كتبت صحيفة “الأخبار”: الاشتباك الداخلي حول الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري تحوّل إلى اشتباك مع الفرنسيين أنفسهم، إذ سمع الموفد الرئاسي جان إيف لودريان اعتراضات من قوى وشخصيات معارضة لدعوة بري، طالبته بعدم التماهي مع موقف رئيس المجلس. وتردّد أن باريس، في حال لم تحصل استجابة من الأطراف المحلية لدعوة بري، قد تفكّر في دعوة توجّهها إلى القوى اللبنانية للتحاور أو التشاور حول آلية تتيح انعقاد المجلس النيابي سريعاً لأجل انتخاب رئيس جديد للبلاد.
زوار العاصمة الفرنسية الذين تحدّثوا عن توافق فرنسي – سعودي حول الملف اللبناني، أشاروا إلى أن الأميركيين يضغطون للتوصل إلى اتفاق سريع، وأن هذا يصبّ في خانة الاستقرار الذي يراد أن يحصل في لبنان استعداداً لمرحلة جديدة يكون فيها الغاز والنفط المادة الرئيسية على جدول الأعمال.
لكنّ الرغبات الغربية، وسعي فرنسا إلى تحقيق نجاح واضح في لبنان، يعوّض عن خيباتها المتتالية في أفريقيا، لم ينعكسا تفاهمات واضحة في لبنان، سيّما أن الطرف السعودي حافظ على وتيرة تدخّله التي تهدف إلى إبلاغ الجميع في لبنان بأن اللجنة الخماسية فوّضت فرنسا على قاعدة الإتيان برئيس توافق عليه غالبية القوى السياسية. وهو ما فسّره البعض بأنه دعوة إلى تجاوز الترشيحات القائمة، وخصوصاً سليمان فرنجية وجهاد أزعور.
وبناءً عليه، كان الجميع مهتماً بالوقوف على نتائج الاجتماعات التي عُقدت في باريس قبل وصول لودريان، وشارك فيها المستشار السعودي نزار العلولا والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري، وحضر جانباً منها ممثلون عن حلفاء السعودية في لبنان، أبرزهم النواب وائل أبو فاعور وملحم رياشي وفؤاد مخزومي. وقال هؤلاء إن «الرياض وباريس أصبحتا تتشاركان الموقف نفسه من الملف الرئاسي على عكس ما كان عليه الوضع سابقاً». علماً أن السفير السعودي دعا النواب السُّنّة إلى اجتماع اليوم يحضره لودريان.
وكان الموفد الفرنسي التقى أمس النائب محمد رعد، النائب السابق وليد جنبلاط ونجله النائب تيمور جنبلاط، النائب سامي الجميل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وأشارت مصادر لبنانية إلى أن لودريان «لم يحمِل جديداً، بل ظهرَ وسيطاً مسوّقاً لمبادرة الرئيس بري»، وشدّد على أن «لا بديل عن الحوار»، وحاول لودريان إقناع الرافضين بالمشاركة في الحوار الذي ستليه دورات متتالية بجلسات مفتوحة، وتحدّث عن «ضمانات لديه بأنه لن يتم تطيير للنصاب حتى انتخاب رئيس للجمهورية».
وبدا من التسريبات أن كلام لودريان لم يكن موحّداً مع الجميع، إذ كشفت معلومات أخرى أنه «تطرّق إلى دور فرنسي، وأشار إلى حوار برعاية فرنسية من دون تحديد ما إذا كانَ هذا الحوار سيُعقد في قصر الصنوبر». واستشفّ بعض النواب من هذا الكلام أن «الحوار برعاية فرنسية قد يكون بديلاً من الحوار الذي دعا إليه بري في حال لم يحصل، ولا سيما أن كل الوقائع تؤكد صعوبة انعقاده، خصوصاً في حال رفض التيار الوطني الحر المشاركة، وأصرّ حزبا القوات والكتائب على مقاطعته». وفي السياق، لفتت مصادر سياسية إلى أن «لقاء لودريان مع الكتائب كانَ سيئاً للغاية»، وأن «الجميل أكّد موقف حزبه بمقاطعة أي حوار إن كانَ برعاية بري أو الفرنسيين، وأصرّ على الذهاب إلى جلسات انتخاب مفتوحة، حيث لا مجال للحوار مع حزب الله». واعتبرت المصادر أن «موقف الجميل وجعجع يوجِب الانتباه وهو خطير. فهما أصرّا على رفض الحوار رغم الضمانات التي قدّمها لودريان بعقد جلسات وعدم تطيير النصاب، وإشارته إلى أن الرئيس لن يكون من أي فريق»، ما يعني أنهما «يريدان الفراغ والذهاب إلى الانهيار وصيغة جديدة مهما كلّف الأمر».
من جهة أخرى، تركّزت الأنظار على الحركة السعودية، حيث تقصّدت الرياض أن تكون في الواجهة، بعدَ أن تصدّرت سابقاً باريس في العلن والدوحة في السر مهمة «التوصل إلى حل» للأزمة، فضلاً عن إيصال الرسائل من الخارج، ومردّ ذلك إلى «ما لمسه المسؤولون السعوديون خلال اجتماعاتهم في باريس التي لم تقتصر على لودريان، بل شملت أيضاً المستشار الرئاسي الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل». وكشف مطّلعون أن «الإرباك ظهر واضحاً على المسؤولين الفرنسيين، وأن كلام دوريل كانَ مختلفاً عن كلام لودريان. فالأول لا يزال يطرح تسوية فرنجية واختيار رئيس حكومة محسوب على الطرف الآخر، بينما الثاني يؤكد أن ذلك غير وارد بسبب التعقيدات الداخلية، وكلاهما يقول بأنه هو الموكل بمتابعة الملف»!