كتبت صحيفة “البناء”: رغم المساعي الأميركية لإدارة الصراع العسكري الدموي الذي اندلع منذ أيام بين العشائر العربية والميليشيات الكردية، وتقديمهم مشاريع لتقاسم النفوذ الأمني والعائدات المالية للجبايات والحصص من سرقة النفط والغاز، بدا أن الصراع أعمق وأنه يخرج عن السيطرة تدريجياً، وأنه بدلاً من الانكماش يتوسّع ويشمل مناطق جديدة، حيث شهدت عديد من قرى وبلدات دير الزور معارك ضارية انتهت بسيطرة العشائر على مقار قسد. واتسعت المعارك إلى مناطق شرق حلب ووصلت إلى مدينة كركوك العراقيّة، وعقد عدد من زعماء العشائر اجتماعات عديدة أعلنوا بنتيجتها مطالبتهم بالحفاظ على وحدة سورية وسيادة دولتها وجيشها على كامل أراضيها ورفض كل أشكال التقسيم والمطالبة بانسحاب الاحتلال الأميركي والاحتلال التركي، بينما خرجت بيانات موازية لبعض شيوخ العشائر تناشد الاحتلال الأميركيّ التوسط في الصراع القائم، ويعلن بعضها الحرص على قسد والعلاقة معها، والعداء للدولة السورية وخطها المقاوم. وذكّرت مصادر سياسيّة بمشهد المعارك التي شهدها جبل لبنان قبل أربعين سنة في ظل الاحتلال الإسرائيلي والدعم الأميركي العسكري والسياسي المساند له، وكيف أن المعارك التي اندلعت بين مجموعات مسلحة من أبناء الجبل مع ميليشيا القوات اللبنانية المدعومة من الاحتلالين الأميركي والإسرائيلي خرجت عن السيطرة وتحوّلت إلى جزء من معركة تحرير لبنان من الاحتلال وإسقاط اتفاق 17 أيار.
في الوضع الداخلي بقيت دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري للحوار في مجلس النواب لسبعة أيام من شهر أيلول تليها جلسات انتخاب متتابعة، هي الحدث، وقد لقيت تأييد البطريرك الماروني بشارة الراعي، بينما أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل رفضهما لدعوة الحوار، ولمبدأ التسوية السياسية قبل حسم مصير سلاح المقاومة، فيما سجلت مصادر نيابية تأييد 98 نائباً لدعوة الحوار، وتساءلت عن مصير معارضة الـ 30 نائباً بعد مقاطعة الحوار إذا تمت الدعوة لجلسات انتخاب متتابعة، وقالت ربما يكون التصعيد عائداً الى العجز عن تعطيل النصاب، وموقف تعبير عن الشعور بالعجز على طريقة الهروب الى الأمام برفع شعار مبدئي كبير يغطي الإفلاس السياسي. وعن مواعيد وتفاصيل دعوة بري قالت مصادر نيابية إن لا شيء محدداً بعد، والمشاورات مستمرة لبلورة التفاصيل والمواعيد، والبحث يبدأ جدياً بعد وصول المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان.
يحط الأسبوع المقبل في بيروت المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان في زيارة سبقتها زيارة للوزير الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والمبعوث الأميركي لشؤون الطاقة اموس هوكشتاين، وتأتي الزيارة هذه المرة على وقع دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الأفرقاء إلى حوار لمدة أسبوع قد تتبعه جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس إذا فشل الحوار. وليس بعيداً تقول مصادر سياسية لـ «البناء» إن محاولات لضبط الدور الفرنسي تظهرت في الأسابيع الماضية وكأن هناك من يقول لباريس إن الفترة التي أعطيت لك قد انتهت. وتؤكد المصادر نفسها أنّ السعودية تبدي استعداداً لدعم الوصول إلى تسوية في الملفّ اللبناني. وقد نقل المسؤول الإيراني أجواء إيجابية عن الموقف السعودي من لبنان، الا ان الرياض لن تسلف أحداً قبل إنجاز ملف اليمن، كما أنها لن تعيد استثماراتها إلى بيروت الا في حال تم إنجاز الإصلاحات. ومع ذلك ترجح المصادر أن ينتهي شهر أيلول من دون أي تقدم في الملف الرئاسي.
وفي هذا الوقت تشير أوساط سياسية لـ “البناء” إلى أن الملف الرئاسي طرح خلال لقاء بري وهوكشتاين وكان الأول واضحاً في إشارته الى ضرورة أن تتدخل واشنطن لدى حلفائها في لبنان لتسهيل الاستحقاق الرئاسي، لافتة إلى أن بري خلال دعوته وضع القوى السياسية في مأزق لا سيما أن قوى المعارضة كانت تطالب طيلة الفترة الماضية بجلسات مفتوحة، وستكون في وضع حرج إذا استمرّت في رفض الحوار، مع إشارة الأوساط إلى أن قوى التغيير انقسمت حيال دعوة بري ودعا عدد من نواب التغيير إلى المشاركة في الحوار وعدم التعاطي بكيديّة وملاقاة رئيس المجلس لتبيان حقيقة ما يجري. ورجحت الأوساط أن يكون رئيس مجلس النواب قد توافرت له معطيات إيجابية دفعته إلى الدعوة للحوار مجدداً.
وقال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد: إننا نتحمّل مسؤولية، ونبني موقفنا بالتعاضد والتنسيق والتفاهم مع كل الأوفياء والمخلصين لبلدنا، ونتحالف تحالفاً وثيقاً في رؤيتنا وفي مسارنا مع إخواننا في حركة أمل من أجل أن نصل إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي، بحيث يكون لدينا رئيس جمهورية يستطيع أن نأمن منه بأن لا يطعن المقاومة وأن لا يُطيح بإنجازاتكم وتضحياتكم وأن نشرع معه في إعادة بناء هذا الهيكل الذي أريد تصديعه وتدميره حفاظاً على النزعة التي يُريد الغرب أن يحفظها للإسرائيليين وهي نزعة الأمن من الخوف والتهديدات.
وبدا واضحاً تعاطي بكركي بإيجابية مع دعوة بري حيث اعتبر البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، في عظته خلال قداس الأحد أن “الحوار المدعوّون إليه نوّاب الأمّة، إذا حصل رغم التجاذبات بين القبول والرفض، إنّما يقتضي أوّلًا المجيء إليه بدون أحكام مسبقة وإرادة فرض أفكارهم ومشاريعهم ووجهة نظرهم من دون أي اعتبار للآخرين؛ ويقتضي ثانيًا روح التجرّد من المصالح الشخصيّة والفئويّة، ويقتضي ثالثًا اعتماد الدستور واعتباره الطريق الوحيد الواجب سلوكه؛ ويقتضي رابعًا الصراحة والإقرار بالأخطاء الشخصيّة والبحث عن الحقيقة الموضوعيّة التي تحرّر وتوحّد».
وغادر الوفد اللبناني برئاسة حاكم مصرف لبنان بالإنابة د.وسيم منصوري وسفير لبنان في المملكة العربية السعودية د.فوزي كبارة والمدير العام للاقتصاد والتجارة د.محمد أبو حيدر الى العاصمة السعودية الرياض، تلبية لدعوة رسمية لحضور فعاليات المؤتمر المصرفي العربي، بتنظيم من الاتحاد العربي للمصارف مع المصرف المركزي السعودي تحت عنوان “الآفاق الاقتصادية العربية في ظل المتغيرات الدولية، والذي ينعقد برعاية وحضور محافظ المصرف المركزي السعودي الأستاذ أيمن بن محمد السياري. وفي معلومات “البناء” فإن زيارة منصوري إلى المملكة تكمن أهميتها بحسب مصدر مالي واقتصادي في أهمية تطوير علاقات لبنان المصرفية مع الدول الخليجية، خاصة أن الدول الخليجية والعربية تبدي استعداداً للتعاون مع لبنان ودعم والاستثمار فيه بعد إنجاز القوانين المتصلة بالإصلاحات وبصندوق النقد الذي يشكل الاتفاق معه محفزاً للمجتمع الدولي لمساعدة لبنان.