كتبت صحيفة “النهار”: على رغم عدم اعلان باريس بعد رسميا موعد عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان لاستئناف مهمته في بيروت والمتوقعة في 11 أيلول الحالي كما سبق لـ”النهار” ان أوردته، بدا واضحا ان حرارة الاستعدادات لهذه العودة اتخذت طابعا تصاعديا بما يؤشر الى ارتفاع الرهانات عليها لتحقيق اختراق ما في الانسداد الذي يطبع الازمة الرئاسية ولو من دون مغالاة في تضخيم هذه الرهانات . ولعل ما ساهم في رفع وتيرة الانشداد الى مهمة لودريان في الساعات الأخيرة رصد عاملين بارزين:
العامل الأول ان الضجة الذي تصاعدت حيال اقتراح رئيس مجلس النواب نبيه بري بعقد حوار الأيام السبعة في مجلس النواب ومن ثم عقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس الجمهورية، بدأت تنحو الى الحسابات الباردة التي تجريها مختلف القوى حيال احتمالي انعقاد هذا الحوار بمن حضر او عدم انعقاده وماذا سيترتب عليه في حال انعقاده ولم يؤد الى أي نتيجة تدفع بالازمة الى الانفراج. وهذا لا يعني ان الاقتراح رفع عن الطاولة بل انه لا يزال يشكل محور المناقشات والمواقف المتصلة بالفرز السياسي والنيابي الذي احدثه. ولكن المعطيات الواقعية المتصلة بالاقتراح خففت من الغلواء التي حاولت بعض الجهات توظيفها لتسجيل مكاسب سياسية وإعلامية على معارضي هذا الحوار. وبدا لافتا في هذا السياق ان الذين عولوا على الموقف الأخير للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي اعتبر انه تمايز فيه عن المعارضة في موضوع الحوار لا بد ان يكونوا رصدوا دلالات عدم تطرق البيان الشهري لمجلس المطارنة الموارنة امس برئاسة الراعي الى أي ذكر لموضوع الحوار وحصر موقف المجلس بدعوة النواب مجددا الى تحمل واجباتهم بانتخاب رئيس الجمهورية .
اما العامل الثاني، وفق المعطيات الجادة المتوافرة من كواليس الاتصالات الداخلية والديبلوماسية، فيتمثل في إعادة الأولوية في التحركات المقبلة لمهمة لودريان وتقدمها على أي تحرك محلي اخر بما فيه طرح الرئيس بري . وإذ عزا بعض المصادر ذلك الى الانطباعات والمعطيات التي استقاها المسؤولون والزعماء السياسيون من جولة السفير الفرنسي الجديد هيرفيه ماغرو عليهم بما يعكس انه ينقل معطيات جدية حيال مهمة لودريان المرتقبة، جاء ما نقل امس عن قصر الاليزيه حيال التنسيق الفرنسي السعودي على اعلى المستويات في شأن مهمة لودريان ليثبت صدقية هذه المعطيات. اذ نقل عن مصدر في قصر الاليزيه، بأن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سيبحثان على هامش مشاركتهما في قمة العشرين في نهاية الأسبوع بضرورة تعزيز مهمّة جان ايف لودريان في لبنان مع التأكيد على مواصلة فرنسا والسعودية العمل معاً بهذا الشأن.
تحركات رئاسية
وواصل السفير الفرنسي الجديد تحركه امس فالتقى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب وكانت مناسبة لتبادل الآراء والمواقف حول مختلف الأوضاع الاقليمية والدولية والمحلية ولا سيما الملف الرئاسي . كما زار السفير الفرنسي قائد الجيش العماد جوزف عون ووزير الدفاع الوطني موريس سليم حيث اكد أن” الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يولي الملف اللبناني أهمية خاصة”، مشددا على” استمرار الدعم الفرنسي للبنان والحاجة الملحة لانتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن”.
وأفادت معلومات امس ان لقاء جمع قائد الجيش العماد جوزف عون بالنائب محمد رعد قبل ايام وحرص الطرفانِ على ابقاء هذا الاجتماع سرياً وان مضمون اللقاء كان رئاسياً لكن في اطار التشاور.
ونقل النائب سجيع عطية عن الرئيس بري “انه قصد فتح جلسة انتخابية واحدة بعد الحوار وتبقى مفتوحة بدورات متتالية ما يتيح انتخاب رئيس بـ85 صوتاً مع نصاب حضور 86 نائباً” وقال عطية: “ان الفرنسيين هنأوا بري على مبادرته التي وصفوها بالسيادية واللبنانية بامتياز وهو قد يدعو الى الحوار قبل نهاية أيلول وينطلق من نحو 80 نائباً مؤكدين وهو يريد أن يكون الحوار جامعاً ويتريث بالدعوة اليه نتيجة المواقف الرافضة من المعارضة”.
وفي المواقف البارزة من الازمة الرئاسية جدد المطارنة الموارنة امس “دعوتهم النواب إلى تحمُّل مسؤولياتهم وانتخابِ رئيسٍ جديد للجمهورية، لإكتمال السلطات الدستوريّة إنقاذًا للبلاد مما تُعانيه من انهيارٍ مالي واقتصادي، وتفكُّك للدولة، وتهديدات أمنية، ومحاولات مُتنوِّعة لوضع اليد على القرار الوطني، ونزيف شبابي إلى الخارج”. وسجِّلوا “تحفُّظهم البالغ حيال الحديث عن خطوات دوليّة تهدف إلى ترسيم الحدود البريّة بين لبنان وإسرائيل على الرغم من أنّ هذه الحدود مرسّمة ومثبتة باتفاقات دوليّة، وفيما وموقع الرئاسة الأولى شاغر والسلطة الإجرائيّة اللبنانيّة غير مكتملة الصلاحيّات، وهما المرجعيّة الصالحة الوحيدة لإدارة هذه العمليّة والإشراف على ترجمتها”. وأبدوا خشيتهم من تفلُّت السلاح غير الشرعي الذي يخلّف جرائم قتل وتعدٍّ وسرقات، ودانوا استعماله الذي يُسقط برصاصه الطائش ضحايا بريئة، مناشدين السلطة المعنيّة ضبطه وانزال أشدّ العقوبات بالفاعلين.
المعارضة وتيمور
يشار في سياق التحركات والمواقف الداخلية الى ان حركة لافتة سجلت امس بين قوى المعارضة ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط . فرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل زار جنبلاط مع وفد كتائبي كبير لتقديم التهنئة بانتخابه رئيساً للحزب وابدى الجميل “كل الاستعداد للتنسيق والعمل المشترك بشكل دائم حفاظاً على مقومات لبنان السيادية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والصحية ومن أجل تحقيق حياة أفضل واستعادة كرامة الشعب اللبناني وحريته وسيادة قرار الدولة على كامل الأراضي اللبنانية”.
كما استقبل جنبلاط وفدا من نواب المعارضة، ضم: غسان حاصباني، مارك ضو، أديب عبد المسيح، جورج عقيص، إلياس حنكش ووضاح الصادق، بحضور النواب: وائل أبو فاعور، أكرم شهيب، بلال عبدالله، مروان حمادة، هادي أبو الحسن وفيصل الصايغ، أمين السر العام ظافر ناصر ومستشار جنبلاط حسام حرب. وأوضح حاصباني: “قمنا بحوار مثمر جدا، حوار عن الحوارات كافة وعن المرحلة الحالية . هناك بعض النقاط التي تتطلب بعض التوضيح في المقاربة، لكن لمسنا نقاطا جوهرية وثوابت أساسية، فجميعنا متفاهمون عليها ونقاربها بطرق قد تكون نوعا ما مختلفة، لكن الأهداف مماثلة”. واكد ان “التواصل مستمر بين قوى المعارضة والحزب التقدمي الاشتراكي والتكتلات الصديقة الموجودة في مجلس النواب، التي تتفاعل مع بعضها البعض بهدف الوصول الى الحلول المرجوة وكسر الجمود. لذلك، هناك خطوات ستتبع هذه الزيارة”. وبدوره اوضح حمادة ان” كل الكلام حول الحوار هدفه الوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية كمدخل للخروج من الأزمة الخانقة التي طغت على الحكومة والمؤسسات وكل ما يدور ولا يدور في البلد. لذلك، تطرقنا الى أمور التشريع، وأمور المرشحين للرئاسة المحتملين، والى شكل الحوار، وإلى ضرورة استمرار التواصل مع الرئيس نبيه بري لكي تتضح لجميعنا ماهية هذا الحوار والآليات التي سيعتمدها رئيس المجلس”.
وقال: “من خلال هذه الجلسة، تبين أن هناك تقاطعات كثيرة بقيت قائمة ومستمرة في ما بيننا، وهناك نقاط يلزمها توضيح ومزيد من التشاور”.