كتبت صحيفة “النهار”: كنا لنتفاءل نسبياً برمزية مطر خفف شراسة أسوأ ما عرفناه، مع معظم العالم، من حرّ ينذر بتصحر معولم تصاعدي لولا أن “أيلول لبنان” يحل بعد ساعات محمّلاً بكل تزامنات “الجحيم” الموروث من انهياراته. ولا يحتاج اللبنانيون الى دلائل حسية للاستدلال على تصاعد التوهج المهرول إليهم ما دامت رؤية موفدي “الدول الكبرى” أو بعضهم، وحدها ستشكل علامة تزاحم الاستحقاقات السياسية والأمنية كما اهتراء البقية الباقية من إمكانات الصمود الاجتماعي.
يوم غد، وللمرة الأولى منذ صدور القرار 1701 تحت مزيج “الفصل السادس والنصف” في عام 2006 سيكون يوماً مفصلياً في تقرير وجهة الوضع عند الحدود الجنوبية بحيث تبلغ المكاسرة ذروتها في مصير صيغة التمديد لقوات “اليونيفيل” وتالياً إما تسوية في الساعات المقبلة الأخيرة وإما مكاسرة لا تُحمد عقباها. وسواء مرّ هذا الاستحقاق بتسوية أو لم يمرّ لن يكون ما بعده كما قبله لأن المواجهة أسفرت البارحة عما كان مختبئاً وراء تحرك لبنان الرسمي العاصف ضد فقرة استقلالية اليونيفيل حين انتزع السيد حسن نصرالله الإمرة العلنية والضمنية جهاراً نهاراً في تهديده بـ”الأهالي” مجدّداً لشل حركة اليونيفيل في الجنوب. إذن ترانا أمام رقصة تتمادى الى ما بعد بعد الجنوب ولا حاجة بنا للاستدلال على ما سيحمله هذا الأيلول من توسيع لخطر تهديد إفراغ الحدود من القوات الدولية إذا ذهبت الحكومة بجريرة رفع المواجهة الى هذا المستوى أو وُظف الأمر لتسوية “تحت الطاولات” الدولية والإقليمية.
بالتزامن مع هذا، كادت تأخذنا موجة ارتياح عارمة “لاستدارة” تولّاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عشية بلوغ الأزمة الرئاسية في لبنان واقعياً سنتها الأولى في ذكرى بدء المهلة الدستورية في الأول من أيلول. استلزم الأمر سنة، مع كل الإنهاك الذي لحق بوساطة الرئيس الفرنسي والتموجات الحارة والباردة ومن ثم الالتحاق القسري بمجموعة الدول الخماسية، لكي “يكشف” الرئيس ماكرون علناً أمام سائر سفراء فرنسا في العالم أن إيران تحديداً هي سبب الأزمة الرئاسية في لبنان وهي القابضة بنفوذها على خناق لبنان. نهلل أم نسخر؟ لا فارق ما دمنا سنمضي أيلول وما بعد أيلول بكثير من نماذج هذه التطورات التي لا تحمل نذر اقترابنا من انتخاب رئيس للبنان بات مصير انتخابه في أيدي السحرة والمبصّرين والعرافين حصراً.
الأطرف من اكتشاف رئيس الدولة الأكثر انخراطاً في أزمة لبنان لسر التعطيل والقبض على النظام الدستوري والمؤسسات وإخضاعهم لمصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن السيد نصرالله لم يتقاعس عن رشق خصومه بأنهم يستقوون (ولم يقل يتمرجلون) على فرنسا فيما هم أجبن من الاستقواء على أميركا. يقول ذلك في اللحظة نفسها التي يمضي فيها بتهديد إسرائيل والداخل بكل القوة الإيرانية المدجّجة التي يمتلك بأنه سيد الساحة بلا منازع.
وما دمنا أمام اللوحة “البانورامية” لأيلول نتساءل كيف سيكون التنقيب عن الغاز والنفط آمناً ومستقراً الى حدود حضور العرّاب الأميركي آموس هوكشتاين الآن الى بيروت لمعاينة انطلاق عمليات الحفر فيما طبول المواجهة ترتفع حيال اليونيفيل؟ فهل ثمة من “يأكل حلاوة في عقولنا” أم سيكون أيلول لبنان معاكساً هذه المرة كالمطر الذي جاء في بداياته وليس في نهاياته فيمطر في اللحظة المناسبة بما ينزع القلق من قلوب من يصدّقون دوماً أصداء التهديد والوعيد في طريقهم الى التفاهمات سواء تحت الطاولات أو فوقها؟