كتبت صحيفة “البناء”: غابت السياسة فحضر الأمن إلى الواجهة، حيث الأحداث الأمنية المتلاحقة تفرض إيقاعها على خلفية هشاشة الوضع السياسي الناتج عن الفراغ الرئاسي ووجود حكومة تصريف أعمال وغياب التشريع النيابي، وفي الملفات الأمنية زيادة الفوضى الأمنية وعمليات إطلاق النار، والخطف والاغتصاب والقتل والجريمة العادية، بصورة توحي بحجم الانهيار الاجتماعي وما يوفره من أرضية خصبة لنمو الجريمة.
إطلاق النار على جدار غرفة حرس السفارة الأميركية الذي استحوذ على اهتمام سياسيّ وإعلاميّ بخلفية استخدامه منصة لتوجيه الاتهام نحو حزب الله، باعتباره منصة توجيه رسائل من الحزب ومن خلفه إيران للأميركيين، كان موضوع التفاصيل التي كشفت عنها شعبة المعلومات بعد الإعلان عن أن إطلاق النار لا علاقة له بأي خلفيات سياسية، وأنه مجرد فعل فردي على خلفية تلاسن بين عامل دليفري وحراس السفارة، وتعليق أصحاب الاتهام السياسي بعدم تصديق الرواية. وجاء في التفاصيل أن عامل الدليفري سبق وأطلق النار على مقر الأمن العام على خلفية غضبه لعدم حصوله على جواز سفر، وأن حادث التلاسن مع حراس السفارة موثق، وأن المعنيين بأمن السفارة اطلعوا على التفاصيل واعتبروها كافية وأشادوا بمهنية التحقيق ونتائجه.
في الأمن أيضاً كشف الأمن العام عن وجه آخر أشدّ خطورة، حيث الجمعيات التي تعمل تحت عنوان رعاية النازحين السوريين، تتوزّع بين جمعيات تتجاوز حدود الترخيص الممنوح لها، أو أنها جمعيات غير مرخّصة، محذراً الفريقين من الوقوع تحت طائلة المسؤولية ما لم تسارع الجمعيات إلى ترتيب أوراقها القانونية ومطابقة نشاطاتها مع حدود الترخيص.
جنوباً، كان الجيش اللبناني لمرة جديدة يسجل موقف شجاعاً في مواجهة بلطجة قوات الاحتلال، متبادلاً معها القنابل الدخانية، ليفرض في النهاية عليها الانسحاب، ومواصلة الجيش عمله لشق الطريق الى الأراضي الواقعة في المناطق المحررة من مزرعة بسطرة.
لم يسجل المشهد السياسي أيّ مستجد بانتظار ما سيحمله مبعوث الرئاسة الفرنسية جان إيف لودريان من جديد بعدما نعى بتصريحاته الأخيرة الصيغة الأولى من المبادرة الفرنسية، وسط توقعات بأن يعود الى بيروت حاملاً صيغة الخيار الثالث لعرضها على القوى السياسية، لا سيما على الثنائي حركة أمل وحزب الله والفريق الداعم لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وذلك بعدما أجرى لودريان جولة مشاورات مع أعضاء الخماسية لا سيما السعودية لبلورة موقف موحّد إزاء الملف اللبناني.
واجتمع لودريان خلال اليومين الماضيين في الرياض مع وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان تم خلاله البحث في الملف الرئاسي.
ووفق معلومات »البناء«، فإن المبعوث الفرنسي يجري مروحة لقاءات خارجية واتصالات مع مرجعيات سياسية لبنانية لتكوين رؤية نهائية عن الوضع اللبناني لتحديد الخطوة الثانية التي سيقوم بها فور عودته الى بيروت. والمرجّح أن تكون دعوة لرؤساء الكتل النيابية الى لقاءات تشاورية منفردة في قصر الصنوبر كبديل عن مبادرة الحوار التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري التي سحبت من التداول، بسبب رفض قوى المعارضة والطرفين المسيحيين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر المشاركة فيها، فضلاً عن الخلاف بين أعضاء الخماسية حول تغطية المبادرة. ولفتت المعلومات الى أن »لقاء بن فرحان ولودريان هو محاولة إنعاش أخيرة للمبادرة الفرنسية«.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء« أن الفرنسيين لن ينسحبوا من الساحة اللبنانية وإن سقطت الصيغة الأولى من المبادرة الفرنسية بسبب غياب التوافق بين الخماسية والانقسام السياسي الداخلي على المقاربة الرئاسية. مشيرة الى أن »هذا الانقسام والاصطفاف الخارجي سيؤدي إلى تعطيل متبادل للانتخابات الرئاسية والى توازن سلبي في الاستحقاق الرئاسي«.
وإذ أكد مصدر نيابي في التيار الوطني الحر لـ«البناء« جمود الحوار مع حزب الله في الاستحقاق الرئاسي، وأن التيار لا يزال يمانع دعم ترشيح فرنجية ويرفض ترشيح قائد الجيش، أكدت أن التيار لن يسمّي أي مرشح، بل ينتظر تقديم أسماء ليقرّر موقفه منها. في المقابل جددت مصادر الثنائي لـ«البناء« تأكيدها عدم التنازل عن فرنجية، مشدّدة على أن كل الضغوط السياسية والاقتصادية لن تدفعنا للتراجع عن خياراتنا الاستراتيجية والوطنية التي تتجسّد بفرنجية في ظل أجواء التصعيد الأميركي الإسرائيلي في المنطقة ومحاولة القوى الغربية فرض مشاريع جهنمية تدميرية على المنطقة وعلى لبنان.
ويواصل الموفد القطري لقاءاته مع القوى السياسية عارضاً الملف الرئاسي بعيداً من الأضواء.
وعرض رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في معراب مع السفير القطري لدى لبنان سعود بن عبد الرحمن آل ثاني الأوضاع العامة ولا سيما الملف الرئاسي.
وجدّد جعجع مطالبته الرئيس بري بالدعوة الى جلسة مفتوحة بدورات متتالية لا تنتهي إلا بانتخاب رئيس جديد.
وكشفت مصادر إعلامية أنه »سيكون للموفد القطري جولة ثانية مع الأطراف السياسية المؤثرة في الانتخابات الرئاسية، إلا أنه حتى اللحظة لم يجد قاسماً مشتركاً بين التيار الوطني الحر والقوات ولم يستطع أن يجمعهما على اسم واحد من الأسماء الثلاثة التي طرحها«.
ولفتت أوساط سياسية لـ«البناء« الى أن جولات الموفد القطري لا تقدم ولا تؤخر وستصطدم بعقدة الخلاف السياسي على غرار المبادرة الفرنسية، وكل الأسماء التي يتم تداولها ليست جدية، لسبب أن الخيار الثالث ليس محل توافق كل الأطراف السياسية، وإذا كان الموفد القطري فشل بإيجاد مرشح مشترك بين التيار والقوات فكيف سيستطيع جمع فريق المعارضة والثنائي وفريق فرنجية على مرشح واحد؟«.
ورأت الأوساط أن »كل المبادرات ليست سوى تقطيع الوقت بانتظار نتائج المفاوضات الدائرة في المنطقة على المحور الأميركي – الإيراني، وعلى المثلث السعودي – الإيراني – اليمني، الأمر الذي سينعكس على لبنان بطبيعة الحال، لكون الملف اللبناني يقع في آخر الأجندة الدولية – الإقليمية«، لكن الأوساط حذرت من رهان القوى السياسية اللبنانية على المفاوضات الخارجية والتي قد تأخذ وقتاً طويلاً، ما سيطيل أمد إنجاز الاستحقاق الرئاسي لأشهر طويلة قد تمتد للعام المقبل، ما سيترك تداعيات سلبية كبيرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في لبنان.
وأكّد رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك أنّه »لا يُمكن للبنانين أن يخرجوا من الفراغ الرئاسي إلا باللقاء والتفاهم والحوار والاعتراف كل بالآخر«.
وخلال رعايته انعقاد اللقاء العلمائي الوحدوي في مدينة صيدا أكّد الشيخ يزبك أنّ »من يعوّل على أميركا فهو يعوّل على سراب، ولا يمكن للبنانين أن يخرجوا من الفراغ الرئاسي إلا باللقاء والتفاهم والحوار والاعتراف كل بالآخر«، متسائلًا »كيف تكون المواطنة بدون التلاقي والتفاهم؟«، لافتًا إلى مدّ اليد للجميع للعمل على بناء الوطن، مشيرًا إلى أنّه »لولا المقاومة في لبنان لما نعم بالأمن والاسقرار في داخله وعلى حدوده«. وتساءل: »إذا كان التعويل على اللجنة الخماسية فبشائرها سمعناها ورأيناها في جولة وزير السياحة الصهيوني في شوارع الرياض والمدينة المنورة«، مشددًا على »الصبر وعدم الاستسلام مهما كانت الظروف«.
وفي ظلّ انسداد الأبواب الرئاسية المحلية والخارجية، عاد الخطر الأمني الى الواجهة، من بوابة النزوح السوري، حيث أعلنت قيادة الجيش في بيان أنه »أثناء محاولة دورية من الجيش في منطقة القبور البيض عند الحدود الشمالية اليوم، إيقاف آلية فان هيونداي تُقل سوريين دخلوا خلسة إلى الأراضي اللبنانية، أقدم سائق الآلية على صدم أحد عناصر الدورية محاولًا دهسه والفرار من المكان رغم إطلاق بقية العناصر طلقات تحذيرية في الهواء، ما اضطرهم لإطلاق النار نحو إطارات الآلية. أسفر ذلك عن إصابة السائق وفقدانه السيطرة على الآلية واصطدامها بعمود كهربائي ومن ثم وفاته. وقد نُقل إلى أحد مستشفيات المنطقة. بوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص«.
وواصل وزير العدل هنري الخوري جولته في إيطاليا ولقاء كبار المسؤولين في المجال القضائي والمنظمات الحقوقية، وكان التقى في روما أمس الأول، نظيره الإيطالي كارلو نورديو في مبنى وزارة العدل. وتم التباحث في ملف النزوح السوري ووضع القضاء في لبنان إذ أبلغ خوري نظيره موقف الحكومة اللبنانية من ملف النازحين كاشفاً أنهم »يزحفون الى لبنان بأعداد كبيرة وهم بذلك لم يعودوا لاجئين بل نازحون اقتصاديون«. وحذر من أن »الأمر سينعكس سلباً على أوروباً لأنها الهدف الحقيقي والمبطن للنازحين السوريين أما لبنان فهو محطة بالنسبة لهم«. كذلك، كشف الخوري لنظيره عن »حدّة وخطورة الإكتظاظ في السجون اللبنانية الذي يسبّبه زحف النازحين وتجاوزاتهم التي ترفع نسبة الجريمة وعدد المساجين«، لافتاً الى أن »البنية التحتية للسجون في لبنان لا تتحمل الاكتظاظ الناتج عن ارتفاع عدد المساجين«.
على صعيد آخر، أكد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، أنه »لن يتم طبع الليرة لتمويل الدولة ولا استكتاب سندات خزينة«. وشدّد على أن تمويل الدولة بالدولار أمر غير وارد.
وأوضح منصوري خلال لقاء مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أن »الدولة لن تستطيع إعادة أموال المودعين قبل إعادة هيكلة المصارف«. كما لفت إلى أنه »تجب إعادة إطلاق القطاع المصرفي عبر إعادة ثقة المودع«. وقال: »ستستمر الدولة اللبنانية بدفع رواتب القطاع العام بالدولار الأميركي. ونحن كمصرف لبنان نوافق على هذه الآلية من منطلق نقدي بحت. وهذا أمر يؤمن استقراراً معيشياً واجتماعياً لحوالي 400 الف عائلة ويحافظ على الاستقرار النقدي«.
وأكد منصوري »أن هذه الأموال المدفوعة هي بالكامل من الدولة اللبنانية ومن مداخيلها«. قال »إن مصرف لبنان منذ 1 آب 2023 لم يخرج من عنده ولا دولار واحد لتمويل الدولة اللبنانية ولن يصدر أي تمويل إطلاقاً. ونحن نجمد الحالة المالية والنقدية الى حد ما في انتظار وصول حلول. وهذا الأمر لا يمكن ان يستدام ولا بد من وجود حلول للأزمة الاقتصادية الراهنة والمواطن لا يستطيع ان يكمل بهذه الطريقة«.
ويشير خبراء ماليون واقتصاديون لـ«البناء« إلى أن »إعلان مصرف لبنان دفع رواتب القطاع العام بالدولار يعكس استمرار المصرف المركزي بتمويل الدولة، وذلك من خلال استخدام الدولارات التي كان الحاكم السابق رياض سلامة قد ادخرها قبل نهاية ولايته، وكذلك أيضاً من حصة المصرف المركزي في الحساب 36 بالليرة اللبنانية الموجود في وزارة المالية، كما أن المركزي جمع عبر صرافين كميات كبيرة من الدولار من السوق السوداء الذي شهد فائضاً من الدولار جراء دخول الدولار الاغترابي إلى لبنان«.