كتبت صحيفة “النهار”: قبل أسبوع من موعد بدء الزيارة الثالثة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان لبيروت في 11 أيلول الحالي، بدا المسرح السياسي والديبلوماسي الداخلي عرضة لحركة مشاورات واتصالات كثيفة تواكب مناخا سياسيا محتدما ومقبلا على مزيد من الاحتدام خصوصا في ملف الحوار المطروح في ملف الاستحقاق الرئاسي وازمته المتمادية. ذلك انه غداة الدوي الحاد الذي احدثته مواقف القوِى المعارضة المسيحية بلسان كل من رئيس حزب “القوات اللبنانية ” سمير جعجع في مهرجان معراب ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل في حديث تلفزيوني، بدا واضحا ان الفرز السياسي العريض في البلاد بات يقف عند “اشتباك ” غير مسبوق على خلفية تحديد الكتل النيابية والقوى السياسية مواقفها من “ازدواجية” في الحوار المطروح ما بين “حوار محلي” اطلق الدعوة اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري و”حوار فرنسي ” اطلق الدعوة اليه الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، وليس من الثابت او المؤكد بعد ما اذا كان طرح الحوار الثاني يحظى فعلا وجديا بدعم مجموعة الدول الخماسية التي أصدرت بيان جدة الأخير. ولذا ستتسم الأيام المقبلة التي ستسبق وصول لودريان الى بيروت بحيوية سياسية تصاعدية اذ انطلق كل من الفريقين العريضين المتصارعين في معترك الازمة الرئاسية لتحصين أوراقه ومواقفه الحاسمة من ملف “الحوارين”، وينتظر من الان حتى موعد زيارة لودريان ان ينهي عدد وافر من النواب المستقلين او المحايدين وقوفهم عند ضفة المتفرجين لان الضغط السياسي التصاعدي سيبلغ ذروته مع وصول لودريان تحسبا للاحتمالات التي تنتظر مصير مبادرته ولو ان المؤشرات الحالية تنذر باخفاق دعوته الى الحوار مثلما سيكون عليه مصير دعوة الرئيس بري أيضا ما لم تحصل مفاجآت غير محسوبة اطلاقا. وقد اثارت اهتمام القوى السياسية بداية تحركات لعدد من سفراء الدول المنخرطة في مساعي الحل للازمة الرئاسية اذ ينتظر ان تتكثف زيارات السفراء للمراجع السياسية في الاتي من الأيام بما قد تتكشف معه بعض خيوط الاتجاهات الخارجية في شأن لبنان قبيل استئناف التحرك الفرنسي في اتجاه محاولة انهاء الشغور الرئاسي في الأسابيع المقبلة.
ولعل اللافت في المواقف البارزة التي سجلت غداة اعلان مواقف كل من جعجع والجميل كان في اتساع التمايز بين قوى المعارضة والحزب التقدمي الاشتراكي في ملف الحوار تحديدا. فقد كتب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط عبر صفحته على احد مواقع التواصل الاجتماعي امس: “طالما أن الأفق السياسي مقفل ولا حلول، وطالما أن أي خيار صدامي سيأخذنا إلى مآس جديدة، وبعدها سنعود إلى الحوار الذي لا بديل عنه، الأفضل إذا وقف تضييع الوقت وتراكم المآسي، وأن نذهب إلى حوار جاد للخروج من الأزمة”. وأضاف: “تحية للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على موقفه الحكيم، معه نؤكد الحوار والمصالحة”. ويشار في هذا السياق الى ان الاستعدادات جارية لقيام البطريرك الراعي بزيارة لمنطقة الشوف في الثامن من أيلول لتأكيد المصالحة التاريخية.
حركة السفراء
وفي اطار الحركة الديبلوماسية الناشطة التي تسجل داخليا، التقى امس رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة السفير الفرنسي الجديد إيرفيه ماغرو في زيارة بروتوكولية لمناسبة توليه مهامه الدبلوماسية كسفير لبلاده لدى لبنان، الزيارة كانت مناسبة جرى خلالها عرض للاوضاع العامة والمستجدات والعلاقات الثنائية بين لبنان وفرنسا والاستعدادات لعودة لودريان الى بيروت. كما التقى بري السفير القطري الجديد الشيخ سعود بن عبدالرحمن بن فيصل ثاني آل ثاني وكان اللقاء مناسبة جرى خلالها عرض للمستجدات والعلاقات الثنائية بين البلدين .
بدوره التقى البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في الديمان، السفير السعودي وليد بخاري. وكان اللقاء وفق بيان عن السفارة السعودية “مناسبة جرى خلالها استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها، كما البحث في آخر المستجدات على الساحة اللبنانية ، بخاصة الاستحقاق الرئاسي، وضرورة انجازه في اسرع وقت ليسهم في انقاذ لبنان، ويكون جامعا لكل اللبنانيين ويعمل على تمتين العلاقات بمحيطه العربي . كما جرى خلال اللقاء استعراض عدد من القضايا ذات الاهتمام”. واشار المسؤول الاعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض الى ان اللقاء المطول الذي استمر نحو ساعة، “بحث في موضوع الساعة وهو انتخاب رئيس للجمهورية، والمساعي التي تقوم بها المملكة داخلياً ودولياً وبخاصة مع الفرنسيين والدفع لانتخاب رئيس باسرع وقت ممكن”. وقال “ابدى السفير بخاري خلال اللقاء كل التمني والحرص باسم المملكة على الاستقرار في لبنان وحماية الدستور وحماية اتفاق الطائف، وضرورة ان لا يملي احد شروطاً على اللبنانيين، مؤكدا ان المملكة تحترم ارادة اللبنانيين ومتعاونة مع اي قرار يتخذونه”. واكتفى السفير بخاري بعد اللقاء بالقول “الزيارة تأتي في اطار التواصل الدائم مع غبطة البطريرك”.
ملفات الازمات
وسط هذه الأجواء المفعمة بالغموض حيال الازمة الرئاسية والسياسية لا يبدو غريبا تفاقم الازمات ذات الصلة بالأوضاع الاجتماعية بدءا بتنامي اخطار التهريب عند الحدود الشرقية حيث يخوض الجيش جهودا مريرة وقاسية على امتداد حدود مترامية لمكافحة التهريب ومنع تسلل السوريين. ويلاحظ ارتفاع اعداد المتسللين أسبوعا بعد أسبوع اذ اعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه امس انه “في إطار مكافحة تهريب الأشخاص والتسلل غير الشرعي عبر الحدود البريّة، أحبطت وحدات من الجيش، بتواريخ مختلفة خلال الأسبوع المنصرم، محاولة تسلل نحو 1100 سوري عند الحدود اللبنانية السورية”.
اما في اطار الازمات الخدماتية فعاد هاجس العتمة يظلل تطورات ازمة تمويل الكهرباء اذ أبلغت امس وزارة الطاقة والمياه المعنيين من خلال كتاب رسميّ الغاء عقد الشراء الموقع مع شركة coral energy dmcc المتعلق بشراء شحنة الغاز اويل، “وذلك اثر عدم وجود امكانية فتح الاعتماد المطلوب لتغطية ثمن الشحنة”. ونبهت الوزارة الى “ان وضعية المخزون قد تصل الى مستوى حرج مع شهر تشرين الاول، ما يؤدي الى احتمال انقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير وشامل علما أن الناقلة البحرية ARDMORE قد غادرت المياه الاقليمية اللبنانية بتاريخ 1 ايلول، دون ان يترتب على الدولة اي غرامات او تكاليف عالية”.
وتزامن ذلك مع مواقف جديدة لحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري اعلنها خلال زيارته للرياض حيث يشارك في اجتماعات المؤتمر المصرفي العربي اذ اعلن أن “قرارنا نهائي بعدم تمويل الدولة لا بالليرة ولا بالدولار”، وقال “على الدولة إيجاد وسائل لتمويل عجز ميزانيتها”.
واعتبر أن “إعادة الأموال للمودعين ليست مستحيلة”، مشيراً إلى أنه “لا ينبغي أن ينتظر المودعون لفترة أكثر”. وقال أن البنك المركزي ينوي توفير منصّة تداول جديدة من خلال “بلومبرغ”.
وأفاد المكتب الإعلامي لمنصوري ان اجتماعه مع محافظ المصرف المركزي السعودي تضمّن طلباً لبنانياً للحصول على مؤازرة سعودية، وتنشيط الاستثمارات المالية المشتركة. “وفيما رفض الجانبان الحديث عن التفاصيل، يُنتظر ان تتضح في الاسابيع المقبلة نتائج زيارة منصوري الى المملكة، خصوصاً ان الايجابية تظهّرت في لقاءاته مع مسؤولي صندوق النقد العربي وحكّام المصارف العربية الذين ابدوا اهتماماً بمسار لبنان المصرفي والمالي”. وأضاف “ان زيارات ستحصل الى لبنان في الاسابيع المقبلة، واتفاقات اولية لعقد مؤتمرات مالية في بيروت في المرحلة المقبلة من شأنها مؤازرة المصرف المركزي اللبناني في خطواته لاستعادة الثقة الداخلية والعربية بالمسار المالي اللبناني الذي اصيب بأزمة حادة منذ سنوات، ويحتاج الى انعاش يبدأ بإقرار قوانين اصلاحية. كما تبين ان منصوري سيبقى في المملكة ليومين اضافيين بعد انتهاء المؤتمر العربي، لعقد لقاءات من بينها مع مستثمرين سعوديين”.
وفي السياق المالي طالب رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان الحكومة “بارسال التدقيق في حسابات المصارف وموجوداتها لنتأكد مما لديها، ونسأل لماذا لم يحصل ذلك حتى الآن؟ فلا ثقة لدينا لا بحسابات الدولة ولا المصارف بعد الانهيار، ما لم يحصل فيها تدقيق محايد”. وشدد كنعان بعد اجتماع للجنة المال امس على أن اللجنة “لن توقع شيكاً على بياض للحكومة، ولن تحمّل ضميرها بالموافقة على قانون اطار للودائع من دون تدقيق محايد بالأصول والموجودات، فسيضاف الى عشرات القوانين غير المنفّذة بانتظار المراسيم التطبيقية لسنوات لا بل عقود”.