كتبت صحيفة “الجمهورية”: إذا كانت أزمة لبنان بجوانبها الاقتصادية والمالية والمعيشية، قد صنّفها البنك الدولي قبل اكثر من سنة بأنها واحدة من بين 3 أسوأ ازمات في العالم، فإنّ هذا التصنيف بات فاقداً للصلاحية، ذلك انّ الوقائع التي تدحرجت على لبنان منذ ذلك الحين أخضعت هذا البلد لتصنيف هو الأسوأ على وجه الكرة الأرضية، وأسقطته من رتبة وطن سيد حر مستقل، الى دولة مُستباحة، بكل ما تحمله هذه الصفة من معنى.
دولة مُستباحة سياسياً
دولة يستبيحها العجز واللاقرار، والجهل المحصن بالغباء، في ادارة ما تبقّى من الدولة، والفشل الذريع في تلمّس سبل التعافي الاقتصادي والمالي، واجترار اسلوب الترقيع ذاته المعتمد منذ اشتعال الازمة، اذي أخفق في مداواة الأزمة حتى بالمسكنات، والنتيجة التي يشهدها كل لبناني، انه لم يعد ثمة مجال للحاق بالاهتراء الذي يتهاوى بوتيرة متسارعة نحو الارتطام الكارثي.
دولة تستبيحها السياسات المدمّرة، التي أخضعت هذا البلد لمكوّنات كامنة له عند كل المفارق التي يلوح فيها أمل بإمكان سلوكه طريق النجاة. سياسات شلّت الدولة بالكامل، وشوّهت هيكلها، لا حكومة كما يجب، ومجلس نيابي عطّلت الشعبويات وظيفته التشريعية، ومنعته حتى من مقاربة الضروريات والاساسيات، وحولته الى كيان موجود بالاسم فقط. واما رئاسة الجمهورية الخاوية، فرميت في حلبة تشهد ما يبدو انّه صراع نيّات سيئة وأجندات متصادمة، محبط لكلّ المبادرات، ولا تنفع معه حوارات، ومفتوح بالتالي على كل الاحتمالات. والكلام المباح يقال صراحة في المجالس السياسية، حيث نقل عن احد كبار المسؤولين قوله ما حرفيته: «حظوظ الانفراج الرئاسي باتت معدومة، وأخشى ان ارادة التعطيل والصدام المانعة لانتخاب رئيس للجمهورية، التي ثبت للقاصي والداني انها تعتاش وتسترزق من التعطيل والفراغ، قد حسمت ترحيل الرئاسة، ليس لشهر أو شهرين أو أشهر، بل لسنوات».
دمج المهمة والمبادرة
هذه الخلاصة المتشائمة، استبقت وصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت في مهمّة متقاطعة مع مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى حوار السبعة ايام. واذا كانت المؤشرات المحيطة بهما ترجّح دمجهما معاً في اللقاء الاول الذي سيعقده لودريان مع رئيس المجلس، على أن يستكمل الموفد الفرنسي مهمته بحوارات يجريها مع الاطراف السياسية. على ان الأجواء التي رافقت وصوله الى بيروت، تؤكد انّ لودريان لا يحمل في جعبته طرحا نوعيا او متقدما عما طرحه في زيارتيه السابقتين. وفي هذا السياق، كشفت مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ»الجمهورية» ان «مشاورات جرت بين اطراف اللجنة الخماسية عشية سفر لودريان الى بيروت، وتلاقت على اضفاء زخم على مهمته لدفع الاطراف اللبنانيين الى انتخاب رئيس للجمهورية على وجه السرعة، كما ان التوجيهات التي تلقاها لودريان من الرئيس ايمانويل ماكرون صبّت في هذا الاتجاه».
الا ان ما يلفت الانتباه في كلام المصادر عينها اقرارها بشكل غير مباشر بصعوبة المسعى الذي يقوده الموفد الفرنسي، حيث قالت ما حرفيته: السيد لودريان ذاهب في مهمّة الى لبنان لتشجيع القيادات السياسية في لبنان على تحمّل مسؤولياتهم، والانخراط في مسعاه الحواري، ويعلّق املا كبيرا على نجاح هذه المهمة، ولكن كان يمكن لمهمته أن تكون سهلة، لولا التباينات القائمة بين الأطراف اللبنانيّين، التي حالت دون توافقهم على اتمام استحقاقاتهم الدستورية بدءا بانتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة».
وردا على سؤال نفت المصادر بشدة أن يكون لودريان بصدد طرح اسم محدد لرئاسة الجمهورية، وقالت انه لن ينوب عن اللبنانيين في شأنٍ يعنيهم وحدهم، وهذا موقف يشاركه فيه كل اطراف اللجنة الخماسية. الا ان المصادر الديبلوماسية اضافت: «ان اقامة لودريان في بيروت ليست مفتوحة، بل هي محددة بسقف زمني، يطول أمده او يقصر ربطاً بالاجواء التي سيلمسها في حواراته مع الاطراف السياسيين، فإن كان منحاها ايجابيا ولمسَ تجاوبا مع ما يسعى اليه، فسيواكبها لودريان حتى نهاياتها، وإن كان منحاها معاكسا، فلن تكون ثمة فائدة له من بقائه في بيروت».
حوار التيار والحزب
في سياق حواري آخر مرتبط بالملف الرئاسي، علمت «الجمهورية» ان اجتماعا عقد يوم الجمعة الماضي في مقر التيار في ميرنا الشالوحي، حضره عن «حزب الله» عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض، ومدير المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله. وعن التيار الوطني الحر، عضو تكتل لبنان القوي النائب الان عون، وانطوان قسطنطين، وطوني عبود وغابي ليون. وكانت هذا الاجتماع تمهيداً لاجتماعات لاحقة، عرضت فيه آلية العمل، وتقرر ان تعقد هذه اللجنة اجتماعات دورية، تعقد مداورة بين ميرنا الشالوحي وحارة حريك، وتحدد في هذا السياق الاجتماع المقبل في حارة حريك يوم غد كموعد مبدئي.
وبحسب المعلومات، فقد عبّر كل من الطرفين عن موقفه العام من اللامركزية الادارية، وقالت مصادر معنية بالاجتماع لـ»الجمهورية» ان الطرفين يقاربان هذا الملف بجدية، وثمة اقتناع مشترك بأن هذا الملف دقيق جدا، وقد يستغرق الغوص فيه بعض الوقت، وثمة تقاطع بينهما على ان اللامركزية «لا مركزية»، والغالب عليها البعد التنموي والاداري، والتيار يؤكد انه لا يوجد اي لبس سياسي في هذا الموضوع، ولا توجد نزعة نحو اللامركزية السياسية، وبالتالي فإن كل البحث يجري انطلاقا من الطائف وارتكازا عليه».
إستباحة أمنية وحدودية
ولعل اخطر مظاهر الاستباحة للدولة تتبدّى في الفلتان الذي يربكها في كل مفاصلها، وفي الارتفاع الخطير لمعدلات السّرقة والتشليح والجريمة على اختلافها. والأسوأ والاخطر من كل ذلك، هو التعالي عليها من قبل من هم من غير أهلها وكأنّها ملك سائب.
فمن جهة، يتحدّاها فلتان المعابر التي يزحف من خلالها الى لبنان اعداد هائلة من السوريين ويتستّرون بعنوان «نازحين»، فيما هم في حقيقتهم، عناصر تذخير للقنبلة البشرية الموقوتة التي تهدد بنسف هذا البلد. فيما الداخل مُربك ومتخبّط في مزايدات سياسية مرَضِيّة، برغم أن هذا النزوح بات يشكل خطرا وجوديا، بحسب التوصيف الذي خلص اليه اللقاء الوزاري التشاوري الذي عقد بمشاركة قائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري، في مكتب رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، بعد تطيير جلسة مجلس الوزراء التي كان مقررا انعقادها امس، للبحث في النزوح المستجد.
وموضوع النزوح عاد وطرح في جلسة ثانية عقدها مجلس الوزراء بعد الظهر، انتهى الى مجموعة توصيات تؤكد على منع دخول السوريين بطرق غير شرعية واتخاذ الإجراءات الفورية بحقهم لجهة إعادتهم الى بلادهم. واوصى الإدارات والوزارات المعنية بالتعاون والتنسيق في ما بينها لتوحيد الجهود وتعزيز التدابير المتخذة، لا سيما من قبل أفواج الحدود البرية في الجيش والمراكز الحدودية كافة، إضافة إلى تعزيز نقاط التفتيش على المسالك التي يستخدمها المتسللون، وتنفيذ عمليات مشتركة شاملة ومنسقة تستهدف شبكات التهريب وإحالتهم على القضاء المختص، كما وإغلاق نقاط العبور غير الشرعية ومصادرة الوسائل والأموال المستخدمة من قبل المهربين وفقاً للأصول، على أن يترافق ما تقدم مع تغطية إعلامية واسعة. كما جرى التعميم على البلديات وجوب الإفادة الفورية عن أي تحركات وتجمعات مشبوهة تتعلق بالنازحين السوريين، لاسيما لناحية تهريبهم ضمن نطاقها. وإجراء مسح فوري للنازحين السوريين القاطنين في النطاق البلدي وتكوين قاعدة بيانات عنهم.
مخاوف من توتير واسع
ومن جهة ثانية، يستقوي على الدولة اللبنانية فلتان السلاح الفلسطيني، الذي جعل أماكن وجوده بؤرَ توتير وتهديد للامن الداخلي. فما يحصل في مخيم عين الحلوة الذي تمدّدت نار الاشتباكات فيه الى خارجه، اشاع في الاجواء سحابة كثيفة من الاسئلة حول هذا السلاح ومن يحرّكه؟ وأي وظيفة يؤديها هذا السلاح في هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا هذا الإصرار على اشعال نار المخيم؟ ولأي هدف؟ ولخدمة من؟ وهل ثمة رابط بين توتير مخيم عين الحلوة ، وما يجري الحديث عنه في اوساط امنية مختلفة عن محاولات خبيثة لايقاظ الخلايا الارهابية النائمة؟ وهل ثمة رابط بين هذا التوتير وبدء عمليات التنقيب البحري عن النفط والغاز؟ وهل ان المراد من هذا التوتير هو فرض وقائع جديدة تؤدي الى قطع طريق الجنوب، بما تعنيه هذه الطريق بالنسبة لـ»حزب الله»؟ هذه الاسئلة وغيرها الكثير تتردد في مختلف الاوساط، من دون العثور على اجابات شافية لها، انما الاجابات الاولوية تجمع على انّ اشعال النار في مخيم عين الحلوة مشبوه، سواء من حيث التوقيت، او من حيث الوقائع التي تتدحرج في المخيم.
الى ذلك، وفي وقت استمرت النار مشتعلة في مخيم عين الحلوة موقِعة المزيد من القتلى والجرحى، اكدت مصادر امنية لـ»الجمهورية» ان الوضع السائد في المخيم يُنذر بتطور الامور الى ما هو اخطر مما يحصل حالياً. مشيرة الى ان الوقائع التي تتدحرج في المخيم منذ اغتيال المسؤول في حركة فتح العميد ابو اشرف العرموشي، تؤكد بما لا يقبل ادنى شك، انّ هذا التوتير مدروس ومتعمّد ولا نخرج من حسباننا احتمال ان يتمدد الى سائر المخيمات الفلسطينية.
ولفتت المصادر الى ان استهداف المناطق اللبنانية في صيدا وجوارها بالرصاص والقذائف من داخل المخيم، وكذلك استهداف مواقع الجيش اللبناني في محيط المخيم ليس بريئاً، وينطوي على محاولة واضحة لتوسيع رقعة التوتير الى خارج المخيم، وجرّ الجيش الى هذه المعركة، ولا نُسقِط من حساباتنا احتمال وجود «مايسترو» يدير هذا التوتير من خارج الحدود، بهدف فرض وقائع دراماتيكية تمهد الى ضرب الامن والاستقرار في لبنان.
وكانت احداث مخيم عين الحلوة محور لقاء عقده قائد الجيش العماد جوزف عون في اليرزة أمس، مع السفير الفلسطيني اشرف دبور يرافقه حضور امين سر حركة «فتح» وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية فتحي ابو العردات. والموضوع نفسه عرضَه المدير العام للامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري. واكد مسؤول الجبهة الديموقراطية علي فيصل الاتفاق على وقف اطلاق النار وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الامن العام وهيئة العمل الفلسطيني المشترك لبدء تسليم المطلوبين.
بري: أموال المودعين
من جهة ثانية، كان اللافت للانتباه استقبال رئيس المجلس النيابي نبيه بري لرئيس بعثة صندوق النقد الدولي في لبنان أرنستو راميريز ريغو. حيث جرى عرض لمسار المفاوضات مع صندوق النقد والقوانين والتشريعات الإصلاحية التي أنجزها المجلس النيابي وتلك التي هي قيد الإنجاز. وفي هذا الاطار جرى تأكيد على وجوب الإسراع في إنجاز التشريعات والقوانين المطلوبة المتبقية، وبرزت في المعلومات التي وزعتها عين التينة حول اللقاء، اشارة لافتة الى ما دار خلاله «نقاش صريح وحاد حول أموال المودعين، أكد فيه الرئيس بري بإسمه وبإسم المجلس النيابي الحرص المطلق على أموال المودعين وحقوقهم كاملة مهما تطلّب ذلك من وقت لسدادها، وشدد رئيس المجلس على أن ضمان حقوق المودعين كل المودعين هو حجر الزاوية في الإتفاق مع صندوق النقد».
إجتماع نيابي في مكتب النائب المرّ
عُقِد أمس في مكتب النائب ميشال المر اجتماع مشترك لتكتّلي «الوطني المستقل» و»الاعتدال الوطني»، تمّ في خلاله مناقشة آخر المستجدات السياسية، الوطنية والانمائية. وقال المر: «تداولنا مع الزملاء أوّلاً بوضع البلد السياسي بشكل عام والتشاور كان ايجابياً، ثم ناقشنا الزحمة في مطار «رفيق الحريري الدولي».
ومن موقعي النيابي، أرى انّ إنشاء مطار إضافي ضروري وأساسي، وذلك تسهيلاً لشؤون المواطنين».
تحقيق دولي
من جهة ثانية، وفي موقف لافت، دعا مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إلى تحقيق دولي في انفجار مرفأ بيروت، مُندداً بغياب المساءلة في هذه القضية. وقال تورك متحدثا أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: «بعد ثلاثة أعوام من انفجار مرفأ بيروت لم تحصل أي مساءلة، لذلك، قد يكون حان وقت تشكيل بعثة دولية لتقصّي الحقائق للنظر في الانتهاكات لحقوق الإنسان المرتبطة بهذه المأساة».