئاسي وما يحوط به من تطورات سياسية وامنية، وفي الوقت الذي لم يسجل اي تطور ملموس في انتظار عودة الموفد الرئاسي الفرنسي الشهر المقبل زار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط رئيس مجلس النواب نبيه بري وعرض معه لآخر التطورات. وقال بعد اللقاء: “لم نفهم معاً، انا والرئيس بري، لماذا هذا التخوف لبيانات السفارات. يبدو هناك أمور نجهلها لكن في موضوع مخيم عين الحلوة يبدو الامور محصورة الى حد ما والجهود الفلسطينية واللبنانية ربما ستؤدي الى حل”. واضاف: “لم أنفصل عن الرئيس بري، هل المطلوب ان اتحدث عن التاريخ المشترك وعمره عشرات السنوات؟ هل أتحدث عن اسقاط 17 ايار وهذا انجاز وطني وقومي نفتخر به؟”.
ومن جهته، استغرب بري في حديث متلفز بيانات السفارات مؤكدا ان “لا شيء أمنياً يستدعي ذلك”.
وأشار إلى أن “حصر التحذير بمناطق الاشتباك القريبة من عين الحلوة يمكن تفهمه ولكن الدعوة لمغادرة الرعايا غير مفهومة”. وقال: “الوضع في عين الحلوة هادىء منذ 3 أيام فلماذا تلك البيانات التحذيرية؟”.
واضاف ان “أحداث عين الحلوة محصورة بمنطقتها الجغرافية ولم تتمدد مكانيا”، وأكد انه تحدث مع جنبلاط عن بيانات السفارات و”لم نفهم سببها”. وكشف ان “الموفد الفرنسي جان إيف لودريان تكلم معي نقلا عن اللقاء الخماسي طارحا الحوار الوطني وليس الحوارات المتفرقة”، وأكد انه “مستمر في ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية حتى النهاية “ولما يصير في نتائج بموضوع الحوار بين حزب الله و”التيار الوطني الحر” سألوني اذا كنت مرتاح”.
ورداً على سؤال حول العقوبات ووصفه بأنّه “امتداد لحزب الله”، قال: “انا امتداد لكل شيء، ومتل ما قلت قبل انا بري وبحلاش عالرص”.
على الاميركيين
وفي سياق متصل دعا رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، إلى “مزيد من اليقظة والتنبة لمخاطر ما يساق إليه لبنان من خلال الضغوط التي تُمارس عليه، سواء في الإستحقاق الرئاسي أو بالتهديد بانهياره بكافة مؤسساته”، مشيراً إلى أن “على الأميركيون أن يعرفوا أن هناك من لا يستطيعون تجاوزه في هذا البلد”. واعتبر أنه “إذا وقعت حادثة صغيرة في لبنان يحولونها إلى أزمة بلد وتضيع معها الحقائق، فمن يعرف ما الذي حصل في انفجار مرفأ بيروت طالما أن صور الأقمار الاصطناعية مُنعت من أن تصل إلى يد المحقق اللبناني حتى لا يصل إلى الحقيقة”. لافتا الى ان “هناك كثيرا من الأشخاص لم نضع عليهم “فيتو” لأننا نريد التسويات، لكن دون أن يحشرنا أحد أو يأخذنا إلى مكان يختارون لنا فيه اشخاصا لا نقبل أن يكونوا حكاماً في هذا البلد لأن تجربتنا معهم كانت مرّة، وكانوا جنباً الى جنب مع العدو الإسرائيلي في غزو بلدنا وفي هتك كرامة مواطنينا، نحن ندرك تماماً ماذا نريد، وإلى أين سنصل”.
فساد السياسيين
الى ذلك، أشار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، في كلمة وجهها إلى شباب لبنان خلال عظة القاها في ختام “الأيام العالمية لشبيبة لبنان” في دير سيدة بزمار إلى أنّهم “القوة التجددية في الكنيسة والمجتمع والدولة”. وقال: “سلاحكم صلاتكم، ذخيرتكم الحقيقة والمحبة، لتقوموا إلى نجدة لبنان وتحريره من فساد السياسيين المتفشي في الادارات العامة”، مشددًا على أنّه “منكم يجب أن يخرج مواطنون مخلصون للبنان وحده لإعادة الأمل لإحياء لبنان الذي ضرب سياسيوه كل مفاصل الدولة وإداراتها الرسمية، وقيادات متجردة وواعية، أنتم (الشباب) الأمل في إحياء لبنان”.
“المركزي” يمتصّ
وعلى صعيد الازمة النقدية والمالية افادت معلومات لـ”الجمهورية” ان لقاء انعقد امس الاول السبت بعيداً من الاعلام بين ميقاتي وحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، في ضوء اصرار الاخير على ضرورة تشريع اي إقراض مالي لتمويل الدولة على ان يكون مشفوعا بضمانات تنفيذية بإعادة الاموال المقترضة الى المصرف المركزي.
وفيما يواظب ميقاتي طمأنة من يراجعه الى ان الامور قيد البحث لإيجاد مخرج، فإنه يرمي الكرة في ملعب المجلس النيابي، علماً ان عدداً من وزراء حكومته عبّروا عن ترددهم في ارسال مشروع قانون للحكومة في شأن الاقتراض، ما يؤكد ان قرار ميقاتي هو وليد رغبة قوى سياسية تشكّل عصب حكومته، بعدم تحمّل كرة الاقتراض.
وعلى رغم من الخضّات الامنية، واعلان دول خليجية موقفاً في شأن عدم سفر مواطنيها الى لبنان ومغادرة الموجودين من بعض هذه الدول، والحديث عن وقف تمويل الدولة، واصل سعر صرف الليرة ثباته في السوق السوداء. وفي المعلومات ان حاكم المصرف بالإنابة ينفذ خطّة مُحكمة لمنع تفلّت سعر العملة، من دون المس بأموال الاحتياط، ولا ضخ الدولارات، وهو نجح في امتصاص كلّ الصدمات التي واجهها لبنان، امنيا وسياسياً وديبلوماسياً ومالياً في الايام الاخيرة، مما ارسى عوامل الطمأنة في إنتظار الاتفاق النيابي السياسي على تشريع الصرف.
وعلمت “الجمهورية” ان رواتب الموظفين وحاجات المؤسسات العسكرية والامنية هي خط احمر، وهي اكبر من قدرة الحكومة او اي فريق لبناني على تحمّل تجميدها او تأخيرها، علماً ان حاكم المصرف المركزي لا يتحمّل مسؤولية في هذا الاطار، بل تقع على عاتق الحكومة، من دون اتضاح آفاق الحل المطلوب بعد.
وأكد متواصلون مع منصوري لـ”الجمهورية” انه مصمم على قراره بوقف تمويل الدولة خارج التغطية القانونية، وانه جاد في تنفيذه اكثر مما يمكن أن يظن البعض. واكد هؤلاء “ان اي إنفاق جديد سيكون محصورا ومحدودا بعد صدور التشريع اللازم الذي يضمن استعادة ما ستقترضه الدولة من المصرف، وذلك عبر آلية واضحة ومهلة محددة”.