كتبت “البناء” تقول: بقيادة قوات القسام ومساهمتها المحوريّة أطلقت غزة حرب الكرامة الفلسطينية، فتساقطت الصواريخ بالآلاف في أنحاء المناطق الفلسطينية المحتلة حيث أقام كيان الاحتلال منشآته ومدنه ومستوطناتها، واقتحم المقاتلون المستوطنات والمواقع العسكرية وقتلوا المئات وجرحوا الآلاف، وأسروا العشرات، وزاد عدد الأسرى عن مئة ويتوقع أن يبلغ عدد القتلى الـ 1000 وقد زاد عدد الجرحى عن الـ 2000. وفي اليوم الثاني بدا أن العملية لم تنته، وأن السؤال الذي افترض الكثيرون أنهم راهنوا على كيفية ردّ الاحتلال بعد نهاية العملية، لا يزال مبكراً، لأن العملية تستمر فصولاً، وحتى ليل أمس أعلنت قوات القسام عن دخول مقاتليها إلى مواقع عسكرية لجيش الاحتلال وأسر عدد جديد من ضباطه وجنوده. وتحدّثت قيادة المقاومة عن خطوات لاحقة من جدول الأعمال المقرّر لم تنفذ بعد، بينما بدا أن الشيء الوحيد الذي يجيده جيش الاحتلال هو تدمير الأبراج السكنية وقتل المدنيين، وأنه عاجز عن ردّ الاعتبار لهيبته المهدورة، وبدت حكومة الكيان مرتبكة عاجزة ضعيفة تترنّح وسط الحديث عن حكومة طوارئ يدعو إليها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس الكيان اسحق هرتزوغ، وهي حكومة تشجّعها واشنطن لضمّ المعارضة ممثلة بيائير لبيد وبني غانتس إلى الحكومة تمهيداً لإخراج المتطرفين بقيادة ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش منها، على أمل أن ينتج ذلك الفرصة لتهدئة طويلة عبر هدنة تتضمن حلولاً لقضايا راهنة مثل أمن القدس والمسجد الأقصى ووقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى وفك الحصار عن غزة، لكن على قاعدة إنعاش السلطة الفلسطينية والحفاظ على مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي.
الرعاية الأميركية المباشرة سياسياً وعسكرياً للكيان بدت ضرورة وجودية مع الإصابات البالغة التي تلقاها مع ضربات المقاومة، فأرسل الأميركيون حاملة طائراتهم جيرالد فورد لطمأنة الكيان بأنه لن يترك وحيداً، بينما تعيش القيادة العسكرية والسياسية للكيان في حال تخبّط، حيث الرد بعمل عسكري بري ضد غزة محفوف بمخاطر كبيرة، والجيش في أسوأ حالاته، واللجوء إلى القصف الهادف للقتل والتدمير يحتمل مخاطر المثل بصواريخ المقاومة، التي قد لا تبقى صواريخ مقاومة غزة، خصوصاً أن الجبهات المساندة وفي طليعتها جبهة لبنان تستعدّ، وقد قامت بالخطوة الأولى، حيث كانت عملية قصف قامت بها المقاومة من لبنان على مواقع الاحتلال في مزارع شبعا رسالة واضحة عبرت من خلالها المقاومة عن جهوزيتها واستعدادها للدخول على خط الحرب عندما تستدعي الحاجة ويكون ذلك ضرورياً بالحدود التي يستدعيها.
وأعلن «حزب الله»، في بيان، بأنّ «مجموعات الشهيد القائد الحاج عماد مغنية في المقاومة الإسلامية قامت صباح هذا اليوم الأحد الموافق 8 تشرين الأول 2023 بالهجوم على ثلاثة مواقع للاحتلال الصهيوني في منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة»، وأوضحت أنّها استهدفت «موقع الرادار وموقع زبدين وموقع رويسات العلم بأعداد كبيرة من قذائف المدفعية والصواريخ الموجهة وتمت إصابة المواقع إصابات مباشرة، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم». وأوضح البيان أنّ ذلك «على طريق تحرير ما تبقى من أرضنا اللبنانية المحتلة، وتضامنًا مع المقاومة الفلسطينية المظفرة والشعب الفلسطيني المجاهد والصابر».
وعرضت قناة “المنار” مشاهد حية لعملية استهداف مواقع الاحتلال التي تحوي مراكز عسكرية واستخبارية وأجهزة اتصالات وأبراج مراقبة.
وأشارت مصادر في فريق المقاومة لـ”البناء” الى أن “المقاومة في لبنان بجهوزية تامة للدخول في المعركة إلى جانب المقاومة في غزة في أي وقت يراه محور المقاومة مناسباً، وتُعُدّ للإسرائيليين مفاجآت أشد إيلاماً مما يشهده غلاف غزة اليوم”، لافتة الى أن “المقاومين على أتم الاستعداد لتنفيذ طلب قيادة المقاومة والسيد حسن نصرالله بالدخول الى الجليل”، موضحة أن “دخول حزب الله الحرب بشكل واسع مرتبط بالتطورات في فلسطين”.
ووفق ما يشير خبراء في الشؤون العسكرية والاستراتيجية لـ”البناء” فإن “حزب الله أراد من خلف استهداف مواقع الاحتلال في مزارع شبعا توجيه إنذار لـ”إسرائيل” بعدم التمادي في العدوان على غزة، وإلا فسوف ينفجر الوضع على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة”.
وأراد الحزب من العملية وفق الخبراء، الردّ على كل الرسائل والتهديدات لا سيما على الرسالة التي وصلته من فرنسا عبر قناة رسمية ومضمونها “التمني المشدّد” لعدم التصعيد في الجنوب.
لكن الخبراء يستبعدون توسّع الجبهة الجنوبية في هذه المرحلة بسبب إرباك جيش الاحتلال وحكومته بجبهة غزة بعد الضربة التي أصابت العدو بـ”النخاع الشوكي” وبالتالي لا يستطيع فتح جبهة جديدة في لبنان، ويرى الخبراء أن “لا خيار أمام “إسرائيل” إلا التفاوض مع حركة حماس وفق قواعد اشتباك جديدة”، متوقعاً مفاوضات طويلة غير مباشرة على نقاط أربع: “تبادل الأسرى وإخلاء المستوطنات وضمانات في المسجد الأقصى ورفع الحصار الكامل عن قطاع غزّة”.
وأشار رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين في المهرجان الشعبي الذي أقامه الحزب للتضامن مع غزة، أنّ “دخول المقاومين الى المستوطنات التي كانوا يظنون أنها محصنة ومحمية وأسر عدد كبير من الصهاينة، هو مشهد فيه من الإذلال ليدل على قدرة الفلسطينيين الأبطال والانتقام لعقود من الظلم”، موضحًا “أننا نعلم أن المقاومة في فلسطين شجاعة ومقدامة وأثبتت ذلك في مختلف ميادين القتال، ولكن اقتحام السياج والحواجز والموانع وتراكم الخبرة العسكرية القتالية للمقاتلين يدلّ على خبرة عسكرية هائلة ومتقدّمة في العمل المقاوم”.
وأعلن أنّ “مشهد دخول المستوطنات في غلاف غزة المترافق مع القصف الصاروخي سيتكرّر في يوم من الأيام مضاعفًا عشرات المرات من لبنان، وكل المناطق المحاذية لفلسطين المحتلة”. وأوضح صفي الدين، أنّ “على نتانياهو أن يعلم بأنّ هذه المعركة ليست معركة غزة فحسب. المسؤولية تحتم على كل أبناء أمتنا ألا يقفوا على حياد ونحن لسنا على حياد”.
وشدّد على أنّ “المقاومة أرسلت صباحًا رسالة في كفرشوبا، لتقول إنّ من حقنا أن نستهدف العدو الذي لا زال يحتلّ أرضنا، وهذه رسالة يجب أن يتمعّن بها الإسرائيلي جيدًا. هناك رسالة للأميركي والإسرائيلي بأنّ ما حصل في غزّة له خلاصة بأن حماقاتكم المتمادية واستخفافكم أوصل إلى طوفان الأقصى وإذا تماديتم اليوم سوف تنتج هذه المرّة طوفان كل الأمّة وليس الأقصى فقط، وسوف تشهدون طوفان الأمة الذي سوف يُغرق كل الكيان».
وكان جيش الاحتلال استهدف خراج عدد من القرى المحيطة بمزارع شبعا بصواريخ رداً على عملية المقاومة، واستهدفت بعض الصواريخ الخيمة التي نصبها الحزب في مزارع شبعا.
وأشارت قناة “المنار” بأن “جيش العدو حاول إبعاد رجال المقاومة عن الخيمة الجديدة التي نُصبت مكان الخيمة المستهدفة في مزارع شبعا باستهداف المنطقة المحيطة بها بثلاث قذائف لكن التحدّي الأسطوريّ للمقاومين أفشل هدف العدو لعدم جرأته على استهدافهم بشكل مباشر”.
ويرى الخبراء أن تفادي الاحتلال استهداف مناطق سكنية وبنى تحتية يعكس خوفاً اسرائيلياً من ردة فعل المقاومة، ويعكس بالتالي التزام الاسرائيلي بموازين القوى التي فرضتها المقاومة مع العدو.
وكانت عملية المقاومة في شبعا قد أربكت قيادة الاحتلال وشلّت حركته على طول الخط الأزرق وحالة من الرعب الشديد في المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة والتي أوعز وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت “بالاستعداد لإخلاء المستوطنات القريبة من الحدود اللبنانية، كما أمر غالانت بتسليم أسلحة وذخائر لسكان البلدات القريبة من لبنان وقطاع غزة”.
وأفادت وسائل إعلام “إسرائيلية” بإطلاق صواريخ القبة الحديدية قرب كريات شمونة على حدود لبنان. وفي السياق، ذكرت مصادر عبرية بأن “الحكومة الإسرائيلية اعلنت تعطيل الدوام المدرسي في كافة أنحاء “إسرائيل”.
ومساء أمس، تضاربت المعلومات في وسائل الاعلام الإسرائيلية حول ما حصل في مستوطنة شتولا على حدود لبنان بين تسلل أو حدثٍ جنائي.
وفيما تحدث وسائل إعلام الاحتلال عن حدث أمني في المنطقة، أشارت في ما بعد إلى أنه عمل جنائي، تحدثت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية عن استنفار للجيش الإسرائيلي في الجليل الأعلى خشية تسلل من لبنان إلى شتولا”.
وذكرت وسائل إعلام أنه تمّ العثور على ثغرة بالجدار الفاصل على حدود لبنان من دون رصد أي متسلل.
الى ذلك، أعلن مندوب الاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة بأننا “طلبنا من دول عدّة إبلاغ حكومة لبنان أنّنا سنحمّلها مسؤولية أي هجوم لـ”حزب الله” على “إسرائيل” في سياق دعم عملية “طوفان الأقصى” التي تنفذها فصائل المقاومة في قطاع غزة”.
بدوره، أعلن الناطق الرسمي بإسم “اليونيفيل” أندريا تيننتي، “أننا على اتصال مع السلطات على جانبي الخط الأزرق، على جميع المستويات، لاحتواء الوضع وتجنب تصعيد أكثر خطورة”، مشيرًا إلى أنّ “حفظة السلام التابعين لليونيفيل يتواجدون في مواقعهم ويقومون بمهامهم ويواصلون العمل، بما في ذلك من الملاجئ حفاظًا على سلامتهم”. وشدّد على “أننا نحث الجميع على ممارسة ضبط النفس والاستفادة من آليات الارتباط والتنسيق التي تضطلع بها اليونيفيل لخفض التصعيد ومنع التدهور السريع للوضع الأمني”.
في المواقف، رأى الحزب السوري القومي الإجتماعي في بيان أن مسار العملية البطولية، أكد بأن خيار المقاومة والكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لتحرير أرضنا، وإنقاذ شعبنا من الاحتلال. وبأن هذا الخيار هو الأقل كلفة في مسار الصراع مع عدونا الوجودي، وهذه تجربة نضاليّة خبرناها من خلال العمليات النوعية والاستشهادية التي أجبرت العدو الصهيوني على الاندحار من بيروت والجبل وجنوب لبنان، ومن خلال صمود سورية وانتصارها على الإرهاب ورعاته، وهي التي ألحقت أولى الهزائم بالعدو الصهيوني في حرب تشرين التحريرية.
وشدّد على أن قوى المقاومة كلها، ومن ضمنها الحزب السوري القومي الاجتماعي، منخرطة في صراع الوجود ضد الكيان الغاصب، الذي لنا به اتصال واحد مشرف هو اتصال الحديد بالحديد واتصال النار بالنار، وأن المقاومة هي الخيار الوحيد لاستكمال تحرير ما تبقى من أرضنا المحتلة.
ودعا الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى لقاء تضامني عصر اليوم في قاعة الشهيد خالد علوان ـ البريستول ـ الحمرا لإدانة المجزرة التي ارتكبها الارهاب ورعاته في الكلية الحربية بحمص وتحية للشهداء وتضامناً مع سورية في مواجهة الإرهاب والحصار وإشادة بالعملية النوعية للمقاومة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني.
وأطلق الرئيس السابق لـ”الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط مواقف لافتة، موجّهاً الانتقادات لأوروبا ورسالة الى الدروز في قوات الاحتلال. ولفت الى أنّه “في الأيام الصعبة يقع الفرز والدول التي تدعي الحضارة واحترام حقوق الإنسان تعود إلى جذورها الاستعمارية فتاريخها ملطخ بدم الأبرياء من الجزائر الى سائر الشعوب العربية”.
وشدد على أنّ “إدانة فرنسا وبريطانيا وأوروبا عملية “حماس” نقطة عار جديدة في سجلهم الأسود. فلسطين والقدس ستبقيان للعرب والمسلمين”.
كما وجّه جنبلاط في تصريح له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى المجنّدين قهراً من العرب الدروز في الجيش الإسرائيلي في فلسطين المحتلة بالقول: “اياكم الاشتراك في الحرب في مواجهة المناضلين من حماس ومن الشعب الفلسطيني، إن حركة التاريخ مهما طالت مع حرية الشعوب وسيأتي اليوم التي ستعود فلسطين ومقدّساتها إلى أصحابها العرب”، ووضع وسم “حرب تشرين”.
ورأى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في كلمة له خلال جولة في بلدة بسكنتا المتنية، أن “منطق القوّة لا يوصلنا الى سلام، ومع لبنان لم تستعمل الا القوة واحتلت الأرض واعتدت علينا، وهذا كله لم يتوقف الا حين فرضت المقاومة “معادلة قوّة” وهذا أمر واقع، فإما يستفيد منها لبنان لبناء دولة وتطوير مجتمع وازدهار الاقتصاد أو نبقى نستعملها بحروب لا تنتهي”. ولفت الى “اتباع سياسة تحفظ الوطن دون التنازل عن عناصر القوّة فيه وتحصيلنا حقوقنا كما حصل في استخراج النفط والغاز، بحيث أننا استطعنا أن نفرض معادلة قوة على الحدود من الجهتين، وكنا أول مَن قلنا إننا اذا لم نستطع الاستخراج من قانا فلن يستطيع الاسرائيلي الاستخراج من كاريش”.
في غضون ذلك، حجبت الأحداث في فلسطين المحتلة وجنوب لبنان الأضواء عن الملفات والأزمات الداخلية على مختلف الصعد، ففي حين لم يعلن عن مواعيد لزيارة موفدين خارجيين لا سيما الفرنسي والقطري حتى مساء أمس، توقعت أوساط سياسية لـ”البناء” أن تجمد كل المبادرات والزيارات في الملف الرئاسي الى أجل غير مسمّى بسبب التطورات العسكرية على جبهات الجنوب وغزة بانتظار وضوح المشهد والى أين ستذهب الأمور وما ستفرزه تطورات المشهد الفلسطيني من تغيرات في المعادلات، وموازين القوى ستنعكس بطبيعة الحال على المنطقة برمّتها ولا سيما على لبنان.
لكن ملف النزوح السوري بقي في دائرة الضوء من بوابة توسّع رقعة الإشكالات بين اللبنانيين والنازحين الى مناطق عدة. فبعد الدورة والجديدة والسبتية وجل الديب، وقع إشكالٌ كبير مساء أمس في بيصور قضاء عاليه، بين أبناء البلدة ونازحين سوريين، ممّا أدى الى وقوع جريحين من آل ملاعب بطعنهم بسكين وجرحى من السوريين.
وفي التفاصيل، فقد بدأ الإشكال على خلفية طلب إخلاء أحد المنازل التي يسكنها سوريون ما تسبب بإشكال كبير، فأقدم نازح سوريّ على قطع إصبع أحد شبان المنطقة بساطور وجرح آخر.
ونُقل الشبّان من آل ملاعب الى مستشفى الشحار الغربي، بينما تمّ تطويق البلدة من قبل الجيش اللبناني ومخابرات الجيش.